الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بائعة الورد : قصة قصيرة

صبيحة شبر

2018 / 9 / 8
الادب والفن


بائعة الورد

جلست أمُ عماد أمام المكتب ، تحاول أن ترسم ابتسامة الرضا على وجهها، وتعبر عن واقع مظلم بما يناقضه ،جاهدت بإبداء علامات السعادة والحبور ، على محياها المتألم ، بذلت جهدا كبيرا لطمس دلائل التعاسة الظاهرة على حياتها ، علت الابتسامة على محياها المجهد بعد عناء.
- بكم باقة الورد الجميلة هذه ؟
تتسع الابتسامة على وجهها ، ترحب بالزائر الكريم ، بكلمات عذبة كي تكسبه زبونا ، يرتاد حانوتها يبتاع ما فيه من ورود.
ليس هذا مكانها ، لم تعتد القهر ولا الخنوع ،فيما مضى من أيامها الباسمات ، نشأت في بيت عز وسؤدد ، ولكن الأيام لا تثبت على حال ، ويقع بها ما لم يكن بالحسبان ، تقدم إليها مدعيا الحب وعارضا الزواج ، فصدقت زعمه دون روية ،وأقنعت أسرتها بالموافقة على طلبه ،بعد طول تردد ، وكانت الابنة الوحيدة المدللة بين أربعة إخوة ، فوافقوا على تزويجها من ممثل قدير ..
ورود جميلة زاهية الألوان ، برعت في تصفيفها وإكسابها شكلا رائعا ،مما يشجع المشترين على الإقدام على شراء الباقات ، عمل بسيط تتقنه ، للحصول على ما يسد الرمق في أسرة كبيرة العدد ، تخلى عنها عائلها ، ومضى بعيدا ، يهتم بنفسه ولا يبالي ان شبع أولاده أم جاعوا ، وكيف يقفون أمام عجلة لا ترحم ، تلتهم كل من يبدي ضعفا، في مواجهة ما يتعرض له من عقبات.
- كم بارعة أنت ، أبدعت في التنسيق ، ظننت أنها باقات من الورد الحقيقي.

بعُد عهدها في إمتاع أذنيها بكلمات المديح ،أو عبارات الثناء ، كل ما في حياتها اليوم أصبح علقما مر المذاق ، تبذل جهدا لتجرعه.
كافحت كثيرا لاستئجار هذا المحل الجميل ، وسط المدينة ، تحيطه حديقة غناء ،لتجذب السياح الى معانقة الورود التي تنبع من يديها الفنانتين. ، يأتون أفواجا ، يبحثون عن المتعة والعيش في ربوع الأصالة ، حيث الحقيقة الناصعة ، والإرث القديم ، وعدم الميل الى تزويق ما لا يستحق بعذب الكلام..
- أين هو الآن ؟ لقد رأيته كالطاووس ، يجلس مزهوا تحيطه الحسناوات ، كيف تسمحين له بمصاحبة أؤلئك الفتيات ؟
كل ما في أيامها مر الطعم ، دنيء ، سيء كريه الرائحة ، تكون في أسعد لحظاتها حين يغادرها ،موليا وجهه صوب الأخريات ، ولكن هل هن حسناوات حقا ، حين يرتضين أن يجالسن من يخلو من صفات الرجولة ؟ يحلو له منادمة كؤوس المدام والتقاعس عن القيام بأجمل الواجبات ، في منزل ، يحيط به الأبناء ،متشبثين بدفئك ، وحريصين على أكرامك..
- يا لمهارتك ، يداك هاتان تستحقان آيات التبجيل، والتعظيم ، كيف تأتى لهما ان تصنعا هذه الفتنة الساحرة ، يضوع العطر من ورودك، سيدتي..
يأتيها كل صباح ليأخذ منها مصروفه اليومي ، وليغدق منه على صديقاته العاطلات. ، يحرص على ان ينسيهن فاقة كبيرة يجدن أنفسهن يتعثرن في صهبائها..
- كيف تتحملين بعلك هذا ، بخيل في الجيب، والعاطفة والخصال ، اتركيه وانفذي بجلدك.
- انه القدر..
- رأيته مع حسناواته يتبختر مثل الغراب ، كيف تصبرين مع هذا الحرمان ؟ والنذل لا أحد يجعله يعود الى رشده ؟ يسهر الليالي بعيدا عن بيته بصحبة النساء العابثات وأنت ترهقين نفسك....
أولادها يرغبون بعدة أمور سوف تبتاعها لهم ، هم سلوتها في دنياها البئيسة هذه ، لا يمكنهم أن يفهموا أسباب معاناتها الطويلة، لن يغفروا لمن يتهجم على أبيهم،رغم أنهم لم يروا منه ما يستحق الثناء..
- ما زلت جميلة عزيزتي ، سأعوضك عن سنين مظلمة ، مرت ، واجعل حياتك تبتسم بعد طول عبوس ، وتحلو لياليك ، تعبت كثيرا وأظلمت أيامك واسودت لياليك وآن لك أن تجدي الراحة..
وأولادها ؟ كيف يمكن أن تتركهم ؟
- ان هجرتنا تكونين وحدك ، لن تأخذي شيئا، لا أولادك ، ولا أثاث المنزل.....
هي تعبت في جمع ما في هذا المنزل المتداعي ، وحرصت على لم أشبالها الصغار، في جنة الحب التي غزلتها لهم بعرق جبينها ونبضات قلبها..
ولكن أين قطع الأثاث التي حرمت نفسها لتقتنيها ؟ كلما احتاج إلى نقود باع قطعة منها ، فلم يتبق إلا أسرّة الأولاد ، جاهدت كي تظل لأحبابها....
- كم كنت جميلة تلك الأيام ؟ هل نسيت ؟، سأعيدك إلى روعتك الأولى، وأكثر..
يزداد عدد المشترين ، ورودها تغري ، تدعو الإنسان المتعطش للجمال والحب،أن يبذل كل نقوده كي يحظى ببهاء الفن.... روعة أياد فتانة تغري بصرف النقود ، والتمتع ببهاء ما وهب الرحمن ، سنين طويلة مرت وهي تعاني الأمرين ، كي تجعل الأولاد الأعزاء لا يشعرون بألم فقدان من كان حيا ، ويعيش كالأموات ..
- فكري جيدا ، ما زلت محبّا ، لن تندمي معي ، ولن تمر الدمعة بعينيك ، وأبناؤك سأجعلهم يتمتعون بحبي واهتمامي ، لا تجعلي صبرك يطول ، لن يجديك التغاضي عن هفواته الكثيرة شيئا ، وأنت تعرفين هذه الحقيقة أكثر مني ، لقد تحملت الكثير ، ارحمي نفسك من هذا العناء المتواصل ولا تخيبي رجائي.
أولادها صغار، لا تملك ان تتركهم لمن لا يعرف الرحمة ولا يفهم معنى الأبوة ، هل تستطيع الشعور بالهناء وهي لا تدري كيف يعيشون؟ وكيف تتناساهم وهم بضعة القلب ومطلب الحياة ؟..
يدخل الآخر ، يعد النقود التي استطاعت البائعة جمعها ، يضعها في جيبه:
- عندي سهرة عمل هذا المساء...


صبيحة شبر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحكي سوري- رحلة شاب من سجون سوريا إلى صالات السينما الفرنسي


.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع




.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج