الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مدخل الى سيناء - جزء ثالث

سعيد رمضان على

2018 / 8 / 22
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


على عكس مناطق أخرى تألقت لحظات في التاريخ ، ثم انطفأ وهجها وأصبحت نسيا منسيا ، فأن سيناء وباستثناء لحظات نادرة ، ظلت تتألق بداية من فجر التاريخ حتى ألان ، وعلى مر الزمان احتلت موقع الصدارة في فعل الوجود البشرى ، ليست سيناء مجرد معبر في أزمنة الرحيل المستمر ، وإذا كانت تعيش ( تحت وطأة قدرها الجغرافي ) (1) فأن ذلك القدر يؤكد على دورها التاريخي ، دور تلعبه أحيانا لصالح جسدها المصري وانتمائها العربي ، وأحيانا لصالح مراكز ثقل متغيرة ،" ورغم تلك الأهمية إلا إنها لم تنل اهتماما حقيقيا إلا من ناحية المتطلبات العسكرية ، وأغفلت حتى قبل الاحتلال الإسرائيلي كإقليم تنموي يمكنه إن يلعب دورا هاما في الاقتصاد المصري ، ومع ذلك فأن سيناء عندما تفقد أحيانا أهميتها العسكرية ، تكتسب أهمية أخرى , هي الأهمية التجارية , كنقطة التقاء التجارة بين الأقاليم المجاورة والبحر المتوسط ( وبينما كانت هذه المنطقة منطقة إقليم حدود إثناء حكم الدولة البيزنطية قبل الإسلام , إذا بها تفقد هذه القيمة بعد الفتح العربي الإسلامي, وتعود لتصبح إقليم مرور لقبائل مهاجرة من قلب شبة الجزيرة العربية إلى شمال إفريقيا ) (2) وتدور دائرة الزمان ويخيم الظلام على موقع سيناء تدريجيا , ويمر بفترة هدوء أثناء الحكم العثماني , لكن دول الغرب تأتى فتستغل مركزة لحسابها الخاص .( وتعود التجارة العالمية إلى المرور مرة أخري , عبر هذا الإقليم , لكن إلى الغرب منه , تماما عند قناة السويس, وتلعب سيناء دورها التاريخي كموقع استراتيجي هام ) (3) ولكن ليس لحساب بلدها ، بل لحساب دول غرب أوربا وصفت كمراكز ثقل جديدة ، وهو وصف خلاب يخفى صفاتها الحقيقية كدول استعمارية .
وتمر فترة جديدة يتحرر فيها الوطن من الاستعمار والاحتكارات ، بعد نضال عنيف ، ولكنها مجرد سنوات ليعود جزء عزيز من الوطن تحت احتلال أخر ، هو الاحتلال الصهيوني ، استمر يجثم على صدر سيناء خمسة عشر عاما ، يمتص رحيقها ، وينهب خيراتها ، وككل الغزاة اتجه الاحتلال ناحية قدره : الرحيل الذي تحقق في النهاية .

أهمية الموقع :
يقول جمال حمدان : ( إن سيناء هي أكثر منطقة يتداخل فيها اليابس والماء بشدة في أكثر من اتجاه ، إذا إن لها أطول ساحل بالنسبة إلى مساحتها في مصر ككل ، ولذا فأن سيناء تعتبر أقل قارية وبالتالي أكثر جزرية ... فأبعد نقطة عن الساحل في سيناء لا تزيد عن 200 كيلو متر وهذا يصدق بوجه خاص على شمال سيناء ، حيث يمتد ساحل البحر المتوسط في الشمال ، كما يمتد ذراعا البحر الأحمر من الشرق والغرب ، لذا فأن شمال سيناء تعتبر اقل صحارى مصر عزلة عن العالم الخارجي كما إنها كانت دائما على اتصال مباشر بوادي النيل ) (4)
وهى أيضا وعبر امتداد صحراوي كانت على اتصال دائم بقارة أسيا ، ويحدها شرقا حدود مصر وفلسطين المحتلة وساحل خليج العقبة الغربي وغربا قناة السويس والبحيرات المرة وساحل خليج السويس الشرقي ، سيناء اكتسبت أهميتها بوجودها بين ذراعي البحر الأحمر وأطلاله قاعدتها بالكامل على البحر المتوسط ، لأن تلك البحار باتصالها بالمحيط الهندي والمحيط الأطلسي ( وفرت طرقا مائية للمواصلات العالمية عند الهلال الخصيب وبرزخ السويس , وهى المنطقة التي يجب أن تخترقها طرق المواصلات البرية ، التي تصل بين البحر المتوسط وما وراءه شمالا وغربا بين الخليج الفارسي والبحر الأحمر وما وراءهما جنوبا وشرقا .) (5)
هي إذا تحتل مع فلسطين قطاعا هاما في وسط جغرافي مميز، لكن موقعها الذي أفاد جسدها المصري وانتمائها العربي ، أفاد أيضا مشروعات إمبريالية أضرت بجسدها التي تنتمي إليه .
ومن ناحية السطح تقسم سيناء إلى ثلاث أقاليم ، الإقليم السهلي الشمالي ، وإقليم الهضاب يتبعه إقليما جبليا بالجنوب ، ويمتد إقليم السهول من شمال شبة الجزرة أي من قاعدتها على البحر المتوسط ، حتى بداية هضبة التية ، ومن حدود مصر وفلسطين حتى قناة السويس ، و يعتبر إقليم الهضاب قطاعا انتقاليا بين السهول والجبال ، وتميزه هضبتان : هضبة التية التي تمتد بين خليجي العقبة شرقا والسويس غربا وتليها هضبة العجمة بالقسم الجنوبي وتشرف على خليجي العقبة والسويس , وتصل إلى إقليم الجبال التي تشرف مرتفعاته مباشرة على خليج العقبة أما من ناحية السويس فيشرف على سهل ساحلي .( راجع الخريطة )
ومن الناحية البشرية فسيناء جزء من إقليم أوسع أفقا من مجرد شبة جزيرة تقع بين الحدود الشرقية وقناة السويس و ( هي بحق حلقة اتصال بين شبة جزيرة العرب من ناحية الشمال وبين جنوب الأقطار الشامية وبين وادي النيل الأدنى , وكانت القبائل الرعوية إلى وقت قريب تتجول بحرية في هذا الإقليم المتسع , إقليم غلب عليه المظهر الصحراوي , أن هذه البيئة لم تكف أهلها أبدا , لذا فهم في حركة دائمة وراء الكلأ والرعي ) (6)
وينبغي التفرقة بين هذه الحركة والهجرة , فالهجرة حركة واحدة مستقيمة الاتجاه بهدف الاستقرار في مكان جديد , أما الحركة أو ما يطلق عليه البداوة , فهي لا تعنى عدم الاستقرار , ( فالبدو الرحل مستقرين بمعيار التكييف مع الظروف البيئية ) (7) لكن مسرح الاستقرار ليس قرية أو مدينه , بل الصحراء مترامية الأطراف , وفى هذا الحيز المكاني الواسع يتم الحركة الدائرية بين أماكن متعددة , تتكرر ( حسب إيقاع زمني معين ، ولا تنطلق الحركة بمنطق عشوائي ، لا في المكان ولا في الزمان ، وإنما حركة مقصودة لاماكن محدده مسبقا بنظام دائري , ينتهي بالعودة إلى المكان الأول ). (8 )
أن هذه الحركة بالنظام الدائري مع اعتبار سيناء إقليم أوسع أفقا من مجرد شبة جزيرة تقع بين الحدود الشرقية وقناة السويس وتجول القبائل الرعوية بحرية في قطاع واسع يشمل جزيرة العرب , وجنوب الأقطار الشامية ووادي النيل الأدنى , يؤكد ما سبق أن ذهبت إليه بأن سيناء لم تكن سابقا هدفا أو مستقرا لهجرات بشرية كبرى , لأن الهجرة البشرية كما أوضحنا تتطلب استقرارا في المكان , والراصد لحركة القبائل الرعوية القادمة من جزيرة العرب وغيرها إلى جزيرة سيناء قديما ، قد يرصدها كحركة هجرة ، لكنها في الأصل حركة بداوة ، أن ذلك لا ينفى كون سيناء كانت ممرا لهجرات بشرية إلى مناطق خصبة بوادي النيل .
-------------------------------


هوامش :
* يرجع نسب قبيلة الحويطات كما تذكر المصادر إلى الأمام "على بن أبى طالب " كرمه الله وتسلسل النسب :
حويط ابن جماز بن هاشم بن سالم بن مهنا بن داود بن مهنا بن جماز بن قاسم بن مهنا الأعرج بن الحسين بن المهنا بن داود أبو هاشم بن القاسم أحمد بن عبيد الله أبو علي الأمير بن طاهر شيخ الحجاز بن يحي النسابة بن الحسن أبو محمد جعفر الحجة بن عبيد الله الأعرج بن الحسين الأصغر بن الإمام علي زين العابدين بن الإمام الحسين بن الإمام علي بن أبي طالب – والحويطات موجودة في السعودية والأردن وفلسطين بالإضافة إلى مصر
(1) - سيناء / حسن راتب / الأهرام / الطبعة الأولى ابريل 1995
(2) - موسوعة سيناء / قسم الجغرافيا البشرية والتاريخية – د. محمد السيد غلاب - هيئة الكتاب 1982
(3)- مصدر سابق
4- جمال حمدان / شخصية مصر / الجزء الأول / عالم الكتب - القاهرة 1980
(5) - مصدر سابق
(6) - مصدر سابق
(7) - التحول الكبر في سيناء / أشراف وإعداد عزت حجازي / المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية / القاهرة 2000
(8) - مصدر سابق
3








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأرمن في لبنان يحافظون على تراثهم وتاريخهم ولغتهم


.. انزعاج أميركي من -مقابر جماعية- في غزة..




.. أوكرانيا تستقبل أول دفعة من المساعدات العسكرية الأميركية


.. انتقادات واسعة ضد رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شفيق لاستدعائها




.. -أحارب بريشتي-.. جدارية على ركام مبنى مدمر في غزة