الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماذا وراء الاستقالات الجماعية في أفغانستان؟

عبدالله المدني

2018 / 9 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


مؤخرًا حدث في أفغانستان ما أجمع على وصفه المراقبون بالزلزال في هذا البلد المضطرب أمنيًا وسياسيًا منذ عقود. لم يكن المقصود بالزلزال نجاح حركة طالبان أو تنظيم داعش في الاستيلاء على المزيد من الأراضي أو نجاحهم في قتل المزيد من عناصر الجيش والشرطة والمدنيين العزل، فذلك بات من الأمور اليومية التي يصحو أو ينام على أخبارها الأفغان.
الزلزال قـُصد به قيام ثلة من أبرز المسؤولين الأمنيين والعسكريين بتقديم استقالات جماعية إلى رأس الدولة الرئيس أشرف غني. وقد شملت الاستقالات كلاً من وزير الدفاع «طارق شاه بهرامي»، ووزير الداخلية «ويس برمك»، ومدير دائرة الأمن القومي «معصوم ستانكزاي»، علما بأن استقالة هؤلاء جاءت مباشرة بعد قرار مستشار الأمن القومي «حنيف عتمار» (49 عامًا) ترك منصبه.
وفي الوقت الذي رفض فيه الرئيس غني استقالة القادة الأمنيين الثلاثة الأوائل، متحججًا بأن الأوضاع الأمنية المتوترة في البلاد في حاجة إلى خدماتهم في هذا التوقيت العصيب، فإنه قبل استقالة مستشاره للأمن القومي الذي يعد الرجل الأقوى في البلاد من بعده منذ أن تولى «غني» سدة الرئاسة وشكل حكومة الوحدة الوطنية في عام 2014.
قيل في قبول الرئيس لاستقالة مستشاره للأمن القومي وساعده الأيمن أقاويل متضاربة كثيرة. منها أن الرجلين دخلا في الآونة الأخيرة في خلافات مريرة حول طريقة إدارة البلاد وحمايتها، وأن «حنيف عتمار» بدا مستاءً من طريقة معالجة ملفات الوحدة الوطنية، والإجماع الوطني، والسلام والأمن الوطنيين، والإدارة الحكومية، والحكم الرشيد، والشؤون الجهوية، وغيرها. ومنها أن استقالة عتمار جاءت بناءً على طلب الرئيس نفسه بعد أن فشل الأول في وضع خطط للتصدي للميليشيات المعادية لحكومة كابول التي استولت على عاصمة إدارية وقصفت مناطق قريبة من القصر الرئاسي قبيل عيد الأضحى. ومنها أن أشرف غني كان مستاءً من النفوذ المتعاضم لمستشاره في أجهزة البلاد، وقيامه بتعيين واستبدال رؤوس الأجهزة الأمنية دون الرجوع إليه. ومنها أن استقالة الرجل كانت مسألة صعبة على رئيسه لما كان بينهما من تعاون وتكاتف على مدى السنوات الأربع الماضية، لكنه اضطر للموافقة في نهاية المطاف خدمة للمصلحة العامة.
غير أن آخرين قالوا كلامًا مخالفًا مفاده أن أشرف غني تخلص من مستشاره دون تردد بناءً على معلومات تفيد بأنه يستعد لمنافسته في الانتخابات الرئاسية القادمة، وأنه لهذا الغرض عقد اجتماعًا في دبي مع رموز الحزب الإسلامي بزعامة لورد الحرب «قلب الدين حكمتيار» طالبهم فيه بدعمه كي يصبح الرئيس المقبل لأفغانستان، علما بأن الحزب الاسلامي، وهو من أحزاب المعارضة الرئيسة، أكد خبر الاجتماع، لكن دون أن يؤكد عزمه على تأييد الرجل، بل أشار إلى أن حظوظه في الفوز قليلة بسبب خلفيته الشيوعية القديمة. فالمعروف لدى الأفغان أن «عتمار» عمل مع الحكومة الأفغانية الماركسية التي كان الاتحاد السوفيتي السابق يدعهما حتى سقوطها في أواخر الثمانينات، والمعروف أيضًا أن الرجل بدأ حياته المهنية موظفًا في جهاز المخابرات الأفغاني المعروف باسم «خدمات اتصالاتي دولتي» ذي الصلة بجهاز المخابرات السوفيتي (KGB) الذي كان يتجسس ويرصد حركة المجاهدين الأفغان طوال عقد الثمانينات. وفي أثناء ولاية الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي، شغل منصب وزير الداخلية، لكنه أقيل في عام 2010 على خلفية هجوم كبير لحركة طالبان على المنشآت الأمنية.
ولعل ما أثار حفيظة العديد من القوى الأفغانية العاملة على الساحة، سواء من تلك المؤيدة لحكومة كابول أو المعارضة لها، هو استبدال «عتمار» في منصب مستشار الأمن القومي بـ«حمدالله محب» (39 عامًا) سفير أفغانستان لدى الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك من منطلق أن الأخير لا يمتلك الخبرات والكفاءات اللازمة لمثل هذا المنصب الرفيع، خصوصًا في المرحلة المضطربة الراهنة.
صحيح أن «محب» يحمل درجتي الماجستير والدكتوراه من المملكة المتحدة في تخصص هندسة الكمبيوتر، وصحيح أنه اكتسب خبرة سياسية من عمله في حملتي الرئيس أشرف غني الرئاسيتين في سنة 2009 وسنة 2014 ثم أضاف إليها خبرة دبلوماسية وعلاقات مع العديد من المنظمات الدولية والشخصيات الدولية المرموقة منذ تعيينه سفيرًا لدى الولايات المتحدة الامريكية سنة 2015، إلا أن الصحيح أيضًا خلو سيرته من أي شيء يفيد بإلمامه بالاستراتيجيات السياسية والعسكرية والأوضاع الأمنية الأفغانية، كونه لم يحارب يومًا إلى جانب أي فصيل مقاتل، وبالتالي فهو لا يعرف بدقة خرائط الحروب القبلية والايديولوجية والجهوية التي تشكو منها بلاده منذ تسلم المجاهدين للسلطة وما تلاه من انشقاقات ومماحكات ومعارك عبثية.
وردًا على هذه الأقاويل، اعترف «محب» بحساسية منصبه الجديد في هذا الظرف الأفغاني الدقيق، وعدم إلمامه بكل متطلبات المنصب، لكنه أكد أنه سوف يسعى إلى معرفة كل شيء من خلال طلب المشورة، ليس من زملائه في القيادات الأمنية والعسكرية فحسب، وإنما من المواطنين المتضررين أيضًا. أما أولئك الداعمون لتوليه منصب مستشار الأمن القومي فقد أعربوا عن ارتياحهم لتعيينه، قائلين إن حقيقة عدم تلطخ يديه بدماء الأفغان يجعله في وضع أفضل للاتصال بالفصائل الأفغانية المتقاتلة كافة، وبالتالي تحقيق التهدئة المفضية إلى السلام، مضيفين أن المرحلة الراهنة تحتاج إلى الدبلوماسية أكثر من الإجراءات الأمنية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ينهي الرد المنسوب لإسرائيل في إيران خطر المواجهة الشاملة؟


.. ما الرسائل التي أرادت إسرائيل توجيهها من خلال هجومها على إير




.. بين -الصبر الإستراتيجي- و-الردع المباشر-.. هل ترد إيران على


.. دائرة التصعيد تتسع.. ضربة إسرائيلية داخل إيران -رداً على الر




.. مراسل الجزيرة: الشرطة الفرنسية تفرض طوقا أمنيا في محيط القنص