الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذكريات من ايام النضال الحلقة العاشرة العم كامل شناوة

سعدي جبار مكلف

2018 / 10 / 1
الادب والفن


ذكريات من ايام النضال
الحلقة العاشرة
سجن الرمادي العم الخالد كامل شناوة
الرياح لا تطفيء الشمس ، شاحب و حزين وجه تشرين و موحش يتلو ايات العزبة ، موت مستمر، واينما حط الرجال يتذكروا رحلة الطيور و هي تتابع سفن البحارة عند شط العرب الخالد ،حب عجيب يجلب هذه الطيور لمتابعة مسارات الحرية ، كنت أ تابع حركتها وأودعها ربما تودعني بدموعي التي تشد اوجاع قلبي و هي حالة اعانيها منذ الطفولة و ما تزال تداهمني الى الان رغم مرور السنين ورغم انحداري بشراع العمر الي مشارف السبعين ،كانت هذه الدموع بلسم من احداث الماضي و الحاضر و المستقبل ان وجد ،رغم ايماني المطلق بان ماكان ليس الا ما هو قائم اساساُ ، ان الاقدار هي التي تحركنا و نحن بيادق لا تنتهي حركتنا حتى بعد قتل الملك ، مع هذا الشهر التي نقوم فيه الناس لتحضير لاعياد راس السنة ابحر بأيام الطفولة البائسة، ايام عنفوان و ثورة الصبا ومعاكسة الشباب و بطولات المنظمات الكارتونية كان هذا الشهر شهر الصمت اي سكون يستطيع ان ياخذني بين احضانه و انا من مدينة الشغب و الحركة و الصراخ حيث لا يوجد فيها لا ليل و لا نهار لا قريب و لا بعيد كل شيء ممكن و مسموح ، اي وقت يمر يمزق صحتي في كل لحظة واستطيع معايشته في متاهات سجن الرمادي الوحش القاتل الذي لا يعرف الزمان و المكان كان حزني انذاك داء دون شفاء كانت غيوم قاتمة جاثمة ابدية على اوصال كل جزء من جسمي ترقد بوضوح على
صدري تماما تشعل فتيل حرائق في كل لحظة من اللحظات ، صمت مدمر قاتل لقد تركت في مدينتي الحبيبة كل شيء اصدقائي واحبابي و اهلي و انا ابن السابع عشر كان سجن الرمادي الرهيب مهمل و نحن اول وجبة ادخلنا اليه كنا مجموعة من الشباب في المدارس الاعدادية نجهل كل شيء عن الحياة اليومية ، كيف ستمضي فتره السجن و و سنواته الطويلة المجحفة القاسية ، كنت في القاعة الثانية و هي قاعة كبيرة تحتوي كثير من خيرة الشباب ، و الجو بارد جداً و يقع هذا السجن في وسط صحراء يربطه الشارع الرئيسي طريق شبه ترابي طوله حوالي ثلاثه كيلو مترات بناءه أيل الي السقوط و القاعة لها عدة فتحات من الاعلى لكي يتم مراقبتنا من قبل ازلام السجن الهمج ... كان كل شيء غريب و مخيف ومجحف القاعة كبيرة باردة جدا لم يمر في حياتي مثل هذه القسوة و الدمار و الموت البطيء لقد مضى علي بالذات اكثر من اسبوع و انا غذائي الصمون مع الشاي بسبب عدم استطاعتي تناول وجبات السجن و هي عباره عن ماء حار وشلغم لم اعتاد علي هذا الطعام مطلقا كما ان السجن لا يوجد فيه مخزن لبيع احتياجات السجين تسمى ( التحفية ) بسبب ان السجن مهجور غير مسكون و السجن الرئيسي للسجناء العاديين ،ام السجناء السياسيين فقد وضعوا في قسم المحجر و هو قسم صغير يتكون من قاعتين طول كل قاعة خمسة عشر متراً وعرض ثمانية امتار تفصل القاعتين مساحة مستطيلة فيها حنفية واحدة و تواليت واحد يصبح حمام عند الاستحمام و
تمر عبر المساحة الفاصلة بين القاعتين ، و كان السجين العادي كاطع هو المسؤول عن تنظيف المجاري عند العطب والانسداد و ما نشاهده الا و سيجارته في فمه زبونا دائما في التنظيف كان يساعدني في غسل ملابسي لقاء ربع دينار لكل وجبة و كثير ما نتوسطه لجلب بعض الحاجيات لنا من خارج السجن لعلاقته وصداقته مع الشرطة وصلت مجموعة من شباب الناصرية من سجن العمارة بعد ان سحبوا براءتهم من الحزب كان عددهم بحدود عشرة شباب ثم وجبه اخرى من نفس السجن لقيادتهم التنظيم في السجن المذكور من هم فوزي الاحمر (ابو جماهير) و اسعد عبدس العاقولي و الاستاذ عبد الهادي الهاشمي و جميعهم من تنظيمات البصرة ، و من المناضلين المعروفين و ابتدا شيء من التنظيم و شيء من التآلف بين سجناء المحجر و بين السجناء العاديين عن طريق الرفيق ابو نادية ممثلنا ولكن بدأت مطالبة ادارة السجن بتوقيع البراءات صكوك الذل ، ولا ادري الى هذه اللحظة ما الضرر ان الشخص الذي يعطي البراءه يعود مجددا مخلص الى المبادئ التي يؤمن بها المهم كانت بداية غير صحيحة مع اداره السجن وخاصةالضابط شرهان وكانوا السجانه يقومون بالضرب المبرح وبكل قواهم وهم لا يعرفون لماذا هذا التعذيب حتى ان احدهم المدعو علي تفكه و هذا لقبه يخاطبني انه سوف يخفي البراءه ولا يريها الي احد مهما كان انه يعتقد شئ مادي يوجد عندنا وهذا هو مستواهم وما وصلوا،
واستمرت المضايقات حيث كل يوم تفتيش (كبسة بلغة السجن) وبسبب شدة و شراسة الضربة التي وجهت للحزب تأثرت معنويات وثقة الكثيرين و كان البعض منهم يشك او يرفض عمل التنظيم داخل السجن الا ان وعي كبار الزملاء الموجودين واخلاصهم اعادة الثقة و الاصرار للكثيرين و خاصة في صفوف الطلبة المسجونين بسبب قلة خبرتهم النضالية وقد كانت اول مواجهة لي من قبل الوالدة و الخال الخالد ابو منذر و العم ابو عدنان رحمهم الله وتبقى ذكراهم خالدة معي جلبوا معهم الكثير من الاشياء وقد منعت الاشياء الغير مسموح بها ما عدا الاكل و الخضراوات و بعض الملابس الخفيفة في حين ابعدت الملابس الشتوية جميعها كان الخال الطيب ابو منذر صديق الجميع راح يمزح مع الزملاء ووعدهم بان يجلب لهم في الزيارة القادمة صندوق الطاولي ليلاعبهم انتهت زياره و انا لاحظت ان والدتي متاثرة جدا و اخبرتني لا بيت بعدك يا سعدي وهنا نزل علي حزن وهم بقدر الدنيا و الاخره لقد هدمت اركان عائلتنا بكاملها بسجني ودعتني الوالدة بعد انتهاء المواجهه سلمت جميع الاشياء التي جلبت لي الى الاخ مسؤول القاعة لان حياتنا هي معيشة تضامنية ما عدا الملابس وكانت خفيفة حيث منعوا كل شيء قماشه سميك شتوي مرت ايام و اللقاءات بين سجناء و ادارة السجن مستمرة من اجل توقيع البراءات السيئة الصيت والى الان لم افهم
هذا الموضوع ، في صباح احد الايام نود عليه من قبل حرس الباب بعد ان فتحت وقادني انا بملابس السجن و كنت اتصور انها مسرحية كل يوم من اجل الاغراء والوعيد ، لقد قادني الشرطي الى غرفة المدير مباشره طرقت الباب ثم دخلت بعد اداء الشرطي التحية للمدير لاحظت وجود رجل وقور كبير السن يرتدي اللباس العربي جاكيت مع صاية جالس بكل وقار واحترام ويدل على انه متكلم مقتدرعرفته مندائي
من خلال لحيته الطويلة و بجانبه سيدة متوسطة السن و امامهم مجموعة كثيرة من الحاجيات نهض الرجل و راح يحضنني مقبلا و مستفسرا عن احوالي وصحتي في حين ان السيدة تشاهد هذا المشهد اما المدير فكان مشغول بتقليب بعض الاوراق امامه قال لي بالحرف الواحد انا عمك يا سعدي انا ابو بشير كامل شناوة كانت والدتك و عمك وخالك عندي في البيت وهذه زوجة المدير ام احمد و انا حاضر لكل ما تطلب جلبت لك ملابس شتوية مع قماصل وستره وكوت بيت ويسمى (روب) جميعها سمح المدير لك فيها بصورة خاصة وبوجود زوجته ثم راح يضحك... استمرت المقابلة حوالي نصف ساعة ثم حمل الشرطي الحاجيات مع مساعدة شرطي اخر الى المحجر بعد ان ودعت هذا العم الطيب استلمت جميع الحاجيات وقد اعطيت قسم من الملابس للزملاء ونمت لاول مره في فراشي و انا اشعر بالدفئ والراحة الجسمية .
ومرت الايام وتحرك الزمن سنين طويلة اكثر من ثلاثين سنة وكنت اقرأ اسماء طلبة الصف السادس العلمي حتى وقع نظري على اسم انهر بشير كامل شناوة ... سرحت الى الماضي بصمت عميق مزق سكون ذاكرتي و وسرحت الى ايام الرمادي وعندما سألت الطالب اجاب ان جده هو كامل اشناوة الطيب المندائي العم الحنون وقد قتل في الرمادي من قبل احد اللصوص المصريين الان عائلته في كندا رحمة لك يا كامل شناوة ايها العم الطيب فقد كنت اسماً على مسمى .... لنا لقاء في الحلقة القادمة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحكي سوري- رحلة شاب من سجون سوريا إلى صالات السينما الفرنسي


.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع




.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج