الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كتابات على جدار الفكر والثقافة

وليد يوسف عطو

2018 / 9 / 20
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


كتابات على جدار الفكر والثقافة

تخرج الدكتور علي الوردي ,رائد علم الاجتماع المعاصر في العراق من ارقى الجامعات الامريكية , لم يسير في جنازته وهو متوفي خارج العراق الا رهط قليل من الناس .كتب الطبيب والباحث السوري خالص جلبي في كتابه (في نقد الفكر الديني :النقد التاريخي )عن الدكتور علي الوردي قائلا :
(مصير الوردي يذكر بنهاية – ابن رشد – الذي كوقيء في نهاية حياته بالنفي الى قرية يهودية وحرقت مؤلفاته , واما – الطبري – المفسر والمؤرخ فقد دفن سرا تحت جنح الظلام خوفا من الرعاع الذين اتهموه بالرفض , واما – مالك بن نبي – فهو مجهول في بلده الجزائر اكثر من اي بلد اخر ).

يصف الاعلامي والصحفي سعد البزاز صاحب مؤسسة الزمان الصحفية وفضائية الشرقية علي الوردي بانه :
( اكبر عالم اجتماع في وطنه , وكان حريا ان يودع بجنازة تليق به من خصومه والاصدقاء , ولكن لم يكن الخصوم ليسيروا في جنازته في بلاد :(غابت عنها تقاليد الحوار وبات من النادر احترام الراي الاخر وتحولت الخلافات الفكرية الى سكاكين تقسم الناس , فحيثما ينعدم احترام الراي الاخر يصبح التشبث بالخصام والنزوع الى الايذاء بعضا من مظاهر الانفصام العام في شخصية المجتمع).

اما الاصدقاء فخوفهم من السلطات منعهم من حضور الجنازة . مات الوردي وترك تراثا كبيرا من مؤلفات مثل (وعاظ السلاطين ) و ( مهزلة العقل البشري ) و سلسلة لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث ومنطق ابن خلدون وغيرها ..

ينقل سعدالبزاز عن علي الوردي انه حذر من قدوم العوام من ريف متخلف الى المدن الذي سيؤدي الى اجتياح المجتمع المدني على يد العسكر واغتصاب مؤسسة الدولة وترييف المدينة بقيم الثار والانتقام والعنف والاجتثاث والابادة ( النظام البائد).

وهنالك من يرى بعض انظمة الحكم لاتزيدعن تحالف الريف ضد المدينة ,اي صراع الريف ضد قيم الحضارة والحداثة والمدنية , واستبدال اقطاعيي الاراضي الزراعية بعائلات الاقطاع المسلحة بالميليشيات الحديثة , اي الفئات الرثة من البرجوازية الطفيلية , وبفارق ان مضارب القبيلة امتدت الى كل الدولة والمجتمع ولا ضمانة لاي شيء او انسان في اي زمان او مكان .

ينتهي البزاز الى القول ان اعادة دور المدينة سيؤدي الى سلسلة من التطورات مثل اذابة الفروق العرقية والمذهبية , ورد الاعتبار الى الدولة وفرض النمط السلمي لحل المشاكل واعادة انعاش مجالس الفكر.لقد اصيب العراق بمرض نقص المناعة ( الايدز )وهو مرض يقوم بتدمير الخلايا العصبية لجسم الانسان .

لقد اخترقت فيروسات الطائفية السياسية والعرقية والحزبية والعشائرية ارجاء العراق بعد ضعف الدولة وبعد سلسلة الانقلابات العسكرية وسلسلة الحروب العبثية التي قام بها نظام صدام حسين .وعندما تضعف الدولة يتفكك المجتمع وتتجه المجموعات السكانية الى استعادة ماضيها والانغلاق على نفسها واعتزال المجتمع .

من الفيروسات التي يعاني منها المجتمع العراقي هي العودة الى التاريخ والفكر المتطرف والثار والانتقام والاجتثاث .وهكذا اخترق الايدز الفكري والديني والطائفي والعرقي العراق واصبح عاجزا عن الدفاع عن نفسه .مثالنا على ذلك عداء بعض اصحاب الشهادات للدكتور علي الوردي ومعاداتهم للفنان كاظم الساهر . احدهم وهو يدعي انه مغني ريفي يقول ان الساهر لايغني الاغنية العراقية , بينما انا , اي المغني الريفي ,يغني الاغنية العراقية , لانني ريفي .

نفس الفكرة نجدها عند الوافدين من الارياف الى بغداد حيث سكنوا في مناطق مغلقة عليهم فعندما يريد الذهاب الى وسط البلد يقول لاهله واصحابه( انا ذاهب الى بغداد) باللهجة المحكية الجنوبية ,اي ان منطقته السكنية لاتمثل بغداد بالنسبة اليه بل تمثل مدينة جنوبية مثل العمارة او الناصرية او غيرها .هنا يشعر هذا الانسان الجنوبي البسيط بالاغتراب عن محيط بغداد ويعبرعن الصراع الحضاري والثقافي بين الريف والمدينة .

بعد استقواء الريف على المدينة اصبح الشيوعي يفتحر باصوله العشائرية , وهذا هو التناشز المعرفي , او كما يسميه الدكتور علي الوردي (ازدواج الشخصية العراقية ).ان العرب المسلمون احدثوا قطيعة معرفية مع تراث الدول التي استوطنوها . من هنا تتبدى اهمية الذاكرة الجماعية في صنع الهوية الوطنية والحفاظ عليها .

ان تفكك المجتمعات يبدا بفايروس داخلي ثم ينتشر في الجسم عن طريق الانقسام لينتهي المجتمع الى التفكك والضياع .لقد حارب اليسار العراقي الاقطاع التقليدي , لكنه مالبث ان عاد بثوب جديد ,اي الاقطاع وتم التصالح معه .

ان العودة الى اجتماع السقيفة نوع من الفايروس الطائفي والذي تم تفعيله بعدالغزو الامريكي الى العراق .لقد بدا سقوط الدولة العباسية بفساد وتفكك الدولة من الداخل وصولا الى الخراب التام .الانسان العراقي عاش في العبودية لحقب تاريخية طويلة , الا ان الاحداث الكبرى كانت تحرر الانسان العراقي من العبودية مؤقتا ليعود اليها بشكل جديد . في مجتمعات طرفية متخلفة مثل العراق يتحول الساحر والدجال وقاريء الكف وقاريء فنجان القهوة والطالع والابراج الى (رجل علم ).

يبدا انهيار المجتمعات بالتفكك الفكري والمعرفي وتبديد ثروات العراق المكدسة في البنك المركزي العراقي والبنوك الاجنبية واحتياطي العراق من الذهب والعملات الصعبة عن طريق الانقلابات العسكرية التي بدات في انقلاب 14 تموز 1958 ثم في سلسلة الحروب العبثية التي قام بها نظام صدام وسلسلة الاعمال العسكرية ضد مجموعات سكانية كاملة في داخل العراق .وهكذا تم تصفير خزينة الدولة العراقية وتحول الانسان العراقي الى انسان مغترب في بلده .

الاغتراب في بلدي : مواطن بلا وطن !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - معاداة الليبرالية
متابع ( 2018 / 9 / 20 - 06:56 )
مقالك رائع
طابق الماركسيون الليبرالية بالراسمالية وطابق القوميون الليبرالية بالاستعمار وطابق الاسلاميون الليبرالية بالكفر فكان عداء مستشريا لليبرالية والدييمقراطية الحقيقية حتى الحزب الوطني الديمقراطي الذي يدعي الديمقراطية ايد انقلاب تموز وشارك بوزراء في حكومة الانقلاب
علي الوردي ليبرالي وعلمي فعاداه الجميع الا ان التاريخ سينصفه
شكرا


2 - السيد متابع المحترم
وليد يوسف عطو ( 2018 / 9 / 20 - 08:17 )
اسعدني مرورك على مقالتي وتعضيدها

اقول لك ان كل من اعرفهم من حملة الشهادات الجامعية والعليا من اصول ريفية يكرهون علي الوردي والفنان كاظم الساهر

وقد كتبت عن الساهر ابن المدينة والمدنية وعن علي الوردي الليبرالي الحر غير المتحزب

تزداد اهمية كتابات علي الوردي بمرور الزمن لانها تكشف الحقائق وتقرا المجتمع العراقي من زاوية عالم اجتماع متخصص وليس من وجهة عقائدية ايديولوجية حزبية

ختاما لكم مني وافر الود والتقدير


3 - الصديق ابو فرات ابو فرات من الفيسبوك
وليد يوسف عطو ( 2018 / 9 / 20 - 08:20 )
شكرا لمرورك على مقالتي واسنادك لها

متمنيا لك كل الخير والموفقية

ولكم مني وافر الشكر والامتنان


4 - روعاتك ياجيفارا ماركس
وليد يوسف عطو ( 2018 / 9 / 20 - 17:46 )
شكرا على عبورك وحضورك ولو بكلمة واحدة ...

اخر الافلام

.. انفجارات أصفهان.. قلق وغموض وتساؤلات | المسائية


.. تركيا تحذر من خطر نشوب -نزاع دائم- وأردوغان يرفض تحميل المسؤ




.. ctإسرائيل لطهران .. لدينا القدرة على ضرب العمق الإيراني |#غر


.. المفاوضات بين حماس وإسرائيل بشأن تبادل المحتجزين أمام طريق م




.. خيبة أمل فلسطينية من الفيتو الأميركي على مشروع عضويتها | #مر