الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثنائيات السرد في رواية (شَمتو) للروائي مصطفى القرنة

محمد رمضان الجبور
(Mohammad Ramadan Aljboor)

2018 / 9 / 16
الادب والفن


ثنائيات السرد في رواية (شَمتو) للروائي مصطفى القرنة
الحرية ، العبودية ، الاستعمار ، التحرر ، الاستبداد، الظلم .....مفردات استفزت الكاتب والروائي الكبير مصطفى القرنة ، فجاءت روايته شمتو ، التي من خلالها استطاع سبر أعماق الحضارة الإنسانية في مدن أثرية تونسية ،عانت من ويلات الاستعمار والظلم الروماني ، ولم يكن كاتبنا ليختار هذه المدن (شمتو وبيلاريجيا) إلا بعد أن زار القطر العربي الشقيق تونس وحط فوق ربوعها الخضراء ، وسار على سفوح بيلاريجيا وبين حجارة شمتو ، وسره ما رأى من جمال ، ونُظمت له الأمسيات الشعرية على مسرح بيلاريجيا الروماني ضمن مهرجان بيلاريجيا التاريخي ، وراح يستنشق عبق التاريخ ، فشمتو لمن لا يعرف شمتو هو موقع أثري تونسي يقع قرب مدينة جندوبة يرجع إلى العهد النوميدي. يرجع تاريخ الموقع إلى القرن الخامس قبل الميلاد، ومن أبرز معالمه ضريح أقامه الملك الأمازيغي النوميدي مكيبسا لوالده ماسينيسا. يوجد في الموقع أيضا عدة مخلفات للعهد الروماني كبازيليك وقوس نصر ومدرج ودكاكين صغيرة. اقترن اسم الموقع بدرجة كبيرة برخام أصفر ووردي يستخرج من مقاطع توجد به، هذه الآثار والمعالم جذبت كاتبنا الأستاذ مصطفى القرنة وأشعلت في رأسه الأفكار ، فأكمل المسير إلى بيلاريجيا ، وبيلاريجيا كانت عاصمة الملك النوميدي ماسينيسا ،موقع أثري ومدينة تاريخية تقع قرب مدينة جندوبة شمال غرب البلاد التونسية ترجع جذور بيلاريجيا إلى القرن الرابع قبل الميلاد إلا أنها لم تصبح ذات أهمية إلا بعد سيطرة القرطاجيين عليها. خضعت المدينة عام 203 ق.م للرومان قبل أن تصبح عام 156 ق.م عاصمة للملك النوميدي ماسينيسا، حليف روما. شهدت المدينة حالة من الركود أثناء العهد البيزنطي ليهجرها سكانها شيئا فشيئا وتختفي معالم الحياة فيها بداية من الألفية الثانية ، كل هذا حفّز كاتبنا الأديب مصطفى القرنة فراح يسأل ويستقصي عن كل صغيرة وكبيرة تخص هذه المدن الأثرية ليخرج علينا برواية وضع فيها عُصارة جهده وشيئا من ذخيرته الشعرية ، وأبهرته الطبيعة التونسية سهولها وجبالها وشواطئها وأنهارها وسدودها ، ويسير على نهر المجردة ، هذا النهر الذي وقع تحت حكم العديد من الحضارات، ومنها: الحضارة البربرية ، الفينيقية، والبونيقية ، والحضارة الرومانية، والوندال، والحضارة البيزنطية، والحضارة العربية، والحضارة العثمانية، وقد كان يتبع إلى العديد من المدن الكبرى، مثل: مدينة أوتيكا، ومدينة قرطاج، وأخيراً مدينة تونس، ويُعدّ موقع النهر موقعاً استراتيجياً في شمال أفريقيا، حيث يُعدّ الممر المائي الرئيسي في تونس وهو مكان حيوي بالنسبة للأشخاص الذين يعيشون بالقرب منه.
وقد توج الكاتب مصطفى القرنة روايته بعنوان قد يكون غريبا بعض الشيء لمن لا يعرف الجمهورية التونسية وآثارها ( شمتو) ، وهو عنوان قد يجذب القارئ حتى لو لم يكن على دراية بما يحمل هذا العنوان في داخله ، فالنفس تواقّة لمعرفة كل غريب ، ورغم اعتماد الكاتب عنوان غاية في قصر عدد الكلمات والأحرف إلا أن هذا العنوان يبقى غائما حائرا حتى يبدأ القارئ بالمرور على الكلمات والأسطر وتتضح الرؤية لديه .
وقد زين الرواية غلاف بألوان هادئة يتوسطها صورة لأحد آثار المدينة التاريخية (شمتو) ، وقد طغى عليها اللون الأصفر الوردي دلالة على لون الرخام الذي كان يتم قطعه وإرساله إلى روما .

مدخل :
الرواية تتحدث عن حقبة تاريخية مهمة لمدينتين أثريتين هما (شمتو وبيلاريجيا) ، إبان العهد الروماني أو الاحتلال الروماني ،فقد وقعت هذه المدن تحت سيطرت الإمبراطورية الرومانية ، التي ما انفكت تسرق خيرات هذه المدن وترسل بها إلى الأباطرة والأغنياء وسكان هذه المدن يتضورون جوعا ، فقمح وخيرات هذه المدن يتم جمعها وإرسالها إلى الرومانيين ، وأهل المدينة يعانون أصناف العذاب ، فهذا دنو الذي أتى من سهول بيلاريجيا العظيمة ويقبع في السجون لأنه لم يقدم قمحا هو ووالده بما فيه الكفاية للإقطاعي الذي اعتاد على سرقة قوت الفلاحين والمواطنين ، ويسجن دنو خمس سنوات مع الأشغال الشاقة في مدينة شمتو ، هكذا تبدأ الرواية ، ومن هنا يترك المؤلف والكاتب مصطفى القرنة الحديث لدنو ليكمل القصة والحكاية وهو سوف يسجل ما يقول .
ها هو يصف كهف العقاب الذي يمتد مسافات طويلة حتى يصل من بيلاريجيا إلى شمتو، كم مات من أهل المنطقة وهم يحفرون هذا النفق من اجل هؤلاء الأعيان والإقطاعيين الذين يستغلون الناس أبشع استغلال .
يسير في الكهف المظلم ويفكر بالهرب والقيد يمنعه ، وفي السجن يلتقي بتيتا الذي حُكم عليه بالإعدام لقتله والد حبيبته رادو ، والحكم يتأجل ريثما ينتهوا من قطع الرخام ، فهم يساقون إلى الجبل ليقلعوا الرخام من أجل عيون روما لينام الأغنياء في بيوتهم بسعادة ، فهم يسكنون بيوتا من رخام شمتو .
الحرية مطلب مُلح في هذه الظروف " فالجنود لا يقومون بتعذيب السجناء ولكن ما يجري هو موت بطيء قتل سريع فالسجين الذي لا يتحمل يموت بسرعة والسجين الذي يتحمل يعيش سنينا أو شهورا وكل حسب قدرته " لذا كان لا بد من الهرب ونيل الحرية .
وتأتي الفرصة عندما يهجم القائد دكرج ويقوم بتحرير العبيد فيجد دنو وصديقه تيتا أن الفرصة مناسبة للهرب ، ويلتحق دنو بجيش دكرج ، ويجد نفسه في معارك طاحنة كانت أحيانا مجدية وأحيانا غير مجدية ، وتتوالى الأحداث من موت والده إلى سجن حبيبته ووالدها ، ودكرج ما زال يذيق الرومان الهزائم الواحدة تلو الأخرى، ويفوز في بداية الأمر ، ويعم النصر ، ويغضب الرومان ، ويستميلون صديقا له ، ليغدر به ويقتله ، وتعود سيطرة الرومان من جديد .


الحدث الرئيس في الرواية :
لا شك أن الحدث الرئيس في الرواية هو وصف الحالة التي عاشتها مدينة( شمتو) وجارتها بيلاريجيا في الفترة التي سيطر الرومان عليها وعاثوا فسادا فيها واستعبدوا أهلها .

الأحداث الفرعية :
لعدم كفاية ما قدم للإقطاعي من المحصول . الحكم على دنو خمسة سنوات *
*حفر نفق طويل بين شمتو وبيلاريجيا بالضغط على أهل المنطقة وموت الكثير منهم أثناء العمل .
*نقل دنو إلى السجن الكبير والتقاء دنو بتيتا .
*حديث تيتا عن الفتاة التي أحبها ورفض والدها تزويجه بها لفقره وهي من طبقة غنية مما دفع تيتا لقتله وحُكم عليه بالإعدام .
*الجنود الرومان يلاحقون الثوار النوميديين الذين استهوتهم الثورة .
*تفكير دنو وتيتا بالهرب ونيل الحرية .
تفكير دنو بالانتحار *
قطع العبيد للرخام ودحرجت الرخام ليصل إلى نهر المجردة .*
تحرير العبيد على يد الثائر دكرج وقتل أعداد كبيرة من الرومان .*
*هروب دنو وتيتا من السجن .
موت والد دنو *
*لقاء تيتا بحبيبته رادو
زواج دنو ب /ريدة *

الحبكة أو العقدة:
لا شك أن العقدة أو الحبكة الرئيسة في هذه الرواية هي (شمتو) ، شمتو التي كانت تحت سياط الرومان ، فاستعبدوا أهلها ، وقتلوا ...وعذبوا ...وسرقوا خيراتها ، وحرموا أهلها ، فهي تسعى للتحرر ونيل الحرية .
وتبرز مجموعة من العقد في ثنايا الرواية تجعل من الرواية عملا متكاملا فيه من عناصر التشويق ما يجعل المتلقي يتابع بشغف ، وينتظر ما تؤول إليه الأحداث .


تحليل الشخصيات :
لا شك أن للشخصيات الدور الهام في تكوين العمل الأدبي ، فهي التي تحرك كل ما جد في العمل ، وتنقل الأحداث من مرحلة إلى أخرى""الشخصيات باختلافها هي التي تولد الأحداث ... بإقامة علاقات في ما بينهم، ينسجونها وتنمو بهم، فتتشابك وتنعقد وفق منطق خاص به"(1)
وقد برزت مجموعة من الشخصيات في رواية (شمتو) رئيسية وفرعية وكلها تكمل بعضها بعضا،ولكن تبقى في الرواية شخصية محورية تتسلّم دفة الحديث والقيادة ، وتُسلط عليها الأضواء، وتلاحقها عدسة الكاتب غن قرب ، وهي في هذا العمل الأدبي ، شخصية ( دنو).
دنو :
دنو الشخصية التي تمثل معظم الشعب الذي عانى من القسوة والشدة والاحتلال الروماني ، فهو يُسجن ويُعذب لعدم كفاية ما يُقدم للإقطاعيين والرومان ، وهو يتذمر ويرفض العيش بهذه الطريقة، ويحاول التغير ويحاول التمرد ، شخصية فقيرة ولكنها ترفض الظلم بشتى أنواعه ، يصفه صديقه تيتا فيقول : "عيناه واسعتان جميلتان ، وأنفه ملكي الطابع ورأسه كبير كان من الممكن أن يكون وزيرا لو لم يكن أسيرا "(2)
فهو ذو شخصية قوية قيادية ، يخطط، يفكر ، يرفض الذل والهوان ، ثائر ، يتمنى أن يزول هذا الاستعمار البشع الذي أرهق الزرع والعباد ، وسرق خيرات البلاد، فنراه يخاطب سمكة في نهر المجردة ، هذا النهر الكبير ، الذي عن طريقه تُحمل الخيرات إلى خارج شمتو ، من قمح ، ورخام،
" أن هؤلاء الرومان يقتلون كل شيء حتى نهر مجردة ،إنهم يذبحونه بهذه الحجارة ويتعمدون قتل تياره القوي بهذه القطع الضخمة التي يحملها إلى مدن الساحل ، إنها مسألة محزنة ، النهر والإنسان والزرع ، إنهم يفتكون بكل شيء " (3)
هكذا يصف لنا الأستاذ مصطفى القرنة بشاعة الاستعمار والاحتلال ، يدمرون كل شيء ، ويسرقون كل ما تقع عليهم أيديهم، فهم أكثر من وحوش .
وخيرات كثيرة ، يجلس على صخرة صغيرة يتأمل نهر المجردة ،فتمر سمكة فيخاطب السمكة :"
أيتها السمكة ، افرحي ربما لن نحتاجك بعد الآن ، سنأكل كعكتنا وطعامنا من هذه الحقول التي عادت لنا ، وربما أتزوج من امرأة جميلة تحيطني برعايتها ، امرأة تكون لي وحدي لا يمسها

( العيد يمنى: تقنيات السرد الروائي في ضوء المنهج البنيوي، ط1، دار الفارابي، بيروت، لبنان، 1990، ص 42)(1
الرواية ص 45/46( 2
الرواية ص 41 (3
أيتها السمكة هل تعلمين كم بقيتُ في معسكر الرومان لقد حالوا أن يقتلوني ثم يقتلوك بوضعهم الرخام في مجرى النهر ، بموتنا كانوا يزينون قصورهم ، بجلودنا لا بجلود النمور كانوا يتفاخرون ، وأما الأعيان والنواب هنا هؤلاء اللصوص فقد كانوا يستمتعون ويعيشون متاجرين بحريتنا وبحياتنا . " (1)
اعتاد الأدباء أن يتحدثون للأشياء التي من حولهم سواء كانت جمادات أو أحياء كنوع من محاكاة الذات أو النفس ، سواء كان الأمر يُعبر عن حالة الحزن أو الفرح ، وهنا نجد دنو في حالة من السعادة ، فهو يبدأ حديثه مع تلك السمكة بقوله ، افرحي أيتها السمكة ، الفرح والسعادة سوف تطال كل شيء حتى هذه السمكة التي في الماء قد أصابها ما أصاب هؤلاء الناس ، فآن لها أن تفرح ، لأن الطعام قد توفر وآن لها أن تعيش أكثر ، فالطعام سيكون من الحقول من القمح ، حتى أنه يخبرها بأنه سوف يتزوج بامرأة لن يلمسها غيره من هؤلاء المارقين الرومان، يحدثها عن أحزانه وسجنه ، يبوح لها بمكنونات نفسه ، ويتذكر في حوار داخلي ما قام به هؤلاء المستعمرون من تعذيب وقتل ومتاجرة بأرواح الناس .
دنو شخصية امتلأت بالحقد على هؤلاء المستعمرين ، فهو يُجند نفسه مع دكرج القائد الثائر ، يضحي بنفسه لأجل وطنه وأهله .
تيتا :
شخصية لها حضور مميز في النص ، فقد تعرّف عليها دنو في السجن ، شخصية شرسة متهورة ، فقد سُجن لقتله والد الفتاة التي أحبها عندما رفض زواجها منها ، فهو من طبقةٍ فقيرة ، والتي أحبها من طبقة أخرى ، فهو يعيش في مجتمع يؤمن بالطبقية ، يفرق بين الغني والفقير ، لذا حُكم عليه بالإعدام ، وتم تأجيل الحكم عليه حتى يستفيدون منه في قطع الرخام الذي يزينون به قصورهم ، ارتاحت نفسه لدنو فأصبح صديقه المقرب ، هو من بيلاريجيا ، وحبيبته رادوا في بيلاريجيا ، هو لا ينسى حبيبته رغم قتله لوالدها ، يراها قمرا في السماء ، وأن نام بين الأعشاب فإنها تأتيه في الحلم ، يتخيلها ، الرومانسية طاغية عليه ، ولكنه يتعرف إلى جادوا ويزوجه ابنته وينسى رادوا إلى الأبد، فقد عشق زوبا ابنة جادوا " آه منك يا تيتا هل استهوتك هذه الفتاة زوبا ونسيت حبيبتك الأولى ، الزمن كفيل بكل شيء ، الحياة لا تتوقف ،هل ستظل تنتظر عشرات الأعوام ، ما أجمل زوبا رائعة تسحر كل من يراها ....." (2)
تظل شخصية تيتا ، شخصية رئيسية محورية لها دور هام في هذا النص ، في تحريك الأحداث، وإضفاء جو يلاءم حبكة القصة .
1) الرواية ص62
2) الرواية ص 101

دكرج :
شخصية قيادية ، ثائرة ، لم ترض الظلم والاحتلال ، قائد قوي الشكيمة ، يقولون عنه انه كان يقتل الذئاب والحيوانات المفترسة بيديه العاريتين ولا يقف في وجهه شيء ، ويقولون عنه ، انه كان يعمل أشياء عجيبة ، رغم فقره إلا انه كان قويا ، فيه من الصفات ما يؤهله للقيادة ، جنود روما أصابهم الذعر من هذا القائد فهم يبحثون عنه ، يقدمون الجوائز والهدايا لمن يبلغ عنه ، ويتصلون بأصدقائه الخونة ، ويتسلل أحد الخدم القريبين من دكرج ويقتله ويسلم جثته للرومان ، ويظل دكرج رمزا للبطل الثائر .

هناك شخصيات أخرى ثانوية ظهرت في الرواية ، ساندت العمل الروائي ، رادوا تلك الفتاة التي أحبها تيتا وقتل أباها لرفضه تزويجه بها ، ريدة الفتاة التي تزوج منها دنو ، زوبا فتاة أخرى أحبها تيتا ونسي حبه الأول رادوا .

ثنائيات السرد الضدية في رواية (شمتو) :
"الثنائيات الضدية طاهرة فلسفية تم سحبها على النقد الأدبي ، وأول من طبقها على الأدب هم البنيويون ، ويعد هذا المصطلح مفردة من مفردات الثقافة الغربية ، رغم أنها موجودة في تراثنا العربي فكرةً وإنتاجاً"(1)
وقد لا يسمح المجال هنا في الخوض عن تاريخ الثنائيات وتعريفاتها المختلفة ، ونشأتها ، ولكننا سنقوم برصد وتحليل مجموعة من الثنائيات التي ظهرت في رواية( شمتو ) ونبين أثرها على النص الروائي ، فالرواية تزخر بالثنائيات الضدية ، التي لها دور كبير في التعبير والإقناع ، وإضفاء نوعا من الجمال على النص الروائي ، فكما يقول ابن قتيبة " الشيء يُعرف بضده "
وقد اشتملت الرواية على مجموعة كبيرة من الثنائيات الضدية ، الحرية /العبودية ، الخوف /الأمن
الحب/الكره، الحلم/الحقيقة ، القوة/الضعف، النصر/الهزيمة، الجمال/القبح ....وغيرها وسوف نقف عند هذه الثنائيات لمعرفة القوة والجمال فيها .



1)الثنائيات الضدية في لغة النص الأدبي، علي زيتونة مسعود ، ص 157
تحليل الثنائيات :
الحرية/العبودية : لعل هذه الثنائية من ابرز الثنائيات في هذا العمل الأدبي، فالرواية في مجملها تقوم على هذه الثنائية ، فمنذ الأسطر الأولى في الرواية نرى الشخصية الرئيسية في الرواية( دنو) يرسف بالقيود داخل أحد السجون ، والرواية بشكل عام تتحدث عن العبودية التي عاشها أهل
( شمتو) و(بيلاريجيا) ، فهم دائما يحلمون بالحرية ويسعون لها ، فالحرية /العبودية ، هي السمة الطاغية على أركان الرواية ، فمعظم شخصيات الرواية يعانون من العبودية والاحتلال والاستعمار والظلم ، فهذه الثنائية تحتل الجزء الأكبر من هذا النص الأدبي.
السجن ، السجناء ، السجين ، القتل ، التعذيب ، مفردات ظهرت في صفحات الرواية ، تُعبر عن الجو العام الذي يعيشونه أهل هذه المدن.
الخوف/الأمن:
ثنائية مهمة في هذا العمل الأدبي ، فهي تبين لنا الحالة النفسية لمعظم شخصيات الرواية ، فهم يشعرون بالخوف ، الخوف من القتل ، الخوف من السجن ، الخوف من الجوع ، الخوف على أولادهم ، على خيرات وطنه التي تذهب إلى الرومان، يفتقدون الأمن بكل أشكاله، فهذا تيتا في خوف دائم من الإعدام ، ودنو في خوف من السجن المظلم ، خوفهم على محاصيلهم من القمح ، وهي تذهب إلى المستعمرين وهم يموتون جوعا ، فثنائية الخوف والأمن تسيطر على صفحات الرواية ، فالشعب يعيش في خوف ، والمستعمر يعيش في أمن ، تضاد واضح ، يمنح المتلقي فسحة من الجمال والتشويق .
الحب/الكره :
لا شك أن هذه الثنائية ،الحب/الكره ، من الثنائيات البارزة في هذه الرواية ، فالحب يتلخص في الشوق إلى الحرية ، في الشوق إلى التخلص من براثن الاستعمار ، حب الوطن ، حب الأرض ، حب هذه الثروات التي يصادرها المستعمر ، حب الحياة والحرية ، كره المحتل ، كره التعذيب ، كره مصادرة الثروات من قبل المستعمر أو المحتل ، حب الحياة وكره الموت ، حب الزواج والارتباط ، حب الاستقرار وعدم التشرد ، فثنائية الحب/الكره متغلغلة في ثنايا الرواية ، وتحث المتلقي على المتابعة والتشويق .
فالثنائيات هي احدي التقنيات التي تجعل النص يبوح بأسراره النفسية والفكرية والفنية .



الحلم /الحقيقة :
من الثنائيات التي تظهر وتواكب هذه الرواية ، ثنائية الحلم /الحقيقة ، فأبطال الرواية يحلمون بالحرية ، يحلمون بالعيش ، بالزواج ، بالحب ، يحلمون بالشبع بعد صادر المستعمر والمحتل ما يزرعون ، والإقطاعيون يحرمونهم من محاصيلهم ، يحلمون بزوال الظلم ، والحقيقة أنهم جائعون،مستعبدون ، معذبون ، وهذا ظاهر في كل أجزاء الرواية ، فتيتا كان يحلم بالزواج من رادوا ، يحلم بالحرية ، فهذه الثنائية لا تقل أهمية عن غيرها من الثنائيات ، بل إنها تحاكي صُلب الموضوع المطروح ، فما أكثر الأحلام لشعب يذوق ألوان العذاب .

القوة /الضعف:
الثنائيات التي يحملها هذا النص كثيرة ومتنوعة ، وهذا أن دل على شيء إنما يدل على قوة النص ، فالرواية تتحدث عن الظلم والقهر والعبودية ، فلا بد من وجود ما يدل على الضعف والقوة ، فالذي يقبع في السجن ضعيف ، والذي يعمل والسوط على ظهره ضعيف ، وحامل السوط قوي ، قوي بنفوذه ومركزه ، الشعب الذي تم تسخيره لحمل ألواح الرخام لإرسالها إلى الأغنياء شعب ضعيف ، ونرى القوة ظاهرة بظهور البطل الثائر دكرج ، الذي قلب الموازين ، وجعل من الشعب الضعيف شعبا قويا ، ولقن الرومان دروسا في الهزيمة والنصر ، فنرى أن هذه الثنائية الضدية قد أغنت العمل الأدبي .

النصر/الهزيمة :
كانت هذه الثنائية واضحة أشد الوضوح ، فهؤلاء الرومان فرضوا سيطرتهم على كل شيء ، على البشر والحجر ، على الزرع والمحاصيل القمح وغيره ، انتصروا بقوتهم وسحقوا كل ما هو أمامهم، فكان النصر حليفهم ، حتى ظهر ، الثائر والبطل دكرج فقلب نصرهم إلى هزيمة ، وأذاقهم الويلات ، فانتصر الشغب بانتصاره ، ونسي الهزائم واحتفل بالنصر ، حتى اندس أحد الخونة من أصدقاء دكرج ، وهم كُثر في التاريخ ، وانتزع هذا النصر وحوله إلى هزيمة ، وتتضح هذه الثنائية في تحرر دنو وصديقه تيتا من السجن وهروبهم من القتل والسجن فهو نصر لهم ، وتظل هذه الثنائية من الثنائيات التي لها كل الأهمية في هذه الرواية .




الجمال/القبح :
الجمال /القبح ، ثنائية تزخر بها صفحات الرواية ، فالسجن الذي يقيمون فيه تملأ جنابته الرطوبة والعفن ، ورائحة المساجين ، يغتسلون بعرقهم ، لا يوفرون لهم الماء ، فهل هناك أقبح من ذلك ،وفي مشهد آخر نرى جمال المدينة ، وكيف ينام بها الأغنياء" العرق يبرد على جسميهما ، ورائحة قاتلة تنبعث من أجساد الجميع لا أحد يريد أن ينظر إلى هؤلاء السجناء ، المدينة تبتهج ويعلو صوتها ، والسجناء قابعون في هذا السجن نهبا للغبار والعواصف الحارة " (1)
وترد لوحات أخرى في الرواية يظهر فيها القبح والجمال ، فهذا اللون الأخضر ، الذي يدل على الحياة يتحول إلى لون اخضر به زرقة كأنه يدل على الموت بدل الحياة ، "مثلا تذهب للنهر ترى شيئا أخر غير هذا الصخر الأخضر القاتل ، أن خضرته تكاد تطغى على كل شيء ، خضرة تميل إلى الأزرق ، خضرة قاتلة وليست كخضرة الأشجار ، خضرة صادمة خالية من أي معنى سوى الموت والعرق " (2)
هذه الثنائية تعبر عن الجمال/القبح ومدى وجودهما في ثنايا هذا العمل الأدبي الرائع ، وقد تناولنا نماذج توضح هذه الثنائية وتواجدها في الرواية ، علما أن هناك الكثير من المقاطع ترد بها هذه الثنائية .













التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أشرف زكي: أشرف عبد الغفور كان من رموز الفن في مصر والعالم ا


.. المخرج خالد جلال: الفنان أشرف عبد الغفور كان واحدا من أفضل ا




.. شريف منير يروج لشخصيته في فيلم السرب قبل عرضه 1 مايو


.. حفل تا?بين ا?شرف عبد الغفور في المركز القومي بالمسرح




.. في ذكرى رحيله الـ 20 ..الفنان محمود مرسي أحد العلامات البار