الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على العطفى .. آخر الجواسيس قبل كامب ديفيد

رياض حسن محرم

2018 / 8 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


شخصية شديدة الإلتباس، لعبت دورا إستثنائيا فى تاريخ حرب الجواسيس بين مصر وإسرائيل، واوجعت السادات بعمق وشدة، إنه الدكتور المزيف/ على العطفى.. أستاذ العلاج الطبيعى، والمدّلك الخاص للرئيس أنور السادات ولعائلته.
هو"علي خليل العطفي"، من مواليد حي السيدة زينب في القاهرة عام 1922، لم يحصل سوى على الشهادة الإعدادية فحسب، وبعدها عمل كصبي بقال، ثم عامل في أحد الأفران، ثم عامل في إحدى الصيدليات، ثم انتهى به المطاف للعمل في مهنة "مدلّك"، وكانت مهنة غير منتشرة في ذلك الوقت، ولا يهتم بها سوى الطبقة الأرستقراطية، "كما كانت تظهر فى أفلام الأبيض والأسود القديمة".
عندما حدث الخروج الجماعى للأجانب من مصر "بعد حرب 1956" نتيجة سياسات التمصير والعداء لليهود وصعود التيار القومى" حدث فراغ كبير فى بعض المهن ذات الخصوصية، ومنها مهنة التدليك التى تخص الذوات والفنانات و الأعيان عموما، ولملإ تلك الفجوة لجأ بعض صبيان المدلكون الأجانب للعمل بتلك المهنة وسمّوا أنفسهم مدلكون أيضا ومنهم كان صاحبنا.
فى تلك االأيام بدأت رحلة هذا الرجل الذى إرتبط مبكرا بالموساد الإسرائيلى فى أمستردام بهولندا بعد أن سافر اليها مغامرا "بباسبور نصف بحرى" وتزوج سريعا من فتاة هولندية، (تم بالزج بإسمه فى كشوف المبتعثين لدراسة العلاج الطبيعى بالولايات المتحدة الأمريكية بعد عودته من هولندا)، وفى أمريكا تم تجهيزه للدور المستقبلى المنوط به، و تلميعه وتبييضه عن طريق الظهور فى بعض وسائل الإعلام والمحطات التليفزيونية تمهيدا لعودته، وفى مصر تم العمل على تسويقه سريعا فعرف فى أجهزة الإعلام بوصفه " الدكتور العطفي المتخصص في العلاج الطبيعي، "وهو من التخصصات الطبية الحديثة في مصروقتها"، ولقلة عدد الأطباء والأساتذة في هذا التخصص أعطيت له فرصة كبيرة للتميز في مجاله بقليل من المساعدات العلمية التي تقدمها له إسرائيل من الأجهزة والأدوية والكريمات، ودعوته المتكررة لحضور المؤتمرات والندوات العلمية بالخارج، تلك السفريات التى ساعدت فى ترسيخ أقدامه داخل الطبقة الحاكمة، واتخذت السفريات مسارا طبيعيا لمقابلة مسؤله ( إيلي برغمان ضابط "الموساد" ذو الأصول المصرية فى السفارة الإسرائيلية بهولندا)، حيث كان برنامج التدريب الذي خضع له العطفي يركز على تأهيله ليكون نواة لشبكة جاسوسية تخترق الوسط الطبي والأكاديمي في مصر، فدُرّب على استخدام أجهزة الإرسال والاستقبال بالشفرة، وتصوير المستندات بكاميرات دقيقة، واستخدام الحبر السري، كذلك تضمن التدريب تأهيله نفسيا ومعنويا للتعامل مع المجتمع بوضعه الجديد، حتى أصبح على العطفي مؤهلا تماما للقيام بالعمليات التجسسية لصالح الموساد الإسرائيلي داخل مصر، وتتضمن تلك الخطة أيضا تمويل حملة دعائية عنه في مصر وخارجها، لتتردد عليه الشخصيات المهمة ذات المراكز العالية في الدولة، وليصبح قريبا من معاقل صنع القرار، حتى يصل الموساد لتنفيذ الفكرة الأساسية، وهي أن الرئيس السادات يحرص على أن يكون بين أفراد طاقمه الطبي مدلّك خاص، فلماذا لا يحاول الموساد لأن يكون العطفي هوذلك المدلّك الخاص للرئيس السادات؟ سيحتاج الأمر وقتا ليس بقصير ولمجهود كبير، لكنهم كانوا مصممون على إختراق مؤسسة الرئاسة، وفى مصرتسلّم من مندوب "الموساد" أدوات عمله كجاسوس، من حبر سري وشفرة، وجهاز إرسال واستقبال، وكاميرا دقيقة، وخلال المرات التي سافر فيها إلى هولندا كان يُدرّب في أرقى المستشفيات التي تقوم بالعلاج الطبيعي، حتى أصبح بالفعل خبير تدليك، وتوالت عليه الدعوات من جامعات عدة ليحاضر فيها في تخصّصه، وطاردته الصحف المصرية والأجنبية لإجراء حوارات معه، وكان ذلك كله جزءاً من السيناريو الذي أعده الموساد له ليكون مدلّكا للرئيس.
في تلك الأثناء افتُتح في مصر أول معهد للعلاج الطبيعي، واختير العطفي ليكون أول عميدا له، وذات يوم بينما هو في مكتبه بالمعهد فوجىء بمكتب رئيس ديوان رئيس الجمهورية يطلبه. خرج العطفي من المقابلة وهو لا يصدق أنه أصبح أحد أطباء رئيس الجمهورية، وخُصِّصت سيارة من رئاسة الجمهورية تأخذه كل يوم من بيته بحي الزمالك إلى حيث يوجد السادات في أي من قصور الرئاسة المتعددة. امتد عمله أيضا الى جميع أفراد أسرة الرئيس، وأصبح مقربا جدا من السادات والسيدة الأولى، فهو الرجل الذي يدخل عليه الرئيس وهو شبه عارى ويسلم نفسه له، وتدريجيا اتسع نفوذه وزادت صلاحياته، ووصل الأمر إلى أن قاعة كبار الزوار في مطار القاهرة كانت تفتح له، وبالتالي كان من المستحيل أن تفتَّش حقائبه!، وإستغرقه العمل فى مؤسسة الرئاسة تماما كى لا يجد وقتا كافيا يعطيه لرئيس الوزراء أو عثمان أحمد عثمان وغيرهم ، فبين يديه الآن توجد الرأس الكبيرة.
فى تلك الأثناء بدأت ثقته بنفسه تترسخ، وانتظمت رسائله للموساد تحمل أسرارا كثيرة ودقيقة ما أربك جهاز المخابرات المصرى وإضطرهم لتشكيل إدارة خاصة برئاسة رجل المخابرات الأول "وقتها" العميد محمد نسيم الشهير ( بنسيم قلب الاسد)، للكشف عن سر ذلك ( الجاسوس المجهول) القريب من مركز الرئاسة، وبعد أن اطمأن العطفي تماما إلى أنه من المستحيل كشف أمره، بدأ يتخلى عن حرصه، ويتصرف بأريحية مطلقة، وبعدما كان يعمد لختم جوازه بتأشيرات مزورة لبلاد لم يزرها أصبح لا يهتم بذلك، بل يخرج من البلاد ويدخل وفي حقيبة يده ما يدينه بالتجسس، وكان تخلّيه عن حرصه هذا هو سبب اكتشافه، في آخر زيارة له الى أمستردام، قبل القبض عليه، وصلت به الجرأة أن يتوجه إلى مقر السفارة الإسرائيلية على قدميه أكثر من مرة، وهو الشخص الذي أصبح من الشخصيات العامة المعروفة، وفي إحدى تلك الزيارات التقطته عيون المخابرات المصرية, وتم إلتقاط صورا له بصحبة عدد من رجال الموساد المعروفين لظباط المخابرات المصرية , وارسلت الصور الى القاهرة، حيث تم التعرف عليه فورا ووضعت خطة للقبض عليه، وتم عرض الملف على الرئيس (أنورالسادات ) شخصيًا، في البداية شكك الرئيس في صحة المعلومات التي قدمها له رئيس المخابرات، لكنه عاد فاقتنع بما فيها، وأمر بإطلاعه أولا بأول علي كل ما يستجد في موضوع (علي العطفي ) وأمر بإعطاء الملف صفة ( شديد السرية ) وهي من أعلي درجات التصنيف المخابراتي (هذا الموضوع أغاظ السادات شخصيا وأثار حنقه كثيرا للدرجة التى جعلته يرفض أى عرض لبيجين باطلاق سراحه أو مبادلته بعد اتمام المعاهدة، ثم صدرت بعد ذلك أوامر عليا بالقبض عليه وصدرت الأوامر لضابط المخابرات المصري في هولندا بإحكام الرقابة عليه وضرورة ألا يشعر هو بذلك كي لا يلجأ إلى السفارة الإسرائيلية أو تتدخل السلطات الهولندية وتمنع تسليمه لمصر، وعندما توجه ( علي العطفي ) الى شركة الطيران ليحجز تذكرة رجوع الى مصر تلقى ضابط المخابرات أمرا بأن يعود معه على الطائرة نفسها وأن يلقى القبض عليه فى المطار فى مصر، ولكن العطفى كان قد غيّر موعد رحلته وحضر قبل موعده بساعات، وتوجه مباشرة الى فيلته بالزمالك.
في صباح اليوم التالي تلقي (علي العطفي) إتصالا من صحفي في مجلة ( آخــر ساعة ) أخبره فيها بأنه يريد إجراء حوار مطوّل معه عن آخر المستجدات في مجال العلاج الطبيعي وتحدد له موعد التاسعة مساءا، وقبل انتهاء المكالمة توسّل الصحفي أن يحبس الكلب الوولف المخيف الذي يلاصقه في تحركاته كلها فوعده بذلك دون أن يعلم أن ما تم كان بترتيب من المخابرات المصرية
وفي الثامنة والنصف من مساء يوم 23 مارس1979 كان حي الزمالك بالكامل محاطاً بسياج أمني وأمام العمارة رقم 4 في شارع بهجت علي في الزمالك بدا كل شيء هادئا وعلى مقربة منها توقفت سيارات سوداء عدة تحمل أرقامًا خاصة ونزل منها أشخاص يرتدون الملابس المدنية ولا يبدو عليهم شيء غريب، ووصل رجال المخابرات هؤلاء إلى باب شقته التي تشغل دورا كاملا بالعمارة المملوكة له، حيث كان هوفى إنتظار ذلك الصحفى فألقى القبض عليه.
خلال وجوده بالسجن سرّب كتابا يحكى فيه قصته ويدّعى فيه أنه قام بتسميم الرئيس الأسبق "جمال عبد الناصر" من خلال تدليكه بمرهم يحتوى على سم ينتشر فى الجسد ببطأ ويؤدى الى الوفاة بأعراض شبيهه بالجلطة القلبية، وهو ما نفاه كل من سامى شرف ومحمد حسنين هيكل حيث أثبتوا أن المدعو على العطفى لم يدخل أيا من قصور الرئاسة إبّان حياة عبد الناصر.
هذا النوع من الجواسيس الذى يتم زرعه فى المستويات العليا من الطبقة الحاكمة بالدولة لم يتكرر كثيرا، ربما يكون الأقرب لتلك الشخصية هو الجاسوس الألمانى " وولفجانج سيجموند لوتز "، مدرب الخيول الذى تم إرساله لمصر ليتوجه رأسا الى نادى الجزيرة ليختلط بالطبقة العليا من السياسيين وأصحاب القرار بصفته مدربا للخيول، وشخصيات أخرى كعبد الله كوهين الذى وصل الى أعلى مستويات حزب البعث فى سوريا، وكشفته بالصدفة المخابرات المصرية أيضا.
وهى قصص تستحق أن تحكى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كل التحية
جاسم محمد كاظم ( 2018 / 8 / 27 - 11:40 )
وهل كان هناك جواسيس بعد كامب ديفيد الف تحية


2 - واقع مؤلم
على سالم ( 2018 / 8 / 28 - 06:53 )
المنكوب الساداتى كان اكبر كارثه سوداء على مصر , اهم انجازاته كانت قانون العيب

اخر الافلام

.. عاجل.. شبكة -أي بي سي- عن مسؤول أميركي: إسرائيل أصابت موقعا


.. وزراءُ خارجية دول مجموعة السبع المجتمعون في إيطاليا يتفقون




.. النيران تستعر بين إسرائيل وحزب الله.. فهل يصبح لبنان ساحة ال


.. عاجل.. إغلاق المجال الجوي الإيراني أمام الجميع باستثناء القو




.. بينهم نساء ومسنون.. العثور جثامين نحو 30 شهيد مدفونين في مشف