الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


متعة الكتابة ولذة القراءة في نص ربيعة الفرشيشي :الحلم المشتهى

نائلة الشقراوي
إعلامية وباحثة في الحضارة والأدب العربي

(Naila Chakraoui)

2018 / 10 / 18
الادب والفن


لغة خاصة تجنح إليها ربيعة الفرشيشي حين تكتب القصة القصيرة ، كاتبة مثلها لابد لها من خصوصية تسحب القارئ وتغريه بالقراءة الشاعرية والتي يخرج بعدها وبه احساس ما أن بعضا من سطور النص أو كله قد اشبعت فكرا و حسا يطمح للإمتلاء ويرنو للتزود بما يمكن أن يحقق له لذة القراءة .لذة القراءة هي التي جعلها الناقد الفرنسي رولان بارت شرطا أساسيا في الحكم على قيمة النص أو كتابته خاصة إذا ربطنا متعة الكتابة بلذة القراءة .
فأين تكمن لذة القراءة في أقصوصة ربيعة الفرشيشي هذه ؟
التلذذ بالقراءة في نص ما واجهاته متعددة اذا لابد من أن يفي الكاتب بالتزاماته تجاه قارئه ،والالتزام يكون بمعرفة قواعد القص القصير فيكتب نصه المبني على الحكاية دون أن يكون شاغله الوحيد نقل الاحداث او روايتها ،وانما الحرص على سرد الأحداث بأسلوب جامع للتشويق والبلاغة والكثافة .التشويق ليس بالضرورة مرتبطا بالعقدة وانتظار القارئ لانفراجها فقد تجاوزت ربيعة الفرشيشي هذه القيمة حين عمدت الى جعل التشويق مستندا إلى اللغة وهنا تأتي ضرورة عنصري البلاغة والكثافة ،البلاغة في اختيار اللفظ عند القاصة في نصها لم تكن أبدا زخرف الكلام أو قوة المفردة وانما قدرتها على اختيار المفردة المناسبة لتحديد الانفعال في كل مرحلة من مراحل السرد، مفردات تجعل القارئ يتماهى مع الحالات الشعورية الكامنة بها ومنجذبا الى الهالات المنبعثة من روح النص .(حلم خاص ،،حكاية أخرى ،،لون خاص ،،) اما التكثيف فهو الإيجاز الموظف الذي تصل فيه المضامين بكلها دون الحاجة إلى الشرح والتفصيل . (اتلذذ رائحتها الظمأ،،...تتسرب اناملي الى صدره ...تمسح عليه ...تقتلع نباتاته،،
بالسجينين فيه ...روميو و جوليات ..)
ربيعة الفرشيشي في عودتها إلى ماض يمثل الاب أحد شخوصه أحيت الأب من جديد عبر تنشيط خلايا ذاكرتها بتفاصيل دقيقة ترسم من خلالها ملامح وشائج علاقة أبوية قد تبدو عادية عند الآخر لكن عندها وردت بمذاق مختلف يشبه روائح الطيب المنبعثة من رسائل خزنت بعناية بأحد الأدارج العتيقة ،او من ركوة قهوة تركية ذات ظهيرة يوم بارد ،لم تكن الكاتبة لتكتفي بالتصوير الظاهري للشوق والحنين لذاك الغائب وانما كانت تغوص بعمق في دهاليز الانفاعلات الشعورية في علاقتها بتفاصيل أخرى تخص علاقتها به كالمكان والأدوات والمتعلقات ،الشيء الذي جعل القارئ يجد في تلك التفاصيل واجهة أخرى للذة يقبل عليها دون أن يحتاج إلى مثير مشوق في الأحداث ،و الضمانة في هذا كانت اللغة ،اللغة المعتمدة على جمل قصيرة تفصل بينها نقاط مسترسلة كانت ضرورة نفسية وأداة كتابة محترفة تشد بها انتباه القارئ أكثر و رغم أن الكاتبة أرادتها متنفسا للنشيج برئتيها منذ بداية النص ،فإنها أيضا اختارت أن يتواصل بها نسق السرد دون أن تحتاج إلى أدوات ربط ،نقاط الاسترسال تلك تجعل من السرد شبيها بالنثر الذي يبتعد بنا عن السقوط في الملل والرتابة ويعطي ديناميكية للصور التي ترويها الكاتبة فتأتي حية وهي التي كان مقدرا لها بحكم انها تحكي الماضي أن تكون اقرب الى السكون،او ان تكون الأحداث مجرد رجع لصدى تحدثه رفات الجفون حين ينزل دمعها مع الذكرى أو كذاك الصوت المونطوني للمطر في ليل هادئ (كرجع صدى بعيد ...نقرات مطر الخريف ...تداعب نافذتي ...هذا الفجر ...رائع وانت في دفئك ...تجتر حلما... يأبى معانقتك ) المطر و دمع المآقي ورائحة الأرض أو الحلم المشتهى كلها عناصر يكتمل وجودها في صدر الأب و تحت برنسه ،هناك الأمان الذي تفتقده الكاتبة في واقعها الآن وتسعى إليه حلما تجسده الحواس ويهرب من خانة الذكرى الى نافذة الواقع .وبذلك تكون لغة ربيعة الفرشيشي قد فتحت بوابة الذكرى الجامدة الموعودة للظلام على مصاريع كبرى تختزلها شهوة الحلم حبا ،حياة و انتشاء ،والنشوة بالقصة رديف لما سبق ذكره عن شهوة الكتابة ومتعة القراءة ولعل حداثة الأسلوب في القص و الذي اعتمدته الكاتبة سببا في ذلك وذاك الأسلوب نفسه يعطينا إمكانية لجعل هذا النص بتغييرات طفيفة، قصيدة نثر متكاملة .
القصة :الحلم المشتهى

...كرجع صدى بعيد ...نقرات مطر الخريف ...تداعب نافذتي ...هذا الفجر ...رائع وانت في دفئك ...تجتر حلما... يأبى معانقتك ...حبات المطر ...تناديني ...تهتف بي ...فتحت النافذة ...مددت لها يدي ...ملأتها ماء ...لعقته باردا ...حد اليقين ...و أنا صغيرة ...كنت اهرع اليه ...بفنجان قهوته المزهرة ...اتلذذ رائحتها الظمأ ...انظر الى الصورة ...على الفنجان ..شابان ...يتفيئان ظل شجرة كبيرة ...احببت الصورة... والأقحوان يغطي الارض ...رغم رحيله المبكر ...مازلت احتفظ بفنجانه ...و بالسجينين فيه ...روميو و جوليات ...أمده الفنجان ...أندس في برنسه الداكن ...اشتم رائحته ...ممزوجة بعرقه بطيبه ...بأحلامه ...بأرضه ...تتسرب اناملي الى صدره ...تمسح عليه ...تقتلع نباتاته ...يضحك بصوت عال ...احتضنه وأنام ...ما نمت قط ...كما نمت في برنسه ...احسني قوية... امتلك كل العالم ...لرائحتك ابي ...طعم خاص ...لون خاص ...حلم خاص ...حكاية اخرى ...لم تنته ...اجترها ...كلما أتعبتني الحياة ...تعبت كثيرا ...بعد رحيلك ابي ...فنجانك معي ...يعبق بقهوتك المزهرة ...أندس في برنسك... كلما ارهقتني غربتي الروحية ...وأبكي ..ابكي كثيراً ابي ...لا احد بعدك ...يرى الدموع بعيني ...احجرها مكانها ...لا أكاد أتبين ملامحك ...كما هي ...حنين طفلة صغيرة ...الى حلم جميل ...لم يكتمل ...لو كنت معي ...لكنت ...تلك التي... أردتها ان تكون... ذات صباح ممطر ...وانا العق عروس الحلوى... التي أعطيتني إياها ...ليلا ...خفية عن اخوتي ...وحيدة ..تركتني ابي ...احبك ببعد المسافات ...احبك بالم الغياب ...ابي ...ما احببت رجلا بعدك ...دفء احلام ...مذاق ألوان ...طيبة عطاء ...هو ...كل ما تركته لي ...كل ما بذرته في ...
ربيعة فرشيشي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال


.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81




.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد


.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه




.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما