الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تقدم الصراع الطبقي في ظل تعمق الأزمة العامة للامبريالية

عبد السلام أديب

2018 / 9 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


1 -عشر سنوات مرت الآن على انفجار أزمة شتنبر 2008 الاقتصادية والمالية. وباعتراف كافة المتتبعين وحتى صندوق النقد الدولي والبنك العالمي فقد كانت أعنف أزمة اقتصادية ومالية يعرفها نمط الإنتاج الرأسمالي منذ أزمة 1929. وقد تواصلت انعكاسات هذه الأزمة على كافة الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. ولولا عمل البلدان الامبريالية على جر مجموعة ما سمي ببلدان العشرين في نونبر 2008 للانخراط في عملية تدبير هذه الازمة، ووضع الحكومات ميزانياتها لضخ الأموال في صناديق شركات التأمين والابناك والشركات الصناعية لإنقاذها من الإفلاس لما تراجعت هذه الآثار نسبيا سنة 2014، وهو التراجع الذي يبدوا تراجعا مصطنعا، لأن أفق انفجار أزمات متوالية تلوح في الأفق.

2 -إن تتبع سيرورة ازمة النظام الرأسمالي وتناقضاته المتراكمة وانعكاساتها الاقتصادية والاجتماعية محليا ودوليا مفيد جدا بالنسبة لطليعة الحركة العمالية العالمية، لأن الفهم الصحيح لهذه السيرورة ورصد تطور حركة الصراع الطبقي يفيد في عملية بناء المنظمات العمالية الثورية ورسم استراتيجيتها النضالية.

3 – بعد ثلاث سنوات ونصف تقريبا على أحداث شتنبر 2008، حدث من جديد تدهور عميق في هذه الازمة الاقتصادية والمالية العالمية المزمنة. ورغم النجاح النسبي لسياسة التدبير امبريالي غير مسبوق للأزمة، والتي تم التخطط لها من قبل مجموعة العشرين في نونبر 2008، والذي مكن من تفادي انهيار غير منضبط للنظام المالي الدولي، وتراجع مؤقتا أثر الانهيار الذي أحدثته الأزمة. حيث تمكن المسيطرون من تخفيف الهزات السياسية، التي تطورت على الخصوص بشكل متوازي مع تعمق الأزمة الاقتصادية؛ إلا أن الآمال التي كان يضارب عليها رأس المال المالي الدولي من أجل حدوث اقلاع اقتصادي على المستوى العالمي تبخرت. فعدم حدوث هذا الاقلاع شكل في نفس الوقت نقطة انطلاق ازمة سيولة في أوروبا. ونظرا لأن الميزانيات الوطنية التي تقلصت نتيجة خدمتها لسياسة تدبير الأزمة، لم تعد قادرة على خدمة الديون المتراكمة بسبب ذلك، فإن أزمة مالية جديدة انفجرت بشكل مفتوح مع بداية 2010 تحت شكل أزمة الأورو. ولم تنطلق هذه الأزمة في هذه المرة من وضعية بضعة أبناك احتكارية – كما حدث في شتنبر سنة 2008 – وإنما كان منبعها مديونية الميزانيات الوطنية، وهي الأدوات نفسها التي سخرت لتدبير الأزمة. إذن فوسيلة تدبير الأزمة الدولية نفسها دخلت في أزمة عميقة. وانطلاقا من سنة 2012، وجدت البلدان الامبريالية نفسها أمام كومة من أنقاض أوهامها الاقتصادية وسياساتها المالية.

4 – ونظرا لعدم تكافؤ التنمية الاقتصادية، وتأثرها المتفاوت بالأزمة الاقتصادية والمالية العالمية، فإن تعمق التناقضات بين الإمبرياليات احتلت من جديد واجهة المسرح الدولي. حيث انفجرت تناقضات في قلب الاتحاد الأوروبي حول توزيع تكاليف الأزمة الاقتصادية والمالية، كما تعمقت التناقضات بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية في مواجهة روسيا والصين والهند من جهة أخرى.

5 – والى غاية سنة 2014، ظلت المشكلة الأساسية التي تؤرق الإمبرياليات المسيطرة هي أنها لم تتمكن من القضاء على آثار الأزمة الاقتصادية العالمية رغم استنزافها لموارد مالية هائلة للميزانيات العمومية والتي كان لت لها عواقب وخيمة على الأوضاع الاجتماعية لمختلف الشعوب حتى المتقدمة منها. وقد حدت هذه الحقيقة من هامش فعالية مناورة التدابير العمومية من أجل متابعة تدبير الأزمة. وبسبب الوضعية الصعبة للمالية العمومية، لم تلاحظ الأنظمة أية فعالية في تجديدها لسياسة تدبير الأزمة الموحد على الصعيد الدولي والذي كان من شأنه أن أحدث ردود فعل متوالية من افلاس الدول الوطنية، ومن انهيار الأبناك أو حتى افلاس النظام المالي العالمي بأكمله. وقد أدى تعمق الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية الى تسريحات جماعية للعمال، والى تقليص هائل للأجور وتفكيك واسع للمكتسبات الاجتماعية. وقد لاحظنا في المغرب الانعكاسات الوخيمة لسياسة تدبير الازمة منذ تأسيس خلية تدبير الازمة سنة 2009 والتي ستتعمق أكثر مع تنصيب حكومة إسلامية يقودها حزب العدالة والتنمية انطلاقا من سنة 2011 والى الآن. وقد أدت سياسات تدبير الأزمة محليا وعالميا إلى تزايد غضب الجماهير الواسعة ضد الحكومات وضد النظام الامبريالي العالمي. فعواقب تعمق الأزمة هي تعميق مقابل في الصراع الطبقي. ويكفي ان نشير هنا الى ردود الفعل الشعبية المتوالية على سياسات تدبير الازمة في المغرب، انطلاقا حركة تنسيقيات مناهضة الغلاء وحركة 20 فبراير وتزايد الاحتجاجات الجماهيرية والاضرابات العمالية واحتجاجات المعطلين والطلبة وانفجار الحراك الشعبي بالحسيمة وانتفاضة أبناء وارامل عمال آبار الفحم "الساندريات" التقليدية بحثا عن بديل اقتصادي واحتجاجات الماء الشروب بزاكورة وساكنة ايمضر. علما ان هذه الاحتجاجات الجماهيرية واجهتها الحكومة الإسلامية بكثير من القمع والتنكيل والاحكام المفبركة التي بلغت قرونا من السجن.

6 – ترتبط أزمة سياسات تدبير الأزمة بالانعكاسات الأكثر فأكثر حدة لعواقب الأزمة على الجماهير الواسعة في العديد من البلدان وخاصة في البلدان المضطهدة والتابعة للإمبريالية كالمغرب. وقد أحدث هذا الواقع الجديد انعطافا نضاليا وسط الجماهير. حيث تطور النضال العابر للحدود من أجل الحرية والديموقراطية وبرز كظاهرة فريدة في عصرنا. ويفيد تاريخ الحركة العمالية، بأن النضال من أجل الحرية والديموقراطية يشكل في بلدان الاستبداد والفساد والفاشية والديكتاتوريات العسكرية وفي البلدان التي تكون فيها الحقوق والحريات الديموقراطية محدودة جدا وفي أدنى مستوى لها مثل المغرب، يصبح شعارا ضروريا لمواصلة النضال الثوري من أجل اسقاط الاستبداد والهيمنة الامبريالية وبناء المجتمع الاشتراكي.

وقد سبق أن أشار الرفيق لينين في هذا الصدد إلى ما يلي:

"جعلت الرأسمالية عموما والامبريالية على الخصوص من الديموقراطية وهما، وفي نفس الوقت تولد الرأسمالية تطلعات ديموقراطية وسط الجماهير، وتنشأ مؤسسات ديموقراطية، وتعمق الاصطدامات بين الامبريالية التي تنفي الديموقراطية والجماهير المتطلعة للديموقراطية. ... لكن اليقظة ونمو الانتفاضات الاشتراكية ضد الامبريالية تظل وثيقة الصلة بتطور ردود الفعل وبالغليان الديموقراطي". (لينين، "جواب على أ. ب.كييفسكي (أ. بياتاكوف)، الأعمال، المجلد 23، بالفرنسية، الإصدار الاجتماعي، باريس 1974، الصفحة 23/24).

فآجلا أو عاجلا، ستؤدي التناقضات داخل النظام الامبريالي العالمي وانظمته التابعة بشكل حتمي نحو الاختناق وظهور أزمة ثورية عالمية! فالشعوب تبدع بشكل عفوي ردود فعل قوية على الاستغلال والاضطهاد والاستبداد. والمثل المغربي يقدم نموذجا صارخا من الأفعال وردود الأفعال، من تعمق الأزمة وما حملته من سياسات لا شعبية لتدبير الأزمة، وفشل هذه الأخيرة، مقابل تصاعد الاحتجاجات خاصة خارج الأحزاب السياسية والمركزيات النقابية التي استطاع النظام تدجينها بالكامل وحولها الى خادمة لسياسات تدبير الأزمة. فمنذ عشرين سنة تتنامى بشكل دوري حركات اجتماعية مستقلة تماما عن الأحزاب والمركزيات النقابية، ورغم سعي هذه الأخيرة بكامل وسائلها الأيديولوجية وبرجوازيتها الصغرى للانغراس وسط هذه الحركات وتحويل مسارها للخنوع للنظام، الا ان هذه الحركات سرعان ما تتخلص من هذه المحاولات حيث لا يتبقى للحكومات سوى القمع والسجون في حق طليعة الجماهير الكادحة. وقد رأينا كيف لجأت الجماهير المغربية الى نوع آخر من النضال وهي المقاطعة الاقتصادية التي بدأت بمقاطعة شركة الحليب الفرنسية سانطرال وشركة افريقيا للغاز وشركة مياه سيدي علي والتي تضررت منها بشكل كبير هذه الأخيرة. كما أنه جواب على قرار الحكومة الأخير للتجنيد الاجباري للشباب والفتيات الذين يتراوح عمرهم ما بين 19 سنة و25 سنة، شهدنا موجات هجرة سرية بالآلاف من الشباب والفتيات بل وحتى الأطفال نحو اسبانيا وهو تعبير من الشباب عن رفضهم لهذه السياسة القمعية وتبعاتها.

وعلى ضوء حركة الانتفاضات الديموقراطية الناجحة نسبيا والتي اندلعت في افريقيا الشمالية (على الخصوص في تونس ومصر) كنقطة انطلاق، انتقلت هذه النضالات عبر الحدود على شكل موجات نحو أوروبا، وشاهدنا ذلك في اليونان وإيطاليا واسبانيا والبرتغال. فقد نمت في حوالي 50 في المائة من بلدان العالم، حركات تمرد ومظاهرات جماهيرية واضرابات عامة ومواجهات مسلحة كردود فعل قوية على الظروف الاجتماعية الجديدة التي نشأت في ظل الأزمة وسياسات تدبير الازمة. وقد اشارت دراسة أنجزت مؤخرا أن 35 دولة من بين من 177 أصبحت غير مستقرة وتوجد "في وضعية سياسية مقلقة" بسبب تدهور متسارع لبنية الدولة، كما أن 130 دولة أخرى أصبح استقرارها السياسي معرضا للخطر. فالتطور المتسارع للغليان الشعبي أصبح إذن غير قابل للاحتواء. وقد أصبحت الجماهير على المستوى الأممي معبئة ضد رأس المال المالي الدولي المهيمن بدون شريك، وضد اساليبه في الاستغلال والاضطهاد. كما تزايدت الاصطدامات مع الأجهزة المختلفة لسلطات الدولة، وانتقدت بشكل صريح ومباشر طبيعة النظام الامبريالي وانظمتها التبعية. وفي هذا الصدد تزايدت تظاهرات المنجميين خلال السنوات الأخيرة. كما بدأ تمرد الشباب على المستوى العالمي يتطور نحو مستويات أقوى، وكل هذا ينذر بأزمة ثورية عالمية.

ومع تطور النضال الجماهيري عالميا من أجل الديموقراطية والحرية، تعزز في المقابل الاتجاه الرجعي. ففي مصر يتم قمع الجماهير بدون رحمة الى درجة استعمال الرصاص. وفي كازاخستان تمت تصفية على الأقل 70 عاملا مضربا بآبار البترول بواسطة الرصاص. وفي روسيا لجأ بوتين الى خداع الشعب عن طريق فبركة الانتخابات وممارسة إرهاب الدولة. وفي الكونغو واجه جهاز الدولة مظاهرات الجماهير بإرهاب الدولة كذلك. وفي تركيا تم من خلف ديموقراطية الواجهة، اللجوء الى تصفيات واعتقالات مكثفة للسياسيين الأكراد. أما في المغرب فمواجهة الاحتجاجات السلمية للجماهير المنكوبة بسياسات تدبير الازمة عرفت منذ سنة 2011 تصعيدا غير مسبوق تم فيه منع التظاهرات النقابية العمالية وتظاهرات مجموعات حاملي الشهادات المعطلين وتظاهرات حركة 20 فبراير واحتجاجات ساكنة الريف على العسكرة والتهميش وغياب البنيات التحتية، بل عمدت الحكومة حتى الى عدم الترخيص لفروع الجمعية المغربية لحقوق الانسان بممارسة عملها الاعتيادي في التشهير بالخروقات والتربية على حقوق الانسان.

إذن، فهناك من جهة تزايد في نضالات الطبقة العاملة والجماهير الواسعة المتطلعة الى الديموقراطية والحرية، ومن جهة أخرى حدوث تعميق خطير في العنف الرجعي من طرف القوى المسيطرة على السلطة الامبريالية والبلدان التابعة، وهذا بحد ذاته يشكل أرضية لتثوير أكبر في المستقبل للجماهير الواسعة.

7 – رغم أن الاتجاه الرئيسي في العالم هو النضال من أجل الحرية والديموقراطية، فإن استمرار وتعمق الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية عمق مخاطر الحرب العامة. فالتدمير المنهجي الذي عم بلدان كبرى في الشرق الأوسط مثل أفغانستان والعراق وسوريا واليمن مدبر من طرف الامبريالية ويدخل ضمن اتساع التناقضات القائمة فيما بينها. وتتعمق الخلافات بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا في شأن بسط نفوذها السياسي والعسكري داخل هذه البلدان وتدخل الاتحاد الأوروبي وتركيا وإسرائيل والعربية السعودية وقطر والامارات العربية في مناوشات مع إيران وضد اليمن وداخل كل من العراق وسوريا. فمن أجل اركاع إيران وافشال برنامجها النووي، قام الاتحاد الأوروبي بتهديدها بمقاطعة نفطها. وكجواب على هذا التهديد هددت إيران بإغلاق مضيق هرمز، والذي يجب أن يمر عبره على الأقل 40 % من الاستغلال العالمي للبترول. وقد أعلنت الحكومة الامريكية كمبرر للدخول في الحرب ضد إيران اغلاق المضيق، وقد اتخذت الولايات المتحدة الامريكية بواسطة حاملات طائراتها مواقع استراتيجية بشكل مستمر في بحر العرب وفي البحر الأبيض المتوسط بل وتقدمت الى ان وصلت الى الخليج الفارسي. لقد أصبح النضال من أجل حماية السلام العالمي أصبح مهمة أساسية للحركة الثورية والعمالية العالمية.

8 – لقد كان للإمبريالية ووسائلها الإعلامية واتباعها التحريفيين والاصلاحيين المندسين داخل الحركة العمالية ردود فعل على تطور النضال العالمي والمراهنة على إصلاحات خادعة. ففي حركة "لنحتل" والمنتدى الاجتماعي العالمي تم اللجوء الى تحويل الإدانة ضد رأس المال نحو وهم القدرة على ترويض رأس المال وتقليص صلاحيات الأبناك وفرض ضريبة توبين على المعاملات المالية التي تدعوا اليها حركة أطاك. لكن الأبناك تظل أداة رأسمالية مركزية من أجل تنظيم عملية الإنتاج وإعادة الإنتاج الرأسمالي والذي لا يمكن أن يتم فقط عن طريق "التقليص من الصلاحيات" من دون تجاوز الرأسمالية أو بمجرد أوهام تضريب العمليات المالية. وبينما تلجأ أغلبية من الشباب الى التظاهر والادانة والتمرد المتزايد ضد السلطة الامبريالية وتوابعها الرجعية بدون شريك والأكثر فأكثر بداهة للرأس المال المالي الدولي، فإن قيادات البرجوازية الصغرى ضمن هذه الحركة انزلت حزمة من مبادئها التحريفية من أجل تفادي تثوير الحركة. من بينها خلق الارتباك عن طريق التخلي عن الأهداف والمطالب الموحدة، وتعميق الاختلال التنظيمي عن طريق العفوية، وتفضيل الحركية بدون التزام والتعلق بالفردانية البرجوازية الصغرى، وممارسة العداء ضد الشيوعيين، وتفضيل السلمية بدلا من ممارسة " العصيان المدني" كأقصى أشكال المقاومة المقبولة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. واشنطن تعتزم فرض عقوبات على النظام المصرفي الصيني بدعوى دعمه


.. توقيف مسؤول في البرلمان الأوروبي بشبهة -التجسس- لحساب الصين




.. حادثة «كالسو» الغامضة.. الانفجار في معسكر الحشد الشعبي نجم ع


.. الأوروبيون يستفزون بوتين.. فكيف سيرد وأين قد يدور النزال الق




.. الجيش الإسرائيلي ينشر تسجيلا يوثق عملية استهداف سيارة جنوب ل