الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأبعاد الاجتماعية والنفسية والرومانسية في رواية (خيمة مشرعة للريح ) للروائي مصطفى القرنة

محمد رمضان الجبور
(Mohammad Ramadan Aljboor)

2018 / 9 / 29
الادب والفن


الأبعاد الاجتماعية والنفسية والرومانسية
في رواية (خيمة مشرعة للريح )
مدخل الى الرواية :
المكان الذي تدور به أحداث هذه الرواية هي الصحراء ، والقبيلة هي قبيلة (جديلة ) ، ولهذه القبيلة سيد يحكم القبيلة ويسوس أمورها ، انه الشيخ (جوشم) الكريم ، المعطاء الذي يحاول قيادة القبيلة نحو العز والرفعة ، فهو يبذل كل جهده في هذا الأمر .
والشيخ جوشم له ابنان من الفرسان ، حيدان وبهران ، وسوف يقوم بإرسالهما في تجارة الى غزة وبصرى ، بهران سوف يمضي الى غزة وحيدان سوف تكون وجهته الى بصرى .
من هنا تنطلق أحداث الرواية ، فسفر حيدان و بهران سيكون في تجارة تنتفع منها هذه الصحراء ، و بهران وحيدان كلاهما عاشقان ، فبهران قد ذاب عشقاً بناعمة ابنة الجنيد وأمها خبيّة ، وحيدان يعشق هالة ابنة عبيد والمتمطرة.
سفر بهران وحيدان قد يكون الحدث الرئيس في الحكاية ، ومن هذا الحدث سوف تتوالد الأحداث الأخرى مكملة لهذا الحدث .ناعمة وهالة تبادلان الحب لبهران وحيدان ، وقصة سفرهما تشعرهما بالحزن والأسى " تجلس ناعمة حبيبة بهران في بيت الشعر ساهمة تُحدث نفسها والدموع تكاد تطفر من عينيها . في الغد سيمضي بهران الى غزة ، وسيتركني في وحشتي هنا ، سيتركني لمن؟ الليل الذي سيبدو أكثر ظلاما ، أم للرمال التي تتلوى كالثعابين من حولي "(1)
هالة ابنة عبيد والمتمطرة وهي الصديقة الحميمة لناعمة ولكنها تعاني من والديها ، فالمتمطرة تمثل دور الشخصية الشريرة التي تسعى بكل ثقلها لتجعل من زوجها عبيد سيد القوم ، وتظهر في الرواية أنها هي المسيطرة على زوجها ، فهو لا يخالفها ويطيعها في كل أمر ، ويعمل ما تريد .
هالة وناعمة صديقتان وتلتقيان دائما على عين الماء أو تذهبان معا ، وكثيرا ما يتبعهما مسروق بن قنص ، يحب ناعمة وهي لا تحبه ، فكثيرا ما يلحق بها ، ويحاول أن استمالة قلبها ولكن دون فائدة .
هناك شخصيات أخرى في الرواية كشخصية حوتكة وزوجته زهوة ، وحيي وابنته مرانة ، وليث فرس من فرسان القبيلة ، ومهند العبد الذي طمع في أكثر من الحرية .
بعد سفر بهران وحيدان تبقى القبيلة في قلق بسبب تأخر عودتهما ، ويطول غيابهما ، وتحدث أحداث كثيرة أثناء غيابهما ، فقد أغار عليهم قوم ابن ردينه ونهبوا وقتلوا ، ويأسرون عبيد وابنته
______________________________________________
1 ) الرواية ص10

هالة ، ويقتلون قنص . وتظل القبيلة تترقب عودة بهران وحيدان ، ويلحق بهم الفارس ليث ليعلم
أخبارهم ، وتطول غيبته ، ويعود حيدان وبهران ، ويعلم حيدان بأسر هالة ويذهب هو وبهران
لفك أسرها ، ويقوم مهند العبد الذي أرادت المتمطرة الزواج به بحرق لسان المتمطرة حتى لا تستطيع الكلام ، وتقام الأعراس في قبيلة جديلة بعودة الجميع وزواج بهران وحيدان .
الحدث الرئيس في الرواية:
لا شك أن الحديث الرئيس في الرواية هو سفر بهران وحيدان أولاد الشيخ (جوشم ) إلى غزة وبصرى، وتأخر عودتهما .
الأحداث الفرعية :
1 )تذمر مسروق من أبيه لشتمه والدته أمام الرجال ، ونقله الخبر لوالدته التي لم تحرك ساكنا "أسرعي يا أماه أريد قليلا من الطعام لأطفأ غضبي .
تحضر له الطعام وتقول
-ولكن ما الذي يغضبك يا مسروق ؟؟
يضرب العود بالأرض ويقول:
إن أبي يشتمك دائما يا أماه بل وينتظر أي فرصة ليفعل ذلك .-
لا عليك يا ولدي لقد احتملته العمر كله وهو على هذه الهيئة .-
ولكن ذلك يزعجني يا أماه ." (1)-
، فتغضب وتطرد حوتكة لينام (2)زهوة زوجة حوتكة يصل لها خبر أن زوجها سوف يتزوج
خارج البيت .
3 )حقد المتمطرة على سيد القبلية جوشم وحثها المستمر لزوجها بأن يكون له اليد الطولى في القبيلة
__________________________________________________
الرواية ص 31(1

-"حكم عقلك يا عبيد ، الى أين أنت ذاهب والى اي شيء صائر ، يجب أن تكون لك اليد الطولى في القبيلة .
أنا لا أحب ذلك -
-تُسبل عينيها دليل البراءة " (1)
ضعف المراعي والجفاف والجوع الذي عم تلك المنطقة ، فلا يوجد ما تأكل الأغنام. (4
كيف المراعي؟؟" -
كما ترى ،لقد أصبحت المراعي خاوية ولا يوجد ما يقيم أود الأغنام .-
إذن سنخرج ما خزناه من العشب .(2)-
خروج سيد القوم جوشم في رحلة صيد ، فقد ضاقت به الحال وهو ينتظر أولاده (5)
ويطلب أخاه عبيد لمرافقته ، لكن المتمطرة تدعي أن عبيد مريض وهو ملازم الفراش ، فهي تريد منعه من مرافقة أخاه ، الحقد أعماه ، وزوجها لا يقدر عليها .
إصرار المتمطرة على أن يكون زوجها سيد القوم وهو يرفض خيانة أخاه .(6)
آه لو انك تطيعني لكنت سيد القوم ."
يكفي تخريفا يا متمطرة ،انك تضعيني في مآزق قاتلة .
اذن تخشاه يا عبيد
فسري ما يحلو لك يا متمطرة
لن أهدأ إلا وأنت سيد القوم
وأنا لا أريد أن أكون كذلك ."( 3 )
________________________________________________________
) الرواية ص431)
الرواية ص44(2)
)الرواية ص 553)

) جوشم تضيق به الأمور والسبل ويستدعي صاحب القداح ليسأل عن عودة بهران وحيدان 7)
إلا انه يصاب بخيبة الأمل لسماعه ما تفوه به صاحب القداح ، فقد أكدت القداح بعدم عودة بهران وحيدان .
( 8) عودة بهران ، ويفرح القوم لعودته .
( 9 ) ابن ردينه يهجم على القبيلة وينهب ويسرق ويقتل قنص ويأخذ عبيد وهالة أسرى.
( 10) ليث يسافر الى الشام يبحث عن حيدان .
( 11 ) يوسف يقتل حيي وينهب أمواله ويخطف مرانه .
( 12 ) العبد مهند الذي كان يحرس عبيد يتفق على أن يحرر عبيد مقابل المال والسيادة .
( 13) رحيل عبيد وهالة والمتمطرة والعبد مهند عن القبيلة .
( 14 ) عودة حيدان والبحث عن هالة .
( 15) تآمر المتمطرة ومهند على عبيد .
( 16) زواج جوشم بمرانه.
( 17) غدر العبد مهند بالمتمطرة وحرق لسانه حتى يمنعها عن الكلام .
البعد الاجتماعي :
تزخر الرواية بالوقائع الاجتماعية التي تفسر أفعال وأقوال الشخصيات وتبرز دلالاتها، وتحدد طبيعة العلاقة التي تربط بينهما.
فطبيعة الصحراء ، وطبيعة الحياة البدوية ، تفرض نوع من الترابط والاحتكاك المباشر بين أفراد المجتمع البدوي ومما يزيد الترابط والتماسك والاحتكاك وجود رابط القرابة بين غالبية الأفراد.
تشابه العادات والتقاليد والأفكار يسهم في زيادة الروابط الاجتماعية بين الأفراد .
البيئة الصحراوية واعتمادها على الكلأ والماء جعلها بيئة غير مستقرة ، الزواج نوع من الاستقرار في كل المجتمعات ويزداد أهمية في مناطق معينة مثل البادية لقلة عدد السكان وصغر المساحة الجغرافية ، وتتعد أنواع العلاقات بين الأفراد ، ما بين عشق وزواج ، وحقد ، وحسد ، وتنافر وصداقة . وسوف نمر على بعض العلاقات الاجتماعية الواردة في هذا النص :
هالة/ناعمة :
من الشخصيات التي لها حضور على امتداد صفحات الرواية ، بل هما الشخصيات الرئيسية في هذا العمل الأدبي ، وتلعبان دور العشق والهوى ، فكلاهما عاشقة ، وتربطهم صداقة قوية جدا ، لتقارب السن بينهما ، ولاشتراكهما في عمل واحد وهو جلب الماء من العين ، ولوقوعهما في شرك العشق والهوى ، وحديثهما عن ذلك لا ينقطع .

جوشم :
سيد القبيلة بلا منازع ،كريم ، شهم ، يحاول النهوض بالقبيلة ، له علاقة اجتماعية مع جميع الأفراد ، هو الآمر الناهي في القبيلة ، تسود علاقة الحب بينه وبين الجميع تقريبا ً ، متزوج من امرأة طيبة تدعى معانة ، علاقته بأولاده ، حيدان وبهران علاقة الأب الحاني والأولاد البارين المطيعين ، فقط زوجته أخيه عبيد المتمطرة هي التي تكن له الكره والحسد .
كريم رغم حالة الفقر التي تجتاح الديار ، فهو يأمر الجميع بأن تبقى النار مشتعلة باستمرار ، دلالة على الكرم واستقبال الضيوف ، فا هو يسافر خارج الديار في رحلة صيد ، وعندما يعود يسأل عن النار هل ظلت مشتعلة أم لا أثناء غيابه :
" كيف القبيلة يا عبيد ؟
عبيد: بخير
سيد القوم : والنار هل بقيت مضاءة أم أنكم أطفأتموها ؟؟
عبيد: الحقيقة
سيد القوم : ماذا ؟
عبيد: لا أدري ماذا أقول لك يا جوشم .
سيد القوم : ماذا هنالك ؟
عبيد : أنت قلت عن الجذب والأيام القاسية فرأيت أن أطفأها .
سيد القوم : إذن فقد أطفأتها . يتوقف عن الأكل ، فيتوقف الجميع .
عبيد : الزاد في تناقص .
سيد القوم : مهما يكن ، أتريدهم أن يقولوا أن سيد (جديلة ) مقتر يا عبيد . "(1)

فالكرم عادة اجتماعية اشتهر بها العرب أكثر من غيرهم من الشعوب ، فقد اعتادوا على إيقاد النار حتى يهتدي الضيف الغريب إليها فقد انتشرت عادة إيقادُ النار في الظلام ليراها الغريب والمحتاج والجائع من مسافة بعيدة فيفد إليها، فيجد من يَقريه ويقدّم له ما يحتاج إليه من طعام. ويقال لها «نار القرى» و»نار الضيافة». وكانوا يوقدونها على الأماكن المرتفعة، لتكون أشهر. ويذكر أنّ حاتماً كان إذا أهلّ شهر رجب واشتدّ البرد وكلب الشتاء كان يقول لغلامه يسار: أوقد ناراً في بقاع من الأرض، لينظر إليها من أضل الطريق ليلاً فيقصد نحوه من يريد الضيافة من الناس، ويقول ابن المعتزّ:‏


وليل يودّ المصـطلون بناره‏

لو أنهم حتى الصباح وقودها‏

رفعت به ناري لمن يبتغي القرى‏

على شَرَف حتى أتاها وفودها‏


_________________________________________________________

1( الرواية ص73
بهران وحيدان :
أولاد سيد القوم جوشم ، فرسان ، لهم علاقة طيبة مع جميع أفراد القبيلة ، ينظرون إليهم نظرة الأسياد ، هم في حالة عشق لناعمة وهالة ، يقومون على خدمة أفراد القبيلة بالسفر الى خارج الديار لجني الأرباح والنهوض بالقبيلة الى الأحسن .




عبيد والمتمطرة :
عبيد زوج المتمطرة ، علاقته بالقبيلة متذبذبة بسب زوجته ، طيبته وحكم زوجته له تمنعه حتى من اتخاذ أي قرار ، المتمطرة زوجة عبيد علاقتها الاجتماعية سيئة جدا مع الجميع ، وتتحكم في زوجها عبيد لدرجة شديدة جدا ، لا تحب زوجها ، تطمع للسيادة والرئاسة ، فهي في نهاية الرواية تتفق مع العبد مهند لقتل زوجها .

حوتكة وزوجته زهوة :
علاقة حوتكة بأفراد القبيلة علاقة طيبة ، فهم يشعرون بضعفه وقلة حيلته ، زوجته مدبرة وقوية ولها سلطة على زوجها ، ولكنها ليست بالشريرة .

ليث :
فارس ، شهم ، له علاقة طيبة مع الجميع ، صاحب نخوة ، الفزعة ومعونة الجار من شيم العرب ،ها هو يأوي إليه حوتكة بعد طردته زوجته لينام خارج البيت ، فقد سمعت أنه سوف يتزوج :
" ما الذي أبقاك الى هذه الساعة يا حوتكة ؟؟
لقد عدت للبيت متأخراً ، ووجدتُ زهوة في انتظاري ، فقد أخبرها أحدهم أني سأتزوج ، وقامت بطردي فرجعت الى النار .
يرتجف حوتكة .....
هكذا إذن، لا عليك يا حوتكة ، أرى أنك ترتجف ، تعال لتنام عندي يا حوتكة . (1)

وعندما تأخر حيدان في الرجوع من سفره ، شد ليث لجام فرسه وأنطلق في رحلة طويلة وشاقة يبحث عن حيدان في الشام ، وتكون رحلة طويلة على ليث ، يجد فيها الكثير من المصاعب ، ويشارف على الموت ، لولا عجوز تجده ، وتعالجه ويبقى في خدمتها حتى تلقى وجه ربها ، فيعود ليث الى القبيلة ، ويرى أن حيدان أيضا قد عاد ، التضحية من سمات المجتمع المتآلف.
مهند :
يمثل شخصية العبد ، ولكنه يطمح للحرية والسيادة بالتعاون مع المتمطرة ، فهو يريد الخروج من مجتمع العبودية الى مجتمع الحرية والسيادة ، فيتفق مع عبيد ، على أن يحرر عبيد من الأسر مقابل أن يصبح هو السيد والآمر والناهي ، ولكن الرياح تجري بما لا تشتهي السفن ، فمهند يمثل العلاقة المزدوجة في النص ، علاقة العبد في سيده الذي كان عنده (ابن ردينه) وعلاقة السيد بالخادم له مع عبيد والمتمطرة .
___________________________________________________
1) الرواية ص41

العادات والتقاليد :
لا شك أن العادات والتقاليد تأخذ حيزا في معرض الحديث عن البعد الاجتماعي، فمجتمع البادية له العادات والتقاليد الخاصة به ، فأبن الصحراء قد يجد الصيد والذهاب الى الصيد من أكثر الأمور التي تتوق لها نفسه ، ويجد رجولته ومهارته فيها ، فكثيرا ما يشتاق لها ، خاصة عندما تضيق الأحوال به ، فيجد الذهاب الى صيد متعة وتسلية لنفسه " في خيمة جوشم ، تحضر معانة الطعام له يأكل ويقول لها :
اسمعي يا معانة سأمضي الى الصيد في رحلة تستغرق عدة أيام ، آخذ معي بعض الرجال ، إن البقاء هنا قد أقلقني حتى إني أصبحت لا أعرف النوم .
إن في الصيد سلوة." (1 )ومن العادات والتقاليد التي كانت شائعة في البيئة البدوية الجاهلية، ضرب القداح عندما يغم عليهم أمر ما ،أو أرادوا أمراً كالسفر والزواج وما إلى ذلك ويأتون بثلاثة قداح خشبية ويضعونها في كيس صغير أو في وعاء وقد كتبوا على أحدها ما يفيد الأمر مثل كلمة "افعل" أو "أمرني ربي" أو "نعم" ويكتبون على الثاني ما يفيد النهي مثل " لا تفعل" أو "نهاني ربي" أو "لا" ويبقى القدح الثالث غفلاً أي لا كتابة عليه .‏
فيدخل المقترع يده في الكيس أو الوعاء ويخرج سهماً فإن خرج ما فيه الأمر مضى لقصده وإن خرج ما فيه النهي كفّ وامتنع وإن خرج الغفل حرك القداح وأجالها داخل الكيس مرة أخرى واقترع أو أنه يتريث وينتظر إلى وقت آخر .
ومن العادات السائدة في البادية ذهاب الفتيات الى عين الماء ، فهي عادة تخص المجتمع البدوي المقيم في الصحراء ، فالنساء هن من يقمن بجلب الماء ، وأثناء ذلك يدور الحديث بينهن عن أحوال القبيلة ، وعن رجالها ونسائها ، وعن الحب والغرام .
" تخرج ناعمة تحمل جرتها ، وتذهب لتنادي هالة -
يا هالة أسرعي لنملأ الماء -
- تقول من الداخل ، سأصلح بعض شأني ، انتظري قليلا .
سأنتظر -
وبينما هي تنتظر تقع عينها على مسروق "ابن قنص" وهو يراقبها ، ثم تبعد نظرها عنه ، وتخرج هالة فتذهبان الى الغدير ." ( 2)
______________________________________________________________‏
1 ) الرواية ص51

2)الرواية ص24

كما أن من العادات التي تسود في البادية ، جمع الحطب وتكسيره وجمعه في مكان خاص ، فالحطب هو الوقود المتوفر في الصحراء ، ويستخدم في طهو الطعام وعمل القهوة ، وللتدفئة في فصل الشتاء ، وإشارة أو علامة لاستقبال الضيوف . وقد ورد في النص أكثر من موقع يبين هذه العادة ويشير إليها على أنها من الأمور الهامة في حياة البادية .
"أين الحطب ؟؟
هو ذاك
وتشير الى الحطب داخل البيت ، فتذهب لتكسيره ، بينما المتمطرة تقوم وتغسل وجهها وتخرج خارج الخيمة " (1)

ومن العادات التي كانت منتشرة في البادية وسجلها الروائي كشاهد على البعد الاجتماعي السائد في الصحراء وفي البادية ، الغزو والغارات التي كانت تتم من قوم على آخر ، بهدف النهب والسلب والقتل والسيادة على الصحراء ، وقد ورد في النص واحدة من تلك الغزوات والغارات التي قام بها ابن ردينه على قبيلة جديلة .
" الظلام ، القبيلة ، منظر النار ، هزيم الليل ، قلة من الناس تأوي الى بيوتها ، صوت طبل يقرع بتلاحق ، رجال ملثمون في طرف القبيلة ، يراقبون ، فترة من الترقب ، يهجمون على القبيلة ، ينهبونها ويمسكون عبيد وابنته هالة ويأخذونهما ، بينما تختبئ المتمطرة وتراقب الوضع ، ثم يهرب المهاجمون ومعهم عبيد وهالة ، ويقتلون قنص وهم في طريقهم الى الفرار "(2)
فهناك الكثير من العادات والتقاليد التي تؤكد وجود البعد الاجتماعي بكثافة داخل النص .

الأبعاد النفسية :
إن دراسة البعد النفسي لشخصيات النص الأدبي يساعدنا على الكشف عن جماليات النصوص وكشف بواطنها وما تحويه من مكونات وحقائق وأبعاد دلالية ،ومن خلال التعمق وسبر أغوار النص الأدبي نقف على ما يتضمنه من عواطف وانفعالات و أخيلة ما بين حب وكره
وحسد ورحمة وخوف ومواقف محرجة ، وهذه العناصر هي في صميم التكوين الأدبي ولا
يمكن أن يخلوا منها نص في أي عصر وعلى أي مذهب وهي تمنح النص قوة وتعطيه جمالا .
فالقراءة النفسية واحدة من القراءات النقدية التي استهدفت قراءة النص الأدبي ، وهي تنطلق من منهج نقدي نفسي متقن وذلك باستخدام الأدوات المناسبة من أجل الوصول الى الغاية المرجوة من النص .

_________________________________________________
1) الرواية ص227

2) الرواية ص15


القلق والخوف :
عنوان النص الأدبي من أهم المفاتيح المهمة في اقتحام أغوار النص وفتح مغاليقه و مجاهيله وللنظر الى عنوان الرواية التي بين أيدينا (خيمة مشرعة للريح ) ونقف على مفردات هذا العنوان فالخيمة تحمل دلالات عديدة ، وأولى هذه الدلالات الرحيل وعدم الاستقرار ، عدم الشعور بالأمان
والخوف المستمر ، الفقر والجوع ، كل هذه الدلالات تحملها هذه المفردة (خيمة) والمفردة الثانية في العنوان (مشرعة) من الفعل أشرع بمعنى مفتوحة ، لا شيء يحميها ، لا باب لها ، بل هي مفتوحة مُشرعة ، وما دامت مشرعة إذن ينقصها الأمن والآمان، أما المفردة الثالثة من هذا العنوان فهي كلمة ريح ، والريح دائما تأتي في معرض الحديث عن العذاب " فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَىٰ ۖ وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ "(16) سورة فصلت

فكل هذه المفردات في هذا العنوان تحمل في طياتها الخوف والقلق والتوتر النفسي ، وعند الدخول الى داخل هذه الخيمة وهذه الديار نرى أن معظم شخصياتها تحمل هموم الخوف والقلق والتوتر ، فهذا جوشم سيد القبيلة نراه في قلق دائم على مستقبل القبيلة (جديلة ) فالموارد فيها لا تكفي ، وهو يحاول النهوض بمستقبل هذه القبيلة ، بالإضافة لسفر ورحلة ولديه حيدان وبهران ، فالقلق حالة نفسية يعيشها جوشم سيد القبيلة :
" إن نفسي منقبضة هذا اليوم ولا أدري لماذا ؟؟
-لفراق أحبتك .
-إنك قلتها يا معانة .
- هذا ما يحصل ،ولكن ماذا تقصد ؟
-فراق الأحبة .
-ما الذي ترمي إليه ؟ هي سفرة شأنها شأن السفرات الكثيرة التي مضيا إليها.
يقول بضيق : أجل أجل هو كذلك يا معانة ." (1)

الشعور بالدونية :
جو الصحراء وبيئة الصحراء تشعر من يعيش فيها بالوحدة والتعب أحيانا وبشظف العيش ، فلا شيء يستجد في الصحراء ، رمال وجبال وخيام ، هذه الصور المتكررة تولد السأم والملل للنفس ، وتشعر النفس بالدونية ، وتظل النفس تتوق للخروج من هذه البيئة .
" هكذا كُتب علينا أن نظل عبيدا ، ارجعي أيتها العجفاء ،يشير الى إحدى الأغنام .
-طوال حياتنا نرعى الغنم ، ونلاحق العير الهاربة في الصحراء .
يجلس على إحدى الصخور ويحمل عودا ينكش به الأرض ويتحدث
لقد بدأت البيداء تُقفر ، وسيحل شتاء قارصا ما فيه غير الشرقية تفتك بعظامنا فارعي أيتها الأغنام ما هي إلا حياة نعيشها ونقضي بعدها . " ( 2 )

__________________________________________________________

1) الرواية ص15
2) الرواية ص18
ربما هذه الفقرة من النص تبين لنا الحالة النفسية لأفراد القبيلة ، وتشرح المعاناة التي يلقاها هؤلاء الناس ، حتى باتت الحياة لا تعني لهم شيئا ،

المتمطرة والغيرة والحسد والكره :
المتمطرة زوجة عبيد ، من الشخصيات التي له دور رئيسي في هذا النص ، وقد امتازت بمجوعة من الصفات جعلت منها شخصية ممقوتة ومنعزلة عن الآخرين ، فالغيرة والحسد وكره الآخرين تشكلت منها هذه الشخصية ، فهي زوجة عبيد الأخ الوحيد لسيد القبيلة جوشم ، الذي لا يلقى منه سوى الكره والحسد ، رغم طيبته وحسن معاملته للجميع ، فهي ترى أن زوجها ضعيف وغافل وهي التي يجب أن توقظه من سباته ، وتحث زوجه على أن يون هو سيد القبيلة حتى يملك كل شيء
" توقظ عبيد زوجها وتهزه بعنف فقام فزعا صرخ في وجهها
- مالك يا امرأة هل جننت هل حدث شيء ؟
تُصر على أسنانها وتقول :
- لا شيء لكن قم من سباتك الطويل .
- لقد ركبتك الشياطين ، لا بل لقد عششت في رأسك .
- ما الذي ترمين إليه ؟؟
- أنت تفهم قصدي ، إن أخاك يملك بئر من الذهب والمعادن النفيسة وأنت لا تملك شيئاً.
- هو سيد القوم .
- اسمع يجب أن تغير هذه الأفكار وإلا ستفقدني الى الأبد .
- هوني يا متمطرة
تتظاهر بالحكمة ، حكم عقلك يا عبيد الى أين أنت ذاهب والى أي شيء صائر يجب أن تكون لك اليد الطولى في القبيلة .
- أنا لا أحب ذلك . "( 1 )

____________________________________________
1) الرواية ص43
"فعندما يهتمّ السارد بوصف طباع الشخصية،وتصرفاتها وردود أفعالها في مختلف المواقف ، يكون بذلك قد تناول ؿ نفس الإنسان و ذهنيته ، النفس وما تتألف منه من مشاعر وعواطف مطامح وآلام، والذهن وما يقوم به عادة من تأمل في الكون والناس " (1)

الجانب والبعد الرومانسي :
ربما كان من أهم وابرز الأبعاد والجوانب في الرواية البعد الرومانسي ، فأحد أركان الرواية الرئيسية هو حالة العشق والهوى التي أكثر ما تمثلت في شخصية ناعمة وبهران ، وهالة وحيدان ، لا تخلو الحياة من الحب بوصفه مقوما من مقوماتها يقوم بدور المنظم لأمورها، فقد اعتمدت الرواية الحب وأفردت له مساحات تحرك فيها زمنيا من كونه تيمة روائية وموضوعة سردية إلى كونه تقنية تلعب دورها في إنتاج النص وجمالياته والكشف عن طبيعة النفس الإنسانية التى أولتها الرواية عناية خاصة .
تبرز في الرواية بوضوح قصة حب رومانسية بين بهران وناعمة وحيدان وهالة ، ولأبناء الصحراء طقوس في الحب تختلف كل الاختلاف عن طقوس الحب في الأماكن الأخرى من مدن وغيرها ، فأبن الصحراء الصور ومشاهد التي حوله ثابتة لا تتغير ، صحراء ، رمال ، جبال ، عيون ماء ، فقصص الحب في الصحراء غالباً ما تنطلق من مكان محدد هو عين الماء ، وذلك أن الفتيات هن من يقمن بجلب الماء ، وفي هذا النص الأدبي الكثير من المشاهد توضح هذه الفكرة :
- اشتاق إليه يا ناعمة ، لكأني به يمضي بلا رجعة .
- اطرحي أفكارك جانبا ، وتمسكي بالأمل فهو الذي يغذي الحب.
- لقد حدثني الكثير عند الغدير ، انه يبدو مستاء من هذه الرحلة ."( 1 )
وعلى عين الماء يدور الحديث عن العشق والهوى ، وكل تتحدث عن من تُحب ، وتُكثر من الحديث عن الفارس الذي أحبها ، وربما بطريق الصدفة ، أو أمر قد تم التخطيط له مسبقا ، يأتي الفارس العاشق الى العين ليشرب أو يسقي حصانه ، فتكون هذه هي اللحظات التي يرى فيها أو ترى فيها الفتاة فارسها :_
_________________________________
1) محمد مصايف ، النثر الجزائري ، الحديث ،المؤسسة الوطنية للكتاب ،1971،ص59
2) الرواية ص16
" - أهلا مسروق
- مسروق: جئتُ لكي أشرب .
- ناعمة : ما الذي أتى بك الى الغدير في هذه الساعة يا مسروق .
- هالة : الا يوجد في بيتكم ماء ؟؟
- لا يوجد ، أنا أسعد برؤية الفتيات .
- ناعمة : ولكنهن لا يسعدن برؤيتك يا مسروق .
- مسروق : ألا تشممن رائحة العطر ، انه من عطر اليمن .
- هالة : ولكن نحن لا نحب رائحة العطر .
- مسروق: اصمتي يا هالة ، أنا لا أحبك ، أنا أحب ناعمة . " ( 1 )
فعين الماء في الصحراء مكان يلتقي به العشاق ، ومنه تبدأ قصص الحب والعشق ، وبعد ذلك ما هي إلا أمنيات وأحلام ينشغل بها من أحب .
وفي هذا العمل نرى أن الكاتب قد أفرد صفحات عديدة تبين هذا الحدث لإضفاء جو من الرومانسية على العمل ، وليكن هذا الحدث حبكة أو عقدة فرعية تساهم في جانب التشويق للمتلقي .

اللغة والحوار :
في رواية (خيمة مشرعة للريح ) اعتمد الكاتب في سرده على عنصر الحوار ، والحوار عنصر له أهمية ويعتبر من العناصر المهمة في عملية السرد القصصي ، وهو تقنية مهمة من تقنيات بنائه ، وهو من العناصر الملازمة للشخصية القصصية ، فعن طريق الحوار يستطيع الكاتب إضاءة الجوانب المتعددة والمختلفة للشخصية ، ومن أهدافه تقديم الشخصية القصصية للمتلقي وتعريفها ، ومن خلال الحوار ، يستطيع المتلقي تكوين فكرة عن هذه الشخصية ، صفاتها ، دورها ، تكوينها ، حالتها النفسية ، المعلومات اللازمة عنها ، علاقاتها بالشخصيات الأخرى داخل العمل الأدبي ، بيان المكان الذي تتحرك فيه هذه الشخصية ،تحولات هذه الشخصية ونمائها ، كل هذا يستطيع المتلقي كشفه من خلال الحوار الذي يدور بين الشخصيات المتعددة والمختلفة في النص .
______________________________________________________
1) الرواية ص25

" أسلوب الحوار يتيح للشخصيات تقديم " نفسها الى القارئ عن طريق حوار تتبادله مع بعض الشخصيات الأخرى " (1)
فالحوار هو حديث بين شخصين أو أكثر، تقع عليه مسؤولية نقل الحدث من نقطة لأخرى في داخل النص ، فالحوار عرض دراماتيكي في طبيعته لتبادل شفاهي بين شخصين أو أكثر (2)
فالحوار في الدراسات الأدبية هو تقنية قصصية يعتمد عليها الشعر والقصة القصيرة والرواية والمسرحية لتصوير الشخصيات ودفع العمل الى الأمام " (3)
وحتى تتأكد أهمية الحوار في الرواية أو العمل الأدبي لا بد أن تتوفر فيها صفات معينة ،
"والحوار الجيد هو الذي يكون معبراً "ويتمثّل هذا النوع من الحوار فيما حسن تركيبه، وسهل قوله، واتضح معناه، وعبّر تعبيراً ملائماً، ويجب التضحية بزخرف الكلام وأناقته في سبيل المعنى، فلقد كان سومر ست موم يفضِّل الكلمة القوية المحددة المعنى في الحوار على الكلمة ذات الجرس والرنين"(4).
ومن سمات الحوار الجيد أيضا
ومن سمات الحوار الجيد:
1-الاختصار، والإفصاح، والإبانة.
2-انتقاء خير الأساليب والجمل والألفاظ المعبرة عن الشعور والعاطفة، وترك العبارات التي لا قيمة لها.
3-الإشارة إلى الواقع، لا نقله.
4-مراعاة طبيعة القارئ أو المستمع للحوار، فإذا كان الحوار بين طرفين أو ثلاثة ظاهريا، فإنه يوجد طرف آخر هو القارئ أو المستمع.
5- توليد الأفكار الجديدة في ذهن المتكلم .
___________________________________________________________
1) عبد القادر القط ،في الأدب العربي الحديث ،مكتبة الشباب ، القاهرة ،119
2)المصطلح السردي ،جيرالد برنس،ترجمة عابد خزندار، 59
3) معجم المصطلحات الأدبية، إبراهيم فتحي 149
4) 1) د. طه عبد الفتاح مقلد: الحوار في القصة والمسرحية والإذاعة والتليفزيون، مكتبة الشباب، القاهرة 1975م، ص10.
ومن عيوب الحوار أحيانا : الإطناب، وهو ترك شخصيات العمل الأدبي تتحدّث كثيراً حديثاً لا طائل من ورائه، أي لا يُثري العمل الأدبي، أو يُعرِّفنا على الشخصيات التي تتحدّث أمامنا "ولذا يجب على المؤلف أن يكون متيقِّظاً، ولا يسمح بأية كلمة لا يكون لها دورها في عرض الأحداث، أو تصوير الشخصيّات، مدركاً أنَّ الإيجاز في استعمال الكلمات هو أساس القوة في الحوار"(1).

وظيفة الحوار :
1) يكشف أفكار الشخصيات لأنه يرسم ملامحها الداخلية والخارجية لارتباطه بها ، وكونه الوسيلة الأساسية المتاحة لدى الشخصيات لتعبر من خلاله عن أفكارها ورؤاها ووعيها للعالم الذي تعيشه "(2)
2) رسم الشخصية لكي تبدو أكثر حضوراً
3) تطوير الأحداث وتعميقها .
4) المساعدة في تصوير مواقف معينة من الرواية.
5) التخفيف من رتابة السرد.
6) كشف مغزى الرواية والإبانة عن غرضه.
7) إضفاء الواقعية على الرواية.(3)
يمكن تلخيص وظائف الحوار بما حدده مورجان بثلاث هي:
8 -تطوير أحداث الرواية..
9 -تطوير الشخصية في الرواية..
10 -تقديم الجو أو الحالة في الرواية.
________________________________________________
1) لاجوس إجري: فن كتابة المسرحية، ترجمة: دريني خشبة، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة د.ت.ص10
2) قضايا الفن القصصي ، يوسف نوفل ، 163
3)حسين القباني، فن كتابة القصة، مكتبة المحتسب،ط2، 1974: 95

صور الحوار :
يأتي الحوار على صورتين :1) الحوار الخارجي (الثنائي / التناوبي))
هو الحوار الذي يدور بين شخصيتين أو أكثر في إطار المشهد داخل العمل
بطريقة مباشرة وتطلق عليه تسمية الحوار التناوبي أي الذي تتناوب فيه شخصيتان
أو أكثر بطريقة مباشرة إذ إن التناوب هو السمة الإحداثية الظاهرة عليه
وتربط المتحاورين وحدة الحدث والموقف إذ يعد هذا الحوار عاملاً أساسياً في دفع العناصر
السردية إلى الأمام إذ يرتبط وجوده بالبناء الداخلي للعمل الروائي معطياً له تماسكاً
ومرونة واستمرارية ( 1 )
ومن الأمثلة على ذلك النص :
- ناعمة : أهلا أبي
الجنيد : هذه ناعمة التي حدثتك عنها يا مرانة -
- ناعمة : أهلا بك
( تتعانقان ويجلس الجميع وتقول ناعمة وهي تبتسم ....
- تأخرت هذه المرة يا أبي .
- الجنيد : اجل يا ناعمة ، لقد تزوجت مرانة ، ولهذا طالت فترة بعادي .
- ناعمة : هل أنتما جائعان .؟؟
- الجنيد: أجل يا ناعمة .
- اذن سأحضر لكما الطعام .
____________________________________________
1) فاتح عبد السلام، الحوار القصصي: تقنياته وعلاقاته السردية، المؤسسة العربية)
.21: للدراسات والنشر، ط 1، بيروت، 1999
2) الرواية ص336
في الحوار السابق رغم قصر الحوار لكننا نستطيع أن نخرج بأكثر من معلومة وبأكثر من خبر ، نستطيع أن نعلم أن الجنيد هو والد ناعمة ، وأنه كان في سفر وقد تأخر هذه المرة ، وهذا يعني أنه يسافر كثيرا ولكنه هذه المرة تأخر ، ثم ندرك سبب تأخره وهو زواجه من مرانة ، ونعلم من الحوار أن مرانة لا تعرف ناعمة فهو يقول " هذه ناعمة التي حدثتك عنها يا مرانة " ، ثم نعرف أنهما جائعان من سؤال ناعمة لهما .
فكم من معلومة قد ساق لنا هذا الحوار الذي دار بين ثلاث شخصيات .
2) الحوار الداخلي (الفردي) المونولوج الداخلي:
يتحول الحوار في هذا النمط من حوار تناوبي يدور بين شخصيتين إلى حوار فردي يعبر عن الحياة الباطنية للشخصية ( 1 ) إذ توظفه للتعبير عما تحس به وعما تريد قوله إزاء مواقف معينة إذ يعمل هذا النمط من الحوار على تكثيف الأحداث والزمان ويعطي الفورية للرواية وما يميزه انه صامت ومكتوم في ذهن الشخصية، كما انه غير طليق ولكنه تلقائي بالنسبة للقارئ.( 2 )
المونولوج هو" ذلك التكنيك الذي يستخدم في القصص بغية تقديم المحتوى النفسي للشخصية والعملية النفسية لديها دون التكلم على نحو كلي أو جزئي في اللحظة التي توجد فيها هذه العمليات في المستويات المختلفة للانضباط الواعي قبل أن تتشكل للتعبير عنها بالكلام على
نحو مقصود " ( 3 )


______________________________________________________
سعد عبد العزيز، الزمن التراجيدي في الرواية المعاصرة، المطبعة الفنية (1
39 .: الحديثة، القاهرة 1970
ليون سرمليان، تيار الفكر والحديث الفردي الداخلي، ترجمة: عبد الرضا )(2
.86-85: محمد رضا، مجلة الثقافة الأجنبية، بغداد، العدد 3 لسنة 1982
3) روبرت همفري، تيار الوعي الرواية الحديثة، ترجمة: محمود الربيعي، دار )
.44: المعارف، القاهرة، 1975


ومن الأمثلة على الحوار الداخلي في النص :
" الظلام في مغارة هالة ، وبصيص نور وصوت الكلاب والذئاب وهالة تبكي وتقول .....
جُعلت فداك يا حيدان ألا يكفي ما نحن فيه ، ترى هل أنت مثلي في الأسر ، أم انك تنعم بحريتك وسوف تأتي إلي لتخلصني من هذا الأسر وأن كنت ستأتي فمتى ، فقد طال الغياب ، أم أنت رجعت للقبيلة ،يا لوحشة تلك الأيام التي قضيناها ....." ( 1 )
فهذه هالة التي هامت حبا في حيدان ، تجلس في مغارة مظلمة وتخاطب نفسها في مونولوج داخلي يبين ويصف حالتها النفسية ، تدعو لعاشقها حيدان وتطلب أن تكون فداء له ، فهي لا تعلم أين هو ، هل هو في الأسر مثلها أم انه سوف يأتي لينقذها ، ولكنها ترى أن غيابه قد طال ، وتستذكر الأيام التي مضت .
3) وقد يمتزج الحوار الداخلي والخارجي أحيانا ، لوجود إحدى الشخصيات في حديث داخلي غير مسموع ومن الأمثلة على ذلك :
- مرحبا يا مرانة
- أهلا يوسف
- ذهب أبوك الطماع .
- ذهب
- ما العمل الآن ، ا ن أباك مستعجل في طلب ما بقي له ، لقد أخطأنا إذ أعطيناه النقود ، سيزوجك لغيري .
- لا تستسلم يا يوسف
تسرح وتفكر وتقول في نفسها ......
- لم يأت الجنيد
فيقول يوسف :
___________________________________________
1) الرواية ص 243

مالك أين سرحت؟؟
- لا شيء يا يوسف ولكني أخشى أن زواجنا لن يتم .
- إني أعرف هذا تماما ، ولكني لا أعرف ما العمل .
- هل نهرب الى يثرب ؟
- لا أدري
- أم نهرب مع الجنيد إن جاء (1)
فالحوار في هذه الفقرة اشتمل على نوعين من الحوار ، الداخلي والخارجي ، وهذه سمة وميزة في الحوار ، فالمرونة من سمات الخوار الجيد .
ومما تجدر الإشارة إليه أن الروائي قد استخدم اللغة الفصحى في الحوار ، ولكنها لغة بسيطة تناسب الشخصيات ، وتناسب النص ، وهذا مما يُسجل للروائي ، ونحن في هذا لا نقلل من شأن الأعمال الروائية التي اتخذت من لهجة العامة أسلوبا في إيصال أفكارها ، ولكنها تبقى قناعات ، ولسنا في هذه العجالة بصدد الحديث عن هذا الموضوع .
وتبقى هذه الرواية من الأعمال التي تستحق العناية في أكثر من جانب .








_____________________________________
1) الرواية ص 211


المصادر والمراجع :
1) محمد مصايف ، النثر الجزائري ، الحديث ،المؤسسة الوطنية للكتاب ،1971،ص59
1) عبد القادر القط ،في الأدب العربي الحديث ،مكتبة الشباب ، القاهرة ،119
2)المصطلح السردي ،جيرالد برنس،ترجمة عابد خزندار، 59
3) معجم المصطلحات الأدبية، إبراهيم فتحي 149
4) 1) د. طه عبد الفتاح مقلد: الحوار في القصة والمسرحية والإذاعة والتليفزيون، مكتبة الشباب، القاهرة 1975م، ص10.
5) لاجوس إجري: فن كتابة المسرحية، ترجمة: دريني خشبة، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة د.ت.ص10
6) قضايا الفن القصصي ، يوسف نوفل ، 163
7)حسين القباني، فن كتابة القصة، مكتبة المحتسب،ط2، 1974: 95
8) فاتح عبد السلام، الحوار القصصي: تقنياته وعلاقاته السردية، المؤسسة العربية)
.21: للدراسات والنشر، ط 1، بيروت، 1999
سعد عبد العزيز، الزمن التراجيدي في الرواية المعاصرة، المطبعة الفنية (9
39 .: الحديثة، القاهرة 1970
ليون سرمليان، تيار الفكر والحديث الفردي الداخلي، ترجمة: عبد الرضا )(10
.86-85: محمد رضا، مجلة الثقافة الأجنبية، بغداد، العدد 3 لسنة 1982
11) روبرت همفري، تيار الوعي الرواية الحديثة، ترجمة: محمود الربيعي، دار )
.44: المعارف، القاهرة، 1975








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأسود والنمور بيكلموها!! .. عجايب عالم السيرك في مصر


.. فتاة السيرك تروى لحظات الرعـــب أثناء سقوطها و هى تؤدى فقرته




.. بشرى من مهرجان مالمو للسينما العربية بعد تكريم خيري بشارة: ع


.. عوام في بحر الكلام | الشاعر جمال بخيت - الإثنين 22 أبريل 202




.. عوام في بحر الكلام - لقاء مع ليالي ابنة الشاعر الغنائي محمد