الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لمحة سريعة عن الازمة الوزارية في السويد

خالد صبيح

2018 / 10 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


بات من الممكن اعتبار ان التحالف البرجوازي في السويد قد اعلن نهايته بصورة شبه رسمية مع نهاية المهلة الزمنية المتاحة ( اسبوعان) لزعيم حزب المحافظين (اولف كريسترسون) ليؤلف فيها حكومته (البرجوازية)، حيث اعلن رسميا أمس عدم تمكنه من تشكيل الحكومة. لقد دار اثناء مداولات التكليف، وقبله وحوله، نقاش وتجاذب في الاراء والمواقف داخل التحالف والساحة السياسية عموما حول ممكنات تشكيل هذه الحكومة انتهى باقرار ( كريسترسون) بعجزه عن تشكيلها.

كان حزب المحافظين ومؤيده المتحمس، المسيحيين الديمقراطيين، يعولان على تشكيل هذه الحكومة لتعينهما على ترميم وضعهما الداخلي، فالحزبان يعيشان مأزق تعارضات واسعة وحادة داخل دائرتهما الحزبية والانتخابية تتمحور حول ضرورة وامكانية التعاون والانفتاح على حزب ديمقراطيي السويد ذي الخلفية العنصرية والنازية، لكنهما، وكما يبدو، لم يدركا ان فشل تشكيل الحكومة البرجوازية هو نوع من الانقاذ لهما، فلو كانت هذه الحكومة قد تشكلت وفق السيناريوهات، سواء المعلنة او المضمرة، التي رسمها الحزبان لتشكيلها، وهي كلها كانت تدفع باتجاه التعاون مع العنصريين، لكانت قد فاقمت من ازمتهما الداخلية اكثر و اكثر، لان ما كانوا يعلنونه من رغبة في التعاون ويزينونه بمساحيق ادعاءات متهافتة، كذريعة متطلبات الحياة الديمقراطية في الحوار مع الجميع وغيرها، كان سيكون، حين يطبق في الواقع وهو خال من مسحة التجميل المزيفة، فضائحيا لحد لايمكن لقطاع واسع من قاعدتيهما الحزبية والانتخابية على قبوله، وستكون النتيجة هي انفضاض كثير من مؤيديهم وداعميهم بسبب الاعتراض على هذا التعاون، وسيرافق هؤلاء بانسحابهم، وهذه مفارقة، اصحاب دعوة التقارب مع العنصريين، لان هؤلاء سيعتبرون ان التحالف البرجوازي لم يتبنى بشكل كاف طروحات وسياسات ديمقراطيي السويد، وسيمنحون تاييدهم واصواتهم، بما انهم اصحاب عقلية عنصرية كامنة، للحزب الاصلي، ويتركون المقلدين.

إن مسك العصا من الوسط الذي مارسه المحافظون والمسيحييون الديمقراطيون اثناء الانتخابات وبعدها ما كان يمكن ان يؤدي بهما الى نجاحات ميدانية. بمعنى ان هذين الحزبين سيضطران لأجل ارضاء الاهواء والتوجهات المتعارضة داخل جزبيهما الى لعبة توازن بهلوانية ستفضي بهما الى العجز عن ارضاء اي من الطرفين المتنازعين، كما ان الحالة السياسية العامة في البلد لا تحتمل مثل هذه المساومات والالاعيب فيما الوضع يتطلب وقفة جدية وواضحة ازاء التحديات التي يطرحها الوضع الجديد بعد صعود تيار عنصري نازي ينذر بجر المجتمع الى مآلات اقل ماتوصف به أنها لا تتناسب مع ما عرف به المجتمع السويدي من انفتاح وتسامح.

لكن، وقبل ان يسلم بالامر الواقع، حاول (كريسترسون)، بعد فشله في جمع احزاب التحالف البرجوازي في حكومة مشتركة، ان يشكل حكومة من حزبه وحده ((19%) من الاصوات) تنفذ برنامج التحالف البرجوازي وتحظى بتاييده، وهي محاولة ملتوية لإدخال ديمقراطيي السويد من الباب الخلفي، كخطوة اولية، ليلتحقوا بالتحالف والمشاركة بالحكومة والقرارات السياسية، تبدا بتاييدهم لتشكيل الحكومة، دون اتفاق مسبق على أمل أن يوضع الجميع لاحقا أمام الأمر الواقع ويقبلون باشراك الحزب النازي بالسلطة. لكن اصرار حزبا الوسط والليبراليين على عدم التعاون مع هذا الحزب، وكذلك اصرار ديمقراطيي السويد انفسهم على وجوب عقد اتفاقات واضحة ومسبقة معهم كي يمنحوا الحكومة دعمهم، وهو ما لايمكن ان يغامر به (كريسترسون) بمفرده، قد حالا دون نجاح هذه المحاولة. وانتهى الامر بتسليم (كريتسرسون) بالامر الواقع و اعلن فشله. وبهذا انتهت حظوظ التحالف البرجوازي بتشكيل الحكومة، وتلاشت معها آمال ديمقراطيي السويد بالنفاذ الى الحياة السياسية والتأثير في قرارات الحكومة.

هناك الان خيار اخر هو دعوة زعيم الاشتراكي الديمقراطي، النقابي وعامل الخراطة السابق، (ستيفان لوفين)، لتشكيل الحكومة من جديد. وتبدو حظوظ مهمة تشكيل هذه الحكومة اوفر من سابقتها بعدما لمّحت زعيمة حزب الوسط، (آنه ليف) الى انها على استعداد للمشاركة في حكومة اشتراكية، وسيلتحق بها على الاغلب الليبراليون، وهذا على العكس من موقفها السابق المعارض للمشاركة مع الحزب الاشتراكي في أي حكومة، وهو موقف يهيأ لي انها تبنته من اجل تاكيد التزامها بالحفاظ على وحدة التحالف البرجوازي، ولتبعد عنها ملامة انها التي تسببت في تفكيك هذا التحالف. لكن بعد فشل التحالف بتشكيل الحكومة باتت الطريق سالكة امامها لتعلن موقفها المغاير.

وموقف (آنه ليف) ليس مفاجئا ولا مستغربا، فمنذ مدة طويلة وهناك غزل شبه متواصل بين الحزب الاشتراكي وحزب الوسط. فالحزب الاشتراكي كان دائم الشعور أن حزب الوسط هو الاقرب من بين احزاب التحالف اليميني الى امكانية التعاون معه، وقد هدد ذات مرة (يوران بيرشون) رئيس الوزراء الاشتراكي، (1996ـ2006) حزب اليسار بوقف التعاون معه وقبول حزب الوسط بديلا عنه.

غير ان قبول حزب الوسط بالمشاركة مع الحزب الاشتراكي في حكومة واحدة له شروط من بينها اقصاء حزب اليسار الذي تستشعر قوى اليمين جميعها قلقا من وجوده قريبا من الحكومة، ولا يستبعد أن يضحي الاشتراكي الديمقراطي بحليفه القديم من اجل النجاح في تشكيل الحكومة، ومن اجل اعادة ترتيب التحالفات في الساحة السياسية والحزبية السويدية، التي باتت امرا لا يمكن تجاوزه، بنمط جديد لتوزع القوى غير الذي بنيت عليه على مدى عقود طويلة.

لكن الاستعداد لتخطي حزب اليسار والعمل وفق تركيب جديد للتحالفات عابر للكتل ليس امرا فرضته الظروف المستجدة على الساحة السويدية فقط، بل هو محصلة عملية لعقود من تراجع قوى اليسار وتصاعد تيارات اليمين المحافظ في معظم بلدان اوربا، بعد هجمة العولمة بنمطها النيوليبرالي، اي امركة العالم، حيث انزاحت تحت تاثير هذا الضغط كثير من احزاب الديمقراطية الاشتراكية نحو اليمين، ولا عجب في هذا، فالعالم كله يتجه نحو اليمين، فالاشتراكي الديمقراطي السويدي في عهد (اولوف بالمة) ليس هو الاشتراكي في عهد (بيرشون). مع ان سياسة الاشتراكي وخطابه في عهد وحكومة (لوفين)، والحق يقال، أخذت منحىً يساريا بينا.

والآن، في حال نجاح (لوفين) في تشكيل حكومة من التركيب الجديد العابر للكتل السياسية سيبرز الى السطح صراع نوعي على مَن مِن أطراف التحالف الجديد سوف يستطيع سحب سياسة الحكومة وبرنامجها باتجاه برامجه وخططه، وهي برامج وخطط متعارضة بين الفريقين في كثير من الميادين حد التناقض.

وعلى العموم ستفتح التطورات الجديدة الساحة على احتمالات جديدة متعددة من اشكال الصراع وأسبابه، ولا تبدو، بتقديري، أن حظوظ اليمين كبيرة للفوز بهذا الصراع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الوساطة القطرية في ملف غزة.. هل أصبحت غير مرحب بها؟ | المسائ


.. إسرائيل تستعد لإرسال قوات إلى مدينة رفح لاجتياحها




.. مصر.. شهادات جامعية للبيع عبر منصات التواصل • فرانس 24


.. بعد 200 يوم من الحرب.. إسرائيل تكثف ضرباتها على غزة وتستعد ل




.. المفوض العام للأونروا: أكثر من 160 من مقار الوكالة بقطاع غزة