الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفلسطينيون والتصدي لصفقة القرن

نهاد ابو غوش
(Nihad Abughosh)

2018 / 8 / 4
القضية الفلسطينية


أحد منا لم يستلم نسخة رسمية من صفقة القرن، إلا أن ملامحها ومعالمها واضحة كل الوضوح لنا ولكل ابناء شعبنا، فلقد أفصح ترامب عن بعض تفاصيلها، وتسرب لنا البعض الآخر، مثل اقتراح أبوديس عاصمة، لكننا يمكن أن نتلمس تفاصيل الصفقة في سياسات وممارسات حكومة نتنياهو، فهي مشروع لتصفية القضية الوطنية للشعب الفلسطيني وشطب حقوقه بما يشمل تهويد القدس، وشطب حق العودة وتصفية قضية اللاجئين، وتكريس الاستيطان، واستتباعا لذلك تقويض حل الدولتين، وحتى شطب حق تقرير المصير وهو ما أفصح عنه قانون القومية الإسرائيلي الذي حصر هذا الحق في أرض إسرائيل باليهود.
صفقة القرن لم تسقط من السماء ولم تخلق من العدم، بل هي النتيجة الطبيعية لمسار كامل من الرهانات والتعلق بالحل السياسي بالرعاية الأميركية، الرهان على المفاوضات وحدها والعمل السياسي والديبلوماسي من دون إسناده بالمقاومة والنضال الميداني الجماهيري، بموازاة ذلك، وغالبا على التضاد من ذلك، كان للمقاومة حضورها الدائم والمؤثر والمعمّد بتضحيات جسيمة وغاليا، لكن التضاد والتنافر ظلا قائمين، وتغلبت الرؤى الذاتية والفئوية والحسابات قصيرة المدى على المصلحة الوطنية العليا فكان الانقلاب والانقسام الذي ألحق أكبر اذى ممكن للقضية الوطنية ولا زلنا ندفع ثمنه إلى اليوم.
جاء طرح صفقة القرن متزامنا مع حالة ضعف وإنهاك واستنزاف لم يسبق لها مثيل على المستويين العربي والفلسطيني: حروب أهلية عربية تعم الاقليم ومشاريع تفتيت وتقسيم للدول الوطنية، واختراع تناقض جديد اسمه التناقض السني الشيعي أو العربي الفارسي بديلا لصراع الأمة العربية مع المشروع الصهيوني، والمزيد من التدمير الذاتي الفلسطيني، وتآكل شرعية النظام السياسي، وضعف المؤسسات، وغياب الشراكة الوطنية، واستشراء مظاهر الفساد والاستبداد والقمع.
لقد راهن التحالف الأميركي الإسرائيلي على عجز العرب والفلسطينيين عن مجابهة القدر الذي يرسمونه لنا، وكان رهانهم على أن ما لا تنجزه القوة المسلحة والضغط والحصار والعقوبات، يمكن للإغراءات والمكافآت أن تنجزه، لكن ما غاب عن اقطاب هذا التحالف هو أن صراعهم ليس مع سلطة أو نظام أو كيان سياسي وإنما مع شعب كامل لا يمكن له ولا لأجياله المتعاقبة أن تسلم أو تستسلم لمصير كهذا.
في تصدي شعبنا وقواه السياسية لصفقة القرن تبدو موازين القوى في اللحظة الراهنة مختلة بشكل فادح لصالح المشروع التصفوي، فدولة الاحتلال موحدة بحكومتها وجيشها ومؤسساتها، وهي تمتلك استراتيجية واضحة، وسياسات تنسجم مع هذه الاستراتيجية، وهي أقوى عسكريا واقتصاديا وأقوى حتى في علاقاتها الدولية، وتحظى بدعم مطلق من أقوى دولة في العالم، بل إنها تواصل تحقيق اختراقات مهمة حتى في جبهة الدول المؤيدة بشكل تاريخي لحقوق شعبنا. في المقابل نحن منقسمون، نعاني من مشكلاتنا الاقتصادية والمعيشية الضاغطة ، ومؤسساتنا الوطنية متهالكة، ولا استراتيجية ولا سياسات موحدة لنا، وحتى عمقنا العربي والإقليمي يبدو عاجزا أو متمنعا عن دعمنا ومساندتنا، كما لا يمكن لأصدقائنا وحلفائنا الدوليين أن يكونوا فلسطينيين أكثر منا او أن يخوضوا المعركة نيابة عنا.
لقد سبق لنا في الجبهة الديمقراطية أن تبنينا ودعونا إلى تبني استراتيجية وطنية بديلة، تقوم على استنهاض المقاومة الشعبية بكل أشكالها، وصولا إلى انتفاضة شاملة وعصيان وطني، والجمع بين المقاومة والعمل السياسي والديبلوماسي لتعزيز الاعتراف الدولي والعالمي بدولة فلسطين، وقطع الطريق على خيار الأبارتهايد.
إن هذه الاستراتيجية تتطلب أولا إنهاء الانقسام وإعادة توحيد الموقف الفلسطيني بكل مكوناته، كما تتطلب إعادة صياغة دور السلطة ووظائفها بحيث تؤمّن بشكل رئيسي مهمة تعزيز وتوفير مقومات صمود شعبنا، كما يتطلب التحلل من كل القيود والالتزامات التي فرضت علينا بموجب اتفاق اوسلو وبروتوكول باريس، ورفض الدور الذي يدفع إليه الاحتلال بتحويل السلطة إلى وكيل أمني وحاجز بين الاحتلال والشعب الفلسطيني.
لقد تبنى المجلس الوطني في الدورة 23 الأخيرة جانبا مهما من هذه الاستراتيجية واتخذ قرارات واضحة لإعادة تعريف علاقة شعبنا بالاحتلال باعتبارها علاقة صراع ومقاومة، والتحلل من قيود الاتفاقات، ووقف التنسيق الأمني لكننا نلمس وبكل صراحة ترددا وتهيبا عن ترجمة هذه القرارات إلى أفعال سواء بسبب استمرار وجود رهانات على إمكانيات تحسين الصفقة ، أو بسبب الحاجة إلى تضحيات وتحمل كلفة هذه القرارات ولا سيما عبر الاستغناء عن جملة الامتيازات والمكاسب التي تحظى بها فئات وشرائح ضيقة من المجتمع الفلسطيني.
إن شعبنا يقدم كل يوم نماذج وأمثلة عن استعدادات كفاحية لا حدود لها، كما يجترح اشكالا جديدة ومتجددة للنضال القادر على إرباك العدو والتاثير فيه والمس بقدراته واستنزافه، وهذا الأداء الكفاحي بحاجة إلى تثمير وبحاجة إلى أداء سياسي ينسجم معه ويتكامل، إن رهاننا الأساسي هو، وعلى الرغم من الاختلال الفادح في ميزان القوى، في الإمكانيات الهائلة التي يمكن استنهاضها وتطويرها وتوظيفها بما يمكن من تعديل الاختلال وفرض معادلة سياسية جديدة ترغم المحتلين وداعميهم على إعادة النظر في كل مسار صفقة القرن، وإعادة بناء العملية السياسية على أسس تكفل الحد الأدنى من حقوق شعبنا الوطنية. وفيما يلي بعض عناصر القوة الكامنة التي يمكن استنهاضها وتنميتها وتوظيفها لتعديل موازين القوى:
• حقيقة أن لا حل إقليميا من دون موافقة الفلسطينيين، وأنهم وحدهم من يملكون مفتاح الحل الشامل بعد إنجاز حقوقهم الوطنية كاملة غير منقوصة.
• المقاومة الشعبية بكل أشكالها والتي يتيحها ويكفلها القانون الدولي كما جاء في قرارات المجلس الوطني الأخيرة، وصولا إلى انتفاضة شاملة تجعل الاحتلال مكلفا وباهظ التكاليف على كل المستويات.
• الطاقات الكفاحية غير المحدودة التي يختزنها شعبنا وشبابنا والتي شكلت مسيرات العودة في قطاع غزة نموذجا رائعا واستثنائيا لها، ويندرج في إطار ذلك المقاطعة الاقتصادية
• توسيع الاعتراف بدولة فلسطين ومواصلة الضغط لاعتراف كل دول بدولة فلسطين لقطع الطريق على خيار الابارتهايد، وتعزيز مكانة دولة فلسطين بمواصلة انضمامها لكل المنظمات والوكالات الدولية التي يتيحها وضع دولة فلسطين، ومواصلة السعي والعمل دون كلل لنيل العضوية الكاملة في الأمم المتحدة.
• مواصلة العمل لعزل اسرائيل وملاحقتها ومحاكمة مجرمي الحرب الاسرائيليين واستخدام كل أدوات القانون الدولي المتاحة بما في ذلك المحكمة الجنائية الدولية، محكمة العدل الدولية في لاهاي، مجلس حقوق الانسان، المحاكم الوطنية في كل دولة(الاختصاص الجنائي لكل دولة).
• استثمار عدالة القضية الفلسطينية وعدالة حقوقنا الوطنية في بناء تحالفات دولية رسمية وشعبية واسعة، والانفتاح على قطاعات واسعة ترفض التمييز العنصري ويمكن لها أن تنضم وتشارك كليا أو جزئيا في حملات التضامن والدعم والمناصرة والمقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل.
• الاستفادة من الميزة النسبية التي يتيحها وضع كل تجمع من تجمعات الشعب الفلسطيني (فلسطينيي المناطق المحتلة عام 1948، والجاليات على سبيل المثال) على قاعدة التكامل والانسجام بين كل تجمعات شعبنا ضمن برنامج وطني موحد .
*مداخلة قدمت باسم الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في لقاء استانبول 27-28/2018








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صواريخ إسرائيلية -تفتت إلى أشلاء- أفراد عائلة فلسطينية كاملة


.. دوي انفجارات في إيران: -ضبابية- في التفاصيل.. لماذا؟




.. دعوات للتهدئة بين طهران وتل أبيب وتحذيرات من اتساع رقعة الصر


.. سفارة أمريكا في إسرائيل تمنع موظفيها وأسرهم من السفر خارج تل




.. قوات الاحتلال تعتدي على فلسطيني عند حاجز قلنديا