الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خطاب انتخابي

إبراهيم رمزي

2018 / 8 / 19
كتابات ساخرة


كانوا في حدود ثلاثين فردا، يزيد عددهم قليلا أو ينقص. الكثير منهم صامتون، وقليلون منهم انخرطوا في أحاديث تافهة:
ـ أراك كثيرا في السويقة ..
ـ لا أعلم شيئا عن نسبك وأسرتك وشغلك ..
ـ من أي قبيلة أنت؟
ـ ولدي اعتقله البوليس لاتهامه ببيع الحشيش .. بينما البيت المفتوح للدعارة لا يعرفون إليه سبيلا ..
ـ المقدم* صاحبي "بزاف" يجيء إلى دكاني كثيرا، ويشاركني لعبة الضامة وشرب الشاي .. ولكن أسئلته عن الناس كثيرة ..

وانتبه الجميع للسيد الذي تصَدّر كرسي رئاسة الاجتماع، وبجانبه جلس "ولد الحومة".
وجه منتفخ كوجه ملاكم أنهى للتو إحدى مبارياته، وابتسامة بلهاء صفراء تزيده بشاعة .. خلال بضع دقائق استغرق في حديث كله تملق ونفاق وسوريالية .. ثم أشار بيده إلى عون، فسارع بوضع قارورات بلاستيكية صغيرة من الماء أمام الحاضرين .. سرعان ما أطفأوا بها حرارة أجوافهم .. حاول التحبب إلى الحاضرين بتكلف "روح الدعابة الخفيفة":
ـ اقبلوا ضيافتنا، ولو أنها ليست في المستوى .. هذا اللقاء بكم يدخل في إطار السعي لتجديد هياكلنا الحزبية استعدادا للاستحقاقات المقبلة .. وفي البداية سأذكّر بثوابت حزبنا، وهياكلنا، وطرق اشتغالنا، ودور منخرطينا ..
بعض الحاضرين أغرتهم برودة القاعة المكيفة فاستسلموا لغفوة لا يعلمون كم دامت من الوقت .. لم يقطعها عليهم إلا بعض التصفيقات ..

وبدأ تسجيل المداخلات لإجمال الرد عليها دفعة واحدة ... ولكن المداخلات كانت تتشابه في مضامينها .. لذلك قاطع المتدخلين، وهو يرسم ابتسامة مصطنعة على "محيّاه":
نحن في الحزب نعرف رغباتكم .. وسنعمل من أجلها .. ولكننا هنا لاستقطاب منخرطين جدد، في أفق تجديد هياكلنا بأحياء المدينة، وتعريفكم باستراتيجيتنا .. وذلك ما لم تناقشوه.
حاول أن يتحدث بصوت منخفض مع "ولد الحومة"، ولكن انفعاله جعله يرفع صوته:
ـ ما هذه العينة التي جئتني بها؟ .. نريد منخرطين لا يسألون عن: شغل، أو صحة، أو تعليم، أو سكن، أو نظافة، أو أمن، .. نريد من لا يسألون عن الأساسيات ولا الكماليات .. "صم بكم عمي فهم لا يعقلون"

وقف "ولد الحومة" وتوجه إلى الحاضرين:
ـ أعتذر لكم إن أنا أتيت بكم هنا .. الله "يخليكم ف صباغتكم"، ويجَنّبكم شِراك بائعي الأوهام من النصابين المحترفين .. هيا بنا نعُد إلى معاناة حياتنا المعتادة، فلا حزب قادر على تغييرها، لا تتركوهم يستغفلوننا، ويضحكون علينا، ليس في القنافذ أملس، ..
حاول الإمساك بتلابيب "ولد الحومة" وهو يصيح بالناس مغتاظا:
ـ أيها الناس، نحن الحزب العتيد، نحن حزبكم، نحن أملكم، .. لا تنصتوا للمحبِطين والعدميين ..

نظر حوله فرآهم ينسحبون جميعا، لم يبق أحد. الجميع انصرف. بقي وحيدا. تهالك على كرسي ليندب حظه، بسط يديه نحو السماء، وصاح بكل ما أوتي من قوة:
ـ والآن، بماذا سأجيب الـ ....
داهمه سعال قوي، اعتصر حنجرته، وخنق تنفسه، وضغط على مصارينه، وقبل أن تمتد يده لأقرب قارورة ماء .. أصدر صوتا منكرا من تحته. تماسك قليلا .. ثم انخرط في نوبة ضحك هستيرية .. ضحِك طويلا .. وكاد يسقط متمرغا على الأرض .. ومن بين ضحكه ودموعه ردد بتقطّع:
ـ كلامنا يشبه .. أصواتنا التحتية .. هل من مصدق؟



* المقدم والشيخ (بالمغرب): هما رجُلا السلطة – وعينها الساهرة – في كل حي سكني.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اللحظات الأخيرة قبل وفاة الفنان صلاح السعدني من أمام منزله..


.. وفاة الفنان المصري القدير صلاح السعدني عن 81 عاما




.. سماع دوي انفجارات في أصفهان وتبريز.. ما الرواية الإيرانية؟


.. عاجل.. وفاة الفنان الكبير صلاح السعدنى عن عمر يناهز 81 عاما




.. وداعا العمدة.. رحيل الفنان القدير صلاح السعدنى