الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عام مسارات

سعد سلوم

2006 / 4 / 6
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


1
في هذه الازمنة الراجفة: أزمنة الخوف، أزمنة التصارع والتناحر والدمار، أزمنة السؤال عن ماهيتنا ومن نكون، أزمنة البحث عن الدائم والانعتاق من لعنة المؤقت، ولدت مسارات. ومنذ يومها الاول، بل وقبل عام على تأسيسها، عندما كانت شعورا يعبّر عن حاجة، وحاجة تتطلع للوصول الى مرتبة الفكرة، وفكرة تتوسل بالامل لكي تصبح فعلا ينشد الهدف. لم تكن مساراتنا مترددة في زمن الحيرة. لا سيما وإننا نكتب من داخل كوة النار، وسط رماد انهيار الماضي وفوضى ولادة المستقبل.
في التاسع من نيسان من العام الماضي ولد العدد الاول من مسارات. آملاً بمستقبل منفتح وإبداع منتج مؤثر ومتفاعل مع محيطه. وبدأ تحطيم القفل الاول في سلسلة اقفال الثقافة العراقية. وفي أعدادها اللاحقة انتقلت مساراتنا الى انضاج اطار عام ينمو فيه افق للتلاقي في سبيل التأسيس لما هو دائم.
وفي التاسع من نيسان من هذا العام نحتفل بعام مسارات الاول. عام لم تخرج فيه دعوتها عن الاخلاص لوحدة وتماسك المسارات العراقية المتنوعة. عام انتهى بحيرة مسارات: أتلبس فيه السواد أم البياض وهي تتأمل زمن المحن والشرور يؤسس للانهيار في بلد برج بابل، الرمز البشري الاعظم للوحدة والبناء عبر التاريخ ؟
شاركوا عام مسارات في تأسيس ما هو دائم، ولنمض لبناء برج بابل.

2
تواصل “مسارات” سعيها، وقد أنجزت عامها الأول، في إضاءة موقعها في الثقافة العراقية، نافذةً مؤثرةً يمكنها عبر وعي دورها وإدراك ممكناتها التطلع إلى تجديد قيم الفكر والثقافة في حياتنا بوصفها اللحظة الأصعب في بناء الإنسان وقد تنازعته رياح التخلف والخراب، لتكون “مسارات”، في مثل هذا الدأب، جملةً عراقيةً نابضةً في مهرجان الكلام، سمتها أنها جعلت من قولها فعلاً، ومن رغبتها تحققاً، ومن أملها مشاركة حرّة للخروج من الوقت الحرام، حيث لغة القتل أعلى من لغة العقل ومواثيق الليل أبلغ من مواثيق النهار. إنها، بذلك، تعلن إيمانها بقدرة الثقافة على أداء دورها تحت مختلف الظروف، فالثقافة أرض تتسع باتساعها حياة الإنسان، وتنحسر بانحسارها فسحة أمله في التحرر والنهوض، مثلما توثّق، بما تحقق في عامها الأول، طموحها في الإسهام في إعادة إعمار الروح وقد أُريد لها أن تغيب في كهوف ما قبل الدولة حبيسة الإرادات الظلامية والمصالح الضيّقة، لتواصل، في عامها الجديد، تعبيرها عن رهان الثقافة العراقية في الخروج عن سلطة المؤسسة وسطوة معاييرها لاقتراح أفق يملك المثقف فيه أن يقول كلمته ويحدد إتجاهه، فالمسارات، وحدها، بتعددها وتباينها واختلاف متجهاتها تملك أن تؤكد الحوار أرضا خصبة لبناء العقل وصناعة الإنسان.

3
هل يمكن أن نخرج بشكل جديد في عامنا الثاني؟
الأحلام التي خضناها منذ ما يقارب العشرة أعوام كانت مخاضاً طويلا لأمل طالما راودنا بإصدار مجلة خاصة بنا، أقصد خاصة بالثقافة العراقية بعيداً عن توجيهات المؤسسة الثقافية ومحدداتها... من هذا المبدأ وهذا الأمل بدأت أحلامنا تتأسس بشكل واقعي بعد الحرب الأخيرة على العراق، زدنا السنوات العشر السابقة بعام آخر، استمر التخطيط خلاله حتى استطعنا ان نبدأ بتنفيذ (هيد) المجلة بيد فلاح حسن الخطاط لنبدأ الطريق.
وابتداءً من الحرف الأول حتى هذا العدد -الخامس- شارك أكثر المثقفين والكتاب العراقيين بإكمال حروف المجلة حتى استطاعت الوصول إلى سنتها الثانية... لا بد لنا في بداية عام جديد أن نشكر العقل العراقي والقلم الذي خط أول كلمة في تاريخ الإنسانية وما زال مستمراً حتى تكتمل مساراتنا العراقية من أجل وضع مانشيتات واضحة لها.

4
عام مضى... عام مسارات التي فتحت لنا أفقا للحياة، ومسارات أخرى ضاقت وتضيق. ستكون لنا على الدوام فرصة تأمل الخطوة بما تحقق لها وما لم يتحقق، وتهيئة عتبتها للخطوة القادمة، قائلين:
بين أصدقائها استحق مشروعها دفقا من الإصرار على إعمار بيتها والنهوض به صلبا طموحا، فيما تواشجت تحت ظلالها ومع رحابتها الصميمة باقة من شراكة محبة مسؤولة، كانت تؤازرها بإدراك ناجز يقي اخضرار البيت مخالب الظلمة والعطب.
وعلى الرغم من قطار المرارات الصاعد سيلا احمر على سكة قلبها العراقي، تصر “مسارات” على خيارها في انتشال كائنها المنشود من هوة الأزمان الضارة المستخفة بالإنسان وبقدسية حياته الحرة.
لذلك وسواه، لا بد أن الشغف العقلي والتسويغ الأخلاقي سيتواصلان في إنتاج حضور إبداعي لكلمتها السديدة، كلمة نبيلة لها أن تتمظهر بصيغ شتى ضمن مشهد ثقافي فسيح تؤطره رؤية منفتحة تحاول - فيما تحاول- إزالة الغبار عن الجسد العراقي حتى وان اصطدمت خطاها بما لا يمكن توصيفه وإحصاؤه من صور العجز والعبث والفوضى والموت المجاني.
في سعيها، بين ما هو كائن وما ينبغي أن يكون، ثمة مسافة لازبة تحتمل ضروبا من الجدل والتأويل والطموح. ولبلوغ “مساراتنا” أعتاب التفرد والتأثير كان الوعي المحايث ساعيا لتخطي الاكتفاء بذاته، محاولا بروح الكلمات وحدها استيعاب الواقع العصي ومحاورته، تفكيكه أو مجاوزته، بما يشتمل عليه من ثقافات تضاد وممارسات إكراه وقوى عنف وتجهيل.
لكن محض التفكير بالهوة الحياتية الراهنة، التي ما انفكت تتسع بين حال وحال، يقتضي منا جميعا مواصلة البحث عن مسارات ومسارات أخرى؛ جميلة، محاورة... تردم الهوة الموحشة بثقة راسخة وهي تؤسس لنفسها طريقا جديدا للفهم والتسامح والتقدم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تكتل- الجزائر وتونس وليبيا.. من المستفيد الأكبر؟ | المسائي


.. مصائد تحاكي رائحة الإنسان، تعقيم البعوض أو تعديل جيناته..بعض




.. الاستعدادات على قدم وساق لاستقبال الألعاب الأولمبية في فرنسا


.. إسرائيل تعلن عزمها على اجتياح رفح.. ما الهدف؟ • فرانس 24




.. وضع كارثي في غزة ومناشدات دولية لثني إسرائيل عن اجتياح رفح