الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ضياع الأدمغة في المدن الآسنة

دعد دريد ثابت

2018 / 10 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


بعد عودتي من إسطنبول لجدران غرفتي التي أشتاقت لي، ربما، أحمل بين طيات حقيبة روحي عبير من التقيتهم ومن لقطات لم تستطع أي كاميرا إلتقاطها، وجدتني خالية الوفاض من أي مفردات، هكذا خالية وبلا تعبير.
ولكن، آه من مشاكسات الروح حين تنوي ولو في سرك، عن محاولة التنازل عن خوض بعض من صدامات المواجهة، تفاجئني مرة أخرى بشحنة دافقة من ذكريات خليتها نستني.
أرسل لي أخي اصغر العنقود والذي لم اره مذ كان عمره 10 أعوام، مساءاً فيديو عن رجل وإبنه وهما يصليان، أو بالأحرى يحاولان ذلك. وكان مضحكاً للوهلة الأولى ولكنه مؤلماً لي. فالشاب أو الإبن، أما لأنه أُجبر على الصلاة أو من النوع المحشش، لم يستطع ولا ولوهلة تقليد أبيه في السجود والقيام وإداء الصلاة بالطريقة الصحيحة، وفي كل مرة كان يتلقى كفخة أو راشدي أي كف على ظهره أو قفا رأسه حين يخطأ، والمسكين تزداد أخطائه بزيادة الضرب، الذي يزداد بزيادة أخطائه. ووالده لايفتك عن التلقين بطريقة الكفخ وبكل حرص ديني وورع المؤمن (ولا أعلم كيف كان الأب يركز على الصلاة، وهل صلاته مقبولة من إلآهه بطريقة الكفخ القيامي والسجودي هذه ).
أعادني هذا الفيلم لطفولتي وصباي، حين كانت ستي ووالدتي أحياناً، بمحاولاتهم لإقناعي بالإيمان والصلاة والصوم. تارة برشوي بالمال وأخرى بالكلمات المعسولة وأحياناً بالتخويف بجهنم. وهم لايعلمون أن لي عالمي الخاص الذي كنت وبرغم صغر سني أرفض فيه عالمهم الآلوهي وبدون وعيي حينذاك للسبب، الذي يزداد فيه رفضي وعنادي وخاصة حين يتعلق الأمر بالتخويف، فأفعل العكس تماماً.
فكانت ستي المسكينة تحار معي على ماأعتقد. فها هي تخيط لي غطاءاً للرأس مقصباً ومن التول الأبيض مع زهور وبريق جميل، وتناديني بحجة أنها لاتستطيع رؤية حروف القرآن، لأقرأ معها النص بصوت عالٍ (بالرغم من أن قرآنها كان من الحجم XXX large، ونظاراتها چعب إستكان). أو حينما يأتي رمضان وأشعر بجوع فظيع يفترس أمعائي، وأنسى أو أتناسى أنني صائمة بالرغم من رشوتي ب خمسون فلساً كي أصوم، وأذهب مهرولة لستي لأخبرها بعملي الإجرامي لعلها وهذا ماكنت آمل به في سري تعتقني من صيام اليوم، وأقول لها ببراءة مصطنعة، أنني أبتلعت لقمة من الطعام، لتعود وتسألني إن كنت فعلت ذلك عمداً، وأجيبها ببراءة الثعلب والدجاجة في فمه، لا أبداً لم أفعل ذلك بقصد، لتقول لي وهي منتصرة، إذا فصيامك لم يبطل وتستطيعين المتابعة لحين وقت الإفطار. لتقضي على فكرتي الجهنمية بالتخلص من هذا المشروع الغير مجدي.
مرت السنوات، وسافرت للدراسة في يوغسلافيا على نفقة والديّ. ومن ضمن من تعرفت عليهم كانت إمرأة بوسنوية من سرايفو إسمها تصوروا ماذا؟ إسمها مليحة، وتكونت بيني وبين عائلتها نوع من الصداقة الأسرية. وكانوا من المتأسلمين وأقول هذا وبالرغم من أن والدها كان لديه تكية ويستقبل بها دروايش وشيوخ زمانه، ففلسفتهم بالدين غريبة بالنسبة لي حينذاك، واليوم أراها منطقية وطبيعية بالرغم من غبائها.
كانوا يتبركون بي لأنني شرقية عربية، وهذا إثبات وحجة دامغة لهم، أنني مسلمة حقيقية وغير مفبركة ومهجنة. لكنني على ماأعتقد كنت أخيب ظنهم أكثر الأحيان.
وفي يوم دعوني لمناسبة المولد النبوي، وداعيتكم لاتفهم بهذا الموضوع شئ، ليس لجهلي، ولكننا لم نكن نحتفل بالبيت بهذه المناسبة، ولكن كما ذكرت أنهم كانوا يتبركون بدمائي الزرقاء، ربما لو كنت أجاريهم وبدون مبالغة اقول هذا، لأنني خبرت غبائهم بشكل لايصدق، وقلت حين أضع يدي على الماء سيصبح عسلاً، لصدقوني. حضرت لبيتهم، وكانوا قد وضعوا صينية وعليها الشموع وبعض الحلوى وقناني صغيرة في كل قنينة سائل بلون مختلف، أحمر وأخضر وهكذا. ودعوني بعد التسبيحات والتبريكات وقراءة مقاطع من آيات القرآن، لتناول مافي القنينة من شراب. ولم أفعل ذلك، فقد شككت بالأمر لغرابة الوان الشراب.
وحين فتحت القنينة وشممت محتواها، كانت رائحة كحول نفاذة قد تجاوزت أنفي للمراكز العصبية في دماغي. ظننت أنهن ربما لايعلمن بفحوى الأمر، وأعقبت وكل جزع لخوفي على ورعهن، هل تعلمن أن هذا كحول؟ وأجابتني مليحة، انه من " المدينة القديمة " صوغة (هدية) أُرسلت لهن. المدينة القديمة المُعنى بها إسطنبول، وهي بنظر سكان البوسنة لها مكانة مقدسة بالنظر لإحتلال بلادهم من قبل العثمانيين ل 500 سنة ( البزون مايحب الا خناگة)، وأهميتها لليوم كمكة للمسلمين. ومن جوابها أستشفيت أن كل مايأتي من هناك، هو مقدس وحلال، حتى لو كان خمراً. وشربوه بجرعة واحدة ورفضت المشاركة، ليس لأني لا أشرب الكحول، ولكن لا أريد الشراب المقدس.
أستمرت علاقتي بهذه العائلة النسوية الغريبة المتكونة من الشقيقتان مليحة وشفيقة وخالتهن ربيعة. وفي إحدى زياراتي لهن، علمت مليحة بأنني أنوي السفر لزيارة الأهل في العراق في عطلة الجامعة الصيفية، وذكرت كم تود زيارة العراق وزيارة أضرحة الأئمة حزرة علي وحزرة حسين، وأخيراً حزرة أو لا، عبد القادر أو حنيفة وغيرهم، فقلت لها مداهنة، أن أحبت تستطيع مرافقتي. ولم أتصور أو يخطر ببالي أنها تعني ذلك، وكم كانت فجيعتي حين قالت أن ذلك يفرحها ويبهج قلبها المؤمن بتوفر الفرصة لها للقيام بتلك الزيارة، وخاصة وأنها لاتتكلم أي لغة غير لغتها، وخير من يقوم بمساعدتها على التفاهم هو حزرتي، وستزور كل العتبات المقدسة معي (لايمكن أن تتخيلوا فرحتي بهذه المهمة).
وهكذا أرسلت رسالة مقتضبة لأهلي أن صديقة سترافقني، ولم أخبرهم بأي تفاصيل أخرى، لكي لا يفجعوا الا مرة واحدة وخاصة والدي الحبيب، لأنه لم يكن يعلم بأنه سيكون المؤمن الورع والسائق لكل هذه الزيارات المكرمة.
وعوضاً عن أن أستمتع بزيارتي للعراق بقضاء الوقت مع الأهل والصديقات، أصبحت الدليل والمترجم السياحي، عفواً الديني لمليحة. وفي كل زيارة كانت تتحفنا بالغناء بالموشحات الدينية لحين وصولنا وبلغة عربية صحيحة من دون أن تفهم كلمة واحدة مما كانت تغنيه.
وفي زيارتنا لمرقد أبو حنيفة، كانت إحدى خالاتي وأبناء خالتي الأخرى معنا، وهم من المذهب الشيعي، وأنا من دون مذهب ولا معرفة بكيفية الصلاة ولا بلبس العباءة، التي كانت تسقط من رأسي وتهدل وأحاول لملمتها، وفي وسط كل هذه الفوضى كان عليّ مراقبة خالتي في سجودها وقيامها لتقليدها، بعد أن سألتها قبل ذلك بما هو مفروض أن أتمتم به، فأجابتني، وهي تعلم بحالي والدين، إقرأي ماتعرفيه من السور، المهم النية( لو قرأت قصة سندريلا في سري كان سيؤدي الغرض نفسه). وهكذا كنت أقوم حين تقوم وأسجد حين تفعل ذلك، وحائرة بعبائتي التي تسقط من على رأسي وتتجمع تحت ركبتيّ أو تحت قدمي وأكاد أن أتعثر بها، لاحظت أن النساء ينظرن الينا. أعتقدت أنهن أكتشفن جهلي وتمثيليتي التي لم تنطلي عليهن. وبعد أن أنتهينا وشكرت القدر بأنني لا أزال على قيد الحياة، سألت الجميع إن كانت صلاتي وتمثيلي سيئتان لهذه الدرجة، وكان الجواب بالنفي. وأستغربت لذلك، وسألت مجدداً، لم كان الجميع يحدق فيّ إذاً. وقهقهوا لسؤالي، وأجابوني هن لم يكن ينظرن اليك، وإنما لأنك أنت وخالتك كنتما فاردتان اليدين، وجامع أبو حنيفة يؤمه السنة وهم يكتفون الأيادي بالصلاة. أستغربت أكثر وتسائلت، لم لا تتفقون وتضعوا الأيادي على خصوركم لتحلوا الموضوع وتتآلفوا وينتهي الموضوع، كنتم أرحتموني من الهلع والخوف وآني اللي بية مكفيني؟
ومن يومها أعتزلت التمثيل وزيارة الأضرحة، الا للسياحة وتأمل كم من الأموال أُغدقت وصُرفت في هذا البذخ، لو كانت عوضاً عنها تٌبنى المدارس والمستشفيات، لما أضحينا شعوباً تحمل الكثير من التطرف الديني والقبلي، وأول سؤال تُسأل، هل أنت سني أو شيعي وماهي عشيرتك؟
وتنسى أن برغم الدين فواقعها أمر من المرارة والكذب والرياء والغش والخداع وعدم تحمل أي مسؤولية أصبح من الطباع والكل تحلم بجنان الكفار.....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مدير الاستخبارات الأميركية: أوكرانيا قد تضطر للاستسلام أمام 


.. انفجارات وإصابات جراء هجوم مجهول على قاعدة للحشد الشعبي جنوب




.. مسعفون في طولكرم: جنود الاحتلال هاجمونا ومنعونا من مساعدة ال


.. القيادة الوسطى الأمريكية: لم تقم الولايات المتحدة اليوم بشن




.. اعتصام في مدينة يوتبوري السويدية ضد شركة صناعات عسكرية نصرة