الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مشكلات النظام التعليمي الأكاديمي

أيمن عبد الخالق

2018 / 9 / 14
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


مشكلات النظام التعليمي الأكاديمي

"المدرسة تعلمك ثم تمتحنك، والحياة تمتحنك ثم تعلمك"- اينشتاين
إن أحوالنا الفعلية معلولة لثقافتنا الماضوية، وأحوالنا المستقبلية معلولة لثقافتنا الفعلية، فإن أردنا أن نصلح أحوالنا المستقبلية، فعلينا أن نصلح ثقافتنا الفعلية.
ولاشك أنّ النظام التعليمي يلعب الدور الأساسي في بناء المنظومة الفكرية والثقافية الفردية والمجتمعية، فبداية الإصلاح الفردي والاجتماعي، إنما تبدأ في الحقيقة بإصلاح النظام التعليمي بقسميه الأكاديمي والديني ونحن لانريد هنا أن نتعرض بالتفصيل لبرامج الإصلاح التعليمي، حيث يكون ذلك على عهدة المشرفين والمتخصصين التعليميين، الذين نُكنّ لهم كل التقدير والاحترام، ولكن سنشير فقط إلى الأهداف والسياسات الكلية التي ينبغي أن يكون عليها النظام التعليمي على طبق منهجنا العقلي ورؤيتنا الفلسفية؛ ليكون بمثابة الأساس الذي ترتكز عليه برامج الإصلاح التعليمي ولكن قبل الإشارة إلي هذه المعالم الكلية للإصلاح التعليم، أرى إنه من الضروري أن أشير إلى المشكلات الفعلية الموجودة في النظام التعليمي الحالي؛ لكي يتضح لنا مدي الخلل الجوهري الموجود فيه أولا، من أجل ترشيد عملية الإصلاح بعد ذلك في استئصال هذا الخلل من جذوره، حيث إن العلاج الجذري للمرض يتوقف على التشخيص العميق والدقيق له، فإنّ آفة الإصلاح هو الخطأ في التشخيص، حيث تؤخذ الأعراض مكان الأمراض.
وسوف نبدأ بالبحث أولا عن النظام التعليمي الأكاديمي، ثم ننتقل بعد ذلك إلى البحث حول النظام التعليمي الديني.
النظام التعليمي الأكاديمي هو النظام القائم في المدارس والجامعات الحديثة، التي أنشأها الغرب في القرون الأخيرة على أساس منهجه الحسي ورؤيته المادية في خضم ثورته الصناعية ونهضته التقنية، ثم انتقلت مع مطلع القرن العشرين إلى العالم العربي والإسلامي، مع تفعيل البعثات التعليمية للخارج... ويمكننا أن نلخص المشاكل الموجودة في النظام التعليمي الأكاديمي المعاصر في النقاط التالية:
1. فقدان الرؤية الواقعية الصحيحة لفلسفة التعليم والتعلم عند الأستاذ والتلميذ، الأمر الذي يؤدي إلى انحراف الأسس والمقاصد التى ينبغي أن يبتنى عليها النظام التعليمي.
فنجد الأستاذ يعمل من أجل الأجر والجاه " البريستيج"الاجتماعي، في حين يسعى الطالب منذ نعومة أظافره لتحصيل الشهادات العلمية التي تؤهله لتحصيل العمل المناسب الذي يؤّمن له المال الوفير والمناصب الاجتماعية العالية، فتحول التعليم إلى تجارة متبادلة بين الأستاذ والتلميذ، بعد أن فقد بعده الإنساني العقلي.
2. الإجبار التعليمي، حيث يتم إلزام الطالب بالحضور والغياب لكل الحصص الدراسية المفروضة عليه، ويلاحق بالامتحانات الدورية المتوالية والمرهقة، بحيث أصبح هم الطالب الوحيد في كل مرحلة، هو أن يتعلم ويحفظ من أجل أن يتجاوزها بنجاح، ولينسى بعدها كل ماكان قد حفظه قبلها.
وهذا الإجبار هو الذي أدي إلى نفور الغالبية الساحقة من التلاميذ من التحصيل الدراسي، بحيث أصبحوا يترقبون اليوم الذي يذهبون فيه إلى العطلة، التي يخلعون فيها رداء التعليم والتعلم بالكلية، ويعكفون فيها على اللهو واللعب، ثم يأسفون بعد ذلك على سرعة انقضاء العطلة، ليعودوا بعدها إلى الدراسة وقلوبهم مملؤة بالحسرة والألم.
3. بيداغوجية الحشو التعليمي، حيث يتم حشد عدد هائل من المواد الدراسية المتباينة مع بعضها البعض (حوالي خمس إلى ست حصص دراسية في اليوم الواحد)، بنحو يثقل كاهل الطالب، ولاتدع له وقت للتأمل والتفكير، وبالتالي تقتل فيه روح النقد والإبداع والخلاقية.
يقول الدكتور المصطفى حميمو ((ما لا نريده بالتأكيد، هو إعادة صناعة ذلك الإنسان الفاشل، الذي بعد مروره من كل مراحل التعليم أو بعضها، تجد عقله قد اختُزل في قرص صلب، إما شبه فارغ مما ينفع صاحبه ومجتمعه ، أو مملوء بمعلومات جامدة مع محرك للبحث، بسبب الإفراط في الحفظ من دون ما يكفي من فرص للتفكير))( ).
ويضيف قائلا ((خريجوا المدارس الابتدائية يعانون من الأمية، حيث إنهم قد تعلموا مهارات الكتابة والقراءة والحساب دون كفاءة تطبيقاتها؛ لتحصيل الرصيد المعرفي النافع، فهو يقرأ بلافهم لنصوص جديدة، ويتحدث بلا وعي وابداع لموضوعات جديدة، ويحسب فقط في مسائل جزئية محدودة، ففي الواقع بعد ست سنوات يكون قد رفع أميته فقط في صرف القراءة الكتابة والحساب دون أي رصيد معرفي أو قيمي حقيقي))( ).
4. عدم مراعاة مراتب العلوم في السلم التعليمي بحيث يؤخر مامن حقه التقديم، ويقدّم مامن حقه التأخير، كتأخير دراسة العلوم العقلية إلى نهاية المرحلة الثانوية، مع كون موضعها الطبيعي هو بدايات المرحلة الابتدائية، مما يؤدي إلى اضطراب شديد في ذهن أكثر المتعلمين، وهذا مرجعه إلى الجهل بصناعة البرهان، وارتباط العلوم بعضها ببعض.
5. عدم تصدير العلوم بأي مقدمات تمهيدية تحكي عن طبيعة هذا العلم، وعن موضوعه ومبادئه وغايته ومرتبته، وأهميته في حياة الإنسان ـ كما كان يفعل الحكماء في الماضي ـ الأمر الذي يحرم الطالب من النظرة الكلية الفلسفية للعلم، مما يرسخ فيه نوازع الحشو والحفظ والتقليد الخالي من الفهم والتأمل.
6. غياب العلوم العقلية من المناهج الدراسية، لاسيما في بداية التعليم، ثم عرضها متأخرا بصورة تاريخية مبعثرة فارغة من المضمون العلمي، وحصرها في بعض التخصصات المتعلقة بالبحوث الأدبية والإنسانية، دون سائر التخصصات العلمية، حيث لاتعد تلك العلوم العالية في الرؤية الوضعية الحسية المادية من سنخ العلوم، مع كونها أساس العلم، وركيزته الأولى.
7. هيمنة المنهج الحسي الاستقرائي كما في العلوم الطبيعية، أو الحسي التحليلي كما في العلوم الرياضية، دون المنهج العقلي البرهاني التجريدي، مما يؤصل للذهنية الحسية عند الطالب، والتي تؤدي بدورها إلى ترسيخ الرؤية المادية الغريزية للحياة وللمنظومة الأخلاقية والاجتماعية، كما نشاهده في سلوك أغلب المتعلمين في هذه المراكز الأكاديمية، حيث نراهم يلهثون وراء تحصيل الكمالات المادية لاغير وتصب كل هذه المشاكل التعليمية وغيرها، في تقوية الجانب الحسي المادي في الإنسان المتعلم، وإضعاف الجانب العقلي المعنوي، والذي يؤدي في النهاية إلى أسوأ العواقب الفردية والاجتماعية في المجتمعات البشرية.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ضربة إسرائيلية ضد إيران في أصفهان.. جيمس كلابر: سلم التصعيد


.. واشنطن تسقط بالفيتو مشروع قرار بمجلس الأمن لمنح فلسطين صفة ا




.. قصف أصفهان بمثابة رسالة إسرائيلية على قدرة الجيش على ضرب منا


.. وزير الأمن القومي الإسرائيلي بن غفير تعليقا على ما تعرضت له




.. فلسطيني: إسرائيل لم تترك بشرا أو حيوانا أو طيرا في غزة