الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من تاريخ النضال النقابي الفلسطيني: في الذكرى ال ٧١ لاستشهاد النقابي الفلسطيني سامي طه الحمران

جهاد عقل
(Jhad Akel)

2018 / 10 / 13
الحركة العمالية والنقابية


من تاريخ النضال النقابي الفلسطيني: في الذكرى ال ٧١ لاستشهاد النقابي الفلسطيني سامي طه الحمران (١٩١١-١١/٩/١٩٤٧)


البداية: نادي عمال سكة الحديد العرب
واجه العُمّال العرب الفلسطينيين العديد من العراقيل في بدايات نشاطهم لتأسيس نقابات مهنية من قبل الإنتداب (الإحتلال) البريطاني وحلفائه في الحركة الصهيونية، وفي هذا المجال خاضوا معارك متواصلة بقيادة الشيوعيين من أجل وضع أسس التنظيم النقابي الفلسطيني - العربي، خاصة في ظل النهضة الصناعية والبنى التحتية والمعسكرات التي نتجت عن الإنتداب البريطاني، قدوم قوى عاملة الى فلسطين من سوريا ولبنان ومصر وغيرها.
وضمن هذا النضال قام العمال العرب في سكة الحديد وفي مقدمتهم الشيوعيون بتأسيس "نادي عُمّال سكة الحديد العرب" في مدينة حيفا، حيث قاموا بذلك في البداية بشكل سري ضمن إتصالات بينهم حتى أن "تقدموا بطلب ترخيص نادٍ يحمل إسم نادي عُمّال سكة الحديد العرب،إستجيب لطلبهم في مطلع ١٩٢٣".(١)
وكان من بين المؤسسين لهذا الـ"نادي" عبد الحميد حيمور، سعيد وقاص، عيد سليم حيمور والحاج حسين نصّار ومصطفى محمديّه وكامل ياسين.


النقابي سامي طه
وُلِد سامي طه الحمران في قرية عرابة قضاء جنين عام ١٩١١ "درس حتى الصف الرابع الإبتدائي في المدرسة الرسمية في قريته ولم يتمكن من متابعة تحصيله العلمي بسبب الأوضاع المادية التي كان يعيشها والده، والذي إنتقل الى حيفا بحثاً عن العمل، حيث توفي وتركه مع والدته يعيشان في غرفة متواضعه في أحد أحياء حيفا"(٢).

واصل النُشطاء من بين العمال في نادي عمال السكة الحديد العرب وخارجه مشوارهم لتأسيس حركة نقابية تُمَثِلهم،وبعد القيام بالتحضيرات لهذه الخطوة بشكل رسمي (لأن نشاطهم النقابي بين العمال كان قائماً خاصة من قبل الرفاق الشيوعيين وغيرهم)، فقرروا التقدم بطلب رسمي في نهاية العام ١٩٢٣ لتأسيس "جمعية العمال العربية الفلسطينية"، ومقرها الرئيسي مدينة حيفا ولها حق تأسيس فروع لها في المدن الفلسطينية الأخرى وأرفقوا بطلبهم المبادئ الأساسيه..." للجمعيه (٣) معتمدين بهذا التسجيل على "قانون الجمعيات العُثماني والذي يُجيز لعدد من الأشخاص لا يقل عن سبعة بأن يؤلفوا فيما بينهم جمعية يحددون أهدافها"(٤) وتقدموا بالطلب بواسطة المحامي محمود الماضي.
تؤكد مختلف المصادر أن قيادة نقابة "الهستدروت" وبدعم من الإنتداب حاولت منع منح موافقه لهذا الطلب، لكن إصرار أعضاء الهيئة التأسيسية على تحقيق الاعتراف بالجمعية والحصول على موافقة لطلبهم أتى ثمارة بعد حوالي سنة ونصف السنة من تقديم طلبهم أي يوم ٢١/٣/١٩٢٥.
لن نخوض في مختلف مراحل نشاط الجمعية، لأن موضوعنا بالأساس هو النقابي الشهيد سامي طه حمران، لكن لا بد من الإشارة الى ما أشار اليه النقابي أحمد اليماني في كتابه بقوله: "مرت الحركة العمالية العربية في فلسطين بعد قيام جمعية العمال العربية الفلسطينية في ٢١/٣/١٩٢٥ بمراحل ثلاث"(٥) وهي: مرحلة البناء والتثقيف، مرحلة الإضراب العام والثورة الكُبرى ومرحلة الوثبة العمالية وانتصاراتها.


سامي طه الفتى
بعد تلقي الاعتراف الرسمي بالجمعية قامت الهيئة التأسيسية بفتح مكتب لها في مدينة حيفا، وبما أنّ أعضاء الجمعية غير متفرغين للعمل في المكتب قرروا تعيين موظف يقوم بفتح المكتب والدوام فيه وإستقبال العمال وضمهم لصفوف الجمعية،وصدف بأن مصطفى محمدية وهو أحد المؤسسين للجمعية ولنادي عمال السكك الحديدية العرب، كان قد تَعَرّف على الفتى سامي طه ووالدته بِحُكم الجيرة وأن هذا الفتى بحاجة لعمل من أجل إعالة العائلة بعد وفاة والده، إقترح أن يكون هو الموظف بمكتب الجمعية "وحددت له مهامه وساعات دوامه...بأجر مقداره ثمانية قروش يومياً "(٦).
تُفيد مختلف المصادر أن سامي طه لم يَكُن مجرد موظف في مكتب الجمعية، بل قام باستغلال جُلّ أوقات فراغه لتثقيف نفسه بالقراءه والتعليم،" عن طريق المطالعة المُستمرّة ودرس اللغة الانكليزية مستعيناً ببعض صغار الموظفين الذين كانوا يترددون على الجمعية ومن خلال ابن أحد الأطباء الذي كان جاراً له ويعطف عليه،ويُقَدِّر كَدَّه،وحُسن أخلاقه وإحترامه لوالدته(٧).
لم تقتصر مطالعة سامي طه على اللغتين العربية والانكليزية للتمكن منهما، بل قام أيضاً بتثقيف نفسه في المجال النقابي و"عكف على دراسة الأوضاع العُمّالية وقوانينها وظروفها، وأصبح موضع تقدير قيادة الجمعية "، مما يؤكد أنه أحب عمله وإرتبط بالقضية الطبقية والعمل النقابي، ويُشير النقابي أحمد اليماني في كتابه بأن قيادة الجمعية ومن خلال تقديرها لإجتهاده، ودعماً له ولعائلته، إقترحوا عليه وظيفه في أحد المؤسسات بأجر أعلى وشروط أفضل، لكنه رفض ذلك الإقتراح بغضب "لدرجة أنه لم يرد على محدثه."

مع مرور الوقت إنخرط سامي طه في العمل النقابي بالجمعية وقام بتنظيم وحل قضايا العمال وتوقيع اتفاقيات عمل في العديد من أماكن العمل مثل المحاجر في منطقة حيفا، ومن أشهر هذه القضايا قضية تنظيم عمال النظافة في بلدية حيفا، حيث باشر بتنظيم عامل ومن ثم عامل حتى تنظم أكثرية العمال في الجمعية وعندما لم يتلق جواب من رئيس البلدية على رساله بعث بها بخصوص تحسين شروط واجور العمال والإعتراف بتنظيمهم النقابي، تقرر مع قيادة الجمعية ولجنة العمال الاضراب.
مما دفع برئيس البلدية ومدير قسم التنظيفات الى الموافقه على مطالب العمال وتوقيع اتفاقية مع الجمعية بهذا الخصوص."وبعد هذا الإنتصار الذي حققه قسم التنظيفات، توافد عمال أقسام الهندسه والبستنه والإنشاءات في البلدية الى الجمعية وانتسبوا لها وإعترفت البلدية لاحقاً بالتنظيم النقابي لعموم عمال بلدية حيفا"(٨).
وبذلك إنطلق النقابي سامي طه بنشاطه وبالإمكان القول أنه أول نقابي فلسطيني محترف للعمل النقابي ويقول المرحوم النقابي الصحفي عاطف سعد عن هذه المرحلة :" تعاون سامي طه وتحالف مع الشيوعيين في مرحلة بناء وتوطيد الحركة النقابية الفلسطينية "(٩).
وتأكيداً لذلك ففي كراس المؤتمر الأول للجمعية (مؤتمر العمال العرب الأول عقد في حيفا في ١١كانون الثاني ١٩٣٠) الذي إنتخبت فيه قيادة نقابية وطنية وكان أحد البارزين فيها النقابي الشيوعي محمد علي قليلات والرفيق رضوان الحلو، كان للنقابي سامي طه دور هام في التحضير لهذا المؤتمر، وهنا لا بد من الإشارة الى الخطأ الذي وقع فيه الباحث وجيه العيسىفي بحثه والذي نشره في العام ٢٠٠٦ تحت عنوان "حرية التنظيم النقابي في فلسطين" عندما كتب حرفياً "وخلال كل تلك الفترة ١٩٢٥-١٩٤٧ لم تجري أية إنتخابات للنقابات العمالية وكانت التعيينات هي سيد الموقفوبالتالي فإن التقاليد الديمقراطية لم تكن سائدة في العمل النقابي مما سيكون له الأثر لاحقاً على أساليب العمل."(١٠).
هذا الإستنتاج غير دقيق، فعند مطالعتي للكراس الذي أصدرته اللجنه المركزية لجمعية العمال العربية الفلسطينية بخصوص مؤتمرها الاول في ١١ كانون الثاني ١٩٣٠ والمداولات والانتخاب يؤكد غير ذلك تماماً.



سامي طه أمين سر الجمعية ثم الأمين العام

تعرضت القيادة النقابية للحركة النقابية الفلسطينية الى حملة إعتقالات من قبل سلطات الاحتلال البريطاني وذلك في فترة ثورة الشهيد عز الدين القسام وما بعدها، ومنهم النقابي سامي طه ورفاقه من النقابيين الشيوعيين والوطنيين، مما أدى الى توقف انعقاد المؤتمرات للجمعية حيث عادت للانعقاد مع مطلع الاربعينيات من القرن الماضي، خلالها شغل الشهيد سامي طه منصب أمين سر جمعية العمال العربية الفلسطينية ومن ثم رئيساً لها، وبدأ النقابي سامي طه يتجه نحو الخط الإصلاحي في سياسته والتقرب من حزب العمال البريطاني، على حد تأكيد الرفاق الشيوعيين في الجمعية مما أدى الى تأسيسهم "مؤتمر العمال العرب".

وعندما قررت الجمعية في مؤتمرها الثالث ايام ١٨-٢١ آب سنة ١٩٤٧ تأسيس حزب عمالي سياسي واصدار صحيفة عمالية وغيره من القرارا ت المتعلقة بالحركة الصهيونية والاحتلال البريطاني "ما أن انتهت أعمال المؤتمر، ونشرت قراراته، حتى بدأت الهيئة العربية العليا لفلسطين، بشن حملة على جمعية العمال العربية الفلسطينية، ومركزة الهجوم على الأمين العام سامي طه متخذة من جريدة (الوحدة) لسان حال الحزب العربي ميداناً لهذا الهجوم متهمة الحركة العمالية وجمعية العمال العربية الفلسطينية بالإنحراف والخروج عن الميثاق الوطني الفلسطيني"(١١).

برأيي موقف الهيئة العربية العليا المعلن هذا، والتراشق الكلامي بالتهم من على صفحات الجرائد وغيرها ما بين الهيئة والجمعية، لا يعني أن الطرف الصهيوني والإحتلالي البريطاني وقفا موقف المتفرج فقط، بل كان لهما دور في إذكاء نار التفسخ وتبادل التهم، ولن ندخل هنا بكامل التفاصيل في هذا المقال.



إغتيال النقابي سامي طه
"بينما كان المرحوم سامي طه...متجهاً نحو بيته في شارع صلاح الدين في حي الحليصه في عمارة الحاج خليل طه... حيث أَطلقت عليه يد الجاني عدة رصاصات كانت كافية لمصرعه أمام منزله، وكان عائداً لتوه هو والقائد العمالي عبد الحميد حيمور من عيادة النقابي المناضل نصري الحلو الذي كان مريضاً (١٣). حدث ذلك الإغتيال للشهيد سامي طه حمران في مساء يوم الخميس ١١ أيلول ١٩٤٧، وجرى تشييع جثمانه من بيته في شارع صلاح الدينبحي الحليصة بمدينة حيفا الى ضريحه في مقبرة بلد الشيخ (مقبرة القسّام) شرقي حيفا، اليوم يقع الضريح تحت جسر لشارع قامت ببناءه دائرة الاشغال العامة بالتعاون مع بلدية نيشر (بلد الشيخ) .

عندما قام المجرم بإطلاق رصاص الغدر على النقابي سامي طه كانت زوجته حامل بإبنه الذي حمل إسمه فيما بعد، وكانت فترة خطوبته قبل زواجه قد إستمرت مدة سبع سنوات.
على ما يبدو إن معاناة الحركة النقابية الفلسطينية بإغتيال النقابي سامي طه بعملية "نفذها مغتال مأجور بواسطة مسدسه" تتلاقى مع مصير المناضل النقابي الوطني التونسي فرحات حشاد مؤسس الاتحاد العام التونسي للشغل عام ١٩٤٦، حيث قام باغتياله عميل للمخابرات الفرنسية يوم ٥/١٢/١٩٥٢، كلاهما كانا في أوج العطاء والشباب، وبالرغم من أنّ النقابي أحمد اليماني يكاد يجزم، في كتابه بأنّ "إسم الجاني الذي أطلق الرصاصات الغادرة على المرحوم الشهيد سامي طه وهو فعلاً من الأجهزه المحسوبة على القيادة السياسية الفلسطينية في ذلك الوقت"(١٤)، برأيي تبقى العديد من الأسئله مطروحة أمامنا ولا جواب قاطع عليها.
وهي:
اذا تردد الاسم لماذا لم تجر محاكمته؟
اذا كانت هويته معروفه فأين كانت أجهزة الإنتداب البريطاني؟
والسؤال الأخير الذي نطرحه كم من أجير لجهات غير عربية قام بتنفيذ اغتيال أو جريمة ضد قيادات عربية، ولم يكشف عنه بسبب حرص "المُستأجر" على منع نشر وثائقه السريّه والى الأبد؟؟





المصادر:

1) أحمد اليماني- جمعية العمال العربية الفلسطينية بحيفا -دار كنعان للنشر دمشق ١٩٩٣ (صفحه ٣٣)
2) ن.م (ص ١٧٧)
3) ن.م (ص٣٣)
4) ن.م (ص ٣٣)
5) ن.م(ص٤٧)
6) ن.م (ص٤٨)
7) ن.م(ص١٧٨)
8) ن.م(ص١٨٠)
9) الصحفي النقابي عاطف سعد، في ذكرى إغتيال سامي طه، وكالة وطن للأنباء ١٢.٩.٢٠١٣
10) وجيه العيسى – حرية التنظيم النقابي في فلسطين، صدر ٢٠٠٦
11) اليماني (ص١٥٢)
12) فاضل حمران- شخصية فلسطينية عمالية في الذاكرة، دنيا الوطن ١.٥.٢٠٠٨
13) اليماني (ص١٨٥)
14) ن.م (١٨٨)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صدامات بين طلبة والشرطة الإيطالية احتجاجا على اتفاقيات تعاون


.. التوحد مش وصمة عاملوا ولادنا بشكل طبيعى وتفهموا حالتهم .. رس




.. الشرطة الأميركية تحتجز عددا من الموظفين بشركة -غوغل- بعد تظا


.. اعتصام موظفين بشركة -غوغل- احتجاجا على دعمها لإسرائيل




.. مظاهرات للأطباء في كينيا بعد إضراب دخل أسبوعه الخامس