الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
مدخل الى سيناء - جزء اول
سعيد رمضان على
2018 / 8 / 21دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
إذا مر الإنسان من على قناة السويس بالمعدية أو من فوق كبرى السيارات ، متجها لسيناء سيرى المياه الزرقاء تنساب بهدوء في تموجات تماما كنهر النيل ، وقد يسعفه الحظ فيرى سربا من الأسماك ، أو قارب صيد صغير يتهادى على صفحة الماء بفعل حركة المجاديف أو شراع معلق على صاري ، وربما يرى صيادا جالسا على الضفة مشعلا سيجارته متأملا خيط سنارته وهو يتباعد أو يقترب ، لكنه في الغالب سيرى سفينة ضخمة تشق الماء ، واحيانا يتقدمها قارب صغير يرفع علم مصر بجوار علم قناة السويس .
وعندما تمر السفن من القناة قد يفكر البعض في عائدها المادي ، أو يسرح البعض الأخر في حلم ارتياد أماكن مجهولة ، كما فعل سندباد الأساطير ، وربما فكر آخرين في بلاد يهاجرون إليها هروبا من اختناق قابض على حياتهم ، لكن عندما نرى علم مصر بجانب علم قناة السويس وهو يرفرف بجمال في المقدمة هل نسأل كيف وصل ذلك العلم ..علمنا إلى هناك ؟ و ما الذى جعله يرفرف خفاقا ؟؟
وإذا كانت قناة السويس تذكر مقترنة بعائدها المادي وإيراداتها، طول العشرين السنة الماضية تقريبا ، فأنها من قبل وطول تاريخها كانت تذكر بغير ذلك ..
لم تكن أبدا قناة السويس مجرد ممر مائي ..
لقد نظر إليها مرة إثناء حفرها ، كأنه حفر لقبور ألاف العمال المصريين الذين ماتوا في ظروف قاسية
ونظر إليها مرة أخرى كأداة للسيطرة الاستعمارية
وبعد السيطرة نظر إليها كمجرى استغلالي ، بواسطته يتم نهب مصر بطولها وعرضها .
ثم نظر إليها كرمز للكرامة الوطنية
أما العمال المصريين الذين ماتوا وهم يحفرونها ، فأن أحفادهم استشهدوا على ضفتيها في نفس المكان وعلى نفس التراب ، التراب الذي يمتد ليصل إلى أول حدود الوطن في سيناء .. وبين التاريخين : تاريخ الجد وتاريخ الحفيد، تألقت روح الشعب فعزفت موسيقى المقاومة ، وحملت بلدها مصر ووضعتها في قلب الدنيا .
ولم تكن بداية النضال عند ضفتي القناة ، بل ابعد من ذلك في المكان والزمان ..
في المكان عند خط الحدود حيث تلاحمت قديما أراضي مصر والجزيرة العربية وفلسطين و حاليا تتقارب أربعة دول : مصر / السعودية / الأردن / فلسطين .
وفى الزمان بداية من الهكسوس، عندما بدأت أنشودة النضال مع أول خطوة للمصريين لتطهير بلدهم ، و لم تتوقف الأنشودة عن العزف أبدا أو تخفت لحظة من الزمان حتى انتهى الاحتلال الصهيوني لسيناء .
وقد انتهي كل احتلال بالهزيمة وظلت سيناء لمصر ، وبقيت مصر لشعبها الذي وقف شامخا بأصالة ..
ومن الغريب أننى إثناء بحثي في المراجع والمصادر سواء كانت مكتوبة أو عن طريق إخباريين ، اكتشفت أنني الذي عشت في سيناء من عام 1982 وحتى ألان ، لم اعرفها تماما ، وجهلت جوانب كثيرة فيها ، لقد أعادني هذا الكتاب إلى التاريخ ، مما جعلني أكثر قربا من وطني ، وانتشلني من القلق الذي أصابني وأنا أرى العديد من أبناء بلدي ، يعانون من دوامة التشتت والحيرة ، ومن فجوة قد تعرضنا جميعا للضياع ، هي فجوة ضياع القيم وفقدان الهوية ..
هناك دعاوى تظهر كل حين بأن الإصلاح ينبغي أن يتم بإطلاق الحريات و إصلاح المؤسسات ، والنظام الإداري ، وتوزيع الدخل ومنع الاحتكار .. إلى غير ذلك من صور الإصلاح ..
وقد اتفق مع كثير من هذه الدعاوى ، ولكني أؤكد أن كل عيب وكل فساد ، وكل تراجع عن القيم ، جاء بسبب إفراغ التاريخ من محتواه ..
أن تفريغ طاقات المقاومة والنضال التي ترسخت في وجدان الشعب المصري ، والعمل على تهميش دوره أدت إلى إيقاف نبض الحياة فيه .
في الماضي لم تكن هناك مؤسسات ديمقراطية أو حريات حقيقية ، لكن النبض كان حيا .. و الرؤية لا يغلفها أي ضباب والهدف واضح .. كنا نعرف تماما وجهتنا ....ثم تغير الزمن .. ضاعت الرؤية كما ضاع اليقين ، واختفى كل نبض وكل حس وكل جمال ، فتمزق نسيج الوطن ، وغابت الروح الحقيقية وتقوقعت ، لأن من يحمل رايتها وهو الإنسان المصري البسيط ، أصبح معلقا في الفراغ ولم يعد يعرف من هو ... لقد تم بلبلته وتهميشه ، وسحقه الجري طول يومه وراء لقمة العيش بدون لحظة يلتقط فيها الأنفاس .
وأحسب أن الكتابة عن سيناء فيه رتق لبعض النسيج الممزق ، لأنه عندما نكتب عن جزء من مصر فنحن نكتب عن تاريخ وطن ، وذلك يقربنا من هويتنا أكثر .
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. البيت الأبيض: نعتقد أن الخطة التي تنوي إسرائيل تنفيذها في رف
.. سقوط 8 قتلى بصفوف حزب الله وحركة أمل جراء غارتين إسرائيليتين
.. تطوير نحل روبوتي يزيد من نسل النحل ويمنع انقراضه • فرانس 24
.. الإعلام الإسرائيلي: الجيش يستعد لإجلاء المدنيين من رفح تمهيد
.. غواص مخضرم يكشف مخاطر البحث بمنطقة انهيار جسر بالتيمور وسبب