الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حسين القاصد الكتابة عند مراثي الصوت

علي حسن الفواز

2006 / 4 / 1
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


لايملك الشاعر حسين القاصد وهو من جيل ما بعد الالفية كما تداولت التسمية!!،، الاّ أن يكون منحازا الى مرجعياته الجمالية والنفسية في تأكيد خصوصية الكتابة الشعرية التي تتمثلها روح هذا الجيل الذي سماه البعض ب(جيل المحنة) ،،،،اذ يجد في هذه المرجعيات نوعا من الاشباع الصوتي الذي يجد اقصى تماهيه في فضاءات (القصيدة الموزونة) ورنين جرسها العالي وبنيتها الغنائية التي يمكن ان تحمل منظومة دلالية مختلفة او موقفا نفسيا ازاء العالم،،،،باعتباره عالما ضاجا بالرعب القهر ويحيلنا بالضرورة الى لغة بصرية تتوج علاماتها برؤية اللغة والعالم وكأنها الحامل الحسي للصوت الفعال الذي يحدس بمواجهة رعب العالم ومحنته... واحسب ان هذه اللغة هي الدالة الاكثر حضورا في الكشف عن قيمة البعد الصوتي الذي غاب كثيرا في التجارب الشعرية السابقة(الستينات/ السبعينات/ الثمانينات) على اساس ان هذه التجارب اكتفت بمشغل الرؤيا الشعرية وتركيب معطياتها في البنية التشكلية /الصورية مثلما انحازت ايضا الى نوع من التجريد الوجودي والبحث في ميتا فيزيائية اللغة والفكرة ...
ان هذه القصيدة نأت بنفسها عن التعقيد النظري ،اذ هي لم تهندس الدلالات كتجريد صوري ولا تحتاج الى التوليفة الذهنية التي اعتادتها القصيدة السابقة في مرحلة مابعد الستينيات ،، لان هذه القصيدة انحازت الى البنية الشعورية وذهبت اليها مباشرة وكأنها امتلكت عبر هذه البنية حيزا تعويضيا كبيرا وجد في التركيزعلى النظام الاستعاري وتكراره، بنيته الفاعلة التي اعتمدت على توظيف الجانب الصوتي وابرازه كبنية مكشوفة غير متعدية ، على جماليات القصيدة الاخرى، لكن هذه التقنية لم تأت وكأنها نسخ مباشر لكتابة الاسلاف البعيدين الذين تركوا (النص الشعري) خاضعا للمقايسة الشكلية والتي لم يأت خرقها الاّ في اطار توسيع مديات الوظيفة الاستعارية في الكتابة ،،وانما كانت محاولة وربما اجتهادا في اعادة انتاج هذه القصيدة عبر توليفات وتركيبات وزنية (تقنية الاوزان المحدودة التفعيلة) وبما يجعلها الاقرب الى قصيدة المزاج او النداء الشخصي الحامل لتجليات النداء والبوح ...
في مجموعته الجديدة(حديقة الاجوبة) الصادرة عن اتحاد الكتاب العرب يؤكد حسين القاصد هذا الانحياز الذي يتمثله في رؤى شعرية وقصائد زاخرة بقوة الصوت والتوظيف الاستعاري المتعدد ،، تتلاقح تركيباتهما في اطار علاقة بنائية يتصاعد فيها الهاجس الشعري تحت ايهام ان هذه القصيدة هي ليست استعادية بقدر ماهي كتابة تتمثل مزاج الشاعر ونبرته في الانكشاف على عالم تعبيري تتراكب فيه البنى الصورية عبر مثيرات صوتية تعيد الاعتبار لجمالية التلقي مثلما تشير الى ان الكتابة الشعرية تحمل الكثير من الانوثة عبر ابراز تقنية النداء/البوح والتوغل عبر التكرار الاستعاري في مساحات شاسعة من الجسد الشعري...
لقد فرضت هذه القصيدة شكلها وتقنيتها عند عدد من الشعراء الجدد ومنهم حسين القاصد والذين يجمعهم هاجس اجتماعي اكثر ماهو تجريبي ،،اذ هم خرجوا من المعطف الاكاديمي (كليات الاداب) وتتلمذوا على ايدي نقاد واكاديميين معروفين باشتغالهم في هذه المنطقة النقدية والشعرية، مثلما هم وجودوا في اجواء الحروب مثيرا نفسيا وتعويضيا لكتابة قصيدة الصوت/النبر ،فضلا عن ذلك ان هذه المجموعات الشعرية ( نوفل ابو رغيف ،حسين القاصد، جاسم بديوي،عمر عجيل السراي، عارف الساعدي، مضر الالوسي،حسن عبد راضي،علي عطوان، ،فائز الشرع ،مجاهد ابو الهيل ،حمد الدوخي وغيرهم) لايمثلون ظاهرة لجيل شعري محدد الملامح،وحتى تسمية (جيل المحنة) هي توصيف اجتماعي نفسي وليس تعريفا بخصائص فنية وجمالية ....
قد يقول البعض ان استعادة القصيدة الصوتية هي استعادة للكتابة التقليدية التي غادرتها الشعرية العراقية منذ سنوات طويلة ، لكن عودة هذه القصيدة وبانماط مختلفة وبتقنيات ،حتى وان كانت خاضعة للشرط الوزني والتفعيلي، الاّ انهاتكشف عن حقيقة مرة وهي ان المشروع التجريبي للقصيدة الجديدة(قصيدة النثر، النص المفتوح) لم يكن ذات بنيات عميقة في الشعرية ،فهو ظل مشروعا نخبويا وخاضعا لشروط وتجاذبات النص الجديد في الفضاء العربي بكل تثاقفاته وانماط ترجماته،فضلا عن كونه جزءا من ردة الفعل ازاء خواء المشروع الثقافي القومي والذي ولّد ردود فعل ضد كل ماهو قومي ومن ضمنه الخطاب التعبيري... ان هذا التوصيف ليس تعميما على تصدع التجريب الحداثوي العراقي ،وانكماش مجموعات المغامرة الاولى الى مجموعة من المنظرين الذين مازالوا يرددون توهيماتهم في الصناعة الجمالية وفردانية الشاعر الوحيد ازاء عالم الانهيارات والحروب، بقدرماهو اعادة قراءة للكثير من الاشكالات العالقة وغير المنجزة في ثقافتنا الشعرية والتي ظلت محط جدال واسع ناهيك ان طهور ظاهرة المنفى المكاني وحلول الشاعر في مكان آخر يملك شحنات تعويضية واشباعية عالية قد اسهم ايضا في تكريس ظواهر اكثر تعقيدا في التجريب الشعري والتي تتلمس روح المكان الآخر في تجلياته والذي تخلص بالكامل من امراض النوسالجيا الشعرية واصبح يقرأ (المنتج الشعري للاباء) على انه تراث وينبغي وضعه في سياقه التاريخه دونما طرده او اعادته لللاستهلاك الشعري.!!!
ان القصيدة العربية وفي اكثر مراحلها هي قصيدة حنين وقصيدة اباء!! وهذا يعود الى اان اغلب التأسياسات التجديدية في الشعر مثلها في الفكر والتفلسف محدودة وقابلة للنكوص مع تصاعد النوبات الصراعية وانهيار نوع الدولة وخطابها ومتبنياتها لهذا المشروع الثقافي بدءا من دولة المأمون العباسية وصولا الى دولتنا المعاصرة!! ازاء كل هذا تأخذ قراءة القصيدة التي يكتبها حسين القاصد طابعا يتكسب حيثياته من هذا الجدال الطويل واصرار الكثير من الشعراء على مشروعية منجزهم وخصوصيته بقطع النظر عن طبيعة وحجم ما تحمله هذه القصيدة من تمتثلات وتأثرات ،والذي لايعد في جوهره عيبا في الشعرية ،لان الشعر كوسيلة تعبيرية لايأتي من فراغ وانما هو تمثلا لتاريخ طويل من المورثات والتي تكمن قيمة الخصوصية في الشاعر من خلال اعادة انتاجها واجتراح سياق شعري خاص لها...
لقد فرضت القصيدة الوزنية/التفعيلية نفسها في مغامرة حسين القاصد كمحاولة في تلمس خصوصية تعاطيه مع تاريخ شعري يسكنه ومازالت روائحه تستاف روحه وتشدها الى لذتها الصوتية مثلما وضعت قصيدته بكل زخمها،كقصيدة تقف امام مرجعيات الفهم الرمزي للحداثة الشعرية التي افترضت شكلا وبناء خاصين ،ولعل القاصد اراد ان يضع هذه (الابوة الرمزية)امام اختبار حاد ،تواجه فيه امكانية ان تحمل هذه الكتابة النوع المضاد الذي يؤسس علاقات دالة في نوعها ،كافتراض ان القصيدة هي بنية لانهائية وتحتمل كل الاشكال ،مثلما تكون هذه الكتابة هي عودة الى الى القصيدة الحسية التي تجد في البنية الصوتية مجالا تقابل العلاقات الحسية المتولدة عادة من اشباعات شعرية كثيرا ما تستعيد وهجها في التوظيف الاستعاري الذي يضفي على هذه القصيدة صفات هي اقرب للنشيد الذي كان علامة مهمة في الشعرية العراقية القديمة ...


خذني لعلي من خلالك القى صباحا غير حالك
ضعني بطيات الحقيبة ما تبقى من خيالك
لاتبقني أثرا توسده الغبار لدى انتقالك
هذه التوليفة التي يمتزج فيها المنحى الصوفي بالتلمس الحسي ،تجعل من القصيدة مشحونة بخفة الروح وهي تستعيد لذتها في الحلول والاضمار الزمني الذي يمثل فيه النظام النبري تصعيدا لفاعلية الصوت باعتباره هنا المحرك الاساس للوظيفة الاستعارية ، ان النص هنا يبدو مخادعا يخترق بصوته كثافة اللغة الى حسية يتمثلها الشاعر وكأنها نداء الحلولي بقصد اللذة او بقصد الحضور ...
تضم مجموعة حسين القاصد الشعرية (59 ) قصيدة منها ( 46) موزونة و(13) قصيدة تنحو الى الكتابة التفعيلية والتي تبدو مرتبكة ازاء قوة النسج الذي اعتاده القاصد في كتابةو القصيدة الموزونة،،واجد ان هذه الحساسية التي يقصدها حسين القاصد ازاء بيان القدرة على التلوين الشعري غير مبررة ،اذ ان كتابته في القصيدة الوزنية وبهذه التقنية العروضية لا تشكل مثلبة الانحياز الشكل الشعري التقليدي او الايهام بعقدة النسخ من موروث الاسلاف،كما في قصيدته( نصف امرأة) التي بدت مرتبكة بعض الشيء وغير منسجمة مع فضاءات المجموعة !!
ان القصائد التفعيلية والتي اعتمدت اوزان سريعة كالمتدارك مثلا بدت اشبه بالرغبة القصدية التي تجعل الشاعر امام خيارات الامساك بتعددية الكتابة على اساس عدم المغالاة في كتابة القصيدة الصوتية التي اضحت من المألوفات الشعرية عند القاصد

ان اكتشاف الشعر للاشياء حوله يجعله اشبه بالفضاء المفتوح على احتمالات الكتابة وتعدد صياغة علاقاته البنائية وتوتراته وقوة مخياله دونما دون الوقوف عند شرط الشكل الضاغط على اساس انه دالة تغريبية وجودية او رؤيوية كثر الحديث عنها في تنظيرات الشعراء كجزء من انشغالهم بهموم التقعيدات النظرية للشعر مثلما عملت النظريات الغربية في بيان التجريد الشكلي عند توهجات السرياليين والدادائيين وغيرهم ..
المهم في الامر كله ان الشاعر يضع نفسه امام الصنعة الشعرية وامام القدرة على انتاج الجمالي الذي تسقط امامه كل الشروط الاخرى،،ولعله يؤكد ايضا على ان اللغة الشعرية هي الشرط الشخصي للشاعر مثلما هي النسيج الذي يمكن للشاعر ان ينسج منه مكونات تدخل في صياغة الجوهر الانساني والجمالي
حسين القاصد حمل مغامرته الغضة وانطلق يبحث عن كنوزه الشخصية ويرسم عبر مزاجه الشعري عوالمه التي تحمل رؤياه الداخلية للصوت ليقينه ان هذه الرؤيا هي الروح السرية التي تضعه عند الدالة الحضورية الفاعلة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قبل عمليتها البرية المحتملة في رفح: إسرائيل تحشد وحدتين إضاف


.. -بيتزا المنسف- تثير سجالا بين الأردنيين




.. أحدها ملطخ بدماء.. خيول عسكرية تعدو طليقة بدون فرسان في وسط


.. سفينة التجسس بهشاد كلمة السر لهجمات الحوثيين في البحر الأحمر




.. صراع شامل بين إسرائيل وحزب الله على الأبواب.. من يملك مفاتيح