الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ويسألونك عن نفي الصراع الطبقي ..قل لمصلحة من..؟؟ 3 3

طارق علي حامد

2018 / 9 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


(( أنني لم أصل الي النظرية الماركسية اللينينة عبر طريق النضال السياسي وحسب رغم أن هذا وحده يكفي ولكني توصلت اليها في بحثي وراء الثقافة التي تنسق عقل الانسان ووجدانه وتباعد بينه وبين التناقضات العقلية التي عاشها جيلنا ومازالت تعيشها الأغلبية من المثقفين السودانيين ـ الشهيد عبدالخالق محجوب))
ضمن سلسلة (قراءة من أجل التغيير) التي يصدرها مشروع الفكر الديمقراطي صدر كتاب جديد للدكتور شمس الدين الأمين ضو البيت بعنوان (حول التناقض المركزي في السياق السوداني : طبقية أم تراتبية سلفية) وهو الكتاب رقم (63) من هذه السلسلة، وقد أسس الكاتب لكتابه بمقال مطول تحت ذات العنوان نشر في العدد السادس من مجلة (الحداثة السودانية) الصادر في شهر مارس من هذا العام وذلك في ملف خاص حول (الدين والدولة في السياق السوداني). ولذلك ان هذا الكتاب الذي نحن بصدد مناقشته هو ـ في تقديري الخاص ـ توسعة للمقال الذي أشرنا اليه حيث صدرت الطبعة الاولي من الكتاب في يوليو 2017م، علي ان ذلك لم ينتقص من قيمة الكتاب الفكرية والمعرفية، فالدكتور شمس الدين كما هو معروف باحث ومترجم وناشط في المجتمع المدني ومفكر سوداني معروف أسهم في رفد المكتبة السودانية بعدد من مؤلفاته وترجماته القيمة ـ غض النظر عن الاختلاف او الاتفاق حولها ـ . ولكن في تقديري ان كتابه الأخير أثار فيه عدد من القضايا المتعلقة بالحزب الشيوعي السوداني والنظرية الماركسية التي يستند عليها الحزب في تحليله واستقراءه للواقع السوداني وبالتالي (التوسل) بها من خلال منهجها المادي الجدلي للوصول الي حلول جذرية للمشكل السوداني في كافة تجلياته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. والكتاب يشتمل علي مقدمة وتسعة فصول هي بالترتيب علي النحو التالي : (في البدء كانت الثقافة)، (الفكر الطبقي والواقع السوداني)، (المارد المتخفي)، (القطاع الحديث علي حساب القطاع التقليدي)، (الاستراتيجية المزدوجة للسلفية العالمة)، (فلاسفة الرجعية يصعدون)، (التراتبية السلفية)، (تقاطع الديني والجهوي)، واخيرا (مهام الفكر السياسي الجديد). وهنا أستميح القارئ وارجو منه ان يلتمس لي العذر في انني مضطر لايراد بعض الاقتباسات ـ المطولة بعض الشئ ـ من هذا الكتاب وذلك حتي لا أخل بالسياق الذي وردت فيه هذه الاقتباسات .
نواصل في هذه الحلقة الثالثة مناقشتنا مع الافكار الواردة في كتاب الدكتور شمس الدين الامين ضوالبيت المشار اليه أعلاه، يقول الدكتور شمس الدين في الفصل من كتابه والذي اختار له عنوان " القطاع الحديث علي حساب القطاع التقليدي" يقول : (تتعدد الشواهد والأدلة علي هذا التوجه التغييبي للقطاع التقليدي السوداني في فكر واهتمامات اليسار بصورة عامة، وعلي سبيل المثال أورد الاستاذ محمد سليمان في كتابه (اليسار السوداني في عشرة اعوام) 128 وثيقة رئيسية و 25 وثيقة فرعية مصاحبة تغطي نشاط اليسار السوداني، الجبهة المعادية للاستعمار، نقابات العمال والمزارعين والحزب الشيوعي السوداني وصحف وشخصيات يسارية أخري في السنوات من1954م الي 1963م وهي السنوات العشرة التأسيسية للسودان المستقل. تناولت الوثائق مجمل القضايا ذات الأهمية لتلك الفترة وغطي اكثر من ثلثها نشاطات الحركة النقابية للعمال والمزارعين. لم يكن للقطاع التقليدي أثر في هذه الوثائق، ولم تتناول أي من هذه الوثائق قضاياه، او توجهت محتوياتها الي وضع سياسات لمعالجة شؤونه) فمن الملاحظ ان الوثائق التي اعتمد عليها الدكتور شمس الدين ضوالبيت في التأسيس لوجهة نظره هي تلك الواردة في كتاب الدكتور محمد سليمان المشار اليه اعلاه، ولكن كان من الممكن ان يرجع الدكتور شمس الدين لبرنامج الحزب المجاز في المؤتمر الرابع والوثيقة الاساسية الصادرة عن ذلك المؤتمر "الماركسية وقضايا الثورة السودانية" فلا يمكن ان تحاكم حزب عمره في العمل السياسي أكثر من سبعين عاما بوثيقة صدرت في العشرة سنوات الأولي من تأسيسه وكلنا نعلم ان التجارب التأسيسية الأولي لأي حزب تكتنفها بعض جوانب القصور ولكن لو رجع الدكتور لمجمل وثاثق الحزب فيما يخص العمل في هذا القطاع لوجد ان الحزب الشيوعي السوداني قد افرد حيزا كبيرا من برنامجه للعمل وسط القطاع التقليدي، وعلي سبيل المثال جاء في برنامج الحزب المجاز في المؤتمر الرابع أكتوبر 1967م في صفحة 38 جاء التالي " تواجه الثورة الديمقراطية مهمة تحريك القطاع التقليدي وهزه من الجذور لأن ذلك يعني تحرير 75% من من وهدة تخلف القرون الوسطي وتفجير طاقاتها الحبيسة لبناء المجتمع الجديد وتجديد حياتها، وفي القطاع التقليدي تتمركز الثروة الحيوانية الهائلة التي لا تتمتع بمثلها أي دولة في أفريقيا والمنطقة العربية وباخراج هذه الثروة الي ميدان الاقتصاد الحديث تتوفر للاقتصاد الوطني امكانيات ضخمة للتنمية وبالتالي توسيع تجارته الخارجية وتنويع صناعاته" ويواصل برنامج الحزب فيقول " توجيه وخلق مجموعات صغيرة للاستقرار تحل مشكلة الري والرعي واستخدام الآلات الحديثة وتوفير الصحة والتعليم والعناية البيطرية وتكوين مزارع تعاونية للانتاج الحيواني بهدف رفع الانتاجية والعائد وحل مشكلة التسليف عن طريق الدولة للحد من أعمال الربا والشيل" .
ولم يقف برنامج الحزب عند الجانب الاقتصادي فقط بل غاص عميقا في الجوانب الاجتماعية والتاريخية والاثنية حيث برزت الي الوجود عبر التطور التاريخي للدولة السودانية تكوينات قوومية واتحادات قبلية داخل القطاع التقليدي تنظر بشك وارتياب لمجموعات التجار الشماليين (الجلابة) نظرة تحمل كل الآلام التي يجرها رأس المال التجاري المتوسط والكبير للاقتصاد المعيشي من ربا وشيل وأشكال متنوعة للتبادل السلعي غير المتكافئ وغير المحكوم بقوانين القيمة والانتاج. أي وضع البرنامج الجانب الأثني في الاعتبار. ( أنظر قضايا المناطق المهمشة في السودان ـ تاج السر عثمان). هذا فضلا عن بروز قيادات شيوعية كبيرة في مناطق القطاع التقليدي نتيجة لعمل الحزب في تلك النواحي مثل شيخ العبيد عامر محمد علي واحمد محمد ابراهيم في النيل الأبيض وسيد نايلاي القائد الشيوعي في شرق السودان، وشيخ الخير احد قيادات حركة المزارعين المعروفين. ولذلك فان القول بأن الحزب الشيوعي اهمل القطاع التقليدي هو قول لا يسنده دليل وهو قول غير دقيق، واستناد الدكتور شمس الدين ضوالبيت علي وثيقة واحدة تؤرخ تجربة الحزب في سنوات التأسيس العشرة الأولي ليبني من خلالها رؤية متكاملة حول الحزب ومسألة القطاع التقليدي هو استناد غير علمي، ومن يريد ان يبحث حول هذا الموضوع فأمامه وثائق الحزب وهي مبذولة للجميع، وبالرغم من كل ذلك لم يستنكف الحزب من نقد جوانب القصور في تجربة العمل وسط القطاع التقليدي.
فقد جاء في وثيقة "قضايا ما بعد المؤتمر" الصادرة في عام 1965م التالي :
" رغم ان لحزبنا مجهودات سابقة للنشاط في مواقع ومناطق القطاع التقليدي ولكن ظل حزبنا حزبا للمدن والأقسام المتقدمة من الجماهير وليس له صيغة شاملة في العمل القومي. كما أكدت الوثيقة الي ضرورة ان يعمل الحزب الشيوعي بصبر وسط جماهير الرعاة والمزارعين وان لا ينعزل عنها وان يقودها بالتدريج وان لا يقفز قفزا فوق وعيها وان هذه الجماهير سوف تصل للوعي عن طريق تجربتها الذاتية ".
يقول دكتور شمس الدين ضوالبيت في الفصل الخامس من الكتاب "الاستراتيجية المزدوجة للسلفية العالمية" : "في الوقت الذي كان فيه اليسار السوداني عموما يبذل جهودا صادقة ويقدم تضحيات كبيرة في الجبهة الطبقية كان الفصيل العام للمنظومة السلفية الدينية وقيادته في تنظيم الأخوان المسلمين السودانيين بمسمياته السودانية المختلفة يثبت أقدامه ويشق طريقة ويكرس لفكره"
في الفقرة أعلاه يلح السؤال التالي : ماهي العلاقة بين تمدد الفكر السلفي "بمختلف مسمياته" وانتهاج اليسار لمنهج التحليل الطبقي.؟؟ فالدكتور شمس الدين هنا يربط ربطا غير علميا بين استخدام المنهج الماركسي كأداه للتحليل وقراءة الواقع وتمدد التيارات السلفية والدينية في الحياة السياسية والاجتماعية، وكأن استخدام هذا المنهج هو المسؤول من انتشار وتمدد الاسلام السياسي السلفي في السودان، وفي هذه الفقرة لعمري تزييف كامل للوعي فضلاء عن التغبيش النظري الذي يحجب الرؤية عن تحديد العدو الحقيقي لأي مشروع ديمقراطي في السودان. فما هكذا يتم الفصل بين الظاهرة (تمدد الفكر السلفي) ومنهج التحليل الذي نتوسل به لمعالجة هذه الظاهرة (المنهج الماركسي) ثم اتهام المنهج بانه السبب في انتشار الظاهرة. فمن المعروف ان الاسلام السياسي هو الوجه الآخر للأمبريالية العالمية ورأينا كيف استخدمت أمريكا وحلفاءها حركة طالبان في افغانستان في حربها ضد الاتحاد السوفيتي. والامثلة كثيرة علي ذلك. ولكن فيما يخص تجربة الحزب الشيوعي السوداني فالحزب لم يفصل منذ تأسيسه في نضاله في جميع الجبهات بين النضال السياسي والنقابي وبين التصدي الفكري للاسلام السياسي. وطور الحزب اطروحاته تجاه الدين حيث أصدر مندوبو الحزب في التجمع الوطني الديمقراطي في مايو من عام 1999م ورقة بعنوان (قضايا استراتيجية) عالجت الورقة عدة قضايا ومن بينها فصل الدين عن السياسة جاء فيها :
** السودان دولة متعددة الديانات والمعتقدات، أغلبية مسلمة ومسيحيون ومعتقدات أفريقية، ومن هنا وجب شرط التسامح والاحترام في المعتقد الديني كمقوم للمساواة في المواطنة، حيث لا تخضع المعتقدات لمعيار الأقلية والأغلبية، ومن هنا جاء شرط اقرار حقيقة ان الدين يشكل مكونا من مكونات فكر ووجدان شعب السودان، ومن ثم رفض كل دعوة تنسخ أو تستصغر دور الدين في حياة الفرد، وفي تماسك لحمة المجتمع وقيمه الروحية والأخلاقية وثقافته وحضارته.
*** السودان علي تعدد أديانه ومعتقداته سادته روح التعايش والتسامح الديني الي ان فرض السفاح جعفر نميري قوانين سبتمبر، ونصب نفسه اماما جائرا علي بيعة زائفة، وما تبع ذلك من ترسيخ لدولة الأرهاب والفاشية تحت حكم الجبهة القومية الاسلامية الراهن، هذا الواقع الموضوعي وتأسيسا عليه تستند الديمقراطية السياسية السودانية في علاقتها بالدين علي مبادئ النظام السياسي المدني التعددي، والتي هي في ذات الوقت تمثل فهمنا لمعني العلمانية، فمصطلح النظام المدني أقرب لواقعنا من مصطلح النظام العلماني ذي الدلالات الأكثر ارتباطا بالتجربة الأوروبية "راجع حوار حول الدولة المدنية ـ محمد ابراهيم نقد"
*** اننا لا نتقيد بحرفية المصطلحات وعما اذا كان مصطلح علمانية ـ بكسر العين أو فتحها ـ واننا نعطي الأسبقية للديمقراطية كحقوق وحريات ونظام حكم ومؤسسات، واننا نعارض الدولة العلمانية عندما تصادر الديمقراطية كمثال معارضتنا لدكتاتورية عبود، ومن ناحية أخري دخلنا في صدام وصراع مع نظام مايو الذي بدأ يساريا وعلمانيا، وواصلنا صراعنا ضده عندما أعلن ما يسمي بقوانين سبتمبر 1983م ونصب النميري نفسه بموجبها أماما حتي أطاحت به انتفاضة مارس / أبريل 1985م . " محمد ابراهيم نقد ـ نفس المصدر" .
في ختام هذه الدراسة المطولة حول كتاب الدكتور شمس الدين الأمين ضوالبيت "التناقض المركزي في السياق السوداني" أقول ان الحوار مع الأفكار الواردة في هذا الكتاب سوف يظل مشرعا ولا أدعي بأي حال من الأحوال أنني قد " أوفيت وكفيت" في الحوار مع الأفكار التي صاغها دكتور شمس الدين الأمين ضوالبيت في كتابه، وطالما أن الصراع الطبقي في مجتمعنا السوداني مازال محتدما ومشتدا أواره سوف تظل مثل هذه الأفكار موجودة. بل ان الكتاب ذاته هو تعبير حاد عن هذا الصراع الطبقي في المجتمع السوداني.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عاجل.. شبكة -أي بي سي- عن مسؤول أميركي: إسرائيل أصابت موقعا


.. وزراءُ خارجية دول مجموعة السبع المجتمعون في إيطاليا يتفقون




.. النيران تستعر بين إسرائيل وحزب الله.. فهل يصبح لبنان ساحة ال


.. عاجل.. إغلاق المجال الجوي الإيراني أمام الجميع باستثناء القو




.. بينهم نساء ومسنون.. العثور جثامين نحو 30 شهيد مدفونين في مشف