الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مظاهرات الربيع العربي ، وقفة للذكرى والتأمل

زياد بوزيان

2018 / 10 / 7
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


مماذا بقي من مظاهرات الربيع العربي اليوم غير ذكريات الألم التي تبعت ذكريات من التعري و التناحر والخزي على مرأى كل العالم؟! ، فقد أخذت الأمان على نفسها تلك الجماهير العربية ممّا وقع في تونس ، عندما راحت عارضة سواعدها و مفاتنها على المباشر أيضا في غمرة من فرح لا يأتي في العمر غير مرة ؛ لِتراها جميع شعوب العالم ، المتحررة والمقموعة على السواء ولسان حالها يقول : « نحن الثوار العرب عندما نثور على حكّامنا الطغاة ، نعلم العالم كلّه معنى الكرامة والحرية فانظروا إلينا ، أنظروا كم فتنت أشكالنا الثائرة العالم .. إننا اليوم ونحن نسير في الشوارع عراة حفاة لن نرضى بديلا عن تنحي الطاغية المستبد ، الحاكم الدكتاتور» ، بالفعل تنحّى الرئيس الأنموذج ابن علي من دون أن يتسبب في إراقة قطرة دم واحدة غير مدرك أنه سيسبب رحيله سيلان أنهر من الدماء. آثر إنهاء مساره السياسي وهو على مشارف الشيخوخة السياسية على أن يظهر قطميرا من نزواته ، آثر أن لا يتعرض لعِرض شعبه أوشرف رعية من رعاياه ، إلا من أبى منهم فأصر على المواجهة فلقي جزاءه من حرم بنعلي وجهازها الأمني ، وليس من" ابن علي". عندما أنهى ابن علي مسيرته تلك شاهدنا الثوار العرب يثورون في كل مكان آخذين الآمان على أنفسهم وممتلكاتهم ، وراحوا كما رُحن وهنّ عاريات يتجولن في الشوارع ؛ حاملات عريهن إلى العالم الغربي ومنهن من خلبت الغربيين في عُريها ، لقد كان مثلُهم ومثلُهنّ كمثل الحمار مع سبع الغاب الذي أثاره صوت الديك فظن الحمارــــ ـلكونه حمارا ـــ أن السبع قد هابه فتبعه إلى حيث لا يُسمع صوت ولا يُرى شيء ، فكان ما كان من نتائج حتمية، أجل ، فمنهنّ ومنهم في عُريهم من شمّر كثيرا ، معتقدون أنهم يبيعون الفضيلة ويصدّرونها حين كانوا يبتعون العار والفضيحة ، فسبحان الله مغير الأحوال ، غادر الرئيس ابن علي ظاناﹰ أنه سيريح برحيله شعب بلده من شرور الانزلاقات الأمنية الخطيرة فخاب ظنه ، حيث تداعت العروش التونسية وتبعتها القبائل العربية من شيعة وعلويين وأقباط هنا وهناك. وأمنت على نفسها فأطلقت عنان العري والعربدة والرقص فيها في الشوارع والساحات كما في القرى و المداشر، الكل مردد " إرحل إرحل يا فُلان .. إرحل إرحل ياعلاّن " غير مُبالين بعيون العالم من حولهم وهي ترمقهم بسهام نافذة تخترق سوءاتهم بل تحدق بعوراتهم تحديق العاشق الولهان بعشيقته! أخشى أنه "حِرص" ابن علي الزائد عن اللزوم على أمن شعبه وسلامته من أي مكروه قد أوقعه ، فلو عَلِم ابن علي أنّ فِراره سيُسيل أنهرا من الدماء في كل أرجاء المعمورة ، بل سيُلحق مهزلة تاريخية بأصحاب الكتاب السماوي "القرآن" لشدّ على أسْر عاطفته بمقبض اليد ولملم ذاته وضرب ضربته الحديدية ، ضربة رجل واحد ، يقضي فيها على رهط من التوانسة في كل بقعة من الأراضي التونسية ، ثم انتهى الأمر، لا من تداعي و لا من استئمان ، و لا من ربيع خزي وعار على المكشوف.

ـــ لولا إستغياب العصا لمَا عصى من عصى[*]

تشير الأحداث الجارية في الوطن العربي ، وهي على أشدّها لحظة كتابة هذا المقال في كل من سورية واليمن أنها ما كانت لتحدث وتعم كل ربوعه لولا تراخي نظام بن علي وعدم تعامله بمزيد من الحزم والشدة. لا شك من أن الانسان في أصله مفطور على عدم الاعتراف بالجميل حين الشبع، بخاصة في بيئة كبيئة العرب بل أن البغضاء والخيانات العظمى في تاريخ الحضارة العربية لَتؤكد حقد وتآمر الجنس العربي بما فيهم إثنياتهم الأمازيغ والأكراد على بعضهم البعض ، وسيكون حقدا فتاكا أعمى عندما يؤثر حاكمهم جماعة على أخرى ، وما بالك لو أنه أظهر تقاعسا يصل حد الشبهة عن نصرة الدين و الإشادة بغيره كما كان يفعل معمر القذافي في خطبه وفي تحليله للكتاب الأخضر، فإن الأمر حينئذ سيتخذ موقف الجنون الذي يفوق الوصف ــ وهو ما حدث في الحرص على الانتقام البشع ــ إنما معشر العرب ومعهم الامازيغ والفرس قد جبلوا على الخضوع والطاعة لقرون طويلة لغيرهم من الحضارات ، ثم عندما نهضوا بحضارتهم هم أيضا استعلوا في الأرض حقبة من الزمن ، وعندما عاد من هو أقوى منهم ليقود العالم من دونهم إختفت عنجهية القوة والإستعلاء لديهم ، وحل محلّها عقلية التقزز النفسي والتعامل الحيلي أو تكريس الضغينة بالقطيعة الوقحة ( لا هو مع و لا هو ضد) بحضور دائم "للكره" المستمد من قوانينهم وشرائعهم ، على أن هذا السلوك مع غيرهم القوي عليهم نُظر إليه من زاويتين اثنتين ؛ جانب غير راضٍ متنبئا بالاخفاق تلو الإخفاق بل وعدم النهوض على الأقدام ثانية نتيجة هذا السلوك ، و جانب يفتخر بأنه السلوك الذي ينم عن الفهم الصحيح للشريعة والذات؛ ولعله إرهاص التخلف المحدق بالعرب بعد طرد فلول الأندلسيين العرب من الأندلس الذي جعل ابن خلدون (1332 ــ 1406) يُرجع ظاهرة تمدن الاسبان والبزنطيين والإفرنج وغيرهم من القوميات الأوروبية في مقابل بداوة العرب وتخلفهم آنذاك إلى العامل الأخلاقي المتأثر بالطبيعة وهي النظرية التي توصل إليها عالم الاجتماع الفرنسي مونتسكيو بعده بخمس قرون أيضا « أن الاختلاف في درجات الحرارة بين الارتفاع والانخفاض يصحبه إختلاف كبير في شتى النواحي للبشر منه الإختلاف الأخلاقي[†]» بيد أن أحداث الربيع العربي المستمرة وقائعها تؤكد أن الحقد و الإستضغان النفسي المستشري في نفس العربي ما كان ليتجذّر لولا إفتقاده لمنطق التفكير العقلي السليم ، لأنه الطريق الأوحد لرُجحان كفة العلم ، ذلك العلم الذي رجّح أوروبا وأكرمها، وخذل العرب وأفحمهم اليوم أمام العالم ، فتلكم الأحداث التي لبست منذ تأجُّج نارها لباس الدين مفتقدة لمنطق الثورة الصحيحة، الثورة التي تقوم على أهداف وخطط واضحة يقوم بها ثوار وقواد مقتدرين متكئين على مرجعيات فكرية لا أحداث فوضوية مستقطبة مختلف أطياف الشعب الجائع الذي سرعان ما إندس وسطها الأوباش والسجناء الحثالة ومسترزقة دونية البشر. هذه الأحداث التي غاب عنها منطق تطور الثورة نفسه نتيجة ترسب ثقافة الإذعان والطاعة العمياء التي تربط الرعية بالراعي « وأطيعوا أولي الأمر منكم .. » في ذهنية العربي " الثائر" ، هذه الطاعة الخرساء ولّدت نفوسا خاصيتها الإنقياد بالعادة والتقوقع وخِفض الجناح القانع القنوع على مر القرون أمام قوة وبطش الحاكم العربي. إنها ثقافة القانون أو القانون الثقافة : العصا الغليظة لمن عصى التي ترسخت وأصبحت عادة عصية على التغيير، وأحسن دليل هم الفرق التي سميت فِرق شُرط الخميس من أعوان الولاة ومقرّبيهم الذين يوشون ببعضهم البعض وبالناس في عهد بني أمية وبني العباس عندهم ، فالعربي كما يكون جُبل تاريخياﹰ على التخلف وإستعداء الآخر المختلف جُبل أيضا على الخنوع وحب المذلّة ونسج المؤامرات وحبك الخيانات ضد من يرفض هذه الحالة ، كالصعاليك والمفكرين المحسوبين على المعتزلة والصوفية و غيرهما على قلتهم ، فالعربي مفطور على حب العصا إلى درجة تتعطل حياته و يفسد دينه ويضيع رشده بمجرّد تغير تلك العصا ــ عصا الطاعة ــ وما بالك بافتقادها كليةﹰ.

[*] - كُتبت مسودة هذا المقال في يوليو 2011 مع التصرف.
[†] - أحمد العجلان : التوظيف السياسي لنظرية البيئة الطبيعية بين ابن خلدون ومنتسكيو ، دار رسلان سوريا 2008 ، ص 157.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماهر الأحدب: عمليات التجميل لم تكن معروفة وكانت حكرا على الم


.. ما هي غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب؟




.. شرطة نيويورك تعتقل متظاهرين يطالبون بوقف إطلاق النار في غزة


.. الشرطة الأرمينية تطرد المتظاهرين وسياراتهم من الطريق بعد حصا




.. كلمة مشعان البراق عضو المكتب السياسي للحركة التقدمية الكويتي