الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصراعات الدولية والثورة السورية

عبدالرحمن مطر
كاتب وروائي، شاعر من سوريا

(Abdulrahman Matar)

2018 / 9 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


حفلت السنوات السبع المنقضية منذ 2011 ، بتدخلات إقليمية ودولية، غير مسبوقة في الشأن السوري، وشهدت تجاذبات واستقطابات واسعة، فيما طال أثر الصراعات الدولية في المنطقة، الثورة السورية، بانعكاسات سلبية مباشرة وحادة، كانت فيها ولما تزل، محوراً رئيساً في تلك الصراعات، سواء أكان الأمر متعلقاً بها بصورة مباشرة، أم بنزاعات بين القوى المنخرطة في الملف السوري، داعمة للثورة، أو مناهضة لها، وفي كلتا الحالتين، فإن ذلك لم يؤدي سوى الى الابتعاد التدريجي عن تبني القضية السورية، والاقتراب أكثر من العودة الى المصالح المرتبطة بهواجس الأمن القومي، وسواه من الشراكات المتوالدة عن تطورات الأوضاع في المنطقة.
أضحت سوريا – في ظل ذلك – بلداً مفتوحاً للتدخلات السياسية والعسكرية والأمنية، بلداً محتلاً من قبل القوى التي فرضت حضورها بقوة الاستحواذ على موارد الدولة، ومؤسساتها، وفي مقدّمها القوات المسلحة والقواعد العسكرية، وبالتالي مصادرة قرار النظام السوري، الذي استنجد بها، واستجلبها، ومن ثمّ فُرض عليه التسليم بتدخلها، وجعل من سطوتها " شراكة " في التدمير والتهجير.
من جهة أخرى، قاد ضعف المعارضة السورية، الى تدخل القوى الإقليمية الداعمة للثورة، بصورة لم تخلُ من الفوضى والتنازع، بينها. قوى لم تستطع مواجهة التحديات العاصفة في المنطقة، في ظل المتغيرات والتقلبات الراهنة في السياسة الدولية، لتدخل كلاً منها في نفق خانق لتبق القضية السورية منعكساً أولياً لكل تلك الصراعات.
لم يكن للثورة السورية، أن تنهض وتتواصل مسيرتها، دون دعم من أطراف مساندة لها، تتبنى رؤيتها، وتقف الى جانبها في النضال الوطني ضد الاستبداد الأسدي. ولكنها في الآن نفسه لم يكن لديها القدرة على توجيه الدعم والاستفادة منه على الأوجه المطلوبة، أو في الحدّ من التدخلات الخارجية في بنية الثورة من داخلها، وما حولها وفي ولاءات القوى والأفراد لها. كما أضحت مسارات الدعم وجهاً آخر للتدخل، وشكلاً من أشكال النزاعات والخلافات بين الأطراف الداعمة للثورة والمؤيدة لها، وساحة لتلك الصراعات، وهذا ما جلب الوبال عليها، وساهم في الوصول الى ما نحن عليه.
كان الخلاف الذي انقادت إليه السعودية والإمارات مع قطر، واحداً من أشد النزاعات التي تأثرت بها الثورة السورية، وعلى الرغم من النأي السوري الواسع عن الدخول في نقاشات حيوية وجوهرية في شأن تلك الخلافات، حماية لمسارات الثورة، من الإنزلاق في تلك الخلافات، فإن أهم نتائجها السلبية كانت من نصيبها. لقد أدى الخلاف السعودي القطري، الى تقسيم أفقي وعامودي في صفوف المعارضة، فأحدث شللاً كاملاً في مؤسساتها، واختلت فيها موازين القوى على الأرض، وأحدثت تراجعات في ميادين الدعم السياسي والإنساني على حدٍّ سواء. كما قاد الى تفكك مشروعات التعاون الاستراتيجي بين أطراف إقليمية مثال السعودية وتركيا، واللتين كانتا تشكلان محوراُ مهماً ليس في دعم الثورة السورية الى جانب قطر، وإنما ضمانة لحقوق السوريين، وأملاً في الوصول الى بر الأمان، وتشكل حاجزاً كان يمكن أن يحول دون الانهيار الكبير الذي وصلنا إليه.
دعمت الولايات موقف السعودية في الخلاف الخليجي، ما شكّل رافعاً للتصعيد وللتشبث في المواقف، وما لبث البيت الابيض أن التف على الأزمة الخليجية مستحكماً بها، ومانعاً لوضع حدّ لها. يلعب ترامب دور الثعبان في نفث السموم، وفي الاستفراد في التغول، ونهب موارد المنطقة. وفي ظل هذا الواقع، ضعفت مكانة الثورة السورية، وافتقدت لدورأساسي في المساندة، سيما في المجال السياسي.
وفي الأزمات التي تواجه تركيا، والصراعات التي تخوضها في الداخل ومع أطراف غربية، خسرت الثورة السورية، دوراً محورياً، مؤثراً في المواجهة بين النظام السوري الفاشي، وأنصار الحرية. لقد أدى خلافها مع واشنطن منذ عهد أوباما، حتى إدارة ترامب الرعناء، الى تحوّل كبير في المواقف التركية، قاد الى إحداث نقلة نوعية في مؤشرات الشراكة الاستراتيجية، نحو خمصين لدودين لتركيا في المسألة السورية، هما موسكو وطهران، خاصة بعد انقلاب تموز 2016 الفاشل.
لا نريد الخوض في أسباب الخلاف التركي مع دول الغرب عموماً، ولكن ثمة أسباب أخرى لها علاقة بالحالة السورية، في النزاع القائم بين أنقرة و واشنطن، منها قضية الأكراد، التي تشهد خلافاً حاداً وجوهرياً بينهما، ترفض فيه أنقرة سياسة واشنطن بدعم الكورد وتشغيلهم كأدوات في الشمال السوري، بما يهدد الامن القومي التركي، ويجهض أي جهود تبذلها تركيا، لإنشاء منطقة آمنة منزوعة السلاح، محظورة على الطيران السوري على طول الحدود السورية التركية، في المناطق التي كانت تقع تحت سيطرة المعارضة السورية. كما تأخذ واشنطن على أنقرة دعمها للتيارات والفصائل الإسلامية، وموقفها من العقوبات المفروضة على إيران، وفي الإطار العام سعي أنقرة بالحفاظ على دورٍ محوريٍّ لها في القضية السورية.
قادت الخلافات التركية – الأمريكية، بعد جملة من التطورات والأحداث في المنطقة، الى نشوء مسار أستانا، وما تمخض عنه من نتائج، كانت هي الأسوأ في قهر السوريين والاستفراد بهم، بعد سقوط الاتفاقات التي كانت تركيا طرفاً ضامناً فيها. وبلا شك، فإن ابتعاد الولايات المتحدة وأوروبا، عن دعم الموقف التركي في القضية السورية، شكل ذلك مصدر قوة وتفرد لموسكو في الملف السوري، بتواطؤ فريد من إدارة ترامب، الممعنة في تجاهل ما يحدث من جرائم إبادة منظمة، يقوم بها النظام الأسدي وروسيا، وإيران.
تأثرت الثورة السورية، بشكل كبير سلبياً، ليس بسبب تدخل القوى الإقليمية والدولية، فحسب، بل إن نزاعات تلك القوى فيما بينها، جرت فوق الارض السورية، وكانت مجالاً رحباً لتنامي تلك الصراعات وتمددها، ولم يحصد السوريين سوى الويلات، سوى مزيد من الخذلان واليتم والوحدانية في مواجهة الجلاد الذي بدأ العالم يرى فيه ملاكاً، وإن كان ذلك على تلال من جماجم الذين قضوا تحت التعذيب، أو تحت الأنقاض، أو بالكيمياوي، أو بتمكن سرطان الإستبداد الذي أحرق كل شئ في البلاد !
انعكست الصراعات الدولية في سوريا، الى الدرجة التي أصبح فيها من الصعب إيجاد حلّ للقضية السورية، دون توافق القوى المتنازعة، على حلّ صراعاتها، أو تبريدها، تبعاً لضرورة المصالح ، وهو أمر أشبه بالمستحيل على المدى المنظور.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصف مستمر على مناطق عدة في قطاع غزة وسط تلويح إسرائيلي بعملي


.. عقب نشر القسام فيديو لمحتجز إسرائيلي.. غضب ومظاهرات أمام منز




.. الخارجية الأمريكية: اطلعنا على التقارير بشأن اكتشاف مقبرة جم


.. مكافأة قدرها 10 ملايين دولار عرضتها واشنطن على رأس 4 هاكرز إ




.. لمنع وقوع -حوادث مأساوية-.. ولاية أميركية تقرّ تسليح المعلمي