الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المسار اللولبي (الحلزوني) للإمبريالية الأمريكية: دورةٌ للتهدئة واخرى للحرب

محمد عبد الشفيع عيسى

2018 / 10 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


تعتبر نظرية "الاستعمار" Colonialism من بين أهم النظريات المفسرة للعلاقات الدولية فى العصر الحديث، حتى إن لم تكن "نظرية" بالمعنى الفلسفى الدقيق، وإنما بالأحرى "نظرة" توجيهية أو اتجاه نظرى نافذ . ومنها نبعت نظريات متعددة ربما أشهرها نظرية "الإمبريالية" التى بلورها لينين فى كتابه الشهير (الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية). و لمّا كان لينين قد استند فى بلورة نظريته عن الإمبريالية إلى مفهوم "رأس المال المالى" وخاصة عند "هلفردنج" و ومفهوم "الامبريالية" عند "هوبسون"، فقد حق لآخرين لاحقين ، أن يتتبعوا تطور الرأسمالية ليظهر التوجه نحو "ما بعد الاستعمار"، و مفهوم "المركز والمحيط"، وكذلك "نظرية التبعية" وغيرها .
ويمكن التعبير عن التوجه الأساسى "للنظرية الأم" حول الاستعمار، فى أن تفاوت مستويات التطور داخل المنظومة العالمية الرأسمالية يولد نزوعاً متأصلاً إلى الهيمنة أو السيطرة من قبل القوى الأكثر تقدماً تجاه القوى والبلدان الأدنى تطوراً من حيث مستوى التقدم الاقتصادي والتكنولوجي ومن حيث طبيعة هياكل الإنتاج. تلك الهيمنة تختلف أشكالها، ولكنها عموما تتمثل فى السيطرة التامة لبعض الدول الرأسمالية المتقدمة على مناطق وبلدان اعتبرت من وجهة نظر المقارنة التاريخية متأخرة فمتخلفة ثم (نامية)، وتقع فى القارات الثلاثة لإفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية . وقد تغيرت مواقع الدول الممارسة للاستعمار و السياسة الاستعمارية عبر العصر الحديث : فقد بدأ الأمر بأسبانيا ( وإلى حد ما البرتغال) فى القرنين السادس عشر والسابع عشر لتصل إلى الذروة في القرن الثامن عشر ويتجلّى انحدارها مع حروب الاستقلال لبلدان أمريكا الجنوبية والوسطى في الربع الأول من القرن التاسع عشر ثم الحرب الأسبانية-الأمريكية عام 1898 ، و هولندا ( وخاصة في شبه القارة الهندية و جنوب شرق آسيا فيما يمثل إندونيسيا الآن وغيرهما) و إلى حد ما بلجيكا( كما في القارة الإفريقية - حوض نهر الكونغو). ثم انتقل زمام قيادة تيار الهيمنة الاستعمارية بصورة تدريجية إلى الثنائى (بريطانيا وفرنسا) خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر مع منازعة نسبية من طرف ألمانيا بعد 1870 لاسيما عبر مؤتمر برلين عام 1884والذي قسم مناطق السيطرة الاستعمارية، إلى حين، و دشّن ما يسمى بالتكالب نحو إفريقيا. وكان أن بزغ نجم الولايات المتحدة الأمريكية رويدا خلال القرن العشرين لتتولى، في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية(1945) مهمة قيادة المنظومة العالمية للرأسمالية باتجاه الهيمنة . وفى المقابل كان هناك الاتحاد السوفيتى، الذى يستحق تتبع نهجه فى العمل الداخلي والتعامل الدولى معالجة خاصة فى مقام آخر .
ويلاحظ فيما يتعلق بنظام الهيمنة الأمريكى، أو الإمبريالية فى نسختها الأمريكية، أن السياسة "الاستعمارية" الأمريكية ، ينطبق عليها ، بمعنى معين ، مفهوم الدورات التعاقبية ، يجمع بينها استخدام القوة فى العلاقات الدولية كسبيل رئيسى لتحقيق أهداف السياسة الخارجية. وبيان ذلك أنه تكون هناك دورة تستخدم فيها القوة المسلحة (بدرجة أو أخرى) على أوسع نطاق ممكن، فيما يعرف بالحرب، ضمن سياق "الحروب المحدودة" خلال حقبة "الحرب الباردة" 1945-1991. تلي ذلك، دورة أخرى للتهدئة، مختلفة عما سبق، و تستخدم فيها الأشكال المتنوعة للقوة تطبيقاً لنظرية التهديد والردع بما فى ذلك "القوة المجسدة"، وربما "المسلحة" فى نطاقات ضيقة نسبياً، فيما يعرف بالتدخل العسكرى المحدود. وغالبا ما كانت "دورة التهدئة" من نصيب "الحزب الديمقراطى"، و "دورة الحرب" من نصيب "الحزب الجمهورى".
فى الدورة الأولى ذات الاستخدام الموسع للقوة المسلحة، يكون شن الحرب –بدون إعلان رسمي غالبا-الخيار الأبرز؛ حرب يسقط فيها الضحايا إلى حدود قد تصل فيها الأعداد المعدودة ليس إلى الآحاد أو العشرات المفردة فقط، أو المئات، ولكن إلى الآلاف وربما عشرات الآلاف أو مئات الآلاف، بين قتيل وجريح، فى هذه القارة أو تلك من بين القارات الثلاثة (إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية).
وأما فى الدورة الثانية –"دورة التهدئة النسبية"- فتكون أشكال التدخل المتنوعة أكثر ظهوراً، دون استبعاد وقوع تدخلات عسكرية انتقائية، أو ضربات موجعة محدودة المدى الزمني والنطاق المكاني، ولكن بغير انخراط فى "حرب" بالمعنى التقني الشائع، سواء بمعيار اتساع الرقعة الميدانية للقتال، أم الاستمرارية الزمنية، وكثافة العمليات، وأعداد الضحايا المحتملين، بين مقتول ومصاب.
فكرة "الدورات فى السياسة الأمريكية هذه، كان قد تنبّه إليها الدكتور فؤاد زكريا منذ مدة ، و قد وجدنا فيها فائدة تحليلية ثمينة، حيث تقترب من الواقع إلى حد كبير. و تطبيقاً لفكرة الدورات هذه، تنزيلا على الفترات الرئاسية الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية، يمكن أن نجد مايلى، على سبيل المثال :
فقد تولى الرئيس هارى ترومان (2 أبريل 1945- 20 يناير 1953) مهمة إسقاط القنبلة الذرية على هيروشيما ونجازاكى في اليابان عام 1945 عند نهايات الحرب ، رغم إعلان اليابان الاستسلام، أعقبه دوايت أيزنهاور (20 يناير 1953-20 يناير 1961) الذى وقف ضد العدوان الثلاثى (البريطانى الفرنسى الإسرائيلى) على مصر عام 1956، تدشينا لعصر القوة الأمريكية البازغة وإيذانا بغروب عصر الهيمنة البريطانية-الفرنسية ، أو ما يسمى بالاستعمار التقليدى أو القديم، وذلك في ظل ما يسمّى "مبدأ أيزنهاور" وتطبيقاته الإقليمية وفى مقدمتها (ملء الفراغ فى الشرق الأوسط) .

فى أواخر عهد "أيزنهاور" بدأ التدخل العسكرى الأمريكى فى فيتنام (1959) لتستمر الحرب (حرب فيتنام) بعد ذلك أريعة عشر سنة ، حيث بدأت هيّنة متدرجة غير معلومة آفاقها فى ظل ولاية الرئيس جون كيندى (20 يناير 1961-22 نوفمبر 1963) ثم تصاعدت فى ظل ليندون جونسون الذى تولى مع اغتيال كيندى و حتى 22 يناير 1969. وخلال ولايته انتهت فترة التهدئة النسبية لأيزنهاور وكيندى وأطلّ استخدام القوة المسلحة بأقصى أشكالها وخاصة من خلال التصعيد المصاحب لحرب فيتنام ، و كذا مساندة إسرائيل، بأشكال مباشرة وغير مباشرة، فى عدوان يونيو – حزيران – 1967 على مصر وسوريا والأردن.

أتت فترة نيكسون (20يناير 1969-9 أغسطس 1974) لتمثل فترة تهدئة، نسبيّاً، من خلال تطبيق ما سمّي "مبدأ نيكسون" فى الاعتماد على الحلفاء والشركاء الإقليميين بدلا من التدخل المباشر، مع المضى فى تطوير سياسة (الوفاق) وبالأحرى (الانفراج) مع كل من الاتحادالسوفيتى والصين ، والعمل على إبرام تسوية سياسية لحرب فيتنام وبدء انسحاب القوات الأمريكية وإعلان وقف إطلاق النار عام 1973.
بعد إجبار نيكسون على الاستقالة فى 9 أغسطس 1974 إثر ما سمى بفضيحة "ووترجيت"، استكمل مدة ولايته الرئاسية الثانية جيرالد فورد (9أغسطس 1974-20 يناير 1977) لعامين ونصف العام تقريباً . ومن بعده جاء جيمى كارتر (20 يناير 1977-20 يناير 1981) ليمضي قدماً فى مسار التهدئة، فى محاولة لتضميد جراح حرب فيتنام الخشنة والناعمة، وكانت وساطته بين أنور السادات و إسرائيل عبر مسار"كامب ديفيد" (1978-1979) حتى عقد المعاهدة بين حكومتيْ مصر وإسرائيل. ولم يمنع مسار التهدئة من تجريب "التدخل العسكرى المحدود" فى محاولة للإفراج عن الرهائن من أسرى السفارة الأمريكية فى طهران، إثر قيام الثورة الإيرانية بقيادة "الخميني" عام 1979 .

ومن بعد كارتر يجىء رونالد ريجان (20 يناير 1981-20 يناير 1989) محمولاً على أجنحة الصقور من (المحافظين الجدد) خلال عقد الثمانينات ، حيث اتبع سياسة التهديد حتى حافة الهاوية عبر التدخل فى كل من "جرينادا " و "بناما" من (جمهوريات الموز) التابعة تقليدياً للولايات المتحدة فى أمريكا الوسطى . وكذا وقع التدخل بالأسطول الأمريكي السادس على سواحل بيروت إبان الحرب الأهلية اللبنانية ، حتى تم تفجير مقر مشاة البحرية ومقتل زهاء ثلاثمائة جندي أمريكي وفرنسي ( 23 أكتوبر-تشرين أول 1983). ولا ننسى التلاعب بمتغيرات الحرب العراقية/الإيرانية من 1981 إلى 1988 . أما أبرز (نجاحات) ريجان التدميرية فهى تصعيد سباق التسلح مع الاتحاد السوفيتى إلى ما سمى بالتأهب "لحرب النجوم" إلى جانب منظومة مواجهات ساخنة (غير باردة يعنى ...!) ضد الاتحاد السوفيتى فى معقل شركائه أو حلفائه فى أوروبا الشرقية (الاشتراكية) حتى تم انهيار الاتحاد السوفيتى نفسه بعد انتهاء ولايته بقليل فى مطالع 1991 .. كان ذلك فى ظل الولاية البادئة لجورج بوش (الأب) (20 يناير 1989-20 يناير 1993) الذى ما أن استكمل معركة إسقاط الاتحاد السوفيتى ، حتى قام إثر ذلك (أو أثناءه) بشّن ما سمى (حرب تحرير الكويت) مطلع عام 1991 .
وأعقبت (الكويت) محاولة – فاشلة نهاية الأمر – لتهدئة السطح الملتهب لمضاعفات
القضية الفلسطينية من خلال عقد مؤتمر مدريد فى سبتمبر 1991 وما صاحبه من دعوة زاعقة نحو (الشرق أوسطية) وخاصة من خلال ما سمى بمؤتمرات القمة الاقتصادية بين العرب وإسرائيل، حيث عقدت سلسلة من المؤتمرات حول ما سمّي "التعاون الاقتصادي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا". و انعقد المؤتمر الأول بالدار البيضاء-المغرب- في 30/10-1/11 عام1994، و الثاني في عمّان-الأردن في 29-31/10 1995، ثم الثالث بالقاهرة في أكتوبر 1996.
تحت شعار (إنه الاقتصاد يا غبىّ ) هُزم جورج بوش (الأب) فى الانتخابات الرئاسية ليعقبه الرئيس بيل كلينتون (مع نائبه والتر مانديل) متوليا دورتين رئاستين (20يناير 1993-20يناير 2001) وكانت هذه عموماً فترة التهدئة الأمريكية للتركيز على الداخل الاقتصادى –التكنولوجى، سعياِ إلى تطوير حمّى التنافس إلى حدّ اسقاط تحدى المنافسين الكبار فى كل من اليابان وأوربا ، ومن ثم تربع الولايات المتحدة على عرش التكنولوجيا العالية (هاي تلك) في مجالات متعددة من "المواد الجديدة" إلى "الطاقة الجديدة المتجددة" وفى القلب "تكنولوجيا المعلومات والاتصالات" ، وصولاً إلى التكنولوجيا الحيوية إلى حد تحقيق اختراقات مهمة قي مشروع (الخريطة الوراثية) –الجينوم البشري-عام 2000 ، كمشروع رئيسي بدأ عام 1980 واستكمل في 2003.
لقد مهدت التهدئة الكبرى والفعالة تنافسياً من الجانب الأمريكى إلى تنصيب "جورج دبليو بوش" (بوش الإبن) (20يناير 2001-20يناير 2009) ليكون ملكاً متوجاً للعنف والعنف المتطرف بالذات تجاه الأعداء بل و الأغيار عموماً أو بعضهم (ومن ليس معنا فهو ضدنا!) . وكانت حادثة تفجير مركز التجارة العالمى بواشنطن (28 سبتمبر 2001) مناسبة لانطلاق (المحافظين الجدد المجانين)New Conservatives Crazy نحو تطبيق نظرية شن (حربين فى وقت واحد) . وكان ما كان من شن حرب أفغانستان فى (ديسمبر 2001) التى ظلت نيرانها مشتعلة حتى الآن (!..) ثم "حرب" غزو العراق (مارس-إبريل 2003) التى ما زالت معقباتها ماثلة حتى اللحظة .

وكان لابد من التهدئة بعد الغليان ليجىء الرئيس باراك أوباما (20 يناير 2009 – 20 يناير 2017) ، ساعياً إلى خفض موجة التوتر، ويبدأ مساراً للانسحاب من أفغانستان والعراق، تحت مظلة السعى إلى نقل محور التركيز إلى شرق آسيا في محاولة لخفض التوترات الخارجية إلى أكبر حد ممكن . وفى ظل سياسة التهدئة التى انتهجتها إدارة أوباما ، وقعت سلسلة من الأحداث السياسية التىى كان لديبلوماسية التوافق، في إطار الأمم المتحدة، دور كبير فى إنجازها وخاصة عقد "اتفاقية باريس" حول المناخ بواسطة آلية "التراضي العام" –بدون تصويت-(21 ديسمبر-كانون أول 2015) و ما سمّي بالصفقة النووية مع إيران بالاتفاق مع القوى الدولية الفاعلة (5+1) (خطة العمل المشتركة الشاملة في يوليو-تموز-2015) بالإضافة إلى الانضمام إلى "اتفاق الشراكة عبر المحيط الهادى"(15 مارس-آذار-2013 )، و السعى إلى اتفاق شراكة مع أوربا (عبر الأطلنطى).
تطبيقاً لنظرية الدورات فى المسار اللولبى للإمبريالية الأمريكية ، كان لابد من أن يتلو مسار التهدئة مسار للتصعيد بالعنف حتى حافة الهاوية نحو (حروب) متعددة الأشكال. هذه هى المهمة التى وقعت على عاتق دونالد ترامب الذى تولى الرئاسة اعتباراً من 20 يناير 2017 ليمارس تطبيق "المهمة المقدسة" : أمريكا اولاً America First (وفى الحقيقة : أمريكا البيضاء أولاً) على حد تعبير البعض. وكان لابد لدونالد ترامب من تدشين عصر العنف– غير المجسد عسكرياً بالضرورة – من خلال إسقاط رموز التهدئة (الأوبامية) وخاصة اتفاقية باريس للمناخ ، والصفقة النووية الإيرانية، و اتفاق الشراكة عبر المحيط الهادى . ثم كان التهيؤ لخوض نوع من "الحرب التجارية" مع الحلفاء والشركاء، خاصة الصين وأوربا وروسيا وكل من تقع عليه عيناه من وجهة نظر التهديد المحتمل لمكانة الولايات المتحدة فى مقدمة الصفوف أو أعلاها .
يجىء دونالد ترامب محمولاً على أعناق نزعة ذات طابع عنصرى (أبيض) يقال لها (شعبوية) موجهة نحو الخارج ، لاستبدال سياسة التعاون المتكافىء نسبياً مع الشركاء والحلفاء ، ولو من خلال التنازلات المتبادلة، بسياسة ذات طابع هجومى مستهدفة غايات استراتيجية، أبرزها تثبيت المكانة الأمريكية، حيث هى بالذات فى الأمام وإلى الأعلى، وتحقيق أكبر منافع اقتصادية ممكنة ، وعلى الأقل : الحد من نزيف الخسائر التى كانت تتحملها أمريكا راضية عشرات السنين مقابل إنفاد سياسات الهيمنة. و كانت تتحقق فوائد اقتصادية جمة من وراء إنفاذ سياسات الهيمنة بوسائل عدة من بينها تسهيل فرض هيمنة الدولار على عرش العملات العالمية، كأداة لتسوية المبادلات الدولية و وسيط للمعاملات وكمخزن للقيمة، في نوع من "الإمبرياية النقدية" وفق تعبير البعض. يضاف إليه، جني الأرباح الاحتكارية القصوى للشركات الأمريكية عابرة الجنسيات من تسويق التكنولوجيا المتقدمة؛ بالإضافة إلى المساعدة على فرض أسعار "غير عادلة" للنفط والمواد الأولية ارتكاز إلى الوجود العسكري عند منابع النفط وفي مناطق النزاعات.
وفى الجوهر خلف هذا كله، إدراك شرائح النخبة الأمريكية الموالية لسياسات دونالد ترامب لخطورة تسارع مسيرة اضمحلال القوة الأمريكية عبر الزمن، و إن استشعار هذه الحقيقة التاريخية بحساسية زائدة، يدفع هذه الشرائح (الترامبية)، إن صح التعبير، إلى العمل بكل الوسائل المتاحة من أجل منع التدهور، أو تأجيله لأطول فترة ممكنة على الأقل؛ ولن يكون ذلك بغير اتباع الحكمة التقليدية (الهجوم خير وسائل الدفاع) . من هنا ينبع أصل محاولات الحرب التجارية، وحروب أخرى (غير ساخنة بالضرورة) مثل ما يظهر من معاودة التسلح الفضائى. وغير بعيد من ذلك تشديد الاعتماد على التوابع الموثوقين من أضراب إسرائيل وتايوان . ويدخل فى هذا ، العمل من أجل تصفية القضية الفلسطينية ، من أجل تفرغ إسرائيل ل (المهمة المقدسة) فى نطاقها الإقليمى: المساعدة على تثبيت المكانة الأمريكية، أو تأجيل تدهورها، ضمن علاقة تحالفية فريدة بين "الإمبريالية الكبرى" (أمريكا) و "الإمبريالية الصغرى" (إسرائيل).


دولة أم دولتان ..؟
قد نزعم في ضوء تحليلنا السابق أن في أمريكا دولة واحدة لا دولتان، أو أن النظام السياسي الأمريكي يحمل في طياته شريحتين متواكبتين، غير متناقضتين جوهريا، من النخبة السياسية المسيطرة . و قد يرى البعض، على عكس ذلك، أنه ثمة دولة مستترة للأمن القومي أو "حكومة خفية"، ودولة أخرى طافية على السطح أو "حكومة ظاهرة"، وأن الدولة الموازية المتخفية قد تتطابق حينا مع نظام الحكم او "الإدارة"، ولو بصفة نسبية، فيحدث التوافق بين الجانبين، كما حدث في عهد "أوباما" مثلا، وقد تتفارق أو تنازع "الإدارة" حينا آخر، كما يحدث الآن في إدارة "ترامب". ولكننا، على خلاف هذا، نزعم أنها دولة واحدة غير أنها بوجهين: تُظهر وجها أول في لحظة تاريخية معينة، بينما تخفي "الوجه الثاني" مؤقتا لتظهره في لحظة تاريخية أخرى، متلونة هكذا حسب مقتضيات الظرف الداخلي والخارجي في آنٍ معا.
وهكذا فإن ما قد يبدو أنها دولة للأمن القومي الأمريكي كامنة خلف إدارة ترامب الراهنة، مترصدة لها، و (تقلب لها ظهر المجنّ)، إن جدّ الجدّ، هي، فيما نرى، ليست في الحقيقة منفصلة- بما هي كذلك-عن الإدارة أو تناصبها العداوة بالضرورة، و إنما تغير لهجتها أو جلدها ولونها الظاهر فقط. والهدف الثابت أن تتكاتف فعليا الشريحة الطافية على السطح من النخبة الحاكمة مع الشريحة "الغاطسة"؛ ومن تكافلهما وتكاملهما الجدلي دوما، وإن اختلفا قليلا أو كثيرا، تتحقق المحافظة على (استقامة) العقل الاستراتيجي الإمبريالي للولايات المتحدة الأمريكية باتجاه الهيمنة على الصعيد العالمي؛ كما تتحقق وحدة "النظام السياسي الأمريكي" وقدرته على البقاء، إلى حين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين في معرض البندقية


.. الهجوم على رفح أم الرد على إيران.. ماذا ستفعل إسرائيل؟




.. قطر تعيد تقييم دورها كوسيط في المحادثات بين إسرائيل وحماس


.. إسرائيل تواصل قصف غزة -المدمرة- وتوقع المزيد من الضحايا




.. شريحة في دماغ مصاب بالشلل تمكّنه من التحكّم بهاتفه من خلال أ