الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا .. لمشروع الدستور الجديد / 2

محمد بن زكري

2018 / 9 / 1
حقوق الانسان


المادة (6) مصدر التشريع
النص : " الإسلام دين الدولة ، و الشريعة الإسلامية مصدر التشريع "
في ما يؤخذ على النص : من دلالات التخلف الاجتماعي ، التقاطع ثقافيا بين النخبة من المتعلمين و الطبقة الحاكمة .. و بين جماهير الشارع الرثة ، في نقطة الخلط بين الدين و الدولة ، و هو ما يظهر في كل دساتير الدول التي يدين كل أو جل سكانها بالإسلام ، بالنص على ما يسمى (دين الدولة) ؛ الأمر الذي يتنافى مع مفهوم و شكل الدولة ، ذلك أنّ الأصل في الدولة ، بما هي شخص اعتباري ، أنْ لا دين لها . فالدولة لا تصلي ، و لا تصوم ، و لا تحج البيت العتيق إنْ استطاعت إليه سبيلا .
و المأخذ على إقحام الدين في الدولة ، هو أن الدين يحتوي على شرائع ، أي أنه يحتوي على قوانين . و من المعروف أن لكل قانون أسبابا و ظروفا ، استوجبت سنّه . و بانتهاء تلك الأسباب و زوال تلك الظروف ، يتوجّب إبطال ذلك القانون ، و ذلك ما لا يمكن - أو يتعذر - الإقدام عليه أو القبول به ، في حالة تديين الدولة دستوريا ، كما في مسألة المساواة بين الذكر و الأنثى في الميراث أو في مسألة شهادة المرأة .
على أن ذلك يبدو أمرا هيّنا ، و يمكن تجاوزه أو التجاوز عنه ، بالقياس إلى مبدأ النص على أنّ الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع ، ذلك أن هذا المبدأ - في أية صيغة من صيغه - ينطوي على خطر الاستثمار فيه سياسيا ، من قِبل الجماعات و التنظيمات السلفية و قيادات المؤسسة الدينية الرسمية ، النافذة جدا محليا ، في سياق صعود تيار ما يسمى بالإسلام السياسي ، لفرض نظام حكم ثيوقراطي استبدادي ، على غرار نظام طالبان في أفغانستان أو نظام الجمهورية الإسلامية في إيران أو ربما نظام الدولة الإسلامية (داعش) في العراق و الشام ؛ فيصار من ثم إلى تفريغ الديمقراطية - الشكلية أصلا - من أي مضمون اجتماعي تقدمي ، و التضييق على الحريات المدنية و إلغائها ، باسم إقامة شرع الله ، تطبيقا لمبدأ الحاكمية .
و بغض النظر عن الاختلافات العميقة بين المذاهب و الفرق الإسلامية ، في فهم الأحكام الشرعية ، إلى درجة تكفير بعضها البعض (كما رأينا في تكفير هيئة أوقاف حكومة برلمان طبرق لأتباع المذهب الاباضي) مما لا يعنينا أمره هنا ؛ فإن دسترة الشريعة كمصدر للتشريع ، هو تأسيس لإقامة دولة ثيوقراطية (داعشية) ، تفرض على مواطنيها دكتاتورية دينية مطلقة ، تتحكم بها المؤسسة الدينية الرسمية (دار الإفتاء) و أهواء التيارات السلفية (الإسلام السياسي) ، الأمر الذي يعتبر إهدارا لما استقرت عليه مبادئ الحقوق و الحريات العامة و الخاصة ، المنصوص عليها في كل قوانين الأمم المتحضرة ، و يتناقض تماما مع كل التشريعات و المواثيق الدولية ، التي صادقت عليها الدولة الليبية ، و في مقدمتها : الميثاق العالمي لحقوق الإنسان ، و العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية ، و العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية ، و اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) .
و يكفي للدلالة على ذلك ، رؤية مدى التعارض التام ، بين مشروع الدستور الجديد للدولة الليبية ، في نص المادة (6) سالف الذكر ، و بين الميثاق العالمي لحقوق الإنسان ، في المادة (18) منه ، التي يجري نصها بهذه الصيغة : " لكل شخص الحق في التمتع بحرية الفكر والضمير والدين ، ويشمل هذا الحق حريته في تغيير دينه أو معتقده ، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم ، سواء بمفرده أم مع جماعة ، أمام الجميع أو على انفراد " . و كذلك التعارض بين أحكام الشريعة ، و بين اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة ، كما في المادة 5 / أ ، التي ترتب على الدول أطراف الاتفاقية ، واجب اتخاذ التدابير المناسبة لتحقيق " تعديل الأنماط الاجتماعية و السلوكية للرجل و المرأة ، بهدف القضاء على التحيُّزات و العادات العرفية و كل الممارسات الأخرى القائمة على فكرة دونية المرأة أو تَفوّق أحد الجنسين ، أو على أدوار نمطية للرجل و المرأة " . و كذلك المادة 16 من الاتفاقية ، جملة و تفصيلا . علما بأن ليبيا انضمت للاتفاقية ، و صادقت عليها بتاريخ 15 مايو 1989 ، غير أن جميع الدول العربية ، بحكم كونها دولا تنص في دساتيرها على إسلامية الدولة ، بما فيها ليبيا ، تحفظت على المادة (16) ، المتعلقة بالزواج و العلاقات الأسرية .
و فيما يتصل بالمساواة بين المرأة و الرجل ، أخذا بقواعد القانون الدولي ، المتعارضة مع أحكام الشريعة الإسلامية ، التي نص مشروع الدستور الجديد بصيغة قطعية جامعة مانعة ، على أنها " مصدر التشريع " ، لن تكون ليبيا - أبدا - أفضل من تونس (التي تجنب دستورها النص على مرجعية الشريعة) ، حيث تعرّض طرح مبدأ المساواة بين الجنسين في الميراث ، لمعارضة شديدة من (الشارع التونسي المسلم) وصلت إلى درجة التظاهر بعشرات آلاف (النساء) و الرجال ، رفضا للمقترح ؛ الذي لم يكن في واقع الأمر ، دليلا على تقدمية الليبراليين و لا على رجعية الإسلاميين (شركاء غنائم السلطة و الثروة) ، فآخر ما يهم الطبقة الراسمالية الحاكمة هو ما في الدين من قيم طوباوية ، بل كان مجرد مناورة لصرف الجماهير - مغيبة الوعي - عما آل إليه حالها من أوضاع معيشية مزرية و فقر مدقع ، مع تفاقم ظواهر البطالة و غلاء الأسعار و التضخم و الركود الاقتصادي ، مقابل استئثار الطبقة الراسمالية الحاكمة - بشقيها الليبرالي و الإسلامي - بحياة الرفاهية و مراكمة الثروات المنهوبة بالملايين .
و عودة إلى نص المادة (6) من مسودة أبريل 2017 للدستور الجديد ، نجد أن هذه المادة بنصها على أنّ " الإسلام دين الدولة ، و الشريعة الإسلامية مصدر التشريع " ، تلغي كل مواد الباب الثاني ، بشأن الحقوق و الحريات ، في مشروع الدستور المقترح (مسودة أبريل) ، جملة و تفصيلا . و من ذلك على سبيل المثال : المادة (32) المتعلقة بالحق في الحياة ، بمقتضى تعارضها مع أحكام الشريعة الإسلامية في إقامة الحدود الحارمة من الحق في الحياة ، كحد الزنا رجما بالحجارة حتى الموت ، المنصوص عليه في المادة (2) من القانون رقم (22) لسنة 2016 ، و نصها " يُحد الزاني بالجلد مائة جلدة إنْ كان غير محصن ، و يجوز تعزيره بالحبس مع الجلد . أما إذا كان محصنا ، فيعاقب بالرجم حتى الموت " . و أيضا المادة 33 المتعلقة بالسلامة الجسدية و البدنية ، و المادة 35 المتعلقة بالكرامة الإنسانية و الوقاية من صور العنف ، نظرا لتعارض المادتين مع أحكام الشريعة الإسلامية في إقامة حد الجلد ، حيث نص القانون رقم 21 لسنة 2016 بشأن تعديل قانون رقم 4 لسنة 1423 م (لميلاد الرسول !) ، في تعديله للمادة (3) ، على أنْ " يعاقب كل مسلم عاقل بالغ قاصد ارتكاب الفعل ، إذا شرب خمرا خالصة أو مخلوطة ، عن علم و اختيار ، بالجلد 80 جلدة حدا ، و تسري عليها أحكام الجنحة " .
فأيّ حقٍّ بالحياة ، و أيّ حقِّ سلامةٍ جسدية ، و أيُّ حقّ كرامةٍ إنسانية أو وقاية من العنف ؛ سواء في همجية ارتكاب الدولة لجريمة القتل البشع عمدا ، رجما بالحجارة حتى الموت ، بتهمة الزنا (و ليس مثلا بتهمة الاغتصاب ، و خاصة اغتصاب الأطفال الإناث . مع اعتراضنا على عقوبة الإعدام أصلا و من حيث المبدأ) ، أم في إيقاع عقوبة الجلد بأي إنسانٍ ، كائنا من كان ، ثمانين 80 جلدة حداً ، لا لشيء إلا لشربه زجاجة بيرة ؟! ؛ خاصة و أن إقامة تلك الحدود المُخِلّة بحقوق الإنسان ، لا يمكن بحال أن تطال غير المواطنين العاديين و الفقراء ، أما أبناء الطبقة الحاكمة و شاغلو مواقع الإدارة العليا و أصحاب الملايين و الأثرياء ، فمعروف لدى الجميع ما يفعلونه في استراحات مزارعهم و ملحقات قصورهم و (غرف مكاتبهم) ، من ضروب العربدة و الفسق و الفجور ، في مأمن تام من أية ملاحقة أو عقوبة .
و كذلك الأمر في المادة 38 المتعلقة بحق التعبير و النشر ، و المادة 39 المتعلقة بحرية الصحافة و الإعلام ، و المادة 41 المتعلقة بحرية تشكيل الأحزاب السياسية ، و المادة 47 المتعلقة بالشفافية و الحق في المعلومات ، و المادة 50 المتعلقة بدعم حقوق المرأة ، و الماد 53 المتعلقة بالحق في التعليم ؛ خاصة مع نص هذه المادة على أن : " تُبنى مناهج التعليم .. بما يتفق مع تعاليم الدين الإسلامي " ، أي قولبة عقول الطلاب و غسل أدمغتهم ، بما يلغي حقهم في حرية الضمير و حرية التفكير خارج الصندوق المغلق على الأيديولوجيا الإسلامية .
و ليس من أدنى ريب في أن هذا النص ، إنما يؤسس - في التطبيق - لقيام دولة دينية متزمتة ، ذات نظام حكم استبدادي إرهابي ، على غرار الدولة الإسلامية (داعش) ، تعود بنا أربعة عشر قرنا إلى الوراء ، حيث لا يعود مستبعدا ، بل من الوارد في أية لحظة ، أن يُصار إلى شرعنة سبي النساء و تجارة الرقيق و نكاح الأطفال الإناث (عملا بأحكام الشريعة الإسلامية) ، فضلا عن تطبيق الحدود الإسلامية ، المتناقضة تناقضا مطلقا مع حقوق الإنسان ، و المتنافية كليا مع كل القيم الإنسانية و الحضارية ، و المتعارضة مع كل الاتفاقيات و المواثيق الدولية التي تصون حقوق الإنسان و حقوق المرأة و حقوق الطفل ، و منها : الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، و الاتفاقية الدولية لمنع جميع أشكال التمييز ضد النساء ، و الإعلان العالمي بشأن القضاء على جميع أشكال التعصب و التمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقد ، و الإعلان الأممي للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري ، و الإعلان العالمي لبقاء الطفل و حمايته و نمائه ، و اتفاقية حقوق الطفل .
و يصبح الأمر - كما أسلفت في الجزء الأول - أشد خطرا على مصير حقوق الإنسان و المواطَنة ، و أكثر مدعاة للريبة و القلق ، و أوجب للاعتراض و الرفض ؛ مع نص المادة (193) من مشروع الدستور المقترح ، التي تحصن المادتين 2 و 6 المعيبتين - ديمقراطيا و وطنيا و إنسانيا و حقوقيا - تحصينا مطلقا ، ضد التعديل ، بهذه الصيغة المرعبة : " لا يجوز المساس بالمبدأ الذي تقوم عليه المادة الثانية من هذا الدستور ، و لا بالمبدأ الذي تقوم عليه المادة السادسة ، إلا بغرض تعزيزها " ! ما يجعل كلا من هاتين المادتين حَكَما على كل مواد الدستور .
و لعله من المفيد في تبيُّن - و تبيين - مدى تهافت مشروع الدستور الجديد (حقوقيا) فيما يتصل بتديين الدولة ، إجراء مقارنة سريعة بينه و بين بعض دساتير الدول الديمقراطية ، من قارات آسيا و أوربا و أميركا الجنوبية ..
ففي دستور فرنسا ، لا وجود لأي نص على دين للدولة ، بل إنه عرّف الجمهورية الفرنسية ، في المادة (1) ضمن ديباجته القصيرة ، و حتى قبل الانتقال إلى الباب الأول الخاص بالسيادة ، بأنها جمهورية " علمانية ، ديمقراطية و اشتراكية " ، و يبدو واضحا في هذه الصيغة ، مدى الحرص على إثبات أولوية (علمانية) الدولة ، التي يمضي نص المادة ، ليدقق في التعريف بأن فرنسا كدولة علمانية ديمقراطية " تكفل المساواة بين جميع المواطنين أمام القانون ، دون تمييز في الأصل أو العرق أو الدين ، وتحترم جميع المعتقدات " .
و في دستور البرازيل ، ليس من نص على دين للدولة ، بل تم الذهاب فيه إلى التطابق مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، فيما يخص التأكيد على حرية الضمير و الاعتقاد ، فنص الدستور البرازيلي في المادة (5 / 6) ، تحت الفصل الأول من الباب الثاني المتعلق بالحقوق و الضمانات الأساسية ، على أنّ " حرية الضمير والمعتقد مصونة ، مع ضمان حرية ممارسة المعتقدات الدينية وضمان حماية أماكن العبادة وطقوسها ، بموجب أحكام القانون " .
و في دستور اليابان ، الذي جاء في ديباجته " نحن الشعب الياباني ، نرغب في السلام لكل الأزمان ، و ندرك بعمق المثل العليا التي تسيطر على العلاقات الإنسانية ... " ، لا نصَّ مطلقا على دين للدولة ، يعزل الأمة اليابانية عن باقي أمم الأرض ، أو يميز الشعب الياباني عن باقي شعوب النوع البشري . و مع نصه في المادة (19) على حرية الفكر و الضمير ، و بعد النص على أن " حرية الدين مكفولة للجميع . ولا تتلقى أية منظمة دينية أية امتيازات من الدولة ، ولا تمارس أية سلطة سياسية " ، يشدد الدستور الياباني في المادة (20) على أنْ " تمتنع الدولة و أجهزتها عن التعليم الديني أو أية فعالية دينية أخرى " .
و بدلا من تدريس مادة (التربية الإسلامية) ، عندنا في الدول الإسلامية ، يتم عندهم في اليابان - العلمانية - تدريس مادة ( الأخلاق ) . و النتيجة في الحالتين معروفة للجميع ، على المستويات كافة ، بدءً من سلوكيات التحرش الجنسي و الاغتصاب و التفسخ الأخلاقي بأنواعه ، و ليس انتهاءً إلى مؤشرات الفساد المالي و الإداري .
و الملفت جدا للانتباه ، و المثير جدا للدهشة ، و الجدير جدا بالدراسة (اجتماعيا و اقتصاديا و سيكولوجيا) ؛ هو أن أنظمة الحكم ، في بلدان المسلمين فقط ، مِن بين كل نظم الحكم في دول العالم ، هي وحدها - كما جماهيرها - مَن تصر على تديين السياسة و تسييس الدين ، من خلال النص (دستوريا) على أن الإسلام هو دين الدولة و الشريعة مصدر التشريع . لكن العجب يبطل ، إذا عُرف أن السبب (الحقيقي و الجذري) الكامن وراء ذلك ، هو الإبقاء على نمط العلاقات الاجتماعية السائدة ، القائمة على الاستغلال و التمايز الطبقي ، لمجتمعاتِ و نظمِ ما قبل الراسمالية و ديمقراطيتها الليبرالية .
يُتبع ... الجزء 3








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيرانيون يتظاهرون في طهران ضد إسرائيل


.. اعتقال موظفين بشركة غوغل في أمريكا بسبب احتجاجهم على التعاون




.. الأمم المتحدة تحذر من إبادة قطاع التعليم في غزة


.. كيف يعيش اللاجئون السودانيون في تونس؟




.. اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط