الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقتل خاشقجى: إفلاس الإسلام السياسى وسطوة الأوليجاركية الأمريكية

محمود محمد ياسين
(Mahmoud Yassin)

2018 / 10 / 24
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


قبل كل شيء، بما أن هذه الكلمة تتعرض لخلفية إغتيال الصحفى المعروف جمال خاشقجى لا بد من الإشارة إلى أن الإعدامات وإجراءات التعذيب الوحشى والقمع التى يتعرض لها المعارضين للنظام السعودى الملكى أمر يجري بصورة روتينية؛ كما ان إجرام حكام المملكة العربية السعودية يتمدد ليشمل المنطقة كلها متمثلا في معاداة الحركات الجماهيرية الثورية في المنطقة كإفشال الانتفاضات الأخيرة التي شملت عدة دول عربية، بالإضافة إلى الإنهماك فى تصدير الأفكار الدينية المتزمته المعادية للديمقراطية والحداثة ما يخدم في النهاية مصالح الطبقات المستبدة الحاكمة.......

بعد أكثر من أسبوعين من الإنكار اعترفت السعودية بمقتل جمال خاشقجى في قنصلية البلاد في تركيا. جاء الاعتراف السعودى بعد أن ظل المسؤولون هناك يؤكدون أن خاشقجى غادر القنصلية معافى.

إن تصفية خاشقجى تمت عل خلفية سعى ولي العهد محمد بن سلمان بصفته الحاكم الفعلي في السعودية لتعزيز السلطة القائمة على أفكار الإسلام السياسى. يدعى محمد بن سلمان إن السعودية بحاجة لما أسماه الإسلام الوسطي المعتدل وأنه ضد الأفكار المدمرة التي بدأت تدخل السعودية منذ العام 1979 في إطار مشروع "صحوة دينية" تزامنا مع قيام الثورة الإسلامية في إيران. إن دعاوى الاصطلاحات التي يطلقها محمد بن سلمان هي صدى للتحولات الكبيرة التي تعيشها السعودية وأهمها تطلع الشباب (70% من الشعب) للتحرر من سلطة الشيوخ التي تتحكم في المجتمع ورغبة متزايدة من قطاعات شعبية في المشاركة في الحكم. لكن بن سلمان لايريد فك الحلف السعودى -الوهابى الذى تأسست وفقه الدولة بل إعادة ـتوجهه بما يلائم فكرة الإسلام الوسطى المار ذكرها، وهى الفكرة التى تمنحه الغطاء لاستخدامه في الحفاظ على الدولة الكمبرادورية الوكيل القوى للنظام الأمريكي؛ وهى الفكرة "الدينية" التي يحتاجها النظام السعودى لإخضاع 11 مليون عامل في البلاد لأقسى أنواع الاستغلال وهضم الحقوق. وجدير بالذكر أن خاشقجى كان يدعو قبل مقتله لضرورة "تحديث" الإسلام.....

إن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في إتجاه سعيه لتكريس وضعه كالحاكم الفعلي في السعودية قام، على الصعيد الداخلى، بالتنكيل بالسياسيين والمثقفين المعارضين وناشطات في مجال حقوق المرأة عن طريق التصفية أو الاعتقال وتعريض بعضهم لظروف عصيبة في محابسهم.

أما فى مضمار السياسة الخارجية والعمل الدبلوماسي، فإن قرارات محمد بن سليمان أدخلت السعودية في أزمات خطيرة منها: حرب اليمن المدمرة، التي تجرى منذ ثلاث سنوات بالتنسيق التام مع الإدارة الأمريكية، واحتجاز رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري وإجباره على تقديم استقالته من الرياض قبل أن يطلق سراحه والحملة المفتعلة على قطر وإشعال المعارك الدبلوماسية الغير مبررة مع كندا وألمانيا..........

وعلى الصعيد الإقتصادى يخطط محمد بن سلمان لسياسات تهدف لإعادة هيكلة الشركات الكبرى بما يخدم الفئات الاجتماعية العليا، منها وضع خطة لخصخصة أكثر من 100 مؤسسة في جميع القطاعات الإنتاجية والخدمية. وأبرز هذه الخصخصات المحتملة تشمل بيع حصة في شركة أرامكو العملاقة قيمتها 100 بليون دولار عن طريق أكبر اكتتاب أولي (IPO) في التاريخ المالى للعالم؛ وبالنسبة لبعض الخبراء فإن الخصصة إذا تمت ستفوق تلك التي جرت عقب انهيار الإتحاد السوفبتى والتي احدثتها مارجريت تاتشر في بريطانيا في فترة حكمها. ويدعى محمد بن سليمان ان حصيلة مبيعات أصول الدولة تهدف إلى تنويع القاعدة الإنتاجية والتحرر من الاعتماد على الدخل الذى يدره النفط؛ لكن لا يوجد أي دليل على جدوى نظام السوق الحر في تحقيق التنمية بالبلاد بل هناك أكثر من درس أمبريقى من شتى أنحاء العالم يشير إلى عدم نفع هذا النظام للنهوض باقتصاديات الدول النامية. إلا أن السؤال الأكبر هو ما هو مصير هذه الأموال الطائلة في وضع يتسم بعدم الشفافية في الحكم وغياب حكم القانون، ناهيك عن أي قدر من المشاركة الشعبية في القرار السياسى (الديمقراطية). وقد رأى العالم كيف أُجبر معظم الأمراء الذين أعتقلهم محمد بن سلمان في فندق "ريتز كارلتون" على التنازل عن جزء من أرصدتهم وممتلكاتهم يقدر ب 107 مليار دولار قبل أن يتم الإفراج عنهم بدون تقديمهم لمحاكمات.

أما بالنسبة لمواقف الدول الكبرى من حادث اغتيال خاشقجى، فسنجدها تقوم على مراعاة مصالحها. يقول ونستون تشرشل (لا عداء دائم ولا صداقة دائمة في السياسة بل مصلحة دائمة). وهي المقولة التي ظل يطلقها السياسيون الغربيون، كتعويذة "mantra" مقدسة للتعبير عن المصالح الإمبريالية للدول الكبرى؛ فنقل مقولة تشرشل من مستوى التجريد التي هي عليه إلى مستوى الواقعية السياسية توضح أنه لا يتكلم إلا عن المصالح الإمبريالية للإمبراطورية البريطانية التى استبسل، في أواخر فترة حكمه، في بقائها قوة عظمى بعد أن أخذت تسير على خطى الإنهيار منذ أوائل خمسينات القرن العشرين.

وهكذا فإن تناول حادث الاغتيال من زاوية المصالح يتضح من رد الفعل الأمريكي عليه. فأمريكا شجبت الاغتيال على المستوى الرسمي غير أن أغلبية المسئولين (سواء كانوا ديمقراطيين أو جمهوريين) أكدوا أن تناول هذه القضية يجب ان يتحقق في إطار لا يهدد العلاقة المتميزة مع السعودية ولا يُعَرِّض وجود تعاقد بين الدولتين تبيع أمريكا بموجبه للسعودية أسلحة تقدر قيمتها بمليار ونصف المليار دولار. وعليه، فإن الموقف الامريكى من هذا الحادث لا يمكن تفسير أبعاده بالتحليل الاخلاقى (الأرعن) الذى يقيم المواقف على أساس قرارات أخلاقية تقف وراءها. فتصنيع الأسلحة وبيعها للدول الأخرى (خاصة دول الجنوب) يشكل واحد من أهم دعامات النشاط الاقتصادى للأوليجاركية المالية التي تحكم أمريكا (وجميع الدول الراسمالية الكبرى). إن تمدد الدول الراسمالية الكبرى في العالم، عن طريق إستثمارات شركاتها العابرة للقارات بشكل مباشر (DFIs) أو التجارة في المجالات التي تدر الارباح الفاحشة لا يمكن فهمه كمجرد قضية أخلاقية بل كواحد من الملاذات الأخيرة لحل أزماتها الاقتصادية المستفحلة.

إن مقتل الإعلامى السعودى جمال خاشقجى عرى النظام السعودى من أي غلاف ظل يخفى تحته طبيعتة القروسطية التي تكرسها أفكار من الإسلام السياسى في أحط صوره، ومن ناحية أخرى كشف الأوليجاركية التي تحكم أمريكا (مدعومة بالمال والقوة العسكرية) على حقيقتها كتاجر سلاح تحقق له تجارته تدفقات ربحية مستدامة ضرورية لاستدامة عمل نظام الإنتاج السلعى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري


.. عمران خان: زيادة الأغنياء ثراء لمساعدة الفقراء لا تجدي نفعا




.. Zionism - To Your Left: Palestine | الأيديولوجية الصهيونية.


.. القاهرة تتجاوز 30 درجة.. الا?رصاد الجوية تكشف حالة الطقس الي




.. صباح العربية | الثلاثاء 16 أبريل 2024