الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لتفكير أجمل ...

لؤي عجيب

2018 / 9 / 18
الادب والفن



أشلاء الماضي ليست إلا وهما ينهك الذاكرة. و أجمل ما يكون الآن شروق شمس هذا اليوم.
حاولت كثيراً النهوض من الفراش.. لكن شد عضلي منعني مراراً.. و عندما قررت أنه قد حان الوقت، فتحت عيني..لم اسمع صباح الخير كالعادة... و جسدي كان مرنا لكي انهض و أمارس نشاطي الصباحي..
ما الذي تحاول إثباته الذاكرة من منامات الشد العضلي أو التحليق بمنتهى النشوة فوق الغيوم.
التعب يمحوه نوم عميق، و النشاط الصباحي مرهون بذاك العمق.

وضعت سندويشة الجبن التي اشتاق إليها صباحا في السخان.. و رحت ارتدي ملابسي. لابد من صباح الخير حتى و إن كنت وحيدا .. "صباح الخير يا وطنا يسير بمجده العالي إلى الأعلى".. أمل عرفه.. فهد يكن. أين اختفى يا ترى.. ؟؟؟

لا بد من الاستعانة بغوغل لمعرفة مكان شخصية كانت مشهورة كهذه..

سندويشة الجبن... لابد أنها نضجت... نضجت!!! ؟؟؟
أتناولها و أنا أفكر بالنضج... هل هو كحال الخبز و الجبن!!!؟؟؟ هل يحتاج الإنسان فعلياً إلى ما يطبق عليه من أعلى و من أسفل و يسد عليه كل منفذ حتى ينضج تماماً.. ؟؟؟

موعد اليوم هام جداً.. و العمل كثير و يجب انجازه على أكمل وجه..

- نحن متواجدون في الموقع الآن .. يجب التسليم ...
- مسافة الطريق و أكون معكم... هل فريق العمل متواجد في الموقع؟؟
- الجميع في انتظارك للتسليم.. و الشيخ في انتظارك..
الشيخ... رجل له سمعة حسنة في مجال الأعمال.. هذا الرجل الذي لا يكل و لا يمل من العمل.. متواجد دائماً و من حوله حاشيته...
كان نهاراً طويلاً... منهكا لكنه تكلل بالنجاح. ..
ألح الشيخ للبقاء معه على الغداء... و لسوء حظي لم يكن هناك إلا مناسف اللحم.. و لكن ولده الصغير أنقذني عندما أصر على سندويشة جبن. فاحضروا له طبقين مليئين بأنواع من الجبن....

- هذا صديقي الذي يعشق الجبن مثلي... سحبت كرسي و جلست بجواره.
- لا يا أستاذ... هذه المناسف على شرفكم. .
- صحتين و عافيه... أما أنا لا أقاوم هذين الطبقين لأي سبب كان.. لذلك سأشارك صديقي الصغير.
- لا أريد أن اضغط عليك.. لكن إن كان هذا ما تريد فلتحضروا لهما ما يمكن تناوله مع الجبن.. أتعلم..؟ لقد ذكرتني الآن بحادثة عمرها عشر سنوات عندما كنت في جولة في أوروبا و أصر ستيف الهولندي على زيارة قرية فرنسية اسمها كاممبيرت حيث تحمل الجبنة الشهيرة اسمها... كانت أمامنا طاولة مليئة بما لذ و طاب من أنواع اللحوم و أطباق تمتلئ بأنواع مختلفة من المقبلات و الأجبان.... في حين كنا نتذوق الأطعمة المختلفة كان ستيف يتناول قطع الجبن من كل طبق و عند كل قطعة يتناولها.. يغمض عينيه و يذكر اسم الجبن... وكأنه في عالم آخر... و لم يتناول أي طعام آخر لكي لا يتغير عليه طعم الجبن...
ضحك عالياً و تتالت الضحكات من كل صوب. و تابع:
- الجميع يستغرب تركك المناسف أما أنا فأفهمك. . أنتم عشاق الجبن لكم عاداتكم بتذوقها.

لأول مرة .. أطلق العنان لخيالي تجاه طعام أكرهه ...قال أنه يفهمني ...
أنا لم أفهم نفسي بعد لماذا أكره اللحم دوناَ عن جميع الأطعمة..؟؟؟ لماذا تثير اشمئزازي بمجرد النظر إليها... وربما يمضي اليوم دون أن أتذوق شيئاَ ... عداك عن رائحتها ... لا أذكر يوماَ أن تجرأت و لمست قطعة لحم... لماذا ؟؟؟

في إحدى اجتماعات العمل ... طلبنا تبوله على الغداء ...أما صديقي عبد القادر طلب صحن سلطة دون البندورة و كررها مراراَ على مسمع النادل ... قائلاَ لي: لا أتخيل نفسي يوماَ أتذوقها ...

أحسست بالود تجاهه .. و ابتسمت و أنا أحس أن آخراَ يفهمني تماماَ كما أفهمه ...

طريق العودة مزدحم .. والوقت يمضي .. ولا بد من شراء بعض الحاجيات .... لكن بالكاد تتحرك السيارة ... و هناك متسع من الوقت للتفكير ...
لا تحمل ذاكرتي طعماَ للحمة .. ولا حتى ملمساَ ... لماذا ؟؟؟

منذ الطفولة ...
الطفولة ... ربما هي السبب .. ماذا عن الطفولة ..؟؟؟
أطفال كثيرون لوالدين ...
ماذا يفعل الفرد منهم للفت النظر دوناَ عن الآخرين .. ؟؟
ترك نوع من الطعام ..؟؟؟ و إثارة الكره تجاهه ؟؟؟ ليحظى هذا الفرد بعناية خاصة ..؟؟؟

وصلت الهايبر .. ولم أجد جواباَ أكثر منطقية من ذلك...

لكن ماذا عن الرائحة .. التي تسبب لي الغثيان طوال يوم كامل ... لا بد و أنه جهد خاص للدماغ لتلافي الضرر .. أي ضرر ؟؟ ....إنه الضرر المزعوم ...
نعم .. هذا الدماغ تجنب ما أمرته به .. وبمنتهى الإخلاص ...

أقف الآن وجهاَ لوجه أمام أكوام اللحوم ... طريقة عرضها تثير القرف ... هل هذا من عمل الدماغ أيضاَ..؟؟؟
انصاع لأوامري كلياَ .. و الآن يا صديقي .. ما عليك إلا لمس تلك القطعة الكبيرة و حملها بكفك ...
ارتعشت يدي .. و بكل صدق خفت أن أسقطها أرضاَ .. وضعتها في مكانها ... و أنا أنظر إلى يدي و قد ارتكبت فعلاَ لطالما تجنبته.. خوفاَ .. طوال حياتي ... سرت قشعريرة في جسدي .. وخطرت ببالي الفكرة ..
التذوق لابد منه ..
غسلت يدي مرتين فقط ... حملت الأكياس ... و غادرت إلى المنزل ... و أنا أفكر بالكباب ..
سيخ واحد فقط من فضلك ... لم أتردد ... تناولته دون الخبز ..
الطعم .. مازال عالقاَ في فمي.. و الرائحة ... ليست جيدة .. لم أحبه ... تماما كما لم أحب الروبيان المسلوق و أنا الذي يتلذذ بطعم الروبيان مشوياً أو مقلياَ ..

الآن استطيع أن أقول "تذوقت طعاماَ و لم أحبه" ... على عكس تجنبه لوقت طويل ...
ليس كل ما يعلق بالذاكرة حقيقي .. قد يكون وهماَ لتجنب شيء ما .. و قد ينجح الدماغ بعمله طوال الوقت...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الموسيقي طارق عبدالله ضيف مراسي - الخميس 18 نيسان/ أبريل 202


.. فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024




.. السجن 18 شهراً على مسؤولة الأسلحة في فيلم -راست-


.. وكالة مكافحة التجسس الصينية تكشف تفاصيل أبرز قضاياها في فيلم




.. فيلم شقو يحافظ على تصدره قائمة الإيراد اليومي ويحصد أمس 4.3