الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


توق الى الحياة والنور – قراءة في رواية -تلك العتمة الباهرة- للكاتب المغربي الطاهر بنجلون

كلكامش نبيل

2018 / 10 / 7
الادب والفن


انها الرواية المغربية الأولى التي اقرأها، على الرغم من اشادة الكثير من الأصدقاء بأدب شمال إفريقيا. كما انها الرواية الأولى التي اقرأها في أدب السجون. في العموم، لم أكن مهتما بهذا النوع من الأدب حتى اقترح عليّ صديق هذه الرواية للإطلاع على هذا اللون الأدبي. كتب الطاهر بنجلون رواية "تلك العتمة الباهرة" بالفرنسية، وقرأت أنا النسخة العربية بترجمة بسام حجار والتي صدرت الطبعة العربية الأولى منها عام 2015.

تستند الرواية على أحداث حقيقية عايشها السجين عزيز بنبين في سجن تزمامارت في المغرب ومعاناة ثمانية عشر عاما من الاعتقال المهين والقاسي في عتمات الظلام إثر محاولة انقلاب الصخيرات الفاشلة التي استهدفت الملك في العام 1971.

تكاد العتمة والتوق للضوء والهروب من الماضي والذكريات والعيش على الأمل والفرار منه تارة تشكل أجواء الرواية وأبطالها الذين يخطفهم الموت تباعا لينتقلوا من عتمة السجن الى عتمة القبر الأبدية. قد تعتصر ألما وأنت تقرأ صفحات الرواية – ذات اللغة الأدبية الجميلة – لأن الجمال اللغوي لن يتغلب على بشاعة صور المرض والموت وبؤس الطعام وتوق السجناء لأبسط حقوق الإنسان: رؤية الضوء، النظافة، والعلاج اذا ما ألمّ بهم المرض، ومعرفة الوقت.

فعن توقهم للضوء، يصبح موت أحدهم فرصة لرؤية شعاع الشمس، فنقرأ، "استحال الموت شعاع شمس بهي"، وعن الاحتياجات العادية، نقرأ، "إن أكثر الأمور الاعتيادية تفاهة، تصبح في المهن العصيبة، غير اعتيادية، لا بل أكثر ما يرغب فيه من أمور الدنيا." وعن الوقت، نقرأ "آه من البطء، أول أعداءنا".

يغرق الراوي، السجين، في تأملاته الكثيرة ويفرط في إيمانه بالرب ويكثر من الصلاة والوضوء ويتوق لزيارة الحجر الأسود، الذي يتحول فجأة الى رمز للإنعتاق. يكثر الرواي من قراءة القرآن وتصور الصوفيين والكعبة والوجد، وجعلني هذا اتساءل عن الإيمان، حيث أن الظروف الصعبة أدت ببطل روايتي "صراع الأقنعة" للإنكار والإلحاد. لكن بطل رواية بنجلون، يقول، "الإيمان ليس هو الخوف. الانتحار ليس حلا. المحنة تحد، المقاومة واجب وليست فرضا، والحفاظ على الكرامة هو الشرط المطلق."

يحاول البطل الفرار من حفرته المظلمة بتصور أماكن أخرى واجترار ما يحفظه من الروايات وتكرار مشاهد الأفلام، فضلا عن الصلاة، ولكنه يتجنب الذكريات والأمل، أي انه يغوص في لحظته المعتمة ويتنكر للماضي والمستقبل معا. فعن الذكريات يقول، "التذكر هو الموت. لقد استغرقني بعض الوقت كيما أدرك أن التذكر هو العدو. فمن يستدع ذكرياته يمت توا، بعدها، كأنه يبتلع قرص السم." وعن الأمل، الذي آمن به في قرارة ذاته ورفضه في تفكيره الواعي يقول، "الكرامة هي الكف عن التعاطي مع أي أمل" و"الأمل كذبة ممزوجة بفضائل المسكنات."

الموت، ذلك الزائر الدائم لهم في سجنهم، والذي اختطف الكثير منهم في أجواء مرعبة مصحوبة بصوت طائر الخبل، كان حلما بالنسبة لهم في بعض الأحيان. حيث يقول الراوي، "كم هو صعب أن نموت حين نريد الموت! فالموت لا يبالي بي!" لكنه كان يدين الانتحار مع ذلك، ولم يقدم عليه سوى أحد النزلاء، بسبب ما يقرأه عن تحريم الانتحار في الاسلام.

كان البطل يحاول هزيمة الكراهية والرغبة في الثأر، رغم ألمه وأساه، وكان يحاول تجاهل والده، الذي يعمل على تسلية الملك والذي تبرأ من ابنه العسكري اثر مشاركته في الانقلاب الفاشل. حيث نقرأ في موضعين، "معظم الذي قضوا لم يقضوا جوعا بل حقدا" و"الثأر ينضح برائحة الموت النافذة ولا يسوي مشكلة".

ذكرتني احدى الفقرات بما كتبته الزميلة أورسولا ليندسي في العديد من مقالاتها عن واقع التعليم ومحاربة القوى اليسارية وتدريس الفلسفة والعلوم الاجتماعية في المغرب في سنوات الرصاص (ما بين الستينيات والثمانينيات)، حيث نقرأ، "جرى ذلك في حقبة الشكوك التي عمت البلاد، فتم اعتقال طلاب، معظمهم من اللامعين في دراستهم، لارتكابهم جرم التعبير عن آرائهم. وكانت تلك ايضا الحقبة التي اتخذ فيها الجنرال أوفقير، بصفته وزيرا للداخلية، قرارا في صيغة تعميم أذيع عبر الراديو، يقضي بتعريب دروس الفلسفة في غضون بضعة أشهر، بغية تنقية المناهج التعليمية من نصوص يشتبه بأنها مثيرة للقلاقل، وهي التي تدفع، بحسب هذا الزعم، الطلاب الى التظاهر."

عند قراءتي لتلك الفظائع التي عايشها أولئك الجنود، تساءلت عن العدالة، لاسيما وانهم في الغالب مأمورين باطاعة قادتهم، والقادة هم من خططوا للانقلاب، ولا يعرف الجنود الصغار شيئا عمّا كان يُحاك لهم وللملك. لكن، يبدو أن العدالة آخر هموم هذا العالم. فبعد قضاء عشرين عام من الاعتقال، وبعد ان أضاع السجناء حياتهم في العتمة والعدم "بلا وجه ولا جنس ولا أمل"، كانت هناك نوايا لاخفاء حتى آثار ما تعرضوا له، فنقرأ، "ما هو أفظع من الفظاعة التي مورست، نفي وقوعها." لكن الراوي يصرّ على ان يبقي ذاكرته حية ليحكي للعالم ما حصل في ذلك السجن السرّي، "آه، ذاكرتي، صديقتي، كنزي، شغفي! يجب أن تصمدي! إياك والوهن. أعلم التعب وعاديات الزمن. آه، ذاكرتي، يا طفلتي التي ستحمل هذه الكلمات الى ما وراء الحياة، الى ما وراء المرئي. إذن، اهدموا اكذبوا، موهوا، وارقصوا فوق رماد الرجال! سوف تصابون بالدوار وبعد ذلك، لن يكون سوى العدم."

في عام 1991، ولد السجين من جديد بعد ثمانية عشرة عاما، بإطلاق سراحه ليبصر النور من جديد ويقبل على الحياة بنظرة ملؤها الخوف. حيث يرد على الطبيب النفسي، بعد ان سمع الأخير بخوف الراوي من النظر الى وجهه في المرآة، قائلا: "كانت نظرة جنون في حين أني ما زلت بكامل عقلي. كما أنها نظرة الموت في حين أني ما زلت حيا."

"مؤلمة" هذه هي الكلمة التي جاءت على بالي لوصف الرواية وأنا أكرر قراءة السطور الأخيرة منها، بعد لقاء السجين بوالدته المحتضرة وشقيقه وشقيقته – الذين تعرف إليهما بصعوبة. كررت قراءة السطور وأنا اتعجب من معجزة بقاء عزيز من بين أربعة ناجين في قسم (ب) من السجن، وأفكر في أنها رواية تستحق القراءة بالتأكيد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الممثلة رولا حمادة تتأثر بعد حديثها عن رحيل الممثل فادي ابرا


.. جيران الفنان صلاح السعدنى : مش هيتعوض تانى راجل متواضع كان ب




.. ربنا يرحمك يا أرابيسك .. لقطات خاصة للفنان صلاح السعدنى قبل


.. آخر ظهور للفنان الراحل صلاح السعدني.. شوف قال إيه عن جيل الف




.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي