الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ابداع التمثيل الصامت فى مشهد النهاية من فيلم شادر السمك

إيرينى سمير حكيم
كاتبة وفنانة ومخرجة

(Ereiny Samir Hakim)

2018 / 9 / 6
الادب والفن


يصف النص فى العمل السينمائي الكثير من المشاعر لدى أبطال العمل ويُعبِّر عن انفعالات القائمين به، سواء عن حقائق مشتركة فى دواخلهم مع ما يجسدونه من شخصيات، أو مجرد تعبير عن حالات يدونوها بالتمثيل أمام المُشاهد ..

بينما استخدام تعابير الوجه وايماءات الجسد مع قافية النغمات الموسيقية فقط بدون نص، فهو يعكس أكثر بكثير مما تستطيع الألسنة الإشارة إليه فى مكنونات الشخصية، وما بين سطور الاحدث وتحول مساراتها الدرامية ..

ولكن استخدام تلك العناصر الدرامية يلزم وجود مفردات خاصة من المواهب، لتُقدَّم بإتقان خاص، حتى تؤدي جودة تأثيرها على المتلقى، وفى العمل السينمائى الذى سأتحدث عنه هنا قد تم استخدام هذه الأدوات بلباقة اخراجية شديدة، استطاعت أن تقوم بتحقيق هذا التأثير الأدائى البليغ بفن تعبير صامت.

وهذا المقطع هو المشهد الأخير من فيلم شادر السمك

وتعود أهمية مشهد النهاية من الفيلم إلى ابداع المخرج على عبد الخالق فى تنسيق توظيف الأشخاص مع الأشياء فى رمزية المشهد السينمائى، والذى نجد فيه أن للأشياء نفس القدر من الأهمية، التى كانت للأشخاص فى تكوين الحدث الدرامى، وهذا سواء كانوا ممثلين من أبطال العمل أو الكومبارس فيه، فقد تساوت جودة التوظيف البصرى بين معطيات المشهد على حد سواء.

ولقد تضافرت كل عناصر العمل من أداء تمثيلى وموسيقى واخراج، لتعطى للمشاهد انطباعات رمزية أكثر عمقا، وبُعدا أكثر دلالة على معانى هامة ينتهى عليها العمل، ليظل تأثيرها ممتدا فى ذهن وروح المشاهد إلى ما بعد الإنتهاء من مشاهدته.

ويعتبر هذا المشهد تمثيلا صامتا من أهم المشاهد التعبيرية فى السينما المصرية، بادئا بزاوية سفلية للكاميرا تتركز على وجه ( المعلم "أحمد" كبير معلمين الشادر وقتها – الشخصية التى يقوم بتجسيدها الفنان أحمد ذكى) الذى يتهكم بنظراته على جوانب الشادر، واضعا فى فمه سيجار لا يلمسه بيديه اللتين فى زاوية تالية للكاميرا تظهران وهما فى جيوبه، لا يأبه بدخانها مستهينا بنارها، متفحصا سكون كبار الشادر الذين يستصغرهم، ويراهم هادئين متوارين فى جحورهم منتظرين مقدم سيدهم.

وفى استخدام رمزى متفرد لم يكن مكررا، ولم يتم استخدام رمزى لأشياء درامية بنفس القوة فيما بعد، تم تجسيد حرب ضارية بين كبرياء هؤلاء وجحود هذا.

والتى من أبرزها هى دكاكين المعلمين

فلقد لعبت الدكاكين رمزية عالية المعنى على طول الفيلم، فهى بمثابة عروش لكل "معلم" من معلمين شادر السمك، كأنها كراسي سُلطة، ومن خلالها تم التحكم فى صراعات داخل الشادر على النفوذ والمال، وأخيرا فمن داخل هذه الدكاكين نفذوا حكم الإعدام الجماعى على "المعلم أحمد"..

ومن جمال استخدام وتوظيف الأشياء من المخرج فى المشهد النهائي، نجد كيف سلط الكاميرا على كل معلم، وهو بداخل دكانه ينظر بغضب مكتوم كأنه النقطة التى أنهت جمل التهديدات السابق ذكرها فى المشاهد السابقة، وبعد اقتراب الكاميرا على كل منهم يُغلَق الدكان من أعلى لأسفل، ولا تذكر الكاميرا يد أو وجه غالقه، وبعد تنفيذ حكم الإعدام تُفتح هذه الدكاكين واحدة تلو الأخرى من أسفل لأعلى لتُظهِر وجه كل منهم مبتسما راضيا..

لقد استخدم المخرج حركة أبواب الدكاكين كأنها حركة اصبع الأمر والنهى من كل معلم منهم، بالإشارة لصبيانهم حتى يقتلوا هذا الزعيم غير المحبوب، تعبيرا عن قدرتهم على اهلاكه المتمثلة فى تجمعهم، وعَقد نيتهم على التخلص منه، وتوفر خدمة صبيانهم التى توفر لهم تنفيذ رغباتهم بعيدا عن تلويث ايديهم بدمه.

ليأخذك المشهد إلى رمزية أخرى وكأنه بعد صراع "المعلم احمد" الطويل مع السٌلطة، والذى انتهى بطمع أهوج كان أشبه بمحاولة سمكة أن تصبح حوتا، فما كان منهم إلا أن يتعاملوا مع هذه السمكة كصيادين، واقتنصونها برصاص خادميهم، وابتلعوها ككتيبة اعدام من حيتان.

وكان لهذا المشهد العظيم توظيفا رائعا من المخرج للموسيقى التى ظهرت مصاحبه للتمثيل الصامت، والتى صممت جزء من تكوين هذا المشهد، واكتفى المخرج فى لحظات أخرى منه بصوت أبواب الدكاكين، وصوت طلقات الأعيرة النارية المنتقمة من هذا المتمرد، لتُكمل عزف التأثير النغمى للموسيقى التصويرية فى هذا المشهد الخاص، وفيه لا يشعر المشاهد بانقطاع الموسيقى بل وكأنها نغمات متتالية متماشية تماما مع الأحداث النغمية، واللحن التصويرى المعبر عن المشاعر والأحداث..

ليستكمل الموسيقى مرة أخرى ناهيا المشهد بتصاعد الدخان وزحف الدماء فى أرجاء الشادر، ولكن تلك المرة ليس دخان سيجار هذا المتعجرف إنما دخان الأسلحة النارية التى اخترقت طلقاتها جسده، مع تعالى التوزيع الموسيقى الذى يصل لذروة الاحساس فيه عند اندماج أداء الآهات للكورال معه على نغمات نفس المقطع الموسيقى، تحسرا وتشفيا فى هذا الإنسان البائس الذى يعبر عن شريحة كبيرة جدا من نوعيات البشر..

محققا بذلك المخرج وكذلك المؤلف رمزية شادر السمك التى تشير إلى الدنيا ونوعيات السمك بنوعيات البشر فيها، ورحلة انسان يعبر عن القدر الأكبر من نوعيات النفس الانسانية، وكيف تلوث بالطمع بعد أن بدأ مشوار نضجه بالحب والشهامة، وكان الفساد فى الجزء الثانى من رحلته هو مأمنه وسلوانه، والذى وجد أنه ضمان استمراره وتحقيق شغف شهوتة فى الحياة..

لينتهى الفيلم بمشهد موت كما بدء بمشهد موت، معطيا للمشاهد دعوة فلسفية للتفكير فى منطقه فى الحياة من خلال رمزياتها المشار إليها فى الفيلم، مقارنة مع معطياتها للإنسان فى الواقع.

وكان لإختيار مشهد ينتهى به فيلم رمزى فى الاساس يكون ممثلا فى صورة تمثيل صامت، فهو اختيار يستحق أن يُنعَت بالذكاء، لأنه بالتأكيد فرصة أكبر للمشاهد للتأمل، ورسالة أقوى من أى نص لمخاطبة مشاعره وذهنه، والذى قد أُنهَك بمدة الفيلم، ليعطى المخرج أفضل وأقوى صورة للتأثير على المتفرج، وبطريقة تحمل حنكة فنية وحكمة انسانية تفيده فى الحياة.

فيلم شادر السمك هو قصة نبيل نصار، سيناريو وحوار عبد الجواد يوسف، موسيقى حسن ابو السعود، من بطولة الفنان احمد ذكى والفنانة نبيلة عبيد، ومن اخراج على عبد الخالق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان أحمد عبدالعزيز يجبر بخاطر شاب ذوى الهمم صاحب واقعة ال


.. غيرته الفكرية عرضته لعقوبات صارمة




.. شراكة أميركية جزائرية في اللغة الانكليزية


.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر




.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة