الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدوافع الايديولوجية والسياسية والذاتية في الهجوم على الدكتور علي الوردي (القسم الرابع والاخير)

سلمان رشيد محمد الهلالي

2018 / 8 / 6
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الدوافع الايديولوجية والسياسية والذاتية في الهجوم على الدكتور علي الوردي (القسم الرابع والاخير).
(بداية الحكمة ان تسمي الاشياء باسمائها الحقيقية) مثل صيني
ثانيا : السياسة : الغرض السياسي ظاهر بافراط على السطح في الاسباب الموجبة لمهاجمة الدكتور الوردي والسخرية من اراءه . وهذا ليس بالغريب او المستبعد عن الانتلجنسيا العراقية والمجتمع العراقي بعامة الذي تشكل السياسة هاجسه الاساس وخبزه اليومي . خاصة بعد ثورة تموز 1958 التي حولت العراقي الى (حيوان سياسي) . الا ان المفارقة ان الوردي ليس رجل سياسة او متحزب ايديولوجي , فهو ليبرالي مستقل يتدخل بالسياسة بمقدار تاثرها بالشؤون الاجتماعية العامة , ولكن مع ذلك نجد الكثير ينتقدونه او يهاجمونه بدوافع سياسية خفية تارة ومعلنة تارة اخرى . فهم لايصدقون ان هناك رجلا مستقلا , بل لايتحملون ذلك . وربما السبب هو انهم يعكسون مافي ذواتهم وضمائرهم من توجهات سياسية وحزبية , اما مضمرة او معلنة . ومن اجل ذلك نجد ان المعارضة والمولاة في اغلب الانظمة الحاكمة في العراق يهاجمونه بدعوى ان اراءه الانتقادية والتحليلية للمجتمع – او الشعب - تصب في الاخير لصالح النظام الحاكم . فمثلا اتهمه البعض بان تلك الاراء الاجتماعية والتحليلة والانتقادية التي ادرجها الوردي في مؤلفاته تصب في صالح الانظمة القومية الاستبدادية الحاكمة - وخاصة النظام البعثي – الصدامي , وتبرر حالة القمع والعنف والاقصاء ضد المجتمع , على اعتبار انه يحمل قيم البداوة والتخلف والبدائية , وبالتالي يجب ان يكون تعامل الدولة معه وفق نموذج الوصاية والقسر والارغام حتى ياخذ نسقه من التربية والتحديث والترويض , وهو مافعلته الانظمة القومية والبعثية بذالك , مما يعطي تبريرا لافعال نظام صدام حسين الديكتاتورية واجهزته القمعية وسلوكياته الاقصائية والالغائية .
في الواقع ان من ذكر هذا الراي لم يقرا جميع مؤلفات الدكتور الوردي , او ربما اراد الجمع بين الاصلاح الاجتماعي الذي ينادي به الوردي وبين الغرض السياسي الموجه . اذ ان جميع مؤلفات الوردي وجهت نقدا لاذعا للاستبداد والاستئثار والطائفية والعنصرية والشمولية في العراق منذ الخمسينيات وحتى عقد السبعينيات , ودعا صراحة - وباصرار عجيب - الى اهمية الممارسة الديمقراطية والتعددية الحزبية , بل وجزم بصورة قد لاتكون مقبولة عند كثير من المفكرين , بان سبب تطور الانظمة الغربية هو الديمقراطية . وهو بالطبع يخالف تلك الدعوات الشعبوية والعصابية التي اكدت تبرير الوردي للاستبداد والاقصاء . بمعنى ان قراءتهم لتلك الفرضيات والافكار هى انتقائية وذات غرض سياسي غير نزيه . وفاتهم ايضا ان الدكتور الوردي هو في الاخير مصلح اجتماعي . وان من اولى مهمات المصلح هو طرح السلبيات والاختلالات التي يعاني منها المجتمع بصورتها الحقيقية , واذا لم يفعل ذلك فانه سيكون مثقفا غير امينا او محايدا او حتى خائنا , لان تراكم السلبيات يؤدي الى تضخمها وتورمها بصورة تجعل من علاجها واصلاحها هو من الصعوبة بمكان . ثم تبدا بعد ذلك عملية تقديم الحلول والمعالجات التي يجب ان تتميز بالواقعية والموضوعية والمرحلية , وليس المقترحات اليوتوبية والمثالية التي يطرحها اغلب المثقفين والمتعلمين العراقيين , وخاصة من اصحاب التوجهات الايديولوجية الثلاث الشيوعية والقومية والاسلامية .
وعلى النقيض من ذلك , اتهم البعثيين والكتاب الموالين للسلطات القومية الحاكمة اراء الوردي الاجتماعية بانها تصب في صالح الدوائر المعارضة والمعادية للبلاد , على اعتبار انها تذكر سلبيات المجتمع العراقي ومثالبه امام الملا والاعلام , مما يؤدي في المحصلة النهائية الى استغلالها من قبل الدول الغربية والاقليمية , و الطعن بالمجتمع والسخرية منه والاستهزاء من قيمه وافكاره ومطارحاته . وقد طرح هذا الراي بقوة خلال عقد الثمانينات ابان مرحلة الحرب العراقية الايرانية , وهو العقد الذي شهد تهميشا كبيرا للدكتور الوردي وصمتا مطبقا من قبله . وسبق ان ذكرنا في القسم الاول من هذه الدراسة ان صدام حسين نفى امام الصحفية الامريكية صحة راي الدكتور الوردي ان يكون الفرد العراقي تحركه الازدواجية او صراع القيم المدنية والبدوية . وبالطبع ان نفي الرئيس واعتراض هؤلاء الكتاب المقربين من السلطة واقلامها ليس محبة بالفرد او المجتمع العراقي , والحرص على سمعته وقيمه وشخصيته , والدفاع عنه ضد الاراء التي تتهمه بالازدواجية والتناشز وغيرها , وانما هو دفاعهم اللاشعوري عن انفسهم ومجتمعهم ومناطقهم المتضخمة من الكبرياء الفارغة , والمتورمة من الاستعلاء النرجسي , واحساسهم ان اراء الوردي تمسهم اكثر من غيرهم , وتشملهم بمقارباتها العامة بصفتهم وعاظ السلاطين وكتابها المقربين , والدليل هو نعتهم للمجتمع العراقي واغلبيته الشيعية والكوردية في مقالات جريدة الثورة عام 1991 بكلمات اقسى من ذلك بكثير وعبارات واوصاف امضى مما ذكره الوردي باشواط لاحدود لها .
بعد سقوط النظام البعثي الحاكم عام 2003 وتلاشي المعادلة الطائفية والعنصرية بالحكم , طرحت اراء الوردي ضمن السياق السياسي من جديد . فقد اشاع الكتاب المؤدلجين من ذوي الغرض السياسي ان انتشار اراء الوردي والترويج لها , انما هو عمل يصب في صالح الجماعة السياسية الحاكمة في البلاد ومبررا لاعمالها وفسادها واخطائها , على اعتبار ان تلك الاختلالات والسلبيات ليست مقتصرة على النخبة الحاكمة فحسب , وانما هى حالة عامة تشمل جميع افراد المجتمع العراقي , من حيث الاستئثار والفساد والذاتية والمحسوبية وغيرها . وبالتالي لايجوز انتقاد هذه النخبة الفاسدة بقدر مايكون الافضل او الاصح انتقاد المجتمع الذي انتجها والقيم التي بلورها وافرزها على قاعدة (كيفما تكونون يولى عليكم) .
في الواقع ان هذا الراي هو شبيه بالراي السياسي الاول الذي ذكرناه سابقا حول اتهام الوردي بان فرضياته عن الشخصية والمجتمع العراقي تصب في صالح السلطات الحاكمة المستبدة ومبررا لقمعه وتهميشه واقصائه . وهذا الراي ياتي في سياق التلاحم بين العلمي والسياسي عند الانتلجنسيا العراقية , فهم لايطرحون رايا او يفسرونه الا ضمن نطاق افقهم السياسي , حتى لو كان الموضوع اجتماعيا صرفا او اقتصاديا او ادبيا , وفاتهم ان من بديهيات التفكير العلمي والجدلي هو طرح السؤال الصحيح قبل انتقاد اي حالة او اطروحة , او اتهامها بالغرض السياسي والايديولوجي وهو : هل ان هذه الفرضيات والاراء التي طرحها الدكتور الوردي – او اي اراء اخرى – تتسم بالموضوعية والمصداقية بصورة كبيرة – وطبعا ليست مطلقة – ام انها ليست كذلك ؟؟ وهل تلك الافكار والرؤى تتصف بالواقعية والمعقولية ؟ فاذا كانت تتسم بالمصداقية والتطابق مع الواقع فانها بعيدة حتما عن الايديولوجيا والغرض السياسي , وهى نتاج بحث علمي صرف هدفه المعرفة وغايته الحقيقة , واما اذا كان العكس , وكانت الاراء الاجتماعية والتاريخية الواردة فيها لاتتسم بالعقلانية والموضوعية , فان دوافعها حتما نفسية لاشعورية , او ذات هدف ايديولوجي وسياسي محدد . وكما يقول جورج طرابيشي (ان كل راي غير عقلاني هو راي لاشعوري) . وهذا الامر يشمل فرضيات الوردي التي يجب ان تحاكم وفق هذا السياق والمنهج , وهل تحوي اراءه على نسبة عالية من التعميم والصحة والمعقولية ؟ ام انها انتقائية ونفسية وسياسية ؟ وهل ان الفرد العراقي هو فعلا يعاني من الازدواجية والتناشز الاجتماعي وصراع القيم المدنية (الحضرية) والقيم البدوية (الريفية) ؟ ام ان العكس صحيح وهو ان المجتمع العراقي نموذج للتطابق بين الذات والموضوع , وان ظاهره هو الانعكاس الحقيقي لباطنه , وان قيمه الاجتماعية والسياسية واحدة وليس مزدوجة بالمطلق , وان التغيير والبناء الاجتماعي سار على وتيرة واحدة ولايعاني من التناشز ابدا , وان الصراع الذي قيل بين قيم الحضارة والبداوة منعدم كليا عنده . بالطبع لاحاجة الى القول بانه حتى الان لم يتجرأ احدا على نفى وجود تلك الفرضيات الثلاث ومدى تاثيرها وصحتها على الشخصية العراقية - عدا منظري السلطة البعثية واتباعها من القوميين الطائفيين - فيما ان الكتاب الاخرين المعترضين اكدوا وجودها عند باقي المجتمعات والامم الاخرى , او نفوا حالة التعميم لمواردها واطلاقها على جميع ابناء المجتمع , ولاادري ربما يريدون نفيها عن انفسهم من خلال هذا الراي , لانه - وبصراحة - قلما نجد عراقيا لم تشمله فرضيات الوردي واقانيمه الثلاث بتاثيرها الاجتماعي من قريب او بعيد , وقد عززت مواقع التواصل الاجتماعي على الانترنت - وخاصة الفيس بوك - هذه الفرضيات بقوة , واكد مصداقيتها على اغلب العراقيين - وخاصة المثقفين منهم والمتعلمين - فما ان تختلف مع احدهم بالراي السياسي والفكري حتى ينقلب عليك (طنطل) – حسب التعبير الشعبي الدارج , اذ سرعان مايعود الى جذوره البدوية واخلاقه الحقيقية وتربيته الزقاقية وياخذ بالسب والتهنبل والتذاكي والعنجهية والصفاقة والكبرياء الفارغة , وكانه من (اشقياء ذلك الزمان) – حسب تعبير الوردي نفسه .
ان من اهم سمات الامتياز التي تفرد بها الوردي عن السديم الثقافي العراقي هو : ان انتقاده للاختلالات والسلبيات التي يعاني منها المجتمع لم ينطلق من دوافع سياسية او من ارضية ايديولوجية , وانما من خلفيات ومرتكزات معرفية ارجعها الى اسباب تتعلق بهيمنة البنى الاجتماعية التقليدية والمتخلفة على النظام المعرفي والاخلاقي للمجتمع العراقي , وهى تشكل اللاشعور السياسي او العقل الكامن الذي يحرك الوعي من خلف الستار . وهذه البنى الاصلية تشكل الاساس او الخزان الذي يرفد الدولة والحكومة بالافراد والمفاهيم والتصورات , بمعنى انها تشكل (البؤرة) التي تفرز الاعراض السلبية والتداعيات المرضية الاخرى كالطائفية والقبلية والعائلية والفساد والتكسب والاستئثار والاستبداد والعنصرية وغيرها , وليس من المعقول بالتالي اصلاح الاعراض والافرازات والتداعيات ومعالجتها وترك اصل (البؤرة) التي انتجت تلك الاختلالات , وكما قال رسول حمزاتوف ( العصا المعقوفة لاتعطي ظلا مستقيما) . وقد عبر الوردي عن اشكالية تلك السلبيات والاختلالات التي تصيب الحكومة والدولة العراقية , وكيف انها الانعكاس الحقيقي للمجتمع بقوله (لايخفى ان الحكومة العراقية مصابة بعيوب وادواء شتى . فهى قد انبثقت من المجتمع الذي تعيش فيه , واستمدت طبيعتها منه , فاذا كان المجتمع مصابا بالعيوب والادواء فهى لابد ان تكون مثله مصابه بها , ولكن الراي العام لايفهم هذا عادة , فهو يفترض في الحكومة ان تنجز من الاعمال مثل ماانجزته الحكومات الراقية التي يسمع بها) . ولاحاجة الى القول بانه ليس الراي العام هو فقط من يطالب الحكومة بان تقوم بانجاز الاعمال التي تقوم بها الدول المتقدمة في اوربا دون الاخذ بنظر الاعتبار الواقع العراقي المتاخر , وانما حتى النخبة المثقفة المعروفة بالانتلجنسيا التي اخذت تقارن - وبسذاجة منقطعة النظير - بين السلوكيات والتصرفات السياسية والاخلاقية والاجتماعية في السويد مثلا او الدنمارك وبين الواقع العراقي المازوم بالاشكالاته المتعددة . وهذا الامر يرجع الى طبيعة (التناشز) الذي يعاني منه الفرد والمجتمع العراقي ذاته لانه – وبحسب تحليل الدكتور الوردي – ان وعيه السياسي متقدم جدا عن وعيه الاجتماعي , اذ تلقف المفاهيم والتصورات السياسية المثالية والحديثة من الصحف والمجلات والاذاعات والايديولوجيات المستعارة , وطالب الحكومة والدولة العراقية بتطبيقها على ارض الواقع , دون الاخذ بنظر الاعتبار الواقع الاجتماعي المتخلف , واحتمالية انعكاسه على تلك المطالبات والتصورات اولا , واستحالة تطبيقها على الواقع المتاخر ثانيا . والمفارقة ان الدولة العراقية الحديثة التي تاسست عام 1921 قد عانت من نوعين من (التناشز) :
الاول : ويبدا من تاسيس الدولة عام 1921 وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 . اذ كان (التناشز) منحصرا بين الدولة ومؤسساتها السياسية والدستورية والادارية المتقدمة , والمجتمع كان يعاني من التخلف والتاخر الحضاري بسبب السيطرة العثمانية الطويلة اولا , وهيمنة القيم البدوية والريفية على المجتمع ثانيا . واعتقد ان اول من اشار الى هذه الظاهرة المستر (ليوبيل سميث) مفتش المعارف العام في العراق في مقدمة مذكرته المرسلة الى رئيس الديوان الملكي عام 1924 بقوله (ان العراق المعاصر يواجه امرين رئيسين : فهو بلد متخلف اقتصاديا واجتماعيا , ولكن من جهة اخرى حكومته عصرية نيابية) . واشار الى هذه الظاهرة تفصيلا الدكتور سليم الوردي في احدى دراساته في جريدة الصباح البغدادية . ويبدو ان هذا المعنى قريب لما ذكره الشاعر الرصافي تهكما وسخرية (ان ولادة الدولة العراقية الجديدة كانت من ام عثمانية , عجوز ومريضة . واما القابلة فكانت بريطانية , التي لايربطها بالوليد شي غير تربيته بالشكل الذي يجعله خادما او عبدا) .
الثاني : (وهو التناشز الذي ذكره الوردي) . ويبدا من نهاية الحرب العالمية الثانية وتوافد الايديولوجيات الثورية والنضالية وحتى الان من عام 2018 . اذ حصل تحول في (التناشز) ليس بين الدولة والمجتمع - كما هو السائد سابقا - وانما بين الوعي السياسي الذي تقدم كثيرا بعد الحرب العالمية الثانية عند الانتلجنسيا العراقية وبين قيمه الاجتماعية التي مازالت تعيش البدائية والتاخر بصورة كبيرة جدا . وقد اكدها الوردي بالقول في كتابه (دراسة في طبيعة المجتمع العراقي) (يمكن القول بوجه عام ان العراقيين في مرحلتهم الراهنة قد تعلموا افكارا هى ارفع جدا من مستوى ظروفهم وقيمهم الاجتماعية . اذ طفروا بافكارهم طفرة واسعة الى الامام مع العلم ان المجتمع الذي يعيشون فيه لايستطيع ان يسايرهم في طفرتهم . فالتطور الاجتماعي بطبيعته بطىء متدرج) . اي ان المجتمع العراقي ونخبه الثقافية والسياسية والحزبية اخذت تطالب الدولة بتقليد ارقى الانظمة الاوربية المتقدمة وتطبيق ارقى الخدمات والحقوق والسلوكيات العصرية واعلى درجات الشفافية والنزاهة والعدالة , فيما انه من جانب اخر يعيش اسوء درجات التخلف والفساد والاستئثار والتسيب والاستحواذ والرشوة والمحسوبية , وهيمنة الانماط القبلية والعائلية والطائفية والعنصرية والمناطقية وادراجها في نسيج الدولة والحكومة . وقد فضحهم الدكتور الوردي بقوله (انهم جميعا ينادون بمبادىء العدالة والمساواة واحترام القانون , ولكنهم ينادون بها في الخطب والهتافات وفي مجال الانتقاد والمعارضة فقط . اما حين تكون لهم حاجة في دوائر الدولة فانهم ينسون تلك المبادىء وياخذون بتمجيد قيم الشهامة والمروءة . انهم يشجبون الواسطة حين يرون من قد استفاد منها , وهم يمدحونها حين تكون حاجتهم قائمة عليها . انهم مزدوجون , ولايخفى ان صاحب المنصب الذي يلجأون اليه في وساطاتهم مضطر ان يكون مزدوجا مثلهم) .
ان ابلغ دليل على صحة اراء الوردي بشان التناشز الاجتماعي والسياسي وهيمنة البنى البدائية والتقليدية على الدولة والمجتمع هى :
1 . هيمنة هذه البنى وتحكمها في المشهد السياسي العراق منذ تاسيس الدولة العراقية عام 1921 وحتى الان , رغم التفاوت بين هيمنة بنية عن بنية اخرى او فاعليتها بين مرحلة واخرى . فالاستئثار والقبلية هى البنى الفاعلة في العهد الملكي (1921- 1958) والاستبداد والطائفية والعنصرية في العهد الجمهوري (1958-2003) والفساد والتكسب والعائلية في العهد الديمقراطي بعد 2003 , مع التداخل في حالات معينة بين المراحل السياسية والحكومية , والتفاوت بالقوة والهيمنة والفاعلية . وذكر الدكتور الوردي هيمنة تلك البنى الفالعلة والراسخة في عقدي الخمسينيات والستينيات – وبالطبع حتى الان - بقوله (ان الشعب العراقي منشق على نفسه . وفيه من الصراع القبلي والطائفي والقومي اكثر مما في اي شعب عربي اخر – باستثناء لبنان – وليس هناك من طريقة لعلاج هذا الانشقاق اجدى من تطبيق النظام الديمقراطي فيه , حيث يتاح لكل فئة منه ان تشارك في الحكم حسب نسبتها العددية) .
2 . ان عدم الاعتراف بهذه الخاصية عند العراقيين جعلت الاختلالات والسلبيات وفاعلية البنى الاجتماعية المتاخرة في تصاعد وتراكم حتى اصبحت المعالجة والتصحيح هو من الصعوبة بمكان . واقوى الامثلة على ذلك هو الاشكالية الطائفية التي تشكل مرتكزا دلاليا في السلوكيات الحكومية قبل عام 2003 ومؤثرا اجتماعيا فاعلا بعد هذا التاريخ , وقد دعا الوردي صراحة الى معالجة مااسماها (الغدة الطائفية) واحتمالية انفجارها في اي وقت , ان لم يحصل التصحيح والمراجعة والتقويم بقوله (ان الطائفية اصبحت من اعضل الادواء التي يشكو منها المجتمع العراقي , وربما صح القول انها اتخذت شكل العقدة المكبوتة في شخصية الفرد فيه , ومن طبيعة العقدة انها تزداد استفحالا كلما استمرت كامنة في اعماق النفس وتوالي عليها الجدال المتحيز يوم بعد يوم . لابد لنا ان نخرج العقدة الى الضوء فندرسها دراسة موضوعية واعية , وبهذا نامل ان نصل بها الى حل على وجه من الوجوه) . وبالطبع لم تهتم النخبة السياسية الحاكمة والانتلجسنيا الثقافية المؤدلجة والثورية بتلك الدعوة , واعتبرتها دعوة مريبة ومشبوهه , لانها تنقل المعركة من الاقطاع والرجعية الى مسارات اخرى لاوجود لها في نظرهم . الا ان نبؤة الوردي ودعوته وتحذيره من هذه الاشكالية واحتمالية انفجارها اثبتت السنوات والاحداث اللاحقة صحتها وفاعليتها , فلم تمضي سنوات قليلة حتى جاء الرئيس عبد السلام عارف (1963-1966) واستغل القضية الطائفية الى مديات اخرى غير مطروقة سابقا , ثم تابعه صدام حسين (1979-2003) الذي انتقل بالطائفية الى مسارات اكثر تطرفا واجراما كالابادة والتهجير والتدمير , ثم حصل التاجيج والطوفان الارهابي الكبير بعد عام 2003 من خلال التحريض العربي والتكفير الوهابي ومارافقها من عمليات ارهابية وخطف وتهجير وسبي وتقتيل طال الاغلبية الشيعية في البلاد . ورغم ذلك , لم يظهر عندنا حتى الان تحليل حقيقي او مكاشفة صريحة حول القضية الطائفية في العراق , واسبابها وتداعياتها ونتائجها المباشرة على الدولة والمجتمع , والسبب هو التعصب الاعمى والتداخل السياسي وهيمنته على الانساق الثقافية والفكرية , (ومادخلت السياسية بشيء الا افسدته) – كما قال الشيخ محمد حسين كاسف الغطاء . ومن اجل ذلك اعلن الوردي في كتابه (دراسة في طبيعة المجتمع العراقي) عام 1965 وابان حكم الرئيس - المعروف بطائفيته - عبد السلام محمد عارف عزمه تاليف كتاب (تاريخ الصراع الطائفي في العراق) الا انه وكما يبدو تردد في تاليفه - او ربما اكماله - خاصة بعد تولي البعثيين السلطة عام 1968 .
من اهم الكتاب الذين انتقدوا الدكتور الوردي لاغراض سياسية تتعلق بالحرص على الوطنية العراقية والسمعة الدولية هو الكاتب المعروف الدكتور علي عنبر السعدي . وكالعادة لم يعلن السعدي السبب الحقيقي وراء انتقاده لطروحات الدكتور الوردي , وانما عزى ذلك الاعتراض الى دوافع موضوعية ومعرفية , فيما اننا نجد ان النزعة الوطنية ظاهرة بافراط في نقده لفرضيات الدكتور الوردي , وخاصة في موضوعة الازدواجية التي يؤكد السعدي انها غير مقتصرة على العراقيين , وانما هى منتشرة عند جميع المجتمعات . ورغم اعتراضي عليه في مواقع التواصل الاجتماعي بان الدكتور الوردي لم يقتصر موضوعة الازدواجية على العراقيين وانما ذكر انها موجودة عند جميع الامم والمجتمعات , حتى اعلن صراحة انه وجد الازدواجية عند الامريكان ابان دراسته العليا هناك في عقد الاربعينيات , الا انها عند الفرد العراقي امضى واقوى من غيره من الافراد الاخرين في دول العالم , الا ان الدكتور السعدي - للاسف - لايريد الاعتراف بذلك , وعنده اصرار عجيب على تكرار تلك الطروحات , ويضرب امثلة عن الازدواجية في الدول الاوربية او الغربية بعامة من خلال استعراض السلوكيات الجماعية التي تحصل هناك بين الحين والاخر , رغبة منه في تفنيد فرضية الوردي . والموضوع الاخر الذي يذكره الدكتور السعدي باستمرار هو رفضه لمنهجية الوردي في استعراض اختلالات المجتمع العراقي وسلبياته امام الملا , وربما يعتبره مدخلا للشماتة من قبل الاخرين , او تشويها للسمعة امام المجتمعات الاخرى . واعتقد ان ذلك نابع من تضخم الوطنية العراقية وتورمها عند العراقيين بعامة والدكتور السعدي بخاصة .
ثالثا : الذاتية : ونعني بها الانتقادات والهجومات التي تشن على الدكتور الوردي واراءه الاجتماعية والتنويرية والاصلاحية لدوافع ذاتية وشخصية . فكلنا يعرف ان الوردي ليس عالم اجتماع تقليدي او اكاديمي يدرس الموضوعات التي تشكل اشكالية في المجتمع من قبيل الادمان والمخدرات والطلاق وانحراف القاصرين والهجرة من الريف للمدينة وغيرها , او تلك الموضوعات التجريدية والباردة من قبيل : نظرية التفاعل الرمزي والبنيوية الاجتماعية والمراتبية والثقافة المقابلة وغيرها , وانما هو عالم اجتماعي تطبيقي – انتقادي . بمعنى انه عمل على دراسة احدث النظريات الاجتماعية في العالم وطبقها على الشخصية والمجتمع العراقي وخرج بفرضيات ومقاربات اثبتت الاحداث والوقائع صحتها ومصداقيتها . وهذا المنهج الانتقادي حتما سيحرك الراسب من الشخصية العراقية ويستفزها ويثيرها بسبب النرجسية والتضخم الذاتي والتورم البدوي الذي تتميز به . ومن المؤكد ان المجتمع من جانبه ايضا اذا احس ان هذه الانتقادات والتحليلات سوف تفكك المسلمات الاجتماعية والمطارحات النفسية التي تشكل عنده قيمة رمزية كبيرة , فانه لابد – بالتالي - ان يخلق ميكانزمات للدفاع النفسي عن ذاته النرجسية المتورمة وراسماله الرمزي .
لذا يمكن القول ان هناك تقارب بين (الجرح النرجسي) الذي اصاب المجتمع الغربي في العصر الحديث والذي ذكره عالم النفس النمساوي سيجموند فرويد , وبين الجرح النرجسي الذي اصاب المجتمع العراقي بعد الحرب العالمية الثانية بفضل اراء الدكتور الوردي . ففي عام 1917 نشر علم النفس المعروف سيجموند فرويد مقال بعنوان (صعوبة امام التحليل النفسي) تحدث فيه عن جرح نرجسي كوني اصاب المجتمع الغربي نشا عن الاذلال الذي تعرضت له الكبرياء الانسانية المتضخمة جراء اكتشاف ثلاث قضايا علمية فككت التمركز البشري على الذات و الكون . واول تلك الجروح التي منيت بها البشرية هو (الجرح الكوسمولوجي) الذي احدثته نظرية (كوبرنيكوس) التي اكدت ان الارض هى التي تدور حول الشمس وليس الشمس تدور حول الارض , الامر الذي الغى اطروحة الارض قطب الكون ومحور الافلاك . والثاني (الجرح البايلوجي) الذي جاءت به نظرية التطور لدارون التي الغت الاصل السماوي والالهي للانسان وارجعته الى السلالة الحيوانية . والثالث هو (الجرح السايكولوجي) الذي جاءت به نظرية التحليل النفسي لفرويد التي بينت ان الانسان لايحركه الوعي او الشعور , وانما اللاوعي الراسب المتراكم عن طريق الكبت ضمن منطقة اللاشعور . وان قرارات الانسان واراءه - التي طالما تبجح بها مفتخرا بانها نتاج العقل والوعي - انما هى عبارة عن افرازات وانزياحات وانثيالات لاواعية تشكل مايقارب النسبة الاكبر من تلك الاراء . ويقال ان هناك جرحا نرجسيا رابعا اصاب البشرية هو (الجرح الاقتصادي) الذي جاء به كارل ماركس الذي اكد ان الانسان تقاس قيمته في العصر الحديث بمقدار مايملكه من اموال وعقارات , وانه لايعدو ان يكون انعكاس للبنية التحتية وعلاقات الانتاج التي تحدد توجهاته السياسية والدينية والاجتماعية . وقد كانت ردة فعل المجتمع الغربي لهذا الجرح هو المواجهة والاصرار والتحدي من خلال رفع قيمة الانسان الى مصاف الرقي والعقل والتنوير والحداثة بدل الخضوع والاستسلام والخنوع لهذه الجروح الكونية .
وقد ذكر المفكر السوري التنويري جورج طرابيشي ان الذات العربية والاسلامية اصابها ايضا جرحا نرجسيا كونيا تبلور في العصر الحديث بعد النهضة العربية الحديثة والاحتكاك بالغرب , واسماه (الجرح الانثروبولوجي) . ويعني به احساس الذات البشرية العربية بالتاخر والنقص امام الاخر الغربي – المسيحي المتفوق اقتصاديا والمتقدم اخلاقيا واجتماعيا وثقافيا . فالمسلم العربي كان يعتبر نفسه افضل الموجودات البشرية وارقى المخلوقات الانسانية , وانه من سلالة خير امة اخرجت للناس من الانبياء والاولياء والصالحين , وان الله معه في كل الحروب والازمات والنكبات . فكيف دار عليه الزمان واصبح ياخذ التعاليم والافكار والاخلاق والتمدن والتحضر والثقافة من الغرب المسيحي الكافر؟؟!! حتما ان نوعا من الصدمة والاحباط والتوتر سيصيبه بسبب تلك التحولات الغريبة . فقد وجد المجتمع العربي والاسلامي وبعد الاطلاع على حضارة الغرب في القرن التاسع عشر انه – وطبعا مازال – يعيش مثل حثالات التاريخ , وفي اسوء مستنقعات البدائية والاستبداد والظلم والتخلف والرجعية والطائفية والعنصرية , وغيرها من اسوء الاشكالات وابشع السلبيات الوافدة من خلف اسوار التاريخ . فيما وجد ان الغرب المسيحي الذي يعتبره كافرا ونجسا وضالا مضلا , هو افضل منه بمراحل لاحصر لها , ليس في المسارات التقنية والمادية فحسب , بل وحتى في القيم المعنوية والاخلاقية والسلوكية , فوقع من جراء ذلك في حيرة من امره . فما هو الحل عنده ؟ وماهى ردة الفعل الخاصة به ؟ هل المصارحة والمكاشفة والاعتراف ؟ ام العنجهية والكبرياء والاصرار ؟ لاحاجة الى القول ان العرب والمسلمين هم ابعد الناس عن الانتقاد والاعتراف بالعجز والتراجع امام الغرب , بل ان ردة الفعل عندهم هو (الغضب النرجسي) والتحدي العقائدي والمزيد من الاصرار على الافكار البدائية والمطارحات العصابية والمسارات المتخلفة ومواجهة الغرب من خلال تجليات المواجهة والاستهزاء والسخرية والعنف والارهاب , واتخاذ الموقف الدفاعي التعبوي بدل الموقف الحضاري النقدي .
ولكن ماهو الجرح النرجسي الذي اصاب المجتمع العراقي بعد الحرب العالمية الثانية وحتى الان ؟ هل هو شبيه بالجرح النرجسي العربي والاسلامي السابق الذي تبلور بعد صدمة الحداثة والاطلاع على منجزات الغرب ؟ ام ان جرحا نرجسا اخر قد تبلور لاحقا ؟ في الواقع ان بواكير النهضة العراقية وتكوين الطلائع الاولى للانتلجنسيا في الربع الاخير من القرن التاسع عشر قد شكلت عند النخب العراقية صدمة وجرحا كونيا هو شبيه بالجرح النرجسي الذي اصاب المجتمع العربي والاسلامي , والسبب هو الاحساس بالضعة والتوتر والدونية امام التفوق الغربي والمسيحي , وهو شبيه بما اصاب المجتمعات العربية والاسلامية بصفته جزءا فعالا منها , الا ان ذلك لم يستمر طويلا , فقد عملت الايديولوجيات الثورية الثلاث (الماركسية والقومية والاسلامية) على تهوين قيمة الغرب الليبرالي امام المجتمع العراقي ومهاجمته والسخرية منه ليس من مساراته السياسية والديمقراطيته والتعددية فحسب , بل ومن قيمه الاخلاقية والكونية والتنويرية , وطرحت نفسها البديل الايديولوجي والسياسي والثقافي عن تلك القيم والمرتكزات الليبرالية , الامر الذي اصاب المجتمع العراقي بتضخما كبيرا في الذات , وتورما كاذبا في الشخصية (والاحساس بالدونية قد ينقلب الى احساس وهمي بالعظمة) - كما يقول فرويد - لكن هذا التورم والاستعلاء ايضا لم يستمر طويلا , فقد ظهر رجلا فكك تلك الاوهام البدوية وانتقد تلك المقولات الفارغة , وهو الدكتور علي الوردي , الذي ايقظ تلك الانتلجنسيا المتريفة والثورية من احلامها الوردية , وغيبوبتها الايديولوجية واستعلائها الوهمي , واصابها بجرحا نرجسيا كونيا اخرا , بعد ان اظهرها على حقيقتها الزائفة وعنجهيتها الفارغة . فبالوقت الذي كانت تعتقد فيه انها محلقة في اجواء التمدن والتحضر والعمران , ومتسامية عن البنى التقليدية والمتخلفة, ومتصالحة مع الحرية والمثالية , ومتوائمة مع ذاتها في المسارات السياسية والايديولوجية , ومتطابقة مع المثل العليا والمبادى والقيم التي تنادي بها , ظهر في الاخير ان الامر ليس بهذه الصورة البراقة والتصورات الخادعة , بل انها مزدوجة الشخصية , متشظية القيم بين والبداوة والحضارة , متناشزة الافكار الاجتماعية والسياسية , تملك عنجهية البدوي وخنوع الحضري , تقدس القوي وتحتقر الضعيف , تتكلم بلغة البير كامو وفي داخلها ملا عليوي , لاتفهم الحقيقة الا بمقدار ماتنفعها وتحقق اهدافها , تحركها البنى الطائفية والعنصرية والاثنية والقبلية والعائلية والمحلاتية والمناطقية والنوازع الشخصية والمصلحية والذاتية , تستمد جذور عقائدها الدينية والعلمانية من موروثاتها الاجتماعية , تتبنى الوطنية الخطابية والحماسية الكاذبة , اكثر الناس هياما بالمثل العليا واكثر الناس ابتعادا عنها , متناقضة بين المعتقد الذي تنادي به وبين السلوك اليومي الذي تسير عليه, التحديث عندها مجرد طلاء سطحي وظاهر , اقل الناس تمسكا بالدين واكثرها انغماسا في النزاع بين المذاهب الدينية , الحداثة عندها مجرد تكرار للمصطلحات والمفاهيم دون تغيير في اطار التفكير القديم , تتبنى الثنائية الارسطية في الحكم والتقييم , تسير وفق عواطفها ومشاعرها في الحكم العقلاني والسياسي , تعاني من عصاب الغرب المسيحي , تعتمد التفكير الشعري في طرح الاراء , تنادي بالحقائق المطلقة والشمولية وتسخر من الحرية والديمقراطية والتعددية , تتماهى مع الايديولوجيات الثورية وثقافة الانقلابات العسكرية وهيمنة النوازع اللاشعورية وترويج النزعة الشعبوية والغوغائية , تتعاطف مع الجلاد والحكم المستبد على حساب الضحية (تنادر استكهولم) , (سادية) امام الضعيف و(مازوخية) امام القوي المتكبر , متعددة الذوات النفسية والاجتماعية والسياسية والثقافية , الحقيقة عندها هى الصلحة الذاتية , ترتدي اقنعة المدنية والعلمانية في مواقف وتنزعها في اخرى , اعتقادها التلازم بين الفكر والسلوك , شخصيتها الزقاقية كامنة خلف الستار , متماهية مع اللغة والادب على حساب الفكر والتنوير , وغيرها من المفاهيم السلبية والسلوكيات الغرائبية والمطارحات المتاخرة عند الانتلجسنيا العراقية بخاصة والمجتمع العراقي بعامة . (وقد فصلنا ذلك في دراستنا في موقع الحوار المتمدن – لماذا خذلت الانتلجنسيا العراقية علي الوردي ؟)
وشبيه بموقف العرب والمسلمين من الجرح النرجسي امام الغرب , لم يتخذ العراقيون اي موقف نقدي او مراجعة لطروحات الدكتور الوردي واراءه الانتقادية , ومدى صحتها او مصداقيتها , بل العكس فقد حصل انكار لاغلب تلك الطروحات وتهميش مريب لتلك الاراء , واصرار على ترسيخ تلك السلبيات , وتاصيل شامل للانساق العراقية وقيمها البدائية والعصابية , والسبب هو الجرح النرجسي الذي اصاب الشخصية والمجتمع العرقي من تلك الاراء , والتعرية التي قام بها لمطارحاتها الاختلالية , فكان الحل الاوحد عندهم هو التحصن الدفاعي في مواجهتها وتسفيتها والسخرية منها , بدل مرجعتها نقديا وتقويمها تحليليا , وبيان مدى مصداقيتها ومعقوليتها وصحتها , من خلال استخدام الاليات المعرفية والمنهجيات العلمية والفلسفات الغربية الحديثة , الا ان ذلك لم يحصل – ولن يحصل في المستقبل القريب – لان الانتلجنسيا العراقية تفضل البقاء في هذا المستنقع الاسن والمساهمة بتمرير الاجندات الشخصية والسياسية والايديولوجية التي تريدها وتبغيها , فاعتمدت بدل من ذلك الوسائل الخطابية والايديولوجيات الثورية والمقاربات التضليلية في الدفاع عن تلك الانساق العراقية التي فضحها الدكتور الوردي وترسيخا لها وثباتا لمقولاتها , رغم انها في الاخير ستكون المدخل لاعادة التراجيديا العراقية الغامضة وتكرارها الازلي , فالعراقي هو - في الاخير - ضحية انساقه التي صنعها بنفسه .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا نعرف عن انفجارات أصفهان حتى الآن؟


.. دوي انفجارات في إيران والإعلام الأمريكي يتحدث عن ضربة إسرائي




.. الهند: نحو مليار ناخب وأكثر من مليون مركز اقتراع.. انتخابات


.. غموض يكتنف طبيعة الرد الإسرائيلي على إيران




.. شرطة نيويورك تقتحم حرم جامعة كولومبيا وتعتقل طلابا محتجين عل