الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تساؤلات وتناقضات بسيطة في قصص القرآن...نوح

حكمت حمزة

2018 / 10 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تحياتي للجميع
سنتحدث اليوم عن قصة نوح في القرآن، ضمن سلسلة تناقضات وتساؤلات في قصص القرآن، والهدف من هذه السلسلة هو إظهار بعض الأخطاء والتفاصيل غير المنطقية، في قصص القرآن، أي في المرويات التي تتحدث عن قصص وأحداث عاشها الأنبياء السابقون، ولا تحوي في طياتها أي تشريع أو حكم ديني اسلامي، لإظهار مدى تناقض كلام مؤلف القرآن.
يعتبر نوح، نبيا جاء إلى قومه بعد آدم وإدريس، وقد تجاوزت إدريس لقلة التفاصيل المذكورة عنه في القرآن، ويقال أن ادريس هو نفسه أخنوخ المذكور في التوراة، والعجب أن اسم أخنوخ العبري، يترجم أو يحول إلى إدريس في القرآن، ولا أدري أو أرى وجها منطقيا في هذا التحويل، بالنتيجة يعتبر إدريس أو أخنوخ أحد أجداد نوح الذي هو هدفنا في هذا الموضوع.
وردت قصة نوح في عدة سور من القرآن، وهي: الأعراف، يونس، المؤمنون، الشعراء، العنكبوت، الصافات، وهناك سورة نوح أيضا، كما ورد ذكره وقصته في مواضع أخرى، وتتحدث قصة نوح ببساطة أنه أرسل إلى قوم كانوا يعبدون الأصنام، بغاية نصحهم وإرشادهم ومحاولة إعادتهم إلى طريق الهداية والحق، عبادة إله واحد لا شريك له، وهو دأب كل الأنبياء الذين أرسلهم الله إلى شعوبهم وفق القرآن، فكلهم كان حاله حال محمد وقومه، و هذا يشير إلى أن مؤلف القرآن، صور الشعوب والحضارات الأخرى على صورة قومه الذين كانوا يعبدون الأصنام، وأن محمدا جاء لهدايتهم إلى طريق الصواب، وعدم الشرك بالله، لأن الشعوب الأخرى كانت مشركة بالله وتعبد الأصنام، ومؤلف القرآن أراد تطبيق الصورة النمطية التي عاشها على كل الشعوب والأمم الأخرى البائدة، وهذا سلاح له أكثر من فائدة، الأولى أنها تكذب الكثير مما جاء في العهد القديم، وتشكل دعما لفكرة تحريف التوراة التي يتبناها محمد، والثانية هي تخويف وإرعاب المحيطين به عبر ذكر العذاب الذي كان يحل بتلك الأقوام، لعل الخوف يسيطر على الناس فيتبعون محمدا الذي يقدم نفسه على أنه يتبع سنن الأنبياء الأولين.
تقول الآيات في سورة الأعراف من (59-64): لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم**قال الملأ من قومه إنا لنراك في ضلال مبين**قال يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول رب العالمين**أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم و أعلم من الله مالا تعلمون**أوعجبتم إن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ولتتقوا لعلكم ترحمون**فكذبوه وأنجيناه والذين معه في الفلك وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوما عمين).
بقراءة عقلانية بسيطة للآيات السابقة، نفهم أن نوحا أرسل إلى قومه ليعيدهم إلى الطريق القويم وهو عبادة الله، من خلال قوله (يا قوم اعبدوا الله)، أي أن قومه كانوا يعبدون غير الله، أو على اقل تقدير يشركون مع الله إلها آخر، وكما هو معتاد في سير أنبياء القرآن، كذب قومه به، فأماتهم الله بالغرق في الطوفان، ونجى نوحا وقومه بالسفينة.
وفق تفسير ابن كثير، عن ابن عباس، يزيد على ما قلته أنا بجزئية أن هناك قوما صالحين ماتوا، فبنى قومهم عليهم (مساجد) وتماثيل يصورون بها هؤلاء الصالحين، فلما تمادى الزمان، عبدوا هؤلاء من دون الله وهم ود وسواع ويغوث ويعوق (سنراهم فيما بعد في سورة نوح)، وأن القوم ردوا أنهم يرون نوح على ضلالة إذ أراد أن يحولهم عما رأوا عليه آبائهم...الخ، وباقي تفسير ابن كثير لا يضيف شيئا ذا قيمة عما قلته.
أما القرطبي والطبري، فيرون (بالمختصر) في إجابة قوم نوح أن قول نوح ودعوته قومه لعبادة إله واحد هو انحراف وميلان عن دين الحق، وهذا واضح بشكل جيد في آيات القرآن، وبنظرة شاملة، نرى أن قوم نوح وفق الرواية القرآنية، يرون أن عبادة الأصنام كانت شيئا متجذرا وعميقا في نفوسهم، ولم تكن بدعة جديدة ابتدعها اباؤهم فقط، لأن هذا التشبث بالفكرة لا بد وأنه يعود لأجدادهم وأجداد أجدادهم أيضا.
وقد ورد ذكر نوح أيضا في سورة هود، الآيات (25-49): ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه إني لكم نذير مبين**أن لا تعبدوا إلا الله، إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم**فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين**قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وأتاني رحمة من عنده فعميت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون**ويا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله وما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقوا ربهم ولكني أراكم قوما تجهلون**و يا قوم من ينصرني من الله إن طردتهم أفلا تذكرون** ولا أقول لكم عندي خزائن الأرض ولا أعلم الغيب ولا أقول إني ملك ولا أقول للذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم الله خيرا الله أعلم بما في أنفسهم إني إذا لمن الظالمين**قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين** قال إنما يأتيكم به الله إن شاء وما أنتم بمعجزين** ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم وإليه ترجعون**أم يقولون افتراه قل إن افتريته فعلي إجرامي وأنا بريء مما تجرمون**و أوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون**واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون**و يصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون**فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويجل عليه عذاب مقيم**حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين و أهلك إلا من سبق عليه القول ومن أمن وما آمن معه إلا قليل**وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم**وهي تجري بهم في موج كالجبال ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني اركب معنا و لا تكن من الكافرين**قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين**وقيل يا أرض ابلعي ماءك و يا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين**ونادى نوح ربه فقال رب ان ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين**قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين**قال رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم و إلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين**قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى امم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب اليم**تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت و لا قومك من قبل فاصبر إن العاقبة للمتقين**
القراءة البسيطة للآيات، أن الله أرسل نوحا إلى قومه لينذرهم ويعيدهم إلى الصواب، كي يعودوا إلى عبادة الله الواحد، فقالوا له إنا نراك مثلنا بشريا، وليس لديك أشياء إضافية أو ميزات فأنت بشر مثلنا ولست نبيا أو مرسلا، في إشارة إلى استنكارهم أن يكون الرسول أو النذير من البشر، وأن الذين اتبعوك منا لا قيمة اجتماعية لهم ولا مكانة. ثم يقول بأنه لن يطرد الذين آمنوا به، وكأنما هناك طلبا من القوم بأن يطردهم، وهذا لم يذكر في الآيات السابقة، ولا نعرف سبب هذا القول وهذا الطلب، فهل أمروه بطردهم كي يعودوا إلى معتقدات قومهم؟ أم كي يؤمنوا هم به، ولا يليق بهم أن يكونوا سواسية مع أراذل القوم؟، وهذا ما يتضح نوعا ما في الآية التالية، عندما قال لهم أنه لا يقول لمن يرونهم صغار القوم أن الله لن يؤتيهم خيرا، ثم ردوا عليه بأنك أطلت في الجدال فهات لنا العذاب الذي تعدنا، وبعدها أوحى الله إلى نوح أنه لن يؤمن أحد آخر، فاصنع السفينة، وبدأ بصنعها، وكان قومه يمرون به ويسخرون منه، ثم فار التنور وهطل المطر بغزارة، وحدث الطوفان، وبقي ابنه خارج السفينة...الخ، ثم قال الله لنوح اهبط من السفينة إلى الأرض بسلام منا (أي من الله) وعلى أمم معك، وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم، وأن هذا من علم الغيب الذي أخبر الله به نوح، وأن هذه المعلومات الغيبية لا يعلمها إلا الله، طبعا وهذا التفسير المختصر، يتفق عليه المفسرون المعتمدون من المسلمين والهيئات الاسلامية في المعنى والمغزى.
أما سورة نوح، التي تذكر قصة نوح في الآيات (1-28): إنا أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم**قال يا قوم إني لكم نذير مبين**أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون**يغفر لكم ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون**قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا**فلم يزدهم دعائي إلا فرارا**وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا اصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا**ثم إني دعوتهم جهارا**ثم إني أعلنت لهم وأسررت اسرارا**فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا**يرسل عليكم السماء مدرارا**ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا**مالكم لا ترجون لله وقارا**وقد خلقكم أطوارا**ألم تروا كيف خلق سبع سماوات طباقا**وجعل القمر فيها نورا وجعل الشمس سراجا**والله أنبتكم من الأرض نباتا**ثم يعيدكم فيها ويخرجكم اخراجا**والله جعل لكم الأرض بساطا**لتسلكوا منها سبلا فجاجا**قال نوح رب إنهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا**ومكروا مكرا كبارا**وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا**وقد أضلوا كثيرا ولا تزد الظالمين إلا ضلالا**مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا**وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا**إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا**رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تبارا**
هنا أيضا وباختصار نرى أن نوحا أرسل من الله إلى قومه ليهديهم إلى عبادة الله الوحد، والابتعاد عن الشرك به وعبادة آلهة غيره أو معه، ويعدهم إن أطاعوه بنعيم الدنيا وعذاب الآخرة، ثم يقول من ضمن محاججته لقومه، ألم تروا كيف أن الله خلق سبع سماوات والقمر والشمس للإنارة، وبسط الأرض لكم، وأنبتكم من الأرض...الخ، لكن قومه لم يجيبوه، وأوصوا بعضهم بألا يذروا آلهتهم التي يعبدونها، ولا يذروا أيضا ود وسواع وينسر ويغوث...الخ، ثم دعا عليهم نوح، ودعا الله ألا يبقي أحدا منهم كي لا يضلوا الآخرين... إلى آخر السورة.
تفسير ابن كثير يتفق مع ما قلته انا في المجمل والمعنى ، باستثناء تفصيل في الآية التي تذكر يعوق وسواع ويغوث وهؤلاء وسأنقله لكم من تفسير ابن كثير: وَهَذِهِ أَسْمَاء أَصْنَامهمْ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا مِنْ دُون اللَّه قَالَ الْبُخَارِيّ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم حَدَّثَنَا هِشَام عَنْ اِبْن جُرَيْج وَقَالَ عَطَاء عَنْ اِبْن عَبَّاس صَارَتْ الْأَوْثَان الَّتِي كَانَتْ فِي قَوْم نُوح فِي الْعَرَب بَعْد : أَمَّا وَدّ فَكَانَتْ لِكَلْبٍ بِدُومَة الْجَنْدَل وَأَمَّا سُوَاع فَكَانَتْ لِهُذَيْل وَأَمَّا يَغُوث فَكَانَتْ لِمُرَادٍ ثُمَّ لِبَنِي غُطَيْف بِالْجُرْفِ عِنْد سَبَأ أَمَّا يَعُوق فَكَانَتْ لِهَمْدَان وَأَمَّا نَسْر فَكَانَتْ لِحِمْيَر لِآلِ ذِي كَلَاعٍ وَهِيَ أَسْمَاء رِجَال صَالِحِينَ مِنْ قَوْم نُوح عَلَيْهِ السَّلَام فَلَمَّا هَلَكُوا أَوْحَى الشَّيْطَان إِلَى قَوْمهمْ أَنْ اِنْصِبُوا إِلَى مَجَالِسهمْ الَّتِي كَانُوا يَجْلِسُونَ فِيهَا أَنْصَابًا وَسَمُّوهَا بِأَسْمَائِهِمْ فَفَعَلُوا فَلَمْ تُعْبَد حَتَّى إِذَا هَلَكَ أُولَئِكَ وَنُسِخَ الْعِلْم عُبِدَتْ وَكَذَا رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَة وَالضَّحَّاك وَقَتَادَة وَابْن إِسْحَاق نَحْو هَذَا وَقَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس كَانَتْ هَذِهِ أَصْنَام تُعْبَد فِي زَمَن نُوح وَقَالَ اِبْن جَرِير حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد حَدَّثَنَا مِهْرَان عَنْ سُفْيَان عَنْ مُوسَى عَنْ مُحَمَّد بْن قَيْس " وَيَغُوث وَيَعُوق وَنَسْرًا " قَالَ كَانُوا قَوْمًا صَالِحِينَ بَيْن آدَم وَنُوح وَكَانَ لَهُمْ أَتْبَاع يَقْتَدُونَ بِهِمْ فَلَمَّا مَاتُوا قَالَ أَصْحَابهمْ الَّذِينَ كَانُوا يَقْتَدُونَ بِهِمْ لَوْ صَوَّرْنَاهُمْ كَانَ أَشْوَق لَنَا إِلَى الْعِبَادَة إِذَا ذَكَرْنَاهُمْ فَصَوَّرُوهُمْ فَلَمَّا مَاتُوا وَجَاءَ آخَرُونَ دَبَّ إِلَيْهِمْ إِبْلِيس فَقَالَ إِنَّمَا كَانُوا يَعْبُدُونَهُمْ وَبِهِمْ يَسْقُونَ الْمَطَر فَعَبَدُوهُمْ وَرَوَى الْحَافِظ اِبْن عَسَاكِر فِي تَرْجَمَة شِيث عَلَيْهِ السَّلَام مِنْ طَرِيق إِسْحَاق بْن بُسْر قَالَ أَخْبَرَنِي جُوَيْبِر وَمُقَاتِل عَنْ الضَّحَّاك عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ : وُلِدَ لِآدَم عَلَيْهِ السَّلَام أَرْبَعُونَ وَلَدًا عِشْرُونَ غُلَامًا وَعِشْرُونَ جَارِيَة فَكَانَ مِمَّنْ عَاشَ مِنْهُمْ هَابِيل وَقَابِيل وَصَالِح وَعَبْد الرَّحْمَن الَّذِي سَمَّاهُ عَبْد الْحَارِث وَوَدّ وَكَانَ وَدّ يُقَال لَهُ شِيث وَيُقَال لَهُ هِبَة اللَّه وَكَانَ إِخْوَته قَدْ سَوَّدُوهُ وَوُلِدَ لَهُ سُوَاع وَيَغُوث وَيَعُوق وَنَسْر وَقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرو الدَّوْرِيّ حَدَّثَنِي أَبُو إِسْمَاعِيل الْمُؤَدِّب عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُسْلِم بْن هُرْمُز عَنْ أَبِي حَرْزَةَ عَنْ عُرْوَة بْن الزُّبَيْر قَالَ : اِشْتَكَى آدَم عَلَيْهِ السَّلَام وَعِنْده بَنُوهُ وَدّ وَيَغُوث وَيَعُوق وَسُوَاع وَنَسْر قَالَ وَكَانَ وَدّ أَكْبَرهمْ وَأَبَرّهمْ بِهِ وَقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مَنْصُور حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن مُوسَى حَدَّثَنَا يَعْقُوب عَنْ أَبِي الْمُطَهِّر قَالَ ذَكَرُوا عِنْد أَبِي جَعْفَر وَهُوَ قَائِم يُصَلِّي يَزِيد بْن الْمُهَلَّب قَالَ فَلَمَّا اِنْفَتَلَ مِنْ صَلَاته قَالَ ذَكَرْتُمْ يَزِيد بْن الْمُهَلَّب أَمَا إِنَّهُ قُتِلَ فِي أَوَّل أَرْض عُبِدَ فِيهَا غَيْر اللَّه قَالَ ثُمَّ ذَكَرُوا رَجُلًا مُسْلِمًا وَكَانَ مُحَبَّبًا فِي قَوْمه فَلَمَّا مَاتَ اِعْتَكَفُوا حَوْل قَبْره فِي أَرْض بَابِل وَجَزِعُوا عَلَيْهِ فَلَمَّا رَأَى إِبْلِيس جَزَعهمْ عَلَيْهِ تَشَبَّهَ فِي صُورَة إِنْسَان ثُمَّ قَالَ إِنِّي أَرَى جَزَعكُمْ عَلَى هَذَا الرَّجُل فَهَلْ لَكُمْ أَنْ أُصَوِّر لَكُمْ مِثْله فَيَكُون فِي نَادِيكُمْ فَتَذْكُرُونَهُ ؟ قَالُوا نَعَمْ فَصَوَّرَ لَهُمْ مِثْله قَالَ وَوَضَعُوهُ فِي نَادِيهمْ وَجَعَلُوا يَذْكُرُونَهُ فَلَمَّا رَأَى مَا بِهِمْ مِنْ ذِكْره قَالَ هَلْ لَكُمْ أَنْ أَجْعَل فِي مَنْزِل كُلّ رَجُل مِنْكُمْ تِمْثَالًا مِثْله فَيَكُون لَهُ فِي بَيْته فَتَذْكُرُونَهُ ؟ قَالُوا نَعَمْ . قَالَ فَمَثَّلَ لِكُلِّ أَهْل بَيْت تِمْثَالًا مِثْله فَأَقْبَلُوا فَجَعَلُوا يَذْكُرُونَهُ بِهِ قَالَ وَأَدْرَكَ أَبْنَاؤُهُمْ فَجَعَلُوا يَرَوْنَ مَا يَصْنَعُونَ بِهِ قَالَ وَتَنَاسَلُوا وَدَرَسَ أَمْر ذِكْرهمْ إِيَّاهُ حَتَّى اِتَّخَذُوهُ إِلَهًا يَعْبُدُونَهُ مِنْ دُون اللَّه أَوْلَاد أَوْلَادهمْ فَكَانَ أَوَّل مَا عُبِدَ مِنْ دُون اللَّه وَدّ الصَّنَم الَّذِي سَمَّوْهُ وَدًّا .
وقد اتفق المفسرون كالبغوي والقرطبي والطبري مع ابن كثير في هذه الروايات، وجميعهم قالوا اما بكون هذه الأسماء هي اصنام كانت تعبد في زمن نوح، أو أن هؤلاء قوم من بني آدم وكانوا صالحين، ثم ماتوا وبنيت عليهم مساجد وتماثيل تخلدهم، أو ابليس قام بصنع تماثيل لهم لإغواء الناس بعبادتهم...الخ
النقد والتساؤل والتناقض:
نوح هو أحد أحفاد ادريس أو أخنوخ كما ذكرنا، والذي يعود إلى شيت ابن آدم، ومن المعلوم أن آدم عاش حوالى ألف سنة كما يقول المؤرخون المسلمون، الذين يعتمدون في معظم رواياتهم (مثل الطبري في تاريخ الأمم والملوك) على ما جاء في التوراة، عن أعمار الأنبياء، والروايات الموجودة في هذا الخصوص لا تعطي فرقا كبيرا في الأعمار بين ألف سنة مثلا أو تسعمئة و ستين، أو تسعمئة وثلاثين كما ورد في التوراة.
يذكر المؤرخون المسلمون أن نوح من نسل متوشالح، وهم يوردون روايات توافق التوراة، وأخرى تزيد عليها أو تخالفها، وهنا سأذكر نسب نوح وفق التوراة: هو نوح بن لامك بن متوشالح بن أخنوخ بن يارد بن مهللئيل بن قينان بن أنوش بن شيت بن آدم، وإذا قمنا بإجراء حسبة بسيطة، مع اعتبار أن خلق آدم هو السنة رقم صفر، وبأنا تأريخ الأحداث منذ خلق آدم سنجد التالي:
- آدم خلق في السنة صفر، ومات في السنة 930
- أخنوخ ولد سنة 667 من خلق آدم ومات سنة 1032
- متوشالح ولد سنة 732 من خلق آدم ومات سنة 1701
- لامك ولد سنة 919 من خلق آدم ومات سنة 1696
- نوح ولد سنة 1101 من خلق آدم ومات سنة 2051
- ولد لنوح سام وحام و يافث سنة 1601 من خلق آدم
- حدث الطوفان سنة 1701 من خلق آدم أي بعد ولادة أبناء نوح بمئة عام
نجد من هذه الحسابات، أن لامك أبو نوح، قد ولد قبل وفاة آدم، أي أن أقدم شخص عاصر آدم من سلالة نوح هو والده، و بما أن نوح أرسله الله لقومه وفق القرآن، لينهاهم عن عبادة الأصنام، فلا بد أنه أرسله إلى أخوته وأعمامه على الأقل، فالقرآن لم يذكر لنا عصاة من أبنائه سوى واحد، و امرأته أيضا، وإن كان نوح نبيا فمن غير المعقول أن يكون كل أبناءه عصاة ومشركين، بالنتيجة أرسل نوح إلى أعمامه وأخواله وأخوته على أقل تقدير، ويمكن أن نقول لأجداده أيضا نتيجة الأعمار الطويلة التي كانوا يعيشونها، والسؤال المهم هنا، من أين جاء اخوته وأعمامه وأخواله و أجداده بفكرة عبادة الأوثان؟؟ إن كان جده هو متوشالح ابن أخنوخ النبي، أو أخنوخ نفسه النبي؟ وحتى أبوه وجده وأبو جده وكل أولئك، وذريتهم عاصروا آدم الذي كان في الجنة في السماء مع الله، ولديه من الأدلة والبراهين على الله ووجوده و وحدانيته ما لا يملكه أي بشر بعده، وذرية آدم بعده التي عاصرت آدم وحواء وعاشت معهما، ولا بد أنهم سمعوا من آدم وحواء عما حدث بينهم وبين الله في السماء، من أين أتوا بفكرة الأصنام ليعبدوها؟ اذا افترضنا جدلا أنهم ابتعدوا عن عبادة الله وطاعة أوامره، فمن الذي جاء بفكرة الأصنام لهم، ومن هم آبائهم الذين كانوا يعبدون الأصنام كما قال ابن كثير في تفسيره للآية رقم60 في سورة الأعراف؟
القرآن يذكر أن قوم نوح كانوا يعبدون الأصنام، وكما بينت سابقا أن أبا نوح قد ولد وعاش حوالى 11 عاما بوجود آدم، فكيف لأبناء وأحفاد من كان مع الله في السماء أن يضلوا ضلالا عتيدا عميقا عظيما كهذا، وأما سواع ويغوث ويعوق وود ونسر، فإن كانوا أصناما تعبد، من هو الذي صنعهم؟ وكيف سمح أخنوخ الذي هو ادريس عندما كان نبيا ببقائهم؟ وإن كانوا قد وجدوا بعد أخنوخ، فهل يعقل لقوم أبناء نبي أن يضعوا أصناما في هذه الفترة القصيرة التي كانت فيها نبوة ورسالة؟ أما غذا كان هؤلاء قوما صالحين كما أورد بعض المفسرين، وأن الناس أقاموا على قبورهم مساجد، ثم أقاموا تماثيل تخلدهم، أو قام ابليس بإغوائهم عبر صنع تمثال أو تماثيل لهم لعبادتهم، فلماذا لم يذكر القرآن شيئا عن هؤلاء القوم الصالحين، ولماذا لم يذكر التاريخ هؤلاء القوم طالما أنهم من نسل آدم، وإن كان فعلا قد تم عمل تماثيل لهم من ابليس أو من الناس، فهل يجوز عقلا أن يتوه الناس عن الطريق السليم، ويتحولوا لعبادة هذه التماثيل ذاك الوقت، خصوصا أنه لم يكن هناك فارق زمني بينهم وبين آبائهم وأجدادهم كي نقول مثلا أن متوشالح أو أخنوخ قد مات ، وقدم تم تزييف الأخبار عنهم ونقل عنهم أشياء غير موجودة، فأقله كما بينا، أن متوشالح عاش مئتي سنة قبل أن يتوفى آدم، فأين الخلل في هذا النسق التاريخي الذي يجعل من توهان الناس وتحولهم لعبادة الأصنام شيئا شبه مستحيل، وحتى الإغواء الفجائي لهم بواسطة إبليس غير مقبولة لأن هذا غير مذكور في القرآن أولا، ومعظم ما ذكره المفسرون كان عن ابن عباس ثانيا، وثالثا هو تصوير القرآن لحياة البشر آنذاك، بأن الكل ضال وكافر أو مشرك، باستثناء شخص اختاره الله ليكون نبيا ومنذرا لكل هؤلاء الضالين.
على النقيض من ذلك، في سورة نوح، نرى أن نوحا يحاج قومه بأنهم أم يروا كيف خلق الله السماوات السبع، وكيف جعل القمر والشمس للإنارة، وكيف بسط الأرض...الخ، وهو بذلك إن كان يحاججهم بشيء هم متيقنون منه، فهذا قمة الغباء و الاستغباء للقارئ، فهم إن كانوا فعلا يعرفون الله وقدرته وخلقه وصنيعته، فلا مبرر لهم أبدا أن يعبدوا الأصنام التي لا تنفع ولا تضر، أما إن كانوا لا يعرفون الله الذي يتحدث عنه نوح، فمحاججته لهم باطلة، لأنه يحاججهم بشيء لا يعرفونه، ولم يقدم لهم دليلا عليه.
وإذا نظرنا إلى نهاية قوم نوح، سنجد أن الله أغرقهم بالطوفان، و أهلك بيوتهم وممتلكاتهم وأرزاقهم، وعذبهم في الدنيا و أماتهم، ولهم في الآخرة أيضا عذاب، وهذا يدل على إله ظالم لا يكتفي بالعذاب الدنيوي، بل لديهم عذاب أبدي في الآخرة كونهم كافرون ومشركون بالله، وهذا ليس من العدل في شيء.
وكجزئية أخيرة بسيطة، في الآية الثامنة والأربعين من سورة هود، نجد أن الله يحدث نوحا بأن من أمته أو من نسله إذا أردنا التوسع، قوم سيمتعهم الله لفترة، ثم سيعذبهم عذابا أليما، و من غير المعقول أن يعذب الله أحدا بلا سبب، فلا بد أن عذابهم سيكون بسبب كفر أو شرك لأن العذاب سيكون أليما، وهنا توجه طعنة إلى من يقولون بتخيير وتسيير الانسان من المسلمين، فالله منذ أن أمر نوحا بالهبوط من السفينة، أخبره بأن قوما من أمته سيعذبون، وبالتالي هو قبل خلقهم يعرف نهايتهم الوخيمة، وبدون أي شك هو يعرف السبب الذي سيؤدي بهم إلى هذه النهاية طالما أنه يعلم النهاية نفسها، فهو إما أن يكون من صنع السبب والنتيجة الوخيمة، وإما أن يكون غير قادر على تغييرهما وهما واقعان لا محالة، والبقية عندكم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الخطا الذي وقعت به
ابو ازهر الشامي ( 2018 / 10 / 8 - 12:53 )
المقدس في الاسلام هو فقط القران وصحيح الحديث وحسنه
وكلام العلماء ليس الا كلاما بشريا يصيب ويخطئ
وهنا انت تاخذ راي الطبري وتجعله دينا
راي الطبري راي شخصي لا يصل الى صفة العصمة او القدسية وبناء اي شبهة عليه ستسقط لاننا سننفي كلامه ونقول انه اخطا
ولو بحثت في القران وصحيح الحديث حسنه لن تجد دليلا واحدا على عمر ادم او نوح !!!!!!!!!!!!!!!!


2 - السيد أبو زاهر الشامي
حكمت حمزة ( 2018 / 10 / 8 - 15:46 )
اولا انا ملحد، ولا أؤمن بصحة ما ذكرت كي لا تتعب نفسك
ثانيا، أنا أعرف ما تقصد، فلست حديث العهد بنقاش المسلمين، الصحيح عن العلماء والمؤرخين هو ما يخدم قضيتكم، ويثبت صحتها كما تظنون، أما الخاطئ عندهم فهو ما يفضح عورات دينكم.
ثالثا، ما ذكرته في مقالتي اتفق عليه معظم المفسرون.
رابعا القرآن ذكر أن نوحا لبث فس قومه ألف سنة إلا خمسين عاما، ومهما كان التفسير الملتوي الذي ستأتي به، عليك أن تأتي بدليل عليه، بالإضافة إلى أنه يجب عليك الإتيان بدليل على أن نوحا هو الوحيد الذي بلغ هذا العمر بين سابقيه ولاحقيه.
خامسا، اخبرني اذا، من هو آدم، كم عمره، ومن هو نوح، وكم عمره، وما هي صلته بآدم، كم جدا بين نوح وآدم، انا انقل عن مصادركم، إن كان لديك غير هذا الكلام فآتني به وبدليله، اما اذا كان يكفيك ان هناك نبي اسمه نوح دعا قومه ثم بنا سفينة وانتهى، فهذا لا يكفيني، أنتم تؤمنون بالقرآن والصحيح والحسن من الأحاديث، ولكن الشيء الوحيد الذي لا تؤمنون به هو العقل، لذلك تأتون بتفاسير خارج النص كله فقط للترقيع
تحياتي


3 - طول بالك استاذ حمزه
ابو ازهر الشامي ( 2018 / 10 / 9 - 15:21 )
1 ومن قال انك لست ملحد او طلب منك ان تؤمن بالقران والاحاديث
2 لم اقصد ذلك
وانما قصدت ضرورة فصل نص القران والاحاديث الصحيحة عن كلام المفسرين والعلماء ولَم اقل ما يعجبنا صحيح وما لا يعجبنا ليس صحيحا
من وين جبتها
3 وهل اتفاق المفسرين معناه انه صواب
4 لم انفي ان نوح دعا قومه 950 عاما
5
ومن اين اتينا بتفاسير خارج النص للترفيع !!!
وما فائدة صلة القرابة بين آدم ونوح او عمر آدم
فالفكرة ليس عمر آدم وانما القصة والباقي فلسفة فارغة


4 - السيد أبو زاهر الشامي
حكمت حمزة ( 2018 / 10 / 9 - 16:53 )
هل وجود نوح وسرد قصته هكذا هو كافي لكي نصدق ونقتنع؟؟
كيف أتأكد أن مؤلف القرآن لم يسرق القصة مثلا من ملحمة جلجامش؟
طبعا نريد النسب والمعرفة، فهذا نبي، وليس شخصا عاديا حدثت معه قصة عادية، بالإضافة إلى ادعاؤكم دقة وصحة وصدق القرآن، ولا يأتيه الباطل من بين يديه، فهلا أوجدت لنا تفاصيل الشخصية المدعوة نوح قبل أن تضيف أي تفصيل آخر
صلة نوح بآدم تهمنا لنعرف من هو نوح وابن من، لأن هذه التفاصيل تسقط الكثير، وتصيب القرآن وكاتبه في مقتل
هات ردك بالأدلة المقنعة، ومرحبا بك سيدي الكريم
تحياتي

اخر الافلام

.. حكاية -المسجد الأم- الذي بناه مسلمون ومسيحيون عرب


.. مأزق العقل العربي الراهن




.. #shorts - 80- Al-baqarah


.. #shorts -72- Al-baqarah




.. #shorts - 74- Al-baqarah