الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكتابة عند صناعة المنفى في شعرية كمال سبتي

علي حسن الفواز

2006 / 3 / 29
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


.. يبدو لي ان الشاعر كمال سبتي من اكثر شعرائنا اقترابا من استخدام سايكولوجيا التأمل،تأمل الوجود والكائنات واللغة ، وتحت هاجس هذا التأمل بدأ يؤسس الكثيرمن رؤاه وربما يجعل نسيجه الشعري غامرا في تشكلات حسية مفخمة! تجعل القصيدة وكأنها مجسّ سحري يلامس اللحم الحي للغة والمعنى، ويكشف عن القوة الكامنة التي يمكن ان تصنعها الشعرية حينما تكون تأملا خالصا في العالم، خاصة بعد ان فقد هذا العالم صورته الباهية ومزاجه الرومانسي وكينونته المشغولة على اساس المقدس والجوهري،وربما تمظهر بشكل اقسى بعد الحروب والخرابات القصدية التي طالت روح المكان (الحسي ) القديم الذي يتلمسه الشاعر بحميمية حادة ..وربما يهجس من خلال هدا التلّمس بالكثير من التفاصيل والروائح ..... لقد بدت الكثير من التغايرات التي تعتور القصيدة التي يكتبها الشاعر كمال سبتي ، واضحة وجلية ، اذ جعلته هذه التغيرات في اطار هذا الانشغال التأملي ، اقرب الى مراودة الرائي الذي يبحث عن لذّات الكشف في المكان البعيد والحاضر مثلما هو الباحث في لذّات الجسد اللغوي وربما جعلته هذه التغيرات والانزياحات في التجربة الاقرب الى (انسانوية ) ،، الحكيم المتعالي في ضرورة ألتخلص من خيانات اللغة المباشرة ، والتعاطي مع الوقائع عبر لبوس أقنعة تختلط فيه ملامح العراف والصوفي الذي تسيل بين يديه اللغة والصور والمعاني واحيانا يتماهى في لعبة افتراس العالم الما بعد لغوي باتجاه صياغة تأملية هي أقرب الى الفكرة التي يكون فيها هو ذاته المعرفي الذي يجد ان العالم غير محدود وان الحكمة تكمن في صناعة الاثر ـــ وان الموت،،موت الامكنة والجسد غير القدري يقع تحت اسباب(مسببة)/// تصنعها شياطين الارض !
ولعلي اجد ان هذا النزوع عند كمال سبتي قد اكتملت الكثير من مكوناته ودلالاته وحتى تعالياته خارج سلطة المكان القهري القديم بكل مقموعاته ولزوجته،والذي انعكس بكثافة على لغته التصويرية والتأملية ،، فضلا عن ان تأثيرات المنفى/ المكان التعويضي/الاشباعي بدت واضحة في النص الجديد الذي يكتبه سبتي ، فهو ينحاز الى طقسه التأملي بمهارة الباحث عن الاسرار والجوهر ويصطنع من خلال استحضار الامكنة والشواهد والدلالات الشخصية روحا اخرى/ روحا صالحة ربما هي الاكثر ابصارا والاكثر وجعا والاكثر حدسا بما بعدية الحضور اذ يعمد الشاعر الى و الى توليف (بغداد/ الناصرية/ الفرات/ الجسر) عبر استحضار استذكارية يكون فيها هذا المكان حسيا جدا ومنزوعا من غباره العقلاني الذي يمكن ان يزيحه النص التأويلي عن الحضوري بكل شواهده الفجائعية التي تتركه تداعيات
الاحتلال ويوميات الصواريخ التي تهبط على (بغداد) مثلما تهبط عليه !!
ان تحولات الشعرية عند سبتي انطلقت الى فضاءات اكثر سعة واكثر فاعلية باتجاه ان تكون القصيدة بمواصفات البنية التصويرية التي يختلط فيها الدال الحسي//اللوني كشرط شعوري مثلما يختلط فيها الخطوطي/ التجريدي كشرط تأملي استغواري في الجسد المكاني والجسد اللغوي، فضلا عن الانزياحات العميقة في تجربة سبتي قد انعكست ايضا على اعادة انتاجه لبنية (الحنين) ليس كشعور نوستالجي وانما كنوع تأملي دقيق يشبه الى حد ما فكرة التأمل العميق عند جيمس جويس الذي يشكلن مدينته وكانها جزء من اغوائه اليومي ،اذ تحضر بتفاصيلها الحسية المتوهجة التي تعود بنا الى تقنية الرائي الذي مازال يرى الناصرية والفرات وكأنهما مكانان مازالا حاضرين في يومياته،يبكي لبكائهما ويضج بالحنين والاسى وهو يرى الصواريخ تبيح مدينه للموت والحرائق.. ان كمال سبتي اعاد في لعبته النصوصية تلك انشغالات الشاعر بالتفاصيل التي يذهب اليها مباشرة دون هموم كونية اعتادت قصيدته القديمة ان تشتغل على بعض عوالمها،،والتي جعلها نوعا من الكتابة الشخصية التي يتماهى فيها ايروسيا وروحيا ،،حدّ انه يستخدم فيها بعض تقنيات القصيدة التقليدية بمحمولها الصوتي والبنائي وكأنه يجسد في ذلك انحيازه الكامل لجوهر التأمل الذي يرى من خلاله العالم وهو نص مكشوف ومتورط في لعبة عري مدهشة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الكونغرس الأمريكي يقر مشروع قانون مساعدات لإسرائيل وأوكرانيا


.. لازاريني: آمل أن تحصل المجموعة الأخيرة من المانحين على الثقة




.. المبعوث الأمريكي للقضايا الإنسانية في الشرق الأوسط: على إسرا


.. آرسنال يطارد لقب الدوري الإنجليزي الممتاز الذي غاب عن خزائنه




.. استمرار أعمال الإنقاذ والإجلاء في -غوانغدونغ- الصينية