الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محمود صبح قنطرة وصل بين الإسبان والعر ب

سميح مسعود

2018 / 9 / 13
الادب والفن



ولد الشاعر محمود صبح في مدينة صفد عام 1936، والتجأ مع أسرته إلى دمشق في 14 آيار/مايو 1948، أكمل دراسته الإبتدائية والثانوية فيها، ونال من جامعتها ليسانس في اللغة العربية وأدابها عام 1961،كما حصل على شهادة الدبلوم العامة في التربية وعلم النفس من نفس الجامعة، بعد ذلك عمل مدرسا للغة العربية وآدابها، في إحدى المدارس الثانوية بمدينة الدار البيضاء بالمغرب، ومباشرة بعد استقلال الجزائر عمل مدرسا عام 1963 في مدرسة ثانوية بوهران، وفي مدرسة أخرى بسيدي بلعباس.
ثم عاد إلى سورية، وعين مديراً لمدرسة إعدادية "الشجرة" بحمص، وفي عام 1965 وصل مدريد بمنحة من المعهد الإسباني – العربي للثقافة لمواصلة دراسته العليا، وبعد ذلك بسنتين حصل على دكتوراة دولة من جامعة مدريد المركزية "كومبلوتنسه" بدرجة ممتاز، عن أطروحة قدمها بعنوان" الغزل في الشعر الأندلسي" ومن ثم عين أستاذا بقسم اللغة العربية في كلية الأداب بنفس الجامعة، وهي أكبر جامعة في إسبانيا، وواحدة من أقدم جامعات العالم، تأسست عام 1293 للدراسات العامة، ثم أصبحت في عام 1499 جامعة حكومية بنفس إسمها الحالي.
واصل عمله في التدريس الجامعي حتى عام 2006، حيث قرر مجلس جامعة "كومبلوتنسه" بالإجماع منحه لقب "أستاذ كرسي مبرز" وهو لقب دائم لقليل من المتقاعدين.
بدأ نظم الشعر مبكراً في دمشق، وفاز بجوائز شعرية كثيرة، أولها في عام 1958 عن قصيدة له بعنوان "تاريخ أمة في حياة بطل" نتيجة مسابقة نظمها المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب بمصر، وفاز بجامعة دمشق للشعر في عام 1960 عن قصيدة له حول حياة المتنبي وشعره بعنوان "بطولة عربي في إهابِ شاعر" وبعد ذلك بعام فاز بجائزة اتحاد جامعات الجمهورية العربية المتحدة للشعرعن قصيدة بعنوان "ملحمة الخلود".
واصل نظم الشعر في اسبانيا باللغتين العربية والإسبانية، وانتشر شعره في إسبانيا ودول أمريكا اللاتينية، في صور مفعمة بالتزاماته ومواقفه الوطنية، شكلت نسقاً متكاملاً في تعريفه بقضية شعبه المصيرية، وغدا- كما يوصف - قنطرة وصل وتواصل بين إسبانيا والدول العربية.
شاءت الصدف أن ألتقي به في نيسان الماضي بمدريد، وأكثر ما شدني في أحاديثه الملفعة بقوافي الشعر، حديثه عن قصائده التي يعبر فيها عن حنينه الجارف لمدينته صفد وذكريات طفولته فيها.. ردد على مسمعي أبياتِاً شجية من قصيدة طويلة له عنوانها : كلُ مكانٍ صفد "مجنونُ ليلى" وقد ترجمت إلى اللغات الفرنسية والإيطالية والإنجليزية، وقام الشاعر محمود نفسه بترجمتها إلى لغته العربية، لأنه نظمها في الأصل باللغة الإسبانية، ومطلعها: " يا ليلى الفلسطينيةُ المقدسةُ، الحصانُ البتولُ/ إبعثي إليّ كوزَتين من تلك الزيتونةِ التي كانت توأمي/عُرجونَ تمرٍ من تلك النخلة التي كانت شقيقتي/ عُنقودَ عنبٍ من تلك الدالية التي كانت مُرضعتي/خُصلةً من شَعْرِكِ /حُفنةً من تُرابِكِ/قطرةً من نهرِكِ مع نُقطة من بحرِكِ/لكي أقيمَ وطني/في كونٍ يحملُ إسمَكِ."
وقد فازت هذه القصيدة بجائزة الشاعر الإسباني مانويل ألكسندرِة عام 1979.
بعدها حدثني عن قصيدة طويلة له عنوانها "معصرة الحنين" أهداها إلى ابنه طارق، وقد تُرجمت إلى لغات كثيرة، ردد منها الأبيات التالية: " طُليطُلة. طُليطُلة. هاأنذا أرسْفُ في قاعَكِ/أشرئبُ علني أراكِ مقبلة/ فانشليني من براثن الزمانِ/ من لزوجة الثرى/ طال انتظاري في الحضيض/ لا يدٌ تُمدُ لي، ولا أرى/ إلا سَواريكِ تلوح ُ من بعيدٍ/ مثل نارٍ في الذُرى/ جزيرةَ النورٍ افتحي، ولو هنيهةً / بُيوتَ الرب لي وهيكلهْ/ يا بنَ الجليلٍ! مُذ ولدتُ أحملُ الصليبَ/ أروي بدمائي الجُلجَلةْ."
ثم سمعت منه أبياتاً من قصيدة بعنوان " سونيتو" في قصيدةٍ، يقول فيها : " إنني أبحثُ عن أرضي،إلى بيتٍيَ أهفو/ إنني ألمحُ في كُل مُحيا، أستشفُ/ في المأقي أسرتي تحنو، فلسطين ترِفُ/ وطني الضائعَ ينمو في المدى، في البحرِ يطفو."
وسمعت منه أبياتاً من قصيدة أخرى بعنوان"رسالةٌ إلى شعبي" يُعبر فيها عن ارتباطه بشعبه : " آهٍ يا شَعبي!/ لأجلكَ أهبُ حياتي/ لكي تنبعثَ في أرضي/ فأنا لا أريدُ أن أموتَ أبداً إلا في أرضي."
كل هذه القصائد وقصائد أخرى غيرها، مسجلة في ديوان شعر له باللغة العربية، صدر في بيروت عام 2015 بعنوان" ديوان قبل.. أثناء.. بعد..".
تحدث عن شعره بتفاعل وجداني، ولوعة تومئ إلى صفد، وفي سياق حديثه علمتُ منه أنه فاز بجوائز كثيرة في اسبانيا، من أهمها جائزة الملك خوان كارلوس، وهي جائزة في الشعر الإسباني اشترك فيها أكثر من ألف شاعر من شعراء إسبانيا، وأمريكا اللاتينية، كما أنه مُنح الجائزة القومية للترجمة من وزارة الثقافة الإسبانية، وقد أقام له السفراء العرب المعتمدون في مدريد حفل تكريم بمناسبة فوزه بجائزة الملك في الشعر الإسباني، في قصر المعارض والمؤتمرات بمدريد، شارك فيه عدد من المثقفين والأدباء والشعراء الإسبان، ألقى عدد منهم قصائدهم التي تتغنى بالعرب وفلسطين.
من بين هذه القصائد قصيدة ألقاها صديقه الشاعر القادشي"انخيل غارثيا لوبيث" الملقب بشاعر التراث الأندلسي، ومما جاء فيها :" يا أخي محمود المدجن البدوي/من نسي جواده وأحضر مواله صهوة/ فأعطى ببيت شعره الجواب/منزلاً دائماً للجمال/يا أخي محمود،/على نخبك أرفع كأس نبيذ الصداقة/أشهر قامة الأندلس، وطني/وأبرز درع الشمس الفلسطينية الجريئة الحمراء/على كل بيت شعر من أشعارك/أهبك غرناطة، أعطيك قرطبة، أمنحك إشبيلية/وأهدي إلى الجليل سيفاً مصنوعاً في طليطلة/ ولأجل صوتك الذي تغنى بصفد وأنشد/ فلسطين زيتونة بين بحرين/بحر المنّية والزعفران/ وبحر الزنابق والبرتقال/أقدم يديّ وعينيّ، يا أبا طارق/وأنشودة الإخاء في سبيل المعركة."
بعدها ردد أبياتاً من قصيدة ألقيت في نفس الحفل بعنوان"لأبعث الحياة" للشاعرة البلنسية" بالوما بالاو" فيها قدر من الحنين والحزن لفلسطين، تقول فيها :"لن أذهب إلى فلسطين/لن... الينابيع في القلب/ لن يرتشف ثغري الشهد/ ولن أتحسس الشمس التي تستحيل/إلى ربة الأرض في فلسطين/ لن أذهب إلى فلسطين/مع أني أود أن أعود فأحس/قلب الله وهو يشفي هذه الأرض."
وتختتم القصيدة بقولها:"لن أذهب أبداً إلى فلسطين/ لأن فلسطين في قلوب الذين يتألمون/ولأن قلبي هو دوماً فلسطين."
بعدها ردد الشاعر محمود أبياتا لصديقه الشاعر القادشي" مانويل أدرادا" عن فلسطين أيضاً بما فيها من تركيز وجداني وعاطفي:" حين كنت طفلاً اعتقدت بأن أكثر/ السماوات زرقة/هي سماء أرضي/بيد أن رجلاً متخيلاً/أو أني رأيته في الحلم/قال لي في لغة لا تُفهم/إلا في الأحلام/لأن هذه اللغة لم تزل تتنزل/من على تلك المئذنة الحزينة/ إن أكثر سماوات الكون زرقة/هي سماء فلسطين/ فهرعت إلى خريطة فعشقت/ مدينة "الظاهرية"/ أكثر مدن أحلامي زرقة."
ويعني بالظاهرية القرية الجليلية القريبة من مدينة صفد،التي ولد فيها ظاهرالعمرالزيداني.
إضافة إلى الشعر حقق شاعرنا إنجازات متميزة في مجال الـتأليف والترجمة، حدثني عن انجازات منحته تميزاً معنوياً وأدبياً، استشرف فيها حقول مجالات كثيرة، منها رواية " دون كيخوته في القرن العشرين" أعده وترجمه إلى اللغة العربية، بناء على تكليف من المعهد الإسباني العربي، وكتاب" المواضيع والألفاظ العربية في أعمال لوركا الأدبية،صورة العرب وفلسطين في الشعر الإسباني".
وثمة كتاب ضخم ألفه باللغة الإسبانية حول تاريخ الأدب العربي، من أربعة أجزاء بدأ بالشعر الجاهلي وحتى الأدب العربي المعاصر،يُدرس في جامعات أمريكا اللاتينية التي تتكلم اللغة الإسبانية، وله كتاب أيضا باللغتين العربية والإسبانيه عدد صفحاته 1425 صفحة،عنوانه: "ديوان الشعر العربي المشرقي والأندلسي".
وله مجموعة من الأعمال التي ترجمها من اللغة العربية إلى اللغة الإسبانية، استهلها بكتاب عن شعراء المقاومة الفلسطينية، أصدره عام 1968، يعتبر أول ترجمة لشعر هؤلاء الشعراء إلى لغة أجنبية، وقد اهتم أيضاً بترجمة الشعر الإسباني المعاصر إلى اللغة العربية، و تبدى شغفه بإعطاء صور عن العرب وفلسطين في كثير من القصائد المشهورة، وصور أخرى موشحة بالتراث الأندلسي، ومن الكتب المهمة التي ترجمها مذكرات الشاعر التشيلي الكبير بابلو نيرودا " أشهد أنني قد عشت" وقد صدرت عام 1974،وكانت ترجمته أول ترجمة لهذه المذكرات من الإسبانية لأية لغة أخرى.
أثار انتباهي كتابه حول "المواضيع والألفاظ العربية في أعمال لوركا الشعرية،صورة العرب وفلسطين في الشعر الإسباني" وطلبت منه المزيد من المعلومات حول هذا الجانب المهم، فأخبرني بأن لوركا كان شاعراً أندلسياً يعتز بتراث الأندلس العربي،حتى أن صديقه الشاعر التشيلي بابلو نيرود وصفه في مذكراته بأنه نتاج أندلسي عربي.
وأكد لي في هذا الجانب بأن لوركا ذكر في أشعاره مدنا عربية منها : دمشق والقدس وبيت لحم وتدمر والإسكندرية وسدوم، كما ذكر أيضا فلسطين، وذكر من الشعراء عمر الخيام وحافظ الشيرازي، كما ذكر أبو عبدالله الصغير،الذي كان يعتبره صديقاً له، وبسببه كان يترددعلى قصر الحمراء، وهو مرتدٍ الأزياء العربية،فيجلس جلسة القرفصاء في "باحة الأسود" أوفي قاعة "الأختين" عند نافذة مطلة على وادي" شنيل"، قابعاً في ذاته، رجل من البحر المتوسط، عربي مدثر في بردته، كما وصفه الصحفي الإسباني "خيل بن أمية" الذي أجرى مقابلة صحفية معه في عام واحد وثلاثين.
ثم اتسع مدى حديثه حول المواضيع والألفاظ العربية في شعر ومسرحيات لوركا،ردد على مسمعي قصائد مختارة،ونماذج من مسرحياته،واختتم هذا الجانب بما قاله لوركا قبيل موته:
"حين اموت
ادفنوني تحت الرمال
في الصحراء العربية"
كما حدثني عن كتاب له أصدره قبل عدة سنوات، عن رواية " دون كيخوته" رائعة الأديب الإسباني الأشهرميغيل دي ثربانتس، التي تعتبر أول رواية حديثة في الأدب العالمي، بين لي أنها تزخر بحكم وأمثال وكلمات من أصل عربي،وتهتم بالفروسية العربية، لدفاعها عن المظلومين والفقراء،على عكس الفروسية الغربية،التي تهتم فقط بالملوك والأغنياء.
وعرض في حديثه جانباً يتعلق بشعراء إسبانيا المعاصرين، بين أن منهم من يهتم مثل لوركا وثربانتس بالمواضيع والألفاظ العربية، ويذكرون فلسطين والعرب في شعرهم، وذكر في هذا الجانب قصيدة بعنوان "أشجار الدفلى" للشاعر"مانويل ماتشادو" وهو من الشعراء المحدثين، يقول في مطلعها:" أنا مثل أولائك القوم الذين جاءوا إلى أرضي/ إنا من الجنس العربي صديق الشمس التليد/ أولئك القوم الذين غنموا كل شيء وفقدوا كل شيء/وروحي من طيب ذلك العربي- الأندلسي."
يكثر هذا الشعر في إسبانيا، الذي يتماهى مع معاني مضمخة بعبق التراث الأندلسي، للشاعر الفلسطيني محمود صبح الفضل بترجمته الى اللغة العربية، وتعريف القارئ العربي بما يحويه من ومضات إبداعية وتوهج عاطفي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الراوي أعلم
ماوكلي ( 2018 / 9 / 13 - 23:54 )
انتظرت في آخر المقال أن يقول الكاتب أن الإسبان يريدون أن يعودوا لعصور الإستعمار البدوي .... ربما سيكون ذلك في مقال قادم ....

-حين اموت
ادفنوني تحت الرمال
في الصحراء العربية-

هم شعوب متحضرة تحترم وصية موتاهم , أكيد دفنوه أين أراد .... أكيد, لكن أين؟ الراوي أعلم.

اخر الافلام

.. ربنا يرحمك يا أرابيسك .. لقطات خاصة للفنان صلاح السعدنى قبل


.. آخر ظهور للفنان الراحل صلاح السعدني.. شوف قال إيه عن جيل الف




.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي


.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال




.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81