الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاستراتيجية الامريكية الجديدة بقيادة ترامب بعد داعش

سامي عبدالقادر ريكاني

2018 / 8 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


حددت الادارة الامريكية الحالية استراتيجية الامن القومي الامريكي المتمثل ب(حماية الشعب الامريكي ومصالحها وطريقة الحياة الامريكية) واتخذتها كاركان لامنها القومي ولكل تحركاتها لما بعد داعش.
ولكون هذه الادارة تنظر الى العالم عبر نافذة اصحاب الشركات الكبرى وعقلية التاجرالذي يحاول قدر الامكان من احتكار الاسواق العالمية وكسر بقية الاحتكارات الاخرى من خلال اتباع سياسات معينة تضمن وصولهم الى ادارة هذه الاسواق والسيطرة عليها مستقبلا، وهي من خلال سلوكها هذا تنتهج منطق الربح والخسارة كقاعدة رئيسية لها وتعتبر كل وسيلة جائزة ومبررة في تحركها هذا مادام سيقلل من التكاليف وستزيد من الفوائد، ولا مكان للقيم والوعود والالتزامات الاخلاقية او الانسانية ولا ثبات لقيم الصداقات او العداوات في عالمهم هذا الا بقدر اهميتها لهذه الشركة الكبيرة التي اسمها امريكا، كما يصرح بها ترامب دائما.
وعلى ضوء هذا حددت هذه الادارة المسارات الرئيسية لسياساتها الخارجية في حراكها الدبلوماسي والعسكري على مستوى العالم سواء مع الاصدقاء او الاعداء وتم توضيحها في اكثر من مناسبات من خلال تكرارها على السنة رجالات هذه الحكومة وعلى راسهم بومبيو وزير الخارجية الامريكي الحالي عندما اشار اليها امام الكونكرس الامريكي قبل اسبوعين تقريبا.
ومن خلال تتبعنا لسلوك هذه الادارة على الارض تبين لدينا بان هذه المسارات يتم تطبيقها وفق خطط منهجية تتمثل بالاتي :
اولا: ان هذه الادارة تتبع الدبلوماسية والمشاركة كركن رئيسي واساسي وكانطلاقة بدائية لاي تحرك لها على المستوى الخارجي، وانها تفضلها على الصراع والعداء التي عادت ماتكون تكاليفها باهضة دائما ، بخلاف الدبلوماسية التي ان نجحت ستكون ارباحها اكبر وتكاليفها اقل.
ثانيا: كما انها تاخذ بعامل الصبر والنفس الطويل في منهجها الدبلوماسي ذاك، ولكنها تحذر في نفس الوقت بان هذا لايعني بان صبرها سيستمر الى مالا نهاية، فهي لاتقبل بان تستغل صبرها وتحول دون الوصول الى حلول او تحقيق الاهداف عبرالاستمرار بالتماطل من قبل بعض الاطراف.
ثالثا: ان هذه الادارة تؤمن ايمانا راسخا بان السلام لايكون الا من خلال القوة. لذلك تعتبر زيادة الميزانية العسكرية لامريكا مطلبا دائما ورئيسيا، مع كون ميزانيتها تلك تعتبر الاكبر من حيث الانفاق على المستوى العالمي لحد الان، الا ان هذه الادارة تحث على المزيد من الانفاق العسكري، وكما ان مصادر القوة ووسائلها وطريقة التعامل معها ليس معناها ان امريكا ستعتمد على قوتها منفردا، بل انها لاتلجا اليها الا عند الضرورة القصوى.
كما ان امريكا تعتمد قدر الامكان على مصادر قوة بديلة تحصل عليها عبر تحالفات وصداقات متعددة، وعلى راسها حلف الناتو، فمع كل خلافاتها مع الاتحاد الاوروبي، الا ان حلف الناتو ومشاركة امريكا فيها تعتبر هي القوة والركيزة الاولية التي سيعتمد عليها وستحاول تقويتها والحفاظ على تماسكها وتطويرها وانها لن تفرط فيها باي شكل من الاشكال، كما انها لا تقلل من الاهمية والاعتماد على القوى الاقليمية الصديقة في المنطقة ايضا دولا كانت او كانت مليشيات ومجاميع مسلحة.
رابعا: من بين ثلاث منهجيات متبعة لاستعمال القوة من قبل الادارات الامريكية المتعاقبة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي والتي تمثلت ب (القوة الناعمة، والقوة الصلبة، والقوة الذكية)، تفضل ادارة ترامب استعمال القوة الذكية ذو الواقعية المرنة ، وذات الفاعلية المتتابعة الصبورة.
وهذه المنهجية طورتها هذه الادارة عن منهج القوة الذكية التي استعملها اوباما في المرحلة الثانية من ولايته ولكنها حسب ترامب ان اوباما فشل في ادارتها.
والقوة الذكية عبارة عن محاولة للمزج بين قوتين هما :
1- القوة الناعمة: وهي تتدريج وتنويع في استعمال عدة اساليب ووسائل، تتخذ من الدبلوماسية ركيزة لها لتحقيق اهداف امريكا، وهذه الوسائل هي: حث الاطراف للالتزام بالرؤية الامريكية في حل القضايا بداية، ومن ثم دفعها للمشاركة فيها، ومن ثم تقديم التشجيع والدعم الاقتصادي والسياسي والاستخباراتي تلك الاطراف التي تساند وتشارك في خططها او تضحي ببعض مصالحها انزالا الى رغبة امريكا، كما تقع ضمن هذا السياق، فرض العقوبات والحصار الاقتصادي والسياسي...الخ، على الاطراف التي لا تلتزم او تعارض الرؤية الامريكية في حل القضايا العالمية، وهذه السياسة اتبعت في مرحلة بوش الاب وفي النصف الاول من ولاية كلنتون والمرحلة الاولى من ولاية اوباما والتجا اليها ترامب ضد دول معينة في الاونة الاخيرة شملت فرض عقوبات على ايران وروسيا وحتى تركيا الحليفة في حلف الناتو ايضا .
2- القوة الصلبة: وهي استعمال القوة تدريجيا وحسب الحاجة تبدا بالاستعمال الضيق والمحدد للقوة العسكرية خاصة الجوية والصاروخية منها زمانا ومكانا مع الاعتماد على الوكلاء والاصدقاء على الارض ، وتمر بمرحلة التدخل العسكري وتنتهي بالحروب الاكبر اذا لزم الامر مع تجنب التصعيد قدر الامكان.
وهذه المراحل رايناها بصور متقطعة عبر ثلاث مراحل، في الثلث الاخير من ولاية كلنتون عند تدخلها في البلقان، وعند ضربها السودان ومن ثم الصومال، كما رايناها بصورة اكثر وضوحا عند التدخل العسكري الامريكي منفردا مع بريطانيا في العراق بعد افغانستان في ولاية بوش الابن، ورايناها في الولاية الثانية لاوباما بصور متقطعة ايضا، ونراه اليوم عبر نشر القواعد والخبراء العسكريين الامريكان في معظم البؤر الملتهبة في مناطق العالم، الا انها لحد الان لم تصل الى حد التدخل العسكري البري كما كان في عهد بوش الابن .
و القوة الذكية هي مزج بين الوسائل الدبلوماسية عبر القوة الناعمة وبين الوسائل العسكرية عبر القوة الصلبة المحددة زمانا ومكانا واعتمادا على القوة الجوية والصاروخية والتطور التكنلوجي مع تجنب التدخل العسكري البري.
والذي يرى ادارة ترامب بعد رفضه اتباع أي من المنهجين القوة الناعمة او القوة الصلبة بصورة منفردة، انه رفض اسلوب اوباما وطريقة مزجه بين القوتين باسم القوة الذكية ايضا ولم يقبل بها الا بعد اضافة تعديلات عليها، وتلك التعديلات هي : الواقعية، المرونة، الفاعلية، التتابعية، الصبر مع نفس طويل وصولا الى تحقيق الاهداف.
كما اعتمدت ادارة ترامب بدل الاتكال على التدخلات العسكرية لجيوشها البرية باعداد كبيرة بان عوضت عنهم بالاقتصار على نشر قلة من خبراء عسكريين منتشرة في قواعد عسكرية اقاموها في مناطق استراتيجية مهمة على المستوى العالمي خاصة في الشرق الاوسط واسيا الوسطى وصولا الى ساحات المعارك في سوريا والعراق واوكرانيا والبلقان ومحيط الصين، كما وزعت اساطيلها البحرية العسكرية في كل المياه الدولية وقريبا من مناطق الازمات، وهذا مالم يفعله اوباما حيث ركز على السلاح الجوي فقط دون البري، كما خالف بوش الابن في الاعتماد على التواجد العسكري البري الكثيف للجيش الامريكي في المناطق الملتهبة التي عرضتها لخسائر كبيرة في الارواح في عهده، بل اعتمدت هذه الادارة بدل من ذلك على قلة العدد ونوعية الجنود كما ذكرنا بانها اعتمدت على مجاميع قليلة من الخبراء العسكريين، وعوض عن جنودهم بريا، بادخال الشركاء والحلفاء والوكلاء وجيوشهم في ادارة المعارك البرية وتحت اشراف خبراء امريكيين.
والادهى من كل هذا ان هده الادارة اعتمدت على الجيوش الدولية واموال دول العالم خاصة الغربي والشرق اوسطي من اجل ترسيخ قواعد اللعبة الامريكية في النظام العالمي الجديد، فادارة ترامب عبر تحكمها بخيوط الصراع من خلال حلفائها، وتواجد قواعدها العسكرية وتحكمها بارض المعركة من الجو في المناطق والبؤر الاستراتيجية، وتحكمها بموازين القوى، استطاعت من ارهاق اطراف دولية واقليمية عبر استنزافهم ماليا وبشريا في حروب وصراعات على النفوذ والمصالح لا يستطيعون كتابة نهايتها الا بعد ارضاء وتدخل امريكي، وبالمقابل ان هذه الادارة من طرف اخر استطاعت من اجبار اطراف دولية واقليمية اخرى لتضع خزائن دولهم وارواح جنودهم تحت امرة امريكا، حتى تحافض على مصالحهم ومستقبلهم السياسي والوجودي في الصراعات الدائرة في المنطقة، فليس هناك شيء ببلاش تعملها امريكا لاحد كما يكررها دائما رئيسها الحالي ترامب.
كما خالف ادارة ترامب واضاف الى استعمال الدبلوماسية او القوة الناعمة التي كانت متبعة من قبل من سبقوه ، بان واجه اعدائه واصدقائه وجها لوجه وطالب بالحوار المباشر من اجل افهام وتوصيل رسالتها لجميع الاطراف دون لبس او غموض ولم تنتظر منهم ان ياتوا اليها، ولم تترك فهم سياسة امريكا وادارتها الجديدة للتكهنات والتحليلات الاستخباراتية والسياسية للدول المعنية ورجالاتها كما كان يفعله من سبقهم من رجالات الادارات الامريكية السابقة بل واجهتهم وسلمتهم الرسالة يدا بيد، وهذا مافعلته وتفعله مع روسيا ومع تركيا ايضا اليوم، وقبلهم فعلها مع الخليج وارووبا ، وايران اليوم بعد ان اوصلت رسالتها اليها بالامس بان عليها الالتزام بالاملائات الامريكية او تحمل العواقب دعتها اليوم الى الحوار لوضع النقاط على الحروف وفهم اذا ماكانت لديها الرغبة في تجنب التصعيد مع امريكا.
ونتسائل هنا هل سترضخ الاطراف الدولية والاقليمية لاملائات امريكا وستستفيد من نفسها الطويل ام انهم سيستغلون صبرها للمماطلة والالتفاف على املائاتها؟، واذا حصل هذا فهل يعني هذا اننا مقبلون على حروب جديدة في المنطقة؟. ام ان بوادر الالتزام من قبل الاطراف الدولية والاقليمية اوصلت جوابها الى هذه الادارة بتقديمهم تنازلات بدات بها روسيا في سوريا واعقبتها انسحابات ايرانية امس من المناطق المحازية لاسرائيل في سوريا كخطوة اولى، كما تم اطلاق سراح القس الامريكي من السجن في تركيا ووضع تحت الاقامة الجبرية بعد التهديدات الامريكية بفرض حزمة من العقوبات عليها، وان هذه الادارة لجات الى هذا الخيار ضد الدول الثلاث بعد ان لم تفد الحوارات المجردة من دفعهم للاستماع الى امريكا. وهنا نتسائل، هل هذا يعني بان التنازلات ستتم على وتيرة مستمرة من قبل هذه الدول حتى تتحقق مطالب امريكا؟ ام انها ستقف عند هذا الحد وستبدا الامور بالتعقيد مع الجميع، خاصة وان مطاليب امريكا هي عبارة عن حزمة طويلة من الالتزامات بحيث لايمكن تطبيقها بسهولة من قبل الدول المعنية، وعلى راسهم ايران التي تريد منها امريكا تغيير حتى نهجها الايديولوجي على غرار السعودية ودول الخليج، وكما عليها سحب نفوذها في المنطقة كليا، والمساعدة على نزع سلاح المليشيات الشيعية في كل من العراق وسوريا ولبنان وتسهيل تشكيل حكومات اقرب الى الرغبة الامريكية في كل منها.
كما لها من المطالب على تركيا لاتقل اهمية عما لدى ايران بالنسبة لامريكا من مطالب، كما ان مسالة القرم تعتبر نقطة الخلاف الجوهرية بينها وبين روسيا ولايمكن لامريكا التنازل عنها حسب تصريحات هذه الادارة .
قكل هذه الامور والتطورات تعتبر مؤشرات واضحة باننا مقبلون على حروب اقتصادية شاملة اذا ما حصل اي تجاهل او مانع اذاء المطالب الامريكية مستقبلا، مما ستجر المنطقة بعد ان تصعد امريكا وحلفائها من سقف العقوبات الاقتصادية على هذه الدول اثر ذلك، ومن ثم ستتحول الى حروب عسكرية اذا ما بدا الرد العكسي لهذه الدول وواجهت امريكا، وستبدا شرارتها حتما من سوريا والعراق واليمن وربما ستسبقها اوكرانيا بالحرب ومن ثم ستشمل المنطقة اجمع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انفجار بمقر للحشد في قاعدة كالسو العسكرية شمال محافظة بابل ج


.. وسائل إعلام عراقية: انفجار قوي يهزّ قاعدة كالسو في بابل وسط




.. رئيس اللجنة الأمنية في مجلس محافظة بابل: قصف مواقع الحشد كان


.. انفجار ضخم بقاعدة عسكرية تابعة للحشد الشعبي في العراق




.. مقتل شخص وجرح آخرين جراء قصف استهدف موقعا لقوات الحشد الشعبي