الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المرض ... يقزم رغبات الإنسان .

سيمون خوري

2018 / 10 / 21
الادب والفن


المرض ... يقزم رغبات الإنسان
سيمون خوري :
لا ادري تحت اي بند يمكن تصنيف الكتابة التي تتعلق بالحالات الإنسانية من أمراض أو كوارث طبيعية .؟ على كل حال يمكن لها ان تكون في خانة الدب والفن ، نظراً لمصداقيتها التعبيرية عن تلك الحالة الموصوفة . وشخصياً ، لا اتمنى لأحد ما أن يصاب بالمرض أو أن يتعرض لسوء . وخاصة شعوب الشرق البائس. التي لديها فائض من الأمراض الإجتماعية .
على كلا الحالات العنوان ، ربما يعكس حالة شخصية وهي فعلياً كذلك . وبالتأكيد المرض ، أياً كانت طبيعته يقزم رغبات الإنسان . سواء أكان مرض عضوي شخصي فردي أو مرض إجتماعي .
ستة عشر يوماً في المستشفى ، تقزمت كل رغباتي . والتهم المرض بشراسة ما تبقى من أحلام سابقة ، من سنين سابقة . وطغت على السطح مثل زبد البحر ، رغبات آنية مؤقتة تأتي وتروح . مثلاً ، أن لا أشعر بوخز الإبرة ..؟ أو أن تنتهي قوارير الأدوية والأمصال المعلقة فوق حواملها .بيد أن عيناي اللتان غارتا في محجرهما تراقب موعد إنتهاء المصل .أجهدت من التحليق في سقف الغرفة . لاادري كيف اصبحت كل الأشياء موصودة بجدران كبيرة ، وفي داخلها صغر حجمي المتكور فوق سرير يصعد ويهبط مثل مصاعد العمارات أو البنايات الراقية . في المستشفى تفاجئ أنك شخص أخر، منفتح على عالم آخر . ربما كانت شهية " برسيغوني "آلهة العالم السفلي " في الميثولوجيا الإغريقية . في أوج نشاطها .وللحقيقة فقد انفتحت على ذاتي . وحاولت إقناع ذاتي أن الآخر قبل المستشفى هو أنا وليس شخصاً اخر. ويمكن ان يشهد منتصف الليل شروق شمس ما في مكان ما من هذا العالم . وتنامت لدي تقنية التأمل ، التأمل بما مضى وليس بما هو قادم . فالقادم هو الرغبة في المغادرة ... هكذا تضاءلت وتقزمت الأماني وتحولت الى رغبات صغيرة ، نتف قليلة
فيما تباطئ الزمن الى درجة عجيبة ، معاكساً نظرية " أينشتاين "..؟ رغم اني كنت قبل المستشفى أحلم أن تمر المنطقة بقطار سريع الى المستقبل ينقلها من حال الى حال .. لكن من سوء حظها اصابها إعصار شتوي مدمر ، خلف وراءه العنصرية والطائفية وكراهية الأخر المختلف . ورغم أن الزمن خيب املي هذا ، لكن في المستشفى خيب الزمن أملي مرات عديدة . كنت أود الصراخ ... يا أمي ... بيد أن أمي ، كانت قد غادرت مبكرة .. ثم تخليت عن الفكرة .هكذا لم أجد سوى رفيقتي الى جانبي ، وتلك الستارة السميكة التي كانت تحجب الضوء .. اعصرها بما تبقى من قوة في يدي الضعيفة المعلقة با لأمصال .. كي لا أعصر يد رفيقة عمري التي لم تفارقني لحظة واحدة .
أحيانا كثيرة كنت أكبت وأقمع آلامي ، كي لا أسبب ألماً أخرلكل الأصدقاء والأحبة الذين غمروني بمحبتهم. وأحاطو بسريري مثل سوار المعصم .
ستة عشر يوماً على السرير ، مستلقياً على الظهر ، افكر فقط متى يمكن لي مغادرة المستشفى ..؟ رغم أن المستشفى اصبحت مثل بيتي الثاني ، في الأونة الأخيرة . سألني احد احفادي .. يا جدو أنت فين ؟ اجبت لا شئ مجرد " فولتا " اي حسب تعبيرنا الدارج " شمة هوا " .واعترف اني في المستشفى تحولت الى زعيم الغرفة ، مثل زعيم القاووش ، في السجون العربية فالمحكوم مؤبد ، يتحول الى زعيم على بقية السجناء ويمارس كافة رغباتة الأنية . وهكذا اتيحت لي فرصة التحكم بقنوات التلفزيون . لأن بقية المرضى كان وجودهم عابراً يومين أو ثلاثة أيام ، ثم ان سريري كان الى جانب النافذة التي لم أستطع رؤية شئ من خلالها سوى سحب تبتسم مطراً ، وتهرع الى كبد السماء تنتظرمع الأله أبولونس ، موعد عيد النبيذ والحب . غادرت المستشفى عصر يوم السبت .وفوجئت أن هناك سيارات وعصافير ومارة ، وان الحياة لم تتوقف بعد . وداعاً " برسيغوني " فما زال هناك متسع قليل من الحب والوقت ، أمنحه لأولئك الأحبة من الأهل وأحفادي وأصدقائي ورفيقة عمري . والحب يحتضن كل من يقترب منه . تحية حب وتقدير للجميع.
سيمون19/ 10/ 18
اثينا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - العزيز سيمون
عبد الحسين سلمان ( 2018 / 10 / 21 - 12:46 )
سلامات وكل الصحة الطيبة و العمر المديد للعزيز سيمون


2 - رد
غسان صابور ( 2018 / 10 / 21 - 15:18 )
سيمون يا صديقي الطيب
هذا أجمل وأحلى وانعم ما قرأته على الحوار هذا الشهر... بكتاباتك النادرة تمد لي يد الأمل الذي فقدته بالإنسانية وقيمها المتفجرة واحدة بعد الأخرى...ودون أي تعدي على من يكتبون ويخترعون أساليب واتجاهات فلسفية.. كأنهم يكتبون عن البورصة.. وفوائدها على الشعوب الإفريقية الجائعة.. أنت تصرخ آخر الكلمات الحقيقية بوجه هؤلاء... وتعيد لنا الصفاء والحب والطبيعة وموسيقى الطبيعة...
أنت آخر المدافعين عن الإنسان وحياة الإنسان.. وما تبقى من جمال الإنسان الضائع ببحار من الدجل والكذب والسياسة.
وحتى نلتقي... لك كل محبتي وصداقتي ومودتي واحترامي...
غـسـان صــابــور ــ لـيـون فــرنــســا


3 - الف سلامة عليك استاذ سيمون
عبله عبدالرحمن ( 2018 / 10 / 21 - 16:00 )
سلامات استاذ سيمون مسكت دموعي لاكثر من مرة وانا اقرأ ما كتبته امنيات بأن يبقى لديك كثير من الاعوام لتمنح كل من يتعلق بك الرعاية والحب
دمت بخير وكل الدعوات بالشفاء والصحة


4 - رد (2)
غسان صابور ( 2018 / 10 / 21 - 16:23 )
ســيــمــون يا صديقي الطيب
هذا أجمل وأحلى وانعم ما قرأته على الحوار هذا الشهر... بكتاباتك النادرة تمد لي يد الأمل الذي فقدته بالإنسانية وقيمها المتفجرة واحدة بعد الأخرى...ودون أي تعدي على من يكتبون ويخترعون أساليب واتجاهات فلسفية.. كأنهم يكتبون عن البورصة.. وفوائدها على الشعوب الإفريقية الجائعة.. أنت تصرخ آخر الكلمات الحقيقية بوجه هؤلاء... وتعيد لنا الصفاء والحب والطبيعة وموسيقى الطبيعة...
أنت آخر المدافعين عن الإنسان وحياة الإنسان.. وما تبقى من جمال الإنسان الضائع ببحار من الدجل والكذب والسياسة.
وحتى نلتقي... لك كل محبتي وصداقتي ومودتي واحترامي...
غـسـان صــابــور ــ لـيـون فــرنــســا


5 - سلامتك أستاذ سيمون
مريم نجمه ( 2018 / 10 / 21 - 16:40 )
النبيذ المعتق يزداد قيمة وطعماً

تحية كبيرة للأخ الصديق والشاعر سيمون خوي

داوِم على الكتابة لأنها بلسماً وعبيرا لك وللقراء
يا ابن الميثولوجيا الكنعانية المعمّدة ب الأغريقية أنت ترش العطر وتنثر روائح الآلهة
إبن الحاضر النضالي الحر والمأساوي الذي تجرحه بسكينك الرخامية لتجعله جديداً كقلبك المفعم بالحب والأمل والعطاء وحب الحياة
تمنياتنا لك بالشفاء العاجل وسلامتك من كل وجع عزيزنا سيمون
لكم كل الحب والتقدير


6 - المرض لا يتسلّل إلينا إلا بإذن منّا
ليندا كبرييل ( 2018 / 10 / 21 - 17:33 )
الأستاذ سيمون خوري المحترم

تأثرتُ كثيرا قبل ثماني سنوات عندما وقعتَ فريسة المرض، فخاطبتُك عبر مقال
كنْ قوياً لا تهادنْ
وما زلت تناضل، وما زلت تتعارك مع قدر أحمق الخطوات اِختارَك لِيلْتهم الأخضر وكل ألوان الفرح

ليس لك إلا أن تباغت العلل، فتبلغ من شدة المفاجأة أن تذهل عن التلهّي بك

تدفقك في خاطرة اليوم جهد خارق منك في سبيل إثبات تفوّقك على بلاء يأبى إلا أن يلتفت إليك بإصرار، فالمرض فظّ شرس تتشوّه الأمنيات في حضوره، وينكمش بهاؤها

نحن نرى وهج المرض في عتمة أمانينا
فهو لا يطمئن إلا إذا لمس ذبول الأماني وضياء الأمل
فلا تدعْه ينتصر عليك

مباركة الحياة مع أهلك وأحفادك ورفيقة عمرك،
ومع رفاق يهدونك المحبة من خلف الشاشات، ومعهم جميعاً سينتشر أكثر فأكثر السعد والبشر في قلبك فيهزم فلول المرض

دمت في ألق الحياة وإشراقها
محبة وسلاما


7 - الحياة تليق بك
ماجدة منصور ( 2018 / 10 / 22 - 04:18 )
فتمسك بها من أجل كل هؤلاء اللذين يدعون لك بالصحة الوافرة و العمر الطويل0
سلامتك....ألف سلامة


8 - تحياتي مع ارق تمنيات الشفاء وكول العمر اخي ا سيمون
الدكتور صادق الكحلاوي ( 2018 / 10 / 22 - 07:45 )
مقالتك اليوم صوره جماليه رائعه لحبك للحياة كريمة ومثمره وارادتك في قهر الخوف والمرض والهلع من دورة الطبيعه -اغبطك بامتلاكك من حولك من الاعزاء الاوفياء لهم ولك اطيب التحيات

اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا