الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحصان

رحيم الحلي

2018 / 9 / 9
الادب والفن


الحصان


قصة قصيرة كتبها رحيم الحلي


لم يدرك الحصان نهايته الحزينة ، حين انزلقت قدمه اليمنى في الطريق العاثر وهو يحمل اكياس الطحين من السوق الكبير لكن قدمه اليسرى هي التي تلقت الصدمة وتحملت ثقل جسده والعربة الكبيرة ، لم يعلم انهم سيتخلون عنه بعد ان افنى عمره في خدمة اصحابه ، لم يكن ذنبه في السقوط فقد عثر عند احد النتوءات المتيبسة من الاوساخ المتجمعة على الطريق في هذه المدينة المليئة بالأوساخ والتي اهمل اهلها تنظيف حاراتها وازقتها ، فطرقات المدينة المتهالكة مليئة بالحفر والاوساخ المتيبسة التي ارتفعت هنا وهناك مثل خوذ الجنود في ساحات الموت ، لم ينشغل بالفرس البيضاء التي مرت ذلك الصباح الصيفي الحار ، التي لم يسمحوا له بالاقتراب منها حيث انهال عليه صاحب العربة بالكرباج الذي كان مثل سياط نارية احرقت جسده المتعب ، لذلك لم يعد يكترث بالسيدات من الخيول حين يشم رائحتهن في السوق ، كان يجر كل يوم عشرات الاكياس من الطحين في السوق الكبير المزدحم ليذهب الى افران الخبز التي يلتقط انفاسه قربها ويتذكر حبيبته الفرس البيضاء التي مرت في السوق الكبير برفقة مالكها في صباح ذلك اليوم الجميل والحزين ، عرف من صوت اقدامها انها ارتدت نعلاً حديدياً جديداً ، بارك لها بحذائها الجديد واطلق صهيله مبتهجاً لكن السياط كانت كالنار تحرق جلده اجبرته على الصمت ، لقد ادرك قساوة صاحبه ، حاول التمرد ذات مرة واصر على الوقوف وعدم طاعة اوامر صاحبه واصر واقفاُ معانداً ، لكن صاحبه اللئيم رمى السوط وجلب عصاً غليظة من احد الدكاكين القريبة وانهال بها على وجه فتمزقت شفتاه وتكسرت اسنانه الامامية وسالت الدماء من انفه المهشم ، لم يتدخل احد المارة او يكترث لمصيبته ولم ينجده احد رغم صهيله الحزين الذي كان اشبه بالتوسل والبكاء ، مر الجميع دون أيّ اهتمام وكأن شيئاً لم يكن ، ادرك ان هذه المدينة لا تحمل الرحمة ولا يملك اهلها قلوباً طيبة ، اما اليوم فقد تورمت قدمه اليسرى التي كان يعتمد عليها اكثر من قدمه اليمنى ، لا يعرف لماذا كانت هي التي يستند عليها حين يجر العربة الممتلئة بأكياس الطحين والسكر .
في كل مساء كان يتذكر امه التي ارضعته من لبانها والتي كانت تحبه وتشمه كثيراً وكذلك والده الطيب الذي كان يجر احد عربات النفط في المدينة ، لم يكن سعيداً برائحة النفط التي ملئت الهواء عند زاويته في الاسطبل المطل على النهر الصغير، ذات يوم جاء الرجل القاسي الذي وضع الحبل في رقبته وجره من الاسطبل ولم يعد يرى امه او ابيه بعد ذلك الا صدفة في احد شوارع المدينة ، انه اليوم يجلس على ضفة النهر قرب البساتين لقد اتى به الطفل الصغير ابن مالكه والذي كان يجلب له باقات البرسيم كل مساء ويمسد رأسه بحنان وحب ، نعم هو نفسه الذي جلبه هنا وتركه في هذا البستان ، اخيراً استراح من جر العربة كل يوم ، لم يعد يأتي مالكه كل صباح ليربطه الى العربة ويدور فيه بين المحلات في السوق او ليقف هنا وهناك عند افران الخبز التي تقوح منها رائحة الخبز الطيبة والتي لم يذق طعمها يوماً ، لم يعد يلتسع بسياط صاحب العربة الذي كان عصبياً طوال الوقت ، لقد استراح في هذا البستان لكنه كان يعاني من وجع في قدمه اليسرى التي اعتمد عليها عند الملمات ، لكن العثرة التي اوقعته ، والتي لم ينهض منها بسهولة رغم السياط والعصي التي انهالت عليه افقدته السيطرة عليها فلم يستطع قادراً على الوقوف عليها لقد كان الالم فظيعاً ولم يشعر مالكهُ ولم يُقدِّر تلك الالام ولم يُقدِّر اتعابه والسنين التي قضاها في خدمته وفي جر تلك العربة الكبيرة ، لا مشكلة عنده في هذا البستان المنعزل على ضفاف النهر بعيداً عن المدينة وضجيج اسواقها وغلاظة الناس فيها وقسوتهم لكن الوجع في قدمه اليسرى لا يحتمل وكذلك الورم ، لا يمكنه ان يتحرك لقضم الحشائش المتوفرة في هذا البستان ، فقد امسى غير قادر على تحريك قدمه رغم صبره الشديد على الالم فالجوع لا يرحم ، كيف العمل ؟ ، لم يأتي ذلك الطفل الصغير الذي كان يزوره كل مساء لإطعامه في الاسطبل ، لقد توقفوا عن اطعامه واسكانه لم يعودوا بحاجة اليه ، ادرك ذلك اخيراً ، لكن قدمه اليسرى المتورمة شلت حركته ولم يعد يفكر سوى في الموت هنا في هذا البستان البعيد .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الممثلة رولا حمادة تتأثر بعد حديثها عن رحيل الممثل فادي ابرا


.. جيران الفنان صلاح السعدنى : مش هيتعوض تانى راجل متواضع كان ب




.. ربنا يرحمك يا أرابيسك .. لقطات خاصة للفنان صلاح السعدنى قبل


.. آخر ظهور للفنان الراحل صلاح السعدني.. شوف قال إيه عن جيل الف




.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي