الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين مقهى عويز والمذيع العاقولي علاقة صنعها زائر جديد

كاظم الحناوي

2018 / 8 / 25
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات



في الثاني والعشرين من آب 2017 رحل رجل من زمن التلفاز. التلفزيون زار السماوة في طفولتنا …
علمنا من خلاله ان المستقبل عالم ضخم لم نبلغ شاطئه بعد ،نحن نسمع عن الاشياء من خلال الراديو دون ان نراها.جاء زائرا جديدا نملأ به فراغ المساء. ليصبح بعدها وسيلتنا لمعرفة العالم...عندما تعرفنا على التلفزيون في السماوة كانت صورة المذيع الاول، مجسمة يبدو لي كرجل من كوكب اخر خيالي للغاية..
اصبحنا نرى صورة الحدث متحرك في مكان وقوعه ... لقد اجلسنا التلفزيون معنا على المائدة .. كان يتصدر كل ذلك المذيع المرحوم حسين العاقولي.
في السبعينات كان اقتناء جهاز التلفزيون في محافظة المثنى مقصورا على عدد محدود من العوائل، وكان جهاز التلفزيون له مكانه خاصه بين قطع اثاث البيت. كان الذهاب إلى المقاهي لتناول المشروبات المختلفه والاستماع آلى البرامج والأغاني ومتابعة الأخبار بمثابة راحة واستجمام . بل كان الكثير من الزبائن يجلسون في المقاعد الاولى المقابلة لجهاز التلفزيون في المقهى قبل ساعات طويلة من بداية البث، باعتبار ان البث يبدأ في السادسة مساءا ...
أول تلفزيون دخل قضاء الخضر نوع اوريون في فترة الستينات فقد كان لفته ال ارميض وعبد الكاظم البطاي أول من أمتلك جهازه الخاص في مدينة الخضر بالاعتماد على بث تلفزيون البصره وحركة الرياح التي تساعد بوضوح الصورة (جنوبي غربي) واحيانا يشاهد تلفزيون الكويت بعدها جلب الحاج عويز تلفزيون للمقهى المسمى باسمه ليصبح أول من جلب تلفزيون للعوام في المدينة (هذا ماقاله مؤرخ المدينة كامل الريشاوي ).
حيث كان مقهى عويز مكانا لتمضية الوقت وشرب الشاي ولعب الدومينو ولقاء الأصحاب . وكان، في الوقت نفسه، وسيلة تواصل بين مدينة الخضر وأريافها، فأبناء الأرياف اعتادوا انتظار من يقلهم إلى قراهم ، فهم عابرون ، خلاف اهل المدينة روادها الدائمين. وكان للمقهى تأثيرات مهمة في حركة العمل حيث ينتظر العمال فرصة عمل مؤقته ، وساهمت في ظاهرة تجزؤ الأسرة، فالرجل في المقهى بدلا من البيت، والمرأة لدى الجيران، والطفل في الشارع (علي الوردي، شخصية الفرد العراقي). غير أن المقهى اليوم ما عاد على هذا النحو حيث اختلطت الحداثة بالرثاثة وهذه هي تحولات جعلت المقاهي مجرد اماكن لتدخين الاركيلة ولم يعد التلفزيون سببا للتواجد فيها.
وكان جهاز التلفزيون بالابيض والاسود ,يشبه الصندوق الكبير، وله باب يقفل على الشاشة عن طريق سحاب من خشب فى مقدمة الشاشة. وكان العديد من العوائل يضع الزينه والمزهريات فوق التلفزيون. . لاظهار مكانته ونوعيته، والتباهي بامتلاكه.
ومع افتتاح تلفزيون المثنى واقامة برج تقوية البث تغيرت مظاهر السهر بالليل وتمضية الوقت في السماوة ، مع بدء أول بث مرئي بظهور مباشر للمذيعين امام المشاهدين وكانت المفاجئة التي كانت مثار الحكايات، والنميمه بين الناس، في ظهور نساء من محافظة المثنى في برامج التلفزيون. حيث كان التلفزيون يبدأ برامجه كالعادة، بالنشيد الوطني، ثم آيات من القرآن الكريم يتلوها نخبه من المقرئين المشاهير كالمقرئ الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، ثم تتوالى البرامج والاخبار وبعض المنوعات حتى موعد انتهاء البث في منتصف الليل عبر قناة واحدة لاغير فاصبحت اذان و عيون الجميع ترى نفس الوجوه ونفس البرامج على الشاشه. وكانت ساعات بث تلفزيون المثنى قليله ، لانه يتم اعادة برامج تلفزيون بغداد مثلا برنامج تحقيقات تلفزيونية كانت تقدمه المذيعة سهام مصطفى يعرض في السماوة بعدها بيومين وكل البرامج على هذا المنوال، وكان يوجد استوديو واحد فقط للتلفزيون، تقدم منه نشرات الأخبار مباشرة على الهواء وتسجل فيه بعض البرامج مثل ركن الهواة الذي قدم هواة الغناء من ابناء المثنى. كان هناك مذيعين ومذيعة ربط، يملكون الى جانب الموهبة اجادة اللغة والثقافة، والصوت الجميل، و الالقاء، والمظهر المحترم…
لا يختلف اثنان في محافظة المثنى في قدرات المذيع المرحوم حسين العاقولي الفطرية حيث كان متعلقا بمساهماته من خلال تقديم الخبر بجمل مختصرة رصينة ، فالهواية التي اصبحت مهنته أهلته لأن يعتبر المذيع الاول للوليد الجديد تلفزيون المثنى في اواسط السبعينيات من القرن المنصرم، لقد تعامل مع مهنة غريبة وبعيدة عن ابناء المحافظات وكانت القاعدة التي مارس فيها مهمته مذيعا يقدم الخبر، في وقت لم تكن الكاميرا متحركة متنوعة حسب الظروف والإمكانات، بل عليك ان تقدم الصورة بامكانيات بسيطة موازية لتلفزيون الحكومة الرسمي في بغداد.
مضت السنون على هذا الكلام ولكن عملي مديرا للاعلام في تربية المثنى قادني لان التقي الاستاذ العاقولي في المخزن الخاص لمديرية تربية المثنى في )كاع باني( .. لحضتها فرحت بلقائه فهو انسانا عزيزا وأستاذا ومعينا لكل من عرف وعمل معه، فكل من زامله من الصحفيين والكتاب والأدباء والمواطنين في محافظة المثنى يعرفون سجايا الرجل العملية والأخلاقية، فهو رجل هادئ يحمل فكرا متزنا لا تسمع منه إلا ما يطيب مسمعك، ومن حصل منه خطأ تجاهه قومه بالنصح والتوجيه والغفران، حتى في وقت الراحة وتبادل المزاح بين الزملاء له بصمته المتسمة بالحياء وصفاء النية وليس الخدش أوالتقليل من المقابل، يعمل بصمت في دائرته التربوية و يحث ويساعد ويتقبل الفكرة جديدة.
بعد ان تم الربط بالبث المباشر بين بغداد والمحافظات اغلق ستوديو المثنى وتوقف عن بث اخبار المحافظة فعاد الى مديرية تربية المثنى واصبح بعيد عن الاضواء عبر العمل بالمخازن .
لم يتوقف العاقولي عن الدعم والتشجيع للعاملين بالاعلام من ابناء المحافظة، وإبان اعادته الى تربية المثنى استمر في عمله بنفس الحماس وضاعف من نشاطه. بعد افتتاح تلفزيون المثنى من جديد، لم يعد العاقولي لان العمل التلفزيوني تغيير جذريا مادة وإخراجا وبتكنيك تحريري حديث.
وقد دون الكثير عن افتتاح تلفزيون المثنى في سطور موجزة، واعتقد لايمكنك ان تكتب عن تلك الحقبة دون ان تذكر مذيعها الاول، واصحاب المقاهي في تلك الفترة كان لهم دور كبير في رواج صورة العاقولي …للاسف فاني لم اقرأ عن شخصه مايستحق فهو ممن لم يلتفت إليهم وطواه النسيان مما يوحي بأنه سائر في طريقه الذي ارتضاه، وهو الابتعاد عن الاضواء التي كان نجمها الاول في المحافظة.
رحل العاقولي وقبله أمثاله ممن ساهموا في رواج التلفزيون وعلى هذا الطريق جميعنا نمشي ونتمنى ان نكتب عمن يستحق الذكر قبل ان يحين اجله المحتوم...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انطلاق معرض بكين الدولي للسيارات وسط حرب أسعار في قطاع السيا


.. الجيش الإسرائيلي يعلن شن غارات على بنى تحتية لحزب الله جنوبي




.. حماس تنفي طلبها الانتقال إلى سوريا أو إلى أي بلد آخر


.. بايدن يقول إن المساعدات العسكرية حماية للأمن القومي الأمريكي




.. حماس: مستعدون لإلقاء السلاح والتحول إلى حزب سياسي إذا تم إقا