الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مذكرات ضابط أمن

سعيد رمضان على

2018 / 8 / 6
سيرة ذاتية


مدخل :
--------
الكتابة عن المذكرات تختلف عن الكتابة عن الرواية او أي كتاب اخر، فالمذكرات لصيقة بشخصية كاتبها ، انها تكاد تكون هو الا البعض منه ، حياته وعائلته وأصدقائه، لكن هذه المذكرات " مذكرات ضابط أمن" بقدر ماهي لصيقة بشخصية كاتبها ، فهي لصيقة بالوطن الفلسطيني، وبالشقيقة تونس الخضراء ، وبزعماء كان لهم تأثير في مجرى القضية الفلسطينية ، وبالصراع العربي الإسرائيلي .
كاتب المذكرات هو التونسي " النوري بوشعالة وتروى سيرته الذاتية بصفحة الغلاف الداخلي انه مواليد 1941 بمدينة صفاقس بتونس انتدب في السلك الأمني في 1964 وعين في فيفري 1972 بإدارة أمن رئيس الدولة والشخصيات الرسمية ليتم تعيينه سنة 1988 رئيس إدارة فرعية للحماية الخصوصية بإدارة حماية الشخصيات والمنشآت بالإدارة العامة لوحدات التدخل مكلف بحماية القيادة الفلسطينية إلى غاية 1999 سنة إحالته على التقاعد وقد تسلم أوسمة عديدة آخرها سنة 2014 وهو وسام نجمة الشرف العسكري الفلسطيني."
وبحكم موقعه الذى كان فيه ، فهو يمتلك المعلومات التي تساعد على إرساء " منهجية واقعية في تناول الشأن العام ذلك انه في سلامة تقويم الماضي تقام الاسس الثابتة والمتينة لبناء المستقبل "
صدر الكتاب عن مركز الأبحاث- منظمة التحرير الفلسطينية 2015ويقع في 512 صفحة من القطع الكبير، بتقديم من الرئيس محمود عباس (أبو مازن)، وشهادة فاروق القدومي (أبو اللطف) عضو اللجنة التنفيذية لـمنظمة التحرير الفلسطينية . والمقدمة التي كتبها النورى بو شعالة من ثلاث صفحات تلقى الضوء على الاسباب التي حثت الكاتب على كتابة هذا العمل ، وتلمح لما سنجده في الصفحات التالية .
لم يتوزع الكتاب على فصول ، انه مقسم كرؤوس موضوعات ، كأجزاء من الذاكرة ، كل جزء مستقل ، لكنه مرتبط بالأجزاء الذى تليه ....
---------------------

ثانيا : رحلة مع الكتاب
------------------
مسكون بحب فلسطين، ومسكون بحب وطنه تونس الخضراء ، يسطر النورى سطوره، مؤكدا على انتمائه لقضايا بلاده .
هو الصديق الوفي للزعيم الراحل ياسر عرفات ، وقاده اخرون ، لكن تلك العلاقة التي تربطه بهم ، هي علاقة كفاح ورحلة سنوات طويلة في الازمنة الصعبة ، في النكبات والانتكاسات من أجل فلسطين ومن اجل تونس .
في " ذاكرة صبا " يأخذنا الى البدايات التي تشكل المستقبل فيقول:
( نشأت في بيئة اجتماعية محافظة لكنها متطلعة الى افاق أرقى وأرحب، فكان ذلك يدفع بي الى ان اكون في المستقبل ، ذا درجة علمية مرموقة ، وهو ما كان يأمله والدى........... اما ان اكون شيئا اخر غير ذلك فإنه لم يكن حتى مجرد افتراض محتمل . )
وعن حكايته مع الانتساب الأمني يؤكد:
( لم أكن يوما من السّاعين للانتساب الأمني لكن الاقدار شاءت أن أكون عبر مراحل متلاحقة ، من ضمن الاطارات الامنية فعملت بإخلاص في عديد المواقع واستجبت لنداء الواجب بكل ما يلزم من الالتزام والانضباط . وتبعا لذلك وجدتني لسنين طويلة ، قرابة ثلاث عقود من حياتي المهنية ، مرافقا أمنيا مقربا لعديد الزعامات التونسية والعربية والعالمية . وشاءت الاقدار أن تكون لي مع كل هذه الزعامات محطات ولحظات لاتزال عالقة بذاكرتي)
-------
في تونس شيء من فلسطين
-----------------
تحت هذا العنوان يحكى عن التشابه بين تونس وفلسطين من حيث الاحتلال والمقاومة، ويحكى عن رواية لاحد التونسيين عاش وقائعها التونسي حسن مرزوق 1962 الذى تطوع ضمن 20 شخصا ثم التحق بهم متطوعون اخرون ليبلغ أجمالي العدد أربعمائة وخمسين متطوعا ، انتظروا النقل جميعا الى فلسطين ، تكفلت الجامعة العربية بنقلهم الى الحدود المصرية ، لتصلهم انباء عن وقف القتال في فلسطين المحتلة ، لكنهم اصروا على الذهاب لأرض المعركة ثم يقول :
حاولوا خداعنا بإيهامنا أننا في طريقنا الى فلسطين في حين أنهم يتجهون بنا في حقيقة الامر الى التراب الليبي ، أي من حيث اتينا وانكشفت الحيلة وقررنا الاعتصام في مرسى مطروح ورفضنا المغادرة الا الى فلسطين مهما كلفنا الامر "
اخيرا وصوا الى بيروت ومنها الى سوريا لينضموا رسميا الى الفوج التاسع للجيش السوري... لكن الانحراف عن الاهداف يستمر فيقول :
"وبدل ان يتصب اهتمامنا على تحرير فلسطين ومقاومة المحتل، تم استدراجنا للانخراط في الانقلاب العسكري
الذى تزعمه حسنى الزعيم ضد القيادة السورية ، وتم تكليفنا ببعض مهمات الاسناد لهذه العملية. فانتبهنا الى انه تم الزج بنا عن قصد او دونه ، في مسائل لاتعنينا بل تنأى بنا بعيدا عن المهمة الاصلية التي هاجرنا من اجلها وهى المساهمة في تحرير فلسطين. وبعد انتظار الى حد الشعور بالسأم والملل ، طلبنا العودة الى تونس فاستجابوا لنا مع منحنا اوسمة تقدير ، ونقلتنا الباخرة من اللاذقية الى مرسى مطروح بمصر ومن هناك اعتمدنا الى وسائلنا الذاتية حتى وصلنا الى الجنوب التونسي"
وتتواصل الصفحات بالاستفاضة بتعاطف التونسيين مع القضية الفلسطينية ، والعلاقة التي تربط بورقيبة بفلسطين والقضية الفلسطينية ، وكيف شغلت تلك القضية ايضا مثقفي تونس ، صفحات ثرية ورائعة تكشف عن عمق الشعور الوطني لدى التونسيين ، ومايلفت النظر في تلك الصفحات انه ليس هناك أي اشارة بقيام النظام التونسي بالتضييق على الفلسطينيين المقيمين بتونس ، او التدخل في شؤونهم ، وبقدر ما كان الطاقم الأمني التونسي يحميهم ، الا انه لم يراقب تحركاتهم عن قرب او يتدخل في جلساتهم .. وعلى عكس من دول اخرى كانت تدعم القضية الفلسطينية فالنظام التونسي الداعم لم يفرض وصايته او يتدخل في الشأن الداخلي الفلسطيني، لقد منح الامن والدعم بدون شروط .. وهذا الكلام شهادة مهمة من رجل امنى يؤكد في شهادته التالي :
" منذ حط الزعيم ياسر عرفات رحالة بهذه الارض التونسية في خريف 1982وجدت نفسى مسؤولا أولا على السهر على حمايته وحماية بقية القيادة الفلسطينية . ولما عهدت الى هذه المهمة تقبلتها بكل اعتزاز وتلقائية حيث كنت ارى في ذلك عنوان ووفاء ومؤازرة لأصحاب قضية انسانية وقومية وتاريخية بامتياز . لذلك دأبت على استقباله وتوديعه بالمطار في كل الاوقات والظروف ممثلا للسلطة التونسية وان كان ذلك دون تكليف رسمي . كما كنت ارافقه الى جانب الفريق الأمني التونسي المخصص له في كل المواكب الرسمية التي يدعى لحضورها . "
اغتيال القائد أبو جهاد
---------------
ينفى الكاتب عن وجود أي تسهيلات أمنيه قدمت في عملية اغتيال ابو جهاد بتونس، فيقول :
" في يوم 7 مارس 1988 توجهت بمراسلة الى كل من السادة المدير العام للأمن الوطني، ومدر ادارة امن الدولة والمدير العام للمصالح الفنية حول احتمال دخول عملاء لإسرائيل الى تونس وهذا نصها :
" جاء من اوساط فلسطينية مطلعة ان القيادة لديها معلومات تفيد احتمال دخول اعوان المخابرات الاسرائيلية الى تونس من بين السياح الاجانب بجوازات سفر مزيفة وذلك للقيام بعمليات اغتيال بعض القادة الفلسطينيين وتخريب بعض مكاتب الفلسطينيين بتونس"
لكن اكتشف فيما بعد ان الجوازات ليست مزيفة وان الاسماء التي بها صحيحة ، حيث اظهر اللقاء الذى اجرته السلطات التونسية مع المدير العام للأمن العام اللبناني جميل مسعد نعمه الذى حضر الى تونس لهذا الغرض ان الجوازات استولى عليها العدو الإسرائيلي في احدى المداهمات بإحدى القرى اللبنانية الجنوبية واكد ان اصحابها قدموا بلاغات في هذ الصدد .
ويطرح النورى ابو شعاله كرجل امن حيرته وتساؤلاته حول قضية الاغتيال :
" لاشك ان عديد من الاسئلة تطرح في قضية موضوع الحال خاصة إذا ما علمنا اننا امام مجموعة اسرائيلية تتسلل الى داخل منطقة أشبه ما تكون بالثكنة الامنية لتنفيذ عملية بهذا الحجم والخطورة دون ان تواجه صعوبة تذكر. فليس من الطبيعي في شيء ان نرى حركة مريبة لثلاث سيارات تتحرك على مدارات متباينة نحو هدف واحد ومتألفة من مجموعات مختلفة المهام : التنفيذ والاسناد وتأمين الانسحاب حتى تصبح العملية بمثابة النزهة الرائقة ترتكب فيها جريمة تصفية قائد من الصف الأمامي للقيادة الفلسطينية تحت انظار الامن التونسي والحراسة الفلسطينية في مربع سكنى تتواجد فيه منازل خليل الوزير ابى جهاد ومقر احتياطي لأبى عمار ونزل محمود عباس ومنزل صلاح خلف .. .. " .. الخ
ومن الصفحات 188 ومابعدها ينفى النورى بصفته مسؤولا عن الجهاز الأمني الشكوك والاتهامات التي اثيرت حول تورط أمنى تونسي في عملية الاغتيال، ويفند تلك الاقوال التي لا تستند الى دليل او حجة تدعمه .
الزعيم ابو عمار
------------
اكبر مساحة من صفحات الحديث عن الزعماء خصصها الكاتب للزعيم الراحل ياسر عرفات والتى تبدأ من صفحة 257 الى 292 .. وهى صفحات مكتوبه بود حقيقي ، وتقدير وفهم كبير لذلك الرمز الفلسطيني . .. يقول عن ابو عمار :
" عرفته الارض الفلسطينية فدائيا راعيا للعمل الفلسطيني بالتخطيط طور وبالتنفيذ طورا اخر . ألفته الارض اللبنانية عسكريا يقض مضاجع الصهيونية وحلفائها بالداخل والخارج . عهدته عواصم طالبا للحق والحرية والحياة لأرض استبيحت وشعب استلبت حريته وكرامته ، احتضنته الارض التونسية مقيما بها في استراحة المحارب بعد دفاع مستميت على ارض لبنان لمدة 88 يوما عن الوجود والكرامة امام اعتى قوة عسكرية في العالم مع تحالف الاعداء وتخاذل الاصدقاء ، احتوته المقاطعة الفلسطينية برام الله مؤسسا للدولة الفلسطينية المستقلة ، لكن الدوائر الاستعمارية لم تغفر له رفضه التفريط في القدس فكان قرار تغيبه بطريقة بشعة وفى الاخير استضافته الارض الفرنسية لتكتمل مراسم الرحيل بعد صراع مرير مع العلة ...."
بهذه السطور تكلم النورى عن ابو عمار ، النجم الذى لازال ساطعا في سماء الحرية ، وهو سطور واضحة وليست بحاجة لكثير من التفسير ، لكننا نتوقف عندها ، لان كل يوم يمضى على وفاة ياسر عرفات ، يمنحه هالة من الاشراق
تتوهج اكثر فاكثر . وها نحن نكتشف مع الزمن ان قامة ابو عمار تعلو اكثر فاكثر مع كل لحظة تمر على موته .
في فلسطين وفى لبنان وفى تونس ، ثم في رام الله ، وقف ابو عمار ، يصد اعصار وراء اعصار ، مناديا بالحرية ومطالبا بالعدالة ، رافضا ذل العبودية . حتى اصبح اسمه وحده يعنى الصمود والحرية .
---------

يتناول الكاتب ايضا عدد من الاحداث السياسية ومنهجية وعمل المجموعات الامنية ، واهم الاحداث التي تناولها تلك التي جرت في تونس من قيام " بن على" بانقلاب على الزعيم بورقيبة ، وفتح مكتب مصالح اسرائيلية بتونس والتطبيع مع اسرائيل .. تناول ايضا بعض الرؤساء الاخرون كالرئيس صدام حسين ومعمر القذافي وحسنى مبارك .
احتوت باقي صفحات الكتاب وتحديدا من صفحة 438 الى صفحة 511 على أوسمة ومكافآت وصور ووثائق .
------------------
مراجع واحالات :
---------------
قبس من الذاكرة " مذكرات ضابط امن " النورى بو شعالة - مركز الأبحاث- منظمة التحرير الفلسطينية - الطبعة الاولى – رام الله أيلول – سبتمبر 2015.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الولايات المتحدة تمد أوكرانيا بصواريخ متطورة بعيدة المدى | ا


.. من دبي.. إطلاق مكتبة للتأثيرات الصوتية تساعد المصابين باضطرا




.. نشاط دبلوماسي مصري مكثف في ظل تراجع الدور القطري في الوساطة


.. عبدالملك الحوثي يشعل البحر الأحمر والمحيط الهندي وواشنطن تقد




.. أعضاء الحملة الانتخابية لبايدن يؤكدون تمسكهم باستخدام تطبيق