الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل الله منتوج عقلي؟ الجزء 3

يوحنا بيداويد

2018 / 10 / 2
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


نتحدث في هذه العدد عن فكرة الله في القرون الوسطى، الفترة الممتدة من القرن التاسع الى القرن الرابع او الخامس عشر، اشتهرت في هذه المرحلة فلاسفة المدرسة الاسكولائية أي (المدرسية)، أنتج هؤلاء الفلاسفة فلسفات فرعية أخرى مثل الفلسفة الاسمية والكليات والواقعية والانطولوجيا والتصورية. من أشهر اعلام هذه المرحلة هم:

يوحنا سكوت (810-877م)
كان إيرلندي الأصل، كان لا يرى أي تناقض بين الوحي والعقل السليم، واعطى أهمية لمرجعية الإباء في الكنيسة طالما تكون ملتزمة بالوحي، لكن إذا حدث تعارض بين الوحي والعقل، فالمسؤولية تقع على العقل لإيجاد تفسير الصحيح.

القديس انسليم كانتربري(1032-1109م)
تحدثنا عن اراء القديس انسليم في العدد الماضي والبرهان الانطولوجي الذي وضعه. وبرهانه المبني على المنطق او الجدل. يبني القديس انسليم برهانه الانطولوجي بطريقة جدلية فيقول ا: " ان الله هو الموجود الذي لا يمكن أن نتصور هناك من هو أعظم منه، إذا لابد أن يكون الله موجودا، لأنه إذا لم يكن موجودا، يجب ان يكون هناك كائنا اخرا يتصف بالوجود، اضافة إلى ذلك صفات أخرى سامية، كي يكون أعظم منه (الله الأول) مثل الخير والجمال والحق والعدالة. لكن هذا تناقض، لأننا بذلك كأنما نقول إن: "الموجود الذي لا يتصور أعظم منه، يمكن أن نتصور يوجد ما هو أعظم منه" إذا الموجود الذي لا يمكن أن نتصور أعظم منه، موجود بالفعل، أي ان وجود الله هي حقيقة.

بيير ابيلارد 1079-1142م)
فيلسوف فرنسي ذاع صيته في زمانه وبلغ عدد طلابه أكثر من ألف طالب، رغم ان سيرته الذاتية لطخت بسبب (يُقال) علاقته مع هيلوييز (عشيقته) الا انه اشتهر بسبب موقفه الذي وضع حدا للجدال الذي كان دائرا بين أصحاب نظرية "الكليات) (1) والنظرية الاسمية (2). ألف كتبا عديدة أصبحت مصادر لقرون طويلة من أشهرها كتاب " نعم ولا" الذي اجب على اسئلة مهمة عن العهد القديم والجديد، ونتيجة لذلك استمال موقفه الى جانب العقل.
اما موقفه من الجدال بين الذي كان قائما حينها، هو ان الكليات موجودة قبل الناس وقبل ان يكون لكل الأشياء أي وجود، فهي موجودة في عقل الله(3)، وإنها موجودة في الأشياء من خلال الصفات المشتركة لها من الفرديات الحقيقية او الواقعية في الطبيعة.

روجيه بيكون (1215-1295م)
أراد اصلاح الكنيسة من خلال تقريبها من الطرق العلمية لأثبات الحقائق الايمانية، ففي كتابه " الكتاب الأكبر" يذكر الطرق الأربعة لحصول الخطيئة ولخصها بالأيمان الاعمى مرجعيات خاطئة، الاحكام المسبقة، شيوع العادة بعدم اصلاح الخطأ رغم وجود معرفة يقينية بانها خاطئة، والعلم الغير الدقيق يتحول الى خرافة.

البير الكبير (1206-1280)
كان يحمل لقب الملفان او الدكتور لسعة معرفته بكافة حقول المعرفة. عارض فكرة ابن رشد بعدم ازلية النفس الفردية، لان العقل الفعال هو جزء من النفس، ويشارك في إعطاء المبدأ المشكل للإنسان، هذا العقل يختلف من انسان الى اخر. في نظريته الكوزمولوجيا رتب المخلوقات حسب درجات عقولها التي تصدر عن العقل الإلهي.

توما الاكويني "1225-1274)
رغم قصر عمره الا انه نال لقب الملفان او معلم الكنيسة. تحدثنا عن آرائه مفصلا في العدد (15)، فقط نذكر إعادة شرح لبرهان ارسطو في تفسير العلاقة بين العلة والمعلول بصيغة اكثر تفصيلا وحسب اللاهوت المسيحي في العهد القديم والجديد. وكانت هذه البراهين هي الحركة، العلة، الممكن والواجب، وتسلسل الكمال عند المخلوقات، وأخيرا النظام الشمولي.

دنس سكوت 1265-1308م)
نال لقب العالم الثاقب البصيرة، لوضعه حجج ثاقبة في نقده لأطروحات من سبقه. يعترف دنس سكوت بضرورة الوحي، حينما يعجز العقل عن إيجاد حلا للمعضلة. توغل في موضوع وجود الأشياء، فهو ميز بين وجود الله ووجود العالم (اللذان لا يشك بوجودهما) عن وجود بقية المخلوقات والاشياء (الفرديات).

المعلم ايكهارت (1260-1328م)
راهب معروف في القرون الوسطى، متأثر بالفلسفة المدرسية لكن كتاباته كانت متأثرة بأفكار تأملية، كانت خلاصة فكرته، ان الوجود هو الله نفسه، بدون الله لن يكن هناك وجود لأي مخلوقات، ولا للعالم وان الانسان المتأمل بسهولة يستطيع معرفة الله عن طريقة الشرارة الموجودة في داخل نفسه (نفس فكرة اوغسطينوس).

وليم اوكاما (1280-1348م)
يعد اخر معلم (فيلسوف) مشهور من المدرسة المدرسية، بالنسبة للجدال بين الاسميين وأصحاب فكرة الكليات يقول:" لا وجود للشيء واقعيا الا على شكل مفرد". أسس تيار فلسفي جديد " الطريق الجديد" مقابل التيار القديم لفلاسفة المدرسة السكولائية. نتيجة امتلاك الله القدرة الكلية فهو خلقه ويستطيع خلق أشياء جديدة في العالم لا يمكن فهمها من قبل الانسان، الانسان يستطيع نتيجة الخبرة تفسير ما هو في الواقع القائم، ولكن لا يستطيع يفسر حصول الحوادث على أسس مسبقة، بمعنى لا يمكن حدس ما يحصل، لان ليس للإنسان الامكانية لفهم القدرة الكلية. الموقف الأخير لاوكاما (سيف اوكاما) والذي حُسِب ضد موضوع التثليث في الاقانيم الثلاثة جاء نتيجة قوله: " يجب ان لا نقر بالتعددية الغير ضرورية"

في الختام نلاحظ لا زال الصراع بين الوحي والعقل قائما، وان أفكار المدرسة السكولائية لاقت صعوبة وانقسمت بين تيارين مختلفين(الكليات) التي تاثرت بفلسفة افلاطون في نظرية(المُثل) والتيار الاسمي الذي كان واقعيا الذي سيتطور لاحقا الى الفلسفات المادية. كما نلاحظ ظهور مشكلة التفسير اللغوي للمصطلحات والأفكار ويحتار العقل في إيجاد الحل، فتظهر فروعا جديدة في الفلسفة، ولكن بدون حسم يظل السؤال الأهم مطروحا، كيف نثبت هناك وجود حقيقي للعالم؟ وما هو مصدر هذا الوجود؟ سنجد جوابا مهما في فلسفة ديكارت في العصر الجديد يسمى عصر الانوار او عصر النهضة الاوربية.
................................
1- فلسفة الكليات هي مفاهيم عامة للأنواع او الاجناس مثل (انسان وكائن وشجرة...الخ)، فالسؤال الذي كان مطروحا في جدالهم، هل هذه الكليات موجودة بالفعل ام انها مجرد أسماء يكونها الانسان لنفسه؟ وهل ان الموجودات الفرعية او الفردية لهذه الكليات لا يتأثر وجودها بهذه المفاهيم؟ هنا نلاحظ لا زال العقل يتأرجح بين التأييد والشك لنظرية المُثل لأفلاطون.
2- -الفلسفة الاسمية: كان اصحاب هذه المدرسة ينفون وجود أي وجود حقيقي للكليات ويعتبرونها أسماء موجودة في ذهن الانسان فقط. وان الوجود الحقيقي هو فقط للفرديات.
3- يشبه هذا التفسير "نظرية المُثل التي تحدث عنها افلاطون"








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ترمب: بايدن ليس صديقاً لإسرائيل وهو ليس صديقاً للعالم العربي


.. تفاعلكم | مقاطع مفجعة لفيضانات مدمرة في الصين




.. تفاعلكم | لعبة تقليدية تحول زفافا في الهند لساحة معركة!


.. أنفقت 3.6 مليون دولار أتعاب محاماة.. محاكمات ترمب تقلل من تم




.. أكثر الدول بمتوسط عدد أفراد العائلة الواحدة