الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بيكاسو والدير

دينا سليم حنحن

2018 / 10 / 21
الادب والفن


ذاكرة مكان

أغواني المكان فخرج من طوع عقلي ليستقر في ضوع الذكرى.
سوف أصحبكم إلى فرنسا وتحديدا إلى مدينة أنتيب الواقعة بين مدينتي مرسيليا ونيس المشرفتان على البحر المتوسط.
سلكت طريقا ملتوية بأرضها المبلطة ببلاط حجري قديم ونقي، انغلقت الجدران المستديرة فجأة وضاقت ثم بدأت تتفرع منها عدة طرق ضيقة حتى وصلت المبنى الذي يحتوي إلى ردهات واسعة وأخرى بأبواب سرية، في الردهة الرئيسية عرض مجسم مصنوع من البرونز معلق في السقف ومدلى أرضا وكأنه قطوف عنب أو أوراق شجر، عمل رائع من صنع الفنان العالمي بيكاسو.
دخلت المبنى وكان سابقا ديرا فأصبح متحفا لبيكاسو يضم أكثر مجموعاته الفنية من مجمل الأعمال المعروضة في متاحف العالم، 24 لوحة و 44 رسماً و 32 صورة حجرية و 11 لوحات زيت على ورق و 80 قطعة من السيراميك المنحوت وخمس مطبوعات.
ولد بابلو بيكاسو لأب فنان وأم متذوقة للفنون في مدينة مالقة بإسبانيا بتاريخ 25/10/1881.
أمضى سنوات الحرب هاربا من وجه الجيوش الألمانية، وبقي في هذا الدير وحيدا والذي أهداه إياه أحد الكهنة ليكون بمثابة بيتا له، لقد أشفق الكاهن على الفنان أيام كان بحاجة لمن يؤمّن له مكانا يبقى فيه بعيدا عن العيون.
لقد واجهت ىبيكاسو مشاكل عديدة بسبب فكره الفني المخالف للفكر النازي، رغم أنه التزم الصمت ولم يعلن عن أفكاره علانية. وبقي بيكاسو في باريس بعد احتلال الألمان لها ولم يعرض لوحاته في تلك الفترة، لكنه انتقل سرا إلى "أنتيب" فكانت المنطقة الأكثر أمنا بالنسبة له، وعمل سرا داخل الدير الذي تحول فيما بعد إلى متحف.
وبعد فترة بدأ يرسم لوحات جديدة مثل لوحته الشهيرة ” حياة ساكنة مع الجيتار، و ” لوحة ” و" مقبرة تشارنيل ” التي رسمها في عام 1944 ، وكان يستخدم في رسوماته البرونز الذي كان ممنوعا من قبل النازيين في تلك الفترة، إلا أنه حصل عليه مهربا بمساعدة رجال المقاومة الفرنسية.
اعتمد بيكاسو وخلال الحرب ارتداء قميصه المقلم بالخطوط متعمدا كنوع من الانتفاض والثورة، وللقميص قصة هامة، ففي عام 1858، أعتمد البحارة الفرنسيين ارتداء القميص النيلي والأبيض كلباس رسمي يوحدهم في منطقة بريتاني Brittany؛ احتوى القميص على 21 خطاً أفقياً تمثل عدد انتصارات نابليون بونابرت، بالإضافة إلى خطٍ متواصل يصل إلى الكمّين، هكذا يسهل رؤية البحارة من المسافات البعيدة.
داخل المتحف، ينتابك شعور مغاير ومغمور بالأحاسيس المختلفة، جدران عالية بسقف مستطيل وغرف مزودة بنوافذ مستطيلة ضيقة تطل إلى البحر، تحتار إلى أين ترمي نظرك، هل إلى الأمواج الصاخبة التي ترمي صخبها إلى الجدار الخارجي المنيع فتعتقله بهديرها، أم أن تدخل في متاهات لوحات الفنان المعلقة بأشكال وأحجام مختلفة، أم هل تسقط عينك إلى الطوابق العليا المنحنية المستديرة بروعة عمرانها؟ وقفت صامتة أمام باب عال يطل إلى شرفة مبنية بين الصخور العملاقة يمكن النزول منها مباشرة إلى البحر، لكني عدت إلى الحديقة لاصطدم بعمل آخر مصنوع من البرونز، يا له من مكان مدهش!
توفي بيكاسو في 8/4/1973 ، في مدينة موجان بفرنسا، حيث كان يتناول العشاء مع زوجته الثالثة جاكلين وبعضا من الأصدقاء، ولكلماته الأخيرة وقع الصدى بما احتوت حياته من صخب وعطاء وسعادة وحزن وانتظار ومغامرة، قال: " أشرب لنفسي، أشرب لصحتي، فأنتم تعلمون أنه لا يمكنني الشرب أكثر من ذلك". وقد تم دفنه في منطقة شاتو بالقرب من أيكسو، وبعد عدة سنوات انتحرت جاكلين زوجته وذلك عام 1985.
من أشهر لوحاته "نساء جزائريات". رسمها بيكاسو سنة 1955
وبيعت اللوحة بـ 179.4 مليون دولار بمزاد علني نظمته صالة "مزادات كريستيز" في مدينة نيويورك.
لقد حملت داخلي الكثير من المشاهد المقلقة أثناء زيارتي للدير، مثلما حمل الفنان بابلو حزنه الأبدي بسبب وفاة شقيقته بمرض الدفتيريا حيثما انتقل، وأتقن التعبير عندما خصها بلوحة رائعة ضمن أعماله الكثيرة، لقد حمّل اللوحة عينان حزينتان، عينان جعلتاني أنتظر المزيد وزيارة كل معرض يعرض في أستراليا، وكان لي ذلك وزرت معرضه في مدينة ملبورن، لكني بحثت عن اللوحات التي رأيتها في أنتيب، لم تكن موجودة، حاصرتني الذاكرة وندمت لأني لم ألتقط أي صورة لي في معرض أنتيب.
كم هو جميل التمتع بريشة بيكاسو حيثما حللت.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - الناقد الفني طارق الشناوي يحلل مسلسلات ونجوم رمضان


.. كل يوم - طارق الشناوي: أحمد مكي من أكثر الممثلين ثقافة ونجاح




.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي لـ خالد أبو بكر: مسلسل إمبراطور


.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي: أحمد العوضي كان داخل تحدي وأثب




.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي : جودر مسلسل عجبني جدًا وكنت بق