الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
سيكولوجية الوصاية الأخلاقية
ماهر رزوق
2018 / 9 / 9الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
قال مارك توين (كاتب أمريكي) ذات مرة : " بالنسبة لشخص يحمل مطرقة كل شيء يبدو مسماراً "
أردت أن أبدأ كلامي بهذه المقولة لأنها تلخص كثيراً من المحاكمات الأخلاقية التي نعتمدها في حياتنا اليومية ، و التي تحكم علاقاتنا باعتبارها دستوراً غير قابل للنقاش (من وجهة نظر حامل المطرقة) ...
لنتساءل الآن :
لماذا يظن البعض أنهم أكثر أخلاقية من الآخرين ؟؟
و لماذا يظن هؤلاء أنفسهم أنهم يحملون مسؤولية تطبيق هذه الآخلاق و محاسبة الآخرين الذين لا يطبقونها !!؟
و للإجابة عن هذه الأسئلة ، التي تسهل فهم فكرة الوصاية الأخلاقية ، علينا أن نحتكم بالتأكيد لعلم النفس ، الذي تقدم بشكل ملحوظ مؤخراً ، و أجرى العديد من التجارب التي تؤكد نظرياته الموضوعة ...
و في هذا السياق نتطرق إلى التجارب التي قام بها عالما النفس الأمريكيان (لورنس كولبرج) و (إليوت توريل)
حيث عمد الإثنان إلى دراسة العملية الأخلاقية من خلال تجارب أجروها على الأطفال ، لمعرفة منشأ الأخلاق ، و فهم كيف يتطور الفهم الأخلاقي مع تقدم العمر !!
و في إحدى التجارب الأولية قدم للأطفال (في مرحلة عمرية معينة) كوبان متشابهان بالحجم و الشكل ، أحدهما مليء بالماء و الآخر فارغ ... و عندما كان القائم على التجربة ينقل الماء من كوب إلى آخر ، كان الأطفال يضحكون ظناً منهم أن الأمر مجرد لعبة ، فلم يكونوا يبدون أي استغراب ...
أما عندما قدم لهم كوبان مختلفان بالشكل و متشابهان بالحجم ، و تمت عملية نقل الماء بينهما ، كان الأطفال يتوقفون عن الضحك و اللعب ، و يبدون استغرابهم عن كيفية حصول ذلك !!
و عندما حاول الأهل أن يشرحوا الأمر لأطفالهم ، لم يستوعبوه إطلاقاً !!
و استنتج علماء النفس هنا ، أن هناك بعض المحاكمات العقلية التي لا يمكن شرحها للإنسان ببساطة ، و إنما فقط يتعلمها مع تقدم العمر بالتجربة و الاختبار !!
و في تجربة أخرى ، سُئل لأطفال (في مرحلة عمرية أخرى) إذا ما كان القدوم إلى المدرسة دون ارتداء الزي الرسمي ممكناً ؟؟
فأجاب الجميع أنه غير ممكن ...
و عندما سُئلوا عن إمكانية القدوم بدون الزي الرسمي في حال قال المعلم أن ذلك مسموح ؟؟
فقال الجميع أن ذلك بالطبع ممكن !!
وافق الأطفال بدون تفكير و تحليل على ما يوافق عليه المعلم ، فهم يعتبرون أن كل شخص راشد هو الأقدر على المحاكمات العقلية و هو يمتلك القدرة على تمييز الصح من الخطأ ، فكيف إذا كان ذلك الراشد معلماً !!
و لكن في تجربة أخرى ، عندما سُئل الأطفال إذا ما كان ممكناً أن تدفع إحدى الفتيات صبياً و تأخذ مكانه في الأرجوحة ؟؟
أجاب الجميع : بلا طبعاً غير ممكن !!
و عندما سألوهم إذا ما كان ذلك ممكناً بموافقة معلم المدرسة ؟؟
انقسمت آرائهم ، فبعضهم قالوا ممكن و بعضهم قالوا غير ممكن !!
و هنا استنتج العلماء أن الفعل الذي يتسبب بالأذى للآخرين ، سيكون غير مقبولاً حتماً عند أغلب الناس ، حتى لو وافق عليه الراشدون و المعلمون و الأكثر علماً و معرفة !!
أما بالنسبة للوصاية الأخلاقية ، فتبدو واضحة في تجربة أجريت أيضاً على الأطفال ، حيث سألوا فتاة إذا ما كان واجبها أن تخبر أمها عن تصرفات أختها المخالفة للقوانين المنزلية ؟؟
فكانت إجابتها : نعم طبعاً !!
و سألوها مرة أخرى نفس السؤال مع إضافة فكرة أن وشايتها قد تودي بأختها إلى العقاب الشديد من أمها ؟؟
و هنا ترددت الفتاة الصغيرة بالإجابة و أخذت تحلل الموقف !!
فعندما يحتوي الأمر على أذية جسدية أو نفسية ، فإن القرار يصبح غير حتمي و يعاد التفكير فيه !!
و في تجارب أخرى أجريت ، تبين للعلماء أن أخلاق الأطفال تتغير عندما يكبرون و يتبعون تقاليد مجتمعاتهم و إيديولوجياتها ... فيتحول أحياناً الخطأ إلى صواب و الصواب إلى خطأ ... فحتى الأذى يصبح مقبولاً في مواقف معينة ، و قد يصل الأمر إلى تقبل فكرة قتل إنسان !!
و هنا أود أن أطرح مثالاً واقعياً و شخصياً ، حصل معي مؤخراً ، حيث تم منع روايتي (صوت الغريب) في معرض اسطنبول ، بسبب وشاية تقدم بها أحدهم لإدارة المعرض ، بأن الرواية تتضمن محتوى جنسي يضر بالمجتمع و يدعوا الشباب إلى الانحراف الأخلاقي !!
و كذلك توجه البعض بالنصائح لموزعي الرواية في اسطنبول كي يتوقفوا عن توزيعها ، و ذلك كنوع من المزاودة على الآخر أخلاقياً ، و ممارسة الوصاية على مجتمع هم أنفسهم يعرفون أنه _و بإحصائيات عالمية_ الأكثر بحثاً عن الجنس في الانترنت و الأكثر احتواءً للتحرش الجنسي و الاغتصاب و زواج القاصرات !!
فما الذي ستفعله رواية بسيطة ، حاولت فقط أن تلقي الضوء على حالات جنسية منتشرة و بكثرة !!؟
و هؤلاء أنفسهم يعلمون أن فعلتهم هذه قد تسبب الأذى المادي لدار النشر و كاتب الرواية ، و لكنهم مع ذلك أقدموا على فعلتهم و يصرون عليها ...
و هنا أتساءل : هل أن الإنسان يولد و في عقله بوصلة أخلاقية توجهه إلى الفعل الصحيح ؟؟
أم أن هذه البوصلة تزرع في ضميره من خلال عملية التربية ؟؟
أم أن التربية قد تشوه (أحياناً) ضمائرنا و تغير طريقتنا في المحاكمة العقلية لتحديد الصواب و الخطأ ، و تجعلنا نتقبل الأذية للآخرين دون أدنى إحساس بالذنب !!؟
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. ماذا نعرف عن انفجارات أصفهان حتى الآن؟
.. دوي انفجارات في إيران والإعلام الأمريكي يتحدث عن ضربة إسرائي
.. الهند: نحو مليار ناخب وأكثر من مليون مركز اقتراع.. انتخابات
.. غموض يكتنف طبيعة الرد الإسرائيلي على إيران
.. شرطة نيويورك تقتحم حرم جامعة كولومبيا وتعتقل طلابا محتجين عل