الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المحاكم المختلطة الخيار الأمثل لإقامة العدل في نينوى

خالد الخالدي

2018 / 10 / 25
دراسات وابحاث قانونية


تعاني جمهورية العراق كدولة ذات سيادة منذ العام 2003 من نزاعات مسلحة داخلية لازالت اثارها مستمرة خصوصا على مستوى أقامه العدل فهي تشهد مثل أي دولة مرت بهذه الوضع ضعفاُ عاما في سيادة القانون وبالتالي فأن هذا الضعف سيظهر على شكل مستوى ضعيف من مستويات انفاذ القانون والمحصلة هي عدم القدرة كليا او جزئيا على إقامة العدل وبالتالي ستشهد ارتفاع معدلات انتهاكات حقوق الانسان .
ان النتائج الكارثية لانتهاكات حقوق الانسان لا تقتصر على ضحاياها فقط بل تتجاوزها في اغلب اشكالها الى تهديد قواعد قيام المجتمعات وبناءها ولعل من أهمها هو الاضرار بالتماسك الاجتماعي لمواطني هذه الدولة وهو ما نشهده في محافظة نينوى شمال العراق بين المجتمعات المتصارعة فيها ولعل النموذج البارز اليوم هو النزاع بين المجتمع العربي المسلم ذو الهوية السنية والمجتمع الايزيدي فالانتهاكات التي ارتكبها ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام الإرهابي المتطرف داعش ضد الايزيديين وخصوصا القتل الجماعي و خطف واغتصاب النساء الايزيديات قادت وبشكل مباشر الى تفكيك جميع أواصر التماسك بين هذين المجتمعين وبالتالي نشهد بين الحين والأخر تصعيدا يهدد امن وسلامة المجتمعين على حد سواء ولعل اغتيال احد شيوخ قبيلة شمر واتهام الايزيديين بقتله نموذج حي للفجوات العميقة والمدمرة التي خلفتها الانتهاكات المروعة التي ارتكبت ضد الايزيديين اب 2014 .
بالعودة الى مقدمة السطور سيتضح لنا جليا ان التأخير بإقامة العدل للفصل بهذه الانتهاكات هو ما أدى الى توسيع هذه الفجوات واحالتها الى ثقوب سوداء تبتلع الأخضر واليابس لذلك فأن الوصف الصحيح لما يجري الان هو ان المجتمعين يعيشون بدائرة مفرغة فهما ينتقلان من ضعف سيادة القانون الى عدم إقامة العدل ومنه نحو ضعف انفاذ القانون وبالتالي فسح المجال امام انتهاكات جديدة وعودة مرة أخرى الى عدم الفصل بها وتستمر العملية تباعا وتكرارا . فما الحلول المتاحة امام مجتمعات نينوى للخروج من عنق الزجاجة دون كسرها؟
ان أولى خطوات إقامة العدل تتلخص بضرورة وجود نظام قضائي يتمتع بالثقة على صعيد المجتمعين والثقة هنا تتطلب ان يكون القانون ملبيا لتطلعات الضحايا بالانتصاف ومنصفا للمتهم بالتحقيق والعرض والاحكام وهذا يعني عدم وجود مشاكل من قبيل قوانين غير صالحة وشبهات فساد ومستوى كفاءة متدني وصعوبة بالوصول الى أبواب العدالة وضعف بالتمثيل القانوني لانها لو وجدت فسنشهد حالتين الأولى ان المجتمع الذي يوصف بالضحية سنشاهد عزوف واضح منه على الإبلاغ والمجتمع المتهم لن يبدي ان تعاون ولو بالحد الأدنى مع هذا النظام ولو اعدنا النظر جيدا بهذه النتيجتين سنجد انها تنطبق تماما على الحالة في محافظة نينوى بين المجتمعين العربي السني والمجتمع الايزيدي !! فما الحل لهذه المعضلة؟
الحل يمكن ان نستقيه ببساطة عبر النظر الى دول العالم كيف استطاعت ان تخرج من هذه المعضلة ان نسترشد بتجاربهم ونحذو حذوهم ان نعزز الجوانب التي ساهمت بنجاحهم ونحتاط جيدا لمواطن الضعف والخلل فيها وبالبحث سنجد ان كوسوفو وتيمور الشرقية والبوسنة والهرسك وكمبوديا وسيراليون شهدت جميعها ضعفا او انهيارا لنظام العدل فيها بالتالي فأن البعض منها بادر مباشرة الى تعزيز نظام العدل ودعمه بالقانون الدولي والبعض الاخر انتظر سنوات عديدة وعندما لم يجد الحلول الواقعية والمنطقية المقبولة عاد الى تعزيز ودعم نظام العدل بالقانون الدولي .
ويعود السبب بهذا الاتجاه الحتمي نهاية المطاف لأسباب عديدة منها ان عملية اصلاح أي نظام قضائي وخلق كوادر انفاذ قانون مهنية وإشاعة ثقافة مبنية على سيادة القانون واحترام حقوق الانسان هو هدف طويل الأمد يحتاج الى سنوات طويلة للوصول اليه ناهيك ان في حالة عدم وجود نصوص قانونية تنظر بالجرائم الدولية تحقيقاً لإقامة العدل (كما في العراق) سيشكل عائقا اخر فتشريع أي قانون الان لن يجدي نفعا لان تطبيقه يتقاطع مع الدستور النافذ وهذا يعود الى ان القانون المشرع بعد وقت ارتكاب الجريمة لا يسري على الجريمة التي ارتكبت قبل تشريعه وإنفاذه ، اتساقا مع قاعدة "لا تطبيق للقوانين بأثر رجعي" هذا من جهة ، من جهة أخرى فأن اغلب الدول ومنها العراق أبدت موقفا معارضا من الانضمام الى معاهدة روما 1998 ونظام المحكمة الجنائية الدولية الأساس ، من هنا فأن الدمج بين القانون الدولي والارث الذي يمثله مع القانون المحلي سيخلق لنا ما يسميها المشرعون ب "المحاكم المختلطة" وهي تمثل الحل المتاح المقبول والعملي فأنشاء المحكمة المختلطة لا يتطلب المصادقة على معاهدة روما وذات الوقت فأن القانون الدولي بكثير من فقراته يسري الركن الزماني لارتكاب الجرائم خصوصا الدولية منها ذات الطابع الجسيم عليه ، أي انها تصلح لتطبيقها على المتهمين بارتكاب جرائم ضمن صفوف ما يسمى بتنظيم داعش الإرهابي فما هي المحاكم المختلطة ؟ وهل جمهورية العراق اليوم بحاجة الى اعتماد محكمة مختلطة للنظر بالانتهاكات الجسيمة وخصوصا التي لازالت اثارها تهدد المجتمعات من قبيل الجرائم المرتكبة ضد الايزيديين والمسيحيين او اعدام رجال قبيلة الدليم وغيرها من الانتهاكات الخطيرة؟
وللإجابة على التساؤلين فالمحاكم المختلطة حسب الأمم المتحدة هي محاكم ذات تشكيل مختلط وولاية مختلطة دولية / محلية وتضم موظفين دوليين ومحليين وتعمل ضمن نطاق الاختصاص الذي تقع فيه الجرائم أي انها تعد واحدة من أدوات سيادة القانون يمثل امامها فقط المتهمين بارتكاب جرائم شديدة الخطورة او انتهاكات جسيمة مثل جرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب او ما تكلف به من جرائم تهدد الجنس البشري وكرامة الانسان بالصميم وقد يصار الى مثول كل من يتهم بارتكاب جرائم امامها ثم يتم اتخاذ قرار في مدى إمكانية استمرار عرضهم امامها او احالتهم الى المحاكم المحلية للفصل بقضاياهم .
لكن هناك من يقول ان النظام القضائي في العراق لازال قادرا على البت بهذه القضايا فما هي المبررات للقبول بهكذا نوع من المحاكم والتي تمس سيادة البلاد؟ وهو تساؤل مشروع يتفق عليه جميع الحقوقيين والقانونيين والمدافعين عن حقوق الانسان.
ان المبررات لإنشاء المحاكم المختلطة كثيرة ومتشعبة وتتداخل مع القضايا ومحركات النزاع تداخلا يجعل النظر برفضها او قبولها بالغ التعقيد لكن بالعودة الى أعلاه فالمبررين اللذان سقناهما من عدم قبول جمهورية العراق المصادقة والانضمام لمعاهدة روما التي تمتلك الاختصاص الموضوعي والزماني والشخصي على النظر بجرائم ذات طبيعة جسيمة من قبيل جرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية وفي ذات الوقت عدم توافر نصوص قانونية محلية امام القضاة تنظر وتفصل بذات النوع من هذه الجرائم تعد ببساطة مبررات مقبولة الا انها لازالت جزء بسيط من مبررات أوسع تبرز معها الحاجة الى ضرورة القبول بالمحاكم المختلطة للتسريع بوقف دوامة الانتهاكات واذا نظرنا الى الدول التي مرت بذات التجربة سنجد المبررات التالية التي دفعتها للقبول بإنشاء هذا النوع من المحاكم : -
• نقص او انعدام القدرات والموارد على المستوى المحلي وهنا لا تشمل السيولة النقدية بل القدرات القانونية سواء على مستوى النص القانوني او التشريع او على مستوى الخبرات التي تمتلكها السلطة القضائية للنظر بهذه الجرائم
• المخاوف التي يثيرها المجتمع وهنا تتجه باتجاهين غالبا الأول هو الانحياز والذي سيمنع النظر بجميع القضايا او الاستقلال للنظام القضائي وما معناه ان يكون بعيدا عن التأثيرات سواء كانت سياسية او امنية بالتالي فأن العاملين بالمحاكم المختلطة اقل عرضة للتهديد وللضغوط السياسية
• المحاكم المختلطة تضمن بشكل فعال عرض المتهمين وفق قنوات شفافة في جميع مراحل العرض من التحقيق الى المحاكمة الى اصدار الاحكام وهذا سيدفع بالكثير من المجتمع المتهم افراده بارتكاب هذه الجرائم الى التعاون مع هذه المحاكم
• واحدة من اهم المبررات لإنشاء المحاكم المختلطة هو ضمانة لعدم الإفلات من العقاب للمتهمين الأجانب أي المتهمين من جنسيات أخرى فما يسمى "تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام الإرهابي المتطرف داعش" يضم بصفوفه الالاف الأجانب الذين ارتكبوا جرائم دولية وانتهاكات خطيرة على الأراضي الإقليمية لجمهورية العراق ويتواجدون حاليا على أراضي دول أخرى بالتالي فان استقدامهم امام القضاء العراق بالغ الصعوبة لكن في حالة المحاكم المختلطة فأن الاستقدام او طلب الإحضار لن يكون بذي صعبات تذكر.
• وأخيرا يدفع هذا النوع من المحاكم بعجلة جهود التسوية فالضحية الذي يجد ان بيده خيارين خيار العقاب وخيار العفو المشروط كثيرا ما اشرت حالات تغلب إنسانية الضحايا او ذويهم فيتخذون قرار العفو وان كان بشكل مشروط.
ان هذه المبررات لو تم النظر الى كل واحد منها نظرة فاحصة دقيقة سنجد انها مبررات منطقية ومقبولة للذهاب الى خيار المحاكم المختلطة في جمهورية العراق اختزالا للجهد وللوقت وبالتالي الابتعاد عن شبح الانتهاكات والجرائم التي تندرج تحت يافطة الثأر والانتقام
واجمالا نستشف مما تقدم طرحه ان المحاكم المختلطة تعد واحدة من انجع الوسائل الى اثارة اهتمام المجتمع الدولي ببلد ما حيث غالبا ستخطو كثير من البلدان خطوات إيجابية تجاه البلد معبرة عن تضامنها الإنساني كان يكون المشاركة بجهود إعادة الاعمار او تدعيم البنى التحتية للبلاد او المنح بدون مقابل كما وان المحاكم المختلطة كما اشرنا واحدة من اهم وسائل تعزيز سيادة القانون وانه واحدة من انجح الاليات بإنهاء ثقافة الإفلات من العقاب علبه فان ما ينبغي القيام به حاليا هو استثمار هذه الفرصة المتاحة من الحكومة العراقية الجديدة لانها فرصة حقيقة لتخفيف الزخم على القضاء المحلي بالتالي سهولة القيام بتنفيذ إصلاحات جدية وحقيقية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف قارب أبو عبيدة بين عملية رفح وملف الأسرى وصفقة التبادل؟


.. الولايات المتحدة: اعتقال أكثر من 130 شخصا خلال احتجاجات مؤيد




.. حريق يلتهم خياما للاجئين السوريين في لبنان


.. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تجتاح الجامعات الأميركية في أ




.. السعودية تدين استمرار قوات الاحتلال في ارتكاب جرائم الحرب ال