الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرؤية المكتملة في ديوان: - تفاصيل حلم ما كملش-

أمل سالم

2018 / 8 / 7
الادب والفن


امقال المنشور بجريدة القاهرة عدد الثلاثاء الموافق 7 من أغسطس2018
الحقيقة أن كتابة الشعر متعة للشاعر، والأصدق أنها معاناة، والشاعر سمير الأمير أحد القلة الذين يكتبون المعاناة بسهولة مفرطة ومؤلمة، والديوان الذي نحن بصدده يفتتحه الشاعر بالإهداء :
الذين
شقوا ترعها
ورفعوا جسورها
ودافعوا عن حدودها
أنحني أمام عزتكم
أيها الفقراء الأغنياء
فالشاعر هنا ينتمي وينحاز للطبقات الفقيرة والمتوسطة، تلك الطبقات التي حملت مهام بناء وتأسيس دعائم الوطن. وهذا هو الخط السائد عبر الديوان.
وينقسم الديوان إلى أربعة أجزاء، والقصيدة الأولى : " طالع لأمي" يقول فيها:
زهقان من صوتي الغضبان
قلبي الموجوع اتهد
نفسي بجد ارخي حبالي
وابطل شد
إن الشاعر هنا يعلن عن سأمه من الغضب، لكنه رغم حاجته للراحة نجده يتهكم على أولئك الذين يوالون ويصفقون دائمًا عبر التاريخ:
ليه أنا من سلسال
ما اتعلمش يكون طبال
ويلم نقوط
ويؤسس الشاعر لانتمائه للجذور، فالأم هنا هي الأم والأرض والوطن، وهي الأحلام والآمال التي يحياها المواطن:
طالع تقريبًا لأمي
طالع لآمال
ويوَرِّث الشاعر أحساسيسه بالغضب، أما أحاسيسه بالزهق من صوته الغضبان فلا يستطيع توريثها للأجيال بعده، فالفرق الذي يكرس له الشاعر في القصيدة، هو أن الجيل الذي يليه يقبل الثورة بنفس راضية ومعتقد.
وفي القصيدة الثانية يؤكد الشاعر أن الإنسان هو بؤرة اهتمامه ، والحديث الذي يتوجه به الشاعر إلى الأم/الوطن والذي اعتبرها دنيته ودينه، يقول الشاعر في استفساره عن الحال المتردي للإنسان:
على حسابي باموت عيان
واموت محروق واموت غرقان
أما في قصيدة: "حضرة فؤاد حداد" تلوح الفرصة أمام الشاعر للنقد الذاتي، فلا مانع أن ينتقد وضع الشعراء في حاضرنا:
زاطت ليالي الشعر والتهريج
والُقله واقفه تقلد الصهريج
وشُعرا صيني وشُعرا خرج بيوت
وجنازة حارة بيرقعولها الصوت
والحق أن الشاعر يربط بين انتقاده للشعراء والكتاب الذين يصفهم دائمًا بغير الحقيقيين، وبين كل مشكلات الوطن، سواء في أوقاته العادية، أو في أوقاته الثورية، فطالب في قصيدته: "العيال السيس" بإخلاء الميدان لمن يستحق التورية؛ فالميدان ميدان الثورة والفكر والثقافة والإبداع، وهو يطالب بإخلائه من الكتبة الذين هادنوا ونافقوا، وما زلوا يحتلون الساحة الثقافية ويفرغون قيئهم العفن فيها.
رحم الله فؤاد حداد، فأصدق ما قرأت عنه هو هذا الشطر الجميل، شديد الإيجاز والتكثيف:
حضرة فؤاد حداد... شريفة وزكية.
والثورة حاضرة في قصائد الديوان. فقد كان التمهيد للدخول لها أشبه بالتمهيد للدخول في حضرة ليست أقل من حضرة "فؤاد حداد"؛ فحضرة الثورة أيضًا شريقة ذكية. والحضور فيها للشاعر الحقيقي ، كما ألمح الشاعر في قصيدة:"شاعر بيشكي دخول جتته ف الظروف".
وفي الديوان بعض التلميحات لقضايا هامة كفكرة خيانة المثقف وفكرة خيانة رجل الدين.
والتاريخ حاضر في كتابات الشاعر كما في قصيدته "بين اليمن واليمن... لذكرى جمال"، ويمر الشاعر في قصيدته على حرب اليمن أيام عبد الناصر، وحرب اليمن الآن، والآمال التي ظهرت في بداية هذا الجزء من الديوان تنتهي بالتحطم:
بين اليمن واليمن ...
ﺍﺗﺒدلت أحوال
واتحطمت ﺁﻣﺎﻝ
أما الجزء الثاني: "رباعيات لا إخوانية"، والتي كُتبت فى الفترة من (بداية 2012، وحتى 30 يونيه 2013).
وقد فند الشاعر تلك السنة التي استطاع فيها تنظيم الإخوان أن يسرق مصر ويمكر بها السوء، فقد كان يعمل لمصلحته لا من أجل عزة الوطن.
وأشار الشاعر لفكرة استغلال الدين للسيطرة على البلاد وعلى العباد، فمن الرباعية الأولى يقول الشاعر دون مواربة:
حكموك بداء الكُره والتكفير
ضحكوا فى وش العدو وف وشك التكشير
وتستمر فكرة رفض استغلال الدين حاضرة في قصيدتي: "صل ع النبي" و"آه يا غجر".
وفي تلك الرباعيات استطاع الشاعر أن يختصر تاريخ تنظيم الإخوان ، ذلك التنظيم الذي لم يمارس السياسة قط وإنما مارس المؤامرات؛ لذا رفضته مصر كاملة.
إن القدر من الوعي بالمسألة الوطنية الكامن في هذه الرباعيات، يجعلني أطالب بتدريس بعضًا منها في دروس الشعر في مناهج اللغة العربية في مراحل التعليم قبل الجامعي، كنوع من تغيير الخطاب الثقافي السائد في المجتمع، والذي كرست له التنظيمات الإرهابية المتوارية خلف الدين، كأن يقول الشاعر في رباعيته:
إسلام أبو ذر و الا أبو سفيان؟
والا الحكاية مؤامرة ع الغلبان؟
باسم الشريعه والشرف والدين
بتخدعوا المساكين وتسرقوا الأوطان!
وإن كان لا سند صحيحًا للحديث عن إبي ذر أنه قال: "عجبت لمن لا يجد القوت في بيته، ألا يخرج على الناس شاهرًا سيفه"، فهذا الحديث لا أصل له عن أبي ذر، وإنما يذكره بعض الخطباء ، بلا مُستَندٍ ولا حُجَّة.
وقد ذكره محمد شوقي الفنجري في كتابه: "الإسلام والتوازن الاقتصادي بين الأفراد والدول" (ص 54)، نشرة وزارة الأوقاف. وقد اعتمد الفنجري على عبد الحميد جودة السحار في كتابه: "أبو ذر الغفاري"، لكن يبقى السؤال، ما معتمد السحار في نقله لهذا الأثر؟
ومن أبرز الرباعيات تلك التي تستدعي رموز التنوير في الوطن:
إدريس وطه ونجيب حيوحشوني بجد!
عواميد وطن عبقري لو وقعوا الوطن يتهد
بيكرهوهم قوي طيور الظلام والجهل
وحيبقى سهل- لو نسكت- يهدوا السد.
والجزء الثالث يتناول الشاعر مشكلة مصر في حربها المستمرة، فالقصيدة الأولى "جبل الحرام"، تتناول المشكلة الفكرية التي تعاني منها البلاد في الإفتاء وأثر ذلك على عامة الناس، وهناك إشارة كامنة "لجبل الحلال" في سيناء حيث دارت معارك بين الجيش المصري وبين الإرهابين الذين تسبب التنظيم سالف الذكر في جلبهم للبلاد.
أما الجزء الرابع من الديوان، وهو بعنوان: " اغتيال وردة "، يتكون من قصائد مهداة إلى الشهيدة: "شيماء الصباغ"، وقصائد أخرى، ويبدأ بالقصيدة ذات العنوان الأطول في قصائد الديوان قاطبة: "كل الوجوه اللي نوّرت غابت كما ومض برق ف ليله شتويه".
والشهيد حاضر دائمًا في الديوان، شهيد " الثورة/الجيش/الشرطة كما في قصيدة" قرآني مع الشهيد".
ويصل الأمر إلى ذروته في قصيدة: " أهلًا يا موت"، فنجد وفاة الجد والأب، وحتى الخال الذي تصل جثته في صندوق.
والحق أن قصائد الديوان تستطيع أن تجبر القارئ على مطالعتها وعلى معاودة القراءة ، فعندما تكون الكتابة حقيقية فلابد أن تكون القراءة أيضًا على نفس القدر من النضوج.
أمل سالم











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وداعا صلاح السعدنى.. الفنانون فى صدمه وابنه يتلقى العزاء على


.. انهيار ودموع أحمد السعدني ومنى زكى ووفاء عامر فى جنازة الفنا




.. فوق السلطة 385 – ردّ إيران مسرحية أم بداية حرب؟


.. وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز




.. لحظة تشييع جنازة الفنان صلاح السعدني بحضور نجوم الفن