الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بلزاك..(سكرتير) التاريخ! والكوميديا (البرجوازية) بين الادب والسياسة (3)

ماجد الشمري

2018 / 9 / 1
الادب والفن


كانت تحفة بلزاك الادبية " الكوميديا الانسانية " متخمة بعناصر الحياة المعتادة و المألوفة لطبقة البرجوازية الفرنسية و شرائحها المتعددة ، و كان الحب واحداً من تلك العناصر ، و التي تناولها بلزاك بشفافية و اعتدال دون مبالغة أو افراط غير ضروري . فعلى العكس من الادباء الذين كتبوا حول موضوعة العلاقات العاطفية ، و الحب بشكل رومانسي تقليدي : ليالي القمر ..نجوم الليل.. هدير البحر.. تنهدات الاحبة ، و العاطفة الجياشة لدى العشاق المغرمين. نجد بلزاك و بوعي باهر و واقعية باردة يقر بحاجز التفاوت الطبقي و التراتب الاجتماعي كعائق رئيسي و سد شاهق أمام علاقات الحب و التقارب بين الجنسين ، و صعوبة بل و ندرة تجاوزه و خرقه الطبقي . وأن الافراد من الجنسين يخضعون لقوانين الطبقات الاجتماعية سواء داخل الارستقراطية أو البرجوازية ، لا لقانون الحب و العواطف!. فالحب الذي يكسر الطبقة أو يخترقها كان هراءا و سخف ساذج بالنسبة اليه ، و لايتحقق قطعاً الا في الاحلام المثالية و الروايات الغرامية الرومانسية الساذجة . فالحب و العاطفة العشقية كانت هامشية أو مسألة ثانوية بالغة التفاهة في العرف الاجتماعي الطبقي الصارم و الحريص على نقاءه من التطفل الطبقي ، و الغاء الفوارق حتى في مجال الحب . صحيح ان بلزاك عالج ثيمة الحب في رواياته، و لكن قليلاً ، و بشخصيات فريدة و معدودة مثل : " حب اوجيني غرانده" و حب " بيريت" و " اوغوستين" و حب " جاستون" .و قد كان قمة في تصويره لهذه الحالات من الحب ، و عرضه للعاطفة الانسانية بأصدق تجلياتها و حضورها ، الا ان بلزاك : رجل العلم الطبيعي الادبي لم يقم وزناً. للاعراق الارستقراطية النقية ، و لا للقيم السامية المحلقة ، و لا للحب المثالي البري ، و دوافع السلوك المستقيمة . فشخصيات " الكوميديا الانسانية " سواء انحدرت من طبقات عليا نبيلة او برجوازية او من طبقات القاع الاجتماعي او كانت ذكية ماكرة او غبية ساذجة، فهي جميعاً و بشكل عام خضعت لمبضع "مشرط" الجراح العلمي العقلاني الذي لا يسمح لنفسه بأن يسرح مع الخيال المنفلت و هو يتعامل مع جسد حي . كانت خلفية بلزاك الفكرية و الدينية هي كهنوتية محض ، و عقيدته الدينية هذه هي سياسية عملية خالصة بقشرتها اللاهوتية . فقد كان واعياً و مقتنعاً بالعامل الديني كأديولوجيا متجذرة في المجتمعات ، و كان يدرك جيداً دور الدين و الكنيسة أجتماعياً و سياسياً و سايكولوجياً و ثقافياً . فقد كتب في عام 1832 يقول:" أليس الدين هو أقوى وسائل الحكم لأفهام الشعب على تحمل آلامه و عمله الشاق مدى الحياة ". و كتب أيضاً :" الله و الملك : هذان هما القانونان الوحيدان اللذان يوقفان الفئة الجاهلة من الشعب عن حدود الصبر و الاستسلام " و رغم الطابع الفظ و الرجعي في مايقوله بلزاك ، و هو كريه حقاً و غير مقبول و معادي للشعب ، و يشبه جداً ما قاله كازيمير بيرير بعد ثورة عمال النسيج في ليون و هو يخطب في الحشد العمالي :" ليعرف العمال ، ليس لهم من امل سوى الصبر و الاستسلام ". هذه الكلمات التي تتضمن الاعتراف بأن الطبقة الاخرى ( غير الجاهلة ) و التي لاتعرف بؤساً و آلام ، و التي ليس عليها ان تتجرع مرارة الصبر و عذاب الاستسلام و ذله - و السيد بلزاك ضمنها طبعاً!- تستطيع ان تعيش بدون حاجة لأوهام الدين ، فهو حاجة و ضرورة لتخدير العمال! ف " الدين هو رابطة جميع القوانين المحافظة التي تسمح للاغنياء بأن يعيشوا بهدوء ". - بعيداً عن ازعاج الرعاع!- و " الدين مرتبط بصورة لا انفصام فيها مع الملكية". هذه السخرية الفاضحة في رواية " دوقة لانجيز " تمر عبر قلم بلزاك تثبت بأنه كان ينظر للدين بموضوعية و عقلانية ، و يعرف دوره الكابح للجماهير المحرومة. أما ابطال و شخصيات بلزاك الايجابية في رواياته و هو معهم ايضاً ، فلا تنطلي عليهم و متحررين من شباك اللجم و الضبط الديني بقيودها هذه ، فهم شخصيات مرحلتهم الملحدة أو ضعف الايمان الديني و أفوله في عصر البرجوازية التي لاتؤمن بغير المال فهو الاله الجديد المجسد !.. في رواية " المطعم الاحمر " و عندما يكون على فكتورين أبنة تايلفر الوحيدة ان تتزوج دون دفع مهر ذلك الزواج مع ان مصدر اموال المهر هو من تلك الجرائم التي قام بها الاب ، ثم يبحث اباها عن وسيلة تكفير عم جرائمه ، فيفكر في التبرع للاعمال الخيرية الدينية ، لكنه يتراجع بسهولة و برود ، و ليطرح تلك الفكرة الغبية جانباً و هو يبرر ذلك قائلاً :" اننا نعيش قبل كل شيء في منتصف القرن التاسع عشر "! و كان تايلفر صادقاً ، فلم تعد البرجوازية تفرط بأموالها من اجل ترهات الدين و الاعمال الخيرية!. لو بحثنا في كل نتاج بلزاك الروائي فلن نجد اي مظهر أو سلوك يدل على الايمان الديني الحقيقي في تقواه و صدقه ، و تخلو رواياته من اي شخصية تقية في ممارسة العبادة فتصلي بحرارة و أيمان روحي من الاعماق. حتى في روايته " قسيس من تورز"، فقدسية الحياة الزوجية و عفتها لم تعد تبعث الاحترام أو تثير الاعجاب لدى اي فرد في عالم باتت فيه الحياة الروحية مبتذلة و سوقية ، و امراً مألوفاً و سائداً كنفاق اجتماعي يمارسه بأدعاء البر و الفاجر ، و ينعدم الفرق بينهما .. و أكثر من ذلك و أبعد يقدم بلزاك في رواياته : المسيحي الكاثوليكي كأنسان بليد و فاسد اذا توفرت الظروف ، في حين يجعل من الملحدان بيانشو و ديسبلان على النقيض تماماً فهما اشرف و أنبل شخصيات " الكوميديا الانسانية " . و ما لدى هيجو الرومانسي الذي يرفض استغلال الله من قبل الكهنوت ، و بذلك ينزه و يعترف بوجود الله و سموه ، لانجده لدى بلزاك ، بل العكس تماماً فهو ينفي هذا التمييز و يرفضه فليس من تناقض أو تنافر بين الايمان و سوء استغلاله ، فكلاهما يدعمان بعضهما ، و لا ايمان بدون استغلاله و توظيفه لمصلحة الكهنة . فبلزاك يقول : " لنعترف فيما بيننا ، فلو لم يكن الله موجوداً ، لكانت القوانين بالنسبة للمحتالين أمراً رائعاً " هذه العبارة الاخيرة هي من رواية " بيريت " المؤلمة و ماتعنيه بالضبط هو : ان الله على مايبدو هو اكتشاف مخفف من آلام ضحايا قانونية الاشياء التي تخدم في النهاية قضية واحدة فقط ، الا و هي اعطاء كل الحرية للمحتالين و حمايتهم!.
..........................................................................................................................
يتبع.
وعلى الاخاء نلتقي...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعرف وصايا الفنانة بدرية طلبة لابنتها في ليلة زفافها


.. اجتماع «الصحافيين والتمثيليين» يوضح ضوابط تصوير الجنازات الع




.. الفيلم الوثائقي -طابا- - رحلة مصر لاستعادة الأرض


.. تعاون مثمر بين نقابة الصحفيين و الممثلين بشأن تنظيم العزاءا




.. الفنان أيمن عزب : مشكلتنا مع دخلات مهنة الصحافة ونحارب مجه