الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معارك الانتقال الديمقراطي: معارك التمويه على حقيقة الصراع

بشير الحامدي

2018 / 8 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


معارك الانتقال الديمقراطي: معارك التمويه على حقيقة الصراع
إنها المعركة الثانية التي تجري وجها لوجه بين حارسي "الانقلاب الديمقراطي" منذ 2011
النهضة وظلالها وحزب نداء تونس وضلاله.
المعركة الأولى كانت معركة فرض التوافق و دارت رحاها سنة 2013 وسلمت فيها حركة النهضة وخرجت منها بأخف الأضرار.
والمعركة الثانية هي معركة اليوم والتي هي ليست أكثر من استكمال للمعركة الأولى ولكن على محور آخر: هو محور دفع الاستقطاب السياسي الثنائي إلى أقصاه أي دفع حركة النهضة إلى آخر معاقلها أو لنقل محاولة جرها للمسلخ ودفعها لتخرج من جلدها و أيضا دفع الحساسيات والتيارات السياسية جميعها إلى تحديد موقف والاصطفاف هنا أو هناك.
مع تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة أم ضده.
أي مع نداء تونس أم مع النهضة.
هذا هو جوهر الموضوع أما الحديث عن التقدم والحداثة والتجديد أو المحافظة عن هوية المجتمع الاسلامية وعدم المساس بالمقدس فهو مجرد حديث في بعد آخر متروك لتطاحن "الثقفوت" وهواة المناظرات الكلامية التي لا تنتهي.
المسألة سياسية بامتياز وربما هي المسألة الأهم من بين كل المسائل السياسية في مسار الانتقال الديمقراطي بعد مسألة التوافق.
إنها تقريبا اللعبة نفسها تعاد من جديد.
إنه تكتيك تعرية النهضة واختبارها في عملية تَحَمُّلِ سلخ جلدها.
إنه تكتيك الظهر إلى الحائط الذي أعده التيار اللبرالي للنهضة ويسعى لتفعيله الآن.
إنه تكتيك الشريك الفاسد للإيقاع بشريكه الفاسد وسحبه أكثر ما يمكن لمربعه ليس للفتك به بل فقط لإرغامه على التنازل أكثر فأكثر والإبقاء عليه واقفا لكن واهنا لأنه يحتاجه ولا يقدر على الاستغناء عنه.
حاجة الحزبين لبعضهما ليست وليدة رغبتهما لوحدهما إنها أيضا رغبة القوى الاستعمارية و البنوك والشركات المانحة للقروض والمستثمرة في تونس والحريصة على توطيد أوضاع تساعدها على تواصل أنشطتها واستمرار مصالحها.
وحدة المتضادين هذه ليست جديدة أو وليدة تهاون مسار 17 ديسمبر ووهنه . إنها قديمة وأحد خاصيات الطبقة البرجوازية التونسية.
البرجوازية التونسية ومنذ نشأتها كانت بشقين شق حداثي و آخر تقليدي . لقد ظهر ذلك مبكرا منذ بداية القرن العشرين لدى نخبة هذه الطبقة التي تطورت مرتبطة من جهة بالمستعمر ومن جهة ثانية بعناصر ثقافة وهوية الشعب التونسي.
بعد 1956 عبر دستور 1959 وعبرت مجلة الأحوال الشخصية1958 عن أقصى ما يمكن أن تؤسس له البرجوازية التونسية المرتبطة في ما يخص مسألة الحريات الفردية والعامة والمساواة والتشريع والعدالة وطبيعة الدولة ونظام الحكم .
ولقد ظهر بعد ذلك أن ما أسست له هذه البرجوازية لم يكن سوى دكتاتوريتين من أعتى الديكتاتوريات في التاريخ ديكتاتورية بورقيبة وديكتاتورية بن علي ونظاما اجتماعيا من أسوء الأنظمة التي كرست القمع والحيف و الاستغلال والاضطهاد الطبقي والسياسي والاجتماعي والثقافي في حق الأغلبية.
لقد عرى 17 ديسمبر كل هذه التناقضات ولكنه في المقابل لم يتمكن من أن يؤسس لكنسها فعادت البرجوازية التونسية عبر الانقلاب لترميم نظامها و أعاد الانقلاب الديمقراطي جناحيها إلى الواجهة السياسية ليس كجناحين متصارعين بل كجناحين حريصين على ترميم النظام و على تقاسم الحكم.
لم يخطأ راشد الغنوشي عندما قال في 2016 "تونس طائر يحلق بجناحين:النهضة والنداء"
لقد عادت البرجوازية التونسية المرتبطة للواجهة بجناحيها الحداثي والتقليدي وذهب كل ما فعله بورقيبة وكل ما فعله بن علي من تجفيف للمنابع في مهب الريح.
الثورات عموما عندما يعجز فاعلوها عن الاستمرار فيها او يتهاونون أو يستسلمون يعتليها أعداؤها ومسار 17 ديسمبر اعتلاه أعداؤه و أعداؤه لهم سياساتهم ولهم استراتيجياتهم وارتباطاتهم.
النهضة لن تجازف بخسارة موقعها في الحكم من أجل خلاف مع حليفها عن المساواة في الإرث مثلا أو ستسمح لأنصارها بحمل السلاح لفرض موقفها!!!
ونداء تونس لن يجازف بخسارة حليف كالنهضة لمجرد خلاف حول الحريات الفردية !
الحكاية كلها لا تتعدى المماحكة السياسية ومحاولات إضعاف الشريك وكسب نقاط على حسابه
الحكاية في آخر المطاف سيحسمها الوفاق.
إنهم يناورون لا أكثر ولا أقل.
هم ليسوا مضطرين للتنازل!
عن ماذا يمكن أن تتنازل النهضة لنداء تونس ؟
أو عن ماذا يمكن أن يتنازل نداء تونس للنهضة؟
هل أحدهما او كلاهما وصيّ على حريات الناس وعلى المساواة والعدالة التي يريدونها .
هل أحدهما أو كلاهما وكلته الأغلبية ليقرر مصيرها بدلا عنها.
سيجدان طريقا للوفاق لأن ما يعنيهما هو البقاء في الحكم.
البقاء في الحكم يشترط في هذا الطور من الانتقال الديمقراطي وفاقا جديدا على قاعدة شروط جديدة.
هذا كل ما يجري في الحقيقة.
إنها محاولات نداء تونس لإرباك النهضة التي أضعفت جميع معارضيها في السنوات الأربع الأخيرة.
هكذا تجري الأمور عندما تغيب أو تُغَيّبُ الأغلبية أو لا تبالي وهذه هي ديمقراطية الانتقال الديمقراطي.
ديمقراطية الانتقال الديمقراطي هي بالتحديد هذا الغياب أو التغييب أو اللامبالاة.
ديمقراطية الانتقال المجرمة الكريهة ووجهها المشوه الذي يتخفى خلف الحداثة والتجديد في جهة و خلف الهوية والمقدس والاسلام في جهة ثانية.
والنتيجة أنه عندما تغيب الأغلبية يتسيّد المشهد المجرمون وحشودهم وتظهر إلى السطح معارك التمويه على حقيقة الصراع تلك المعارك التي تنتهي دائما بوفاق جديد بين هؤلاء المجرمين.
هذا ما يجري هنا و الآن وهذا ما تستعد به النهضة والنداء للطور الجديد من الانتقال الديمقراطي الذي سترتب له استحقاقات 2019
ــــــــــــ
بشير الحامدي
11 أوت 2018











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل تضرب إسرائيل المنشآت النووية الإيرانية؟ • فرانس 24


.. إدانات دولية للهجوم الإيراني على إسرائيل ودعوات لضبط النفس




.. -إسرائيل تُحضر ردها والمنطقة تحبس أنفاسها- • فرانس 24 / FRAN


.. النيويورك تايمز: زمن الاعتقاد السائد في إسرائيل أن إيران لن




.. تجدد القصف الإسرائيلي على مخيم النصيرات وسط قطاع غزة