الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أساليب صراع الإنتلجنسيا البرجوازية ضد العمال- (الجزء الأول)

علاء سند بريك هنيدي

2018 / 10 / 27
ملف الذكرى المئوية لانطلاق ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا


- قبل البداية:
يعد المقال الحالي درساً عملياً في أساليب النضال السياسي وتعرية الإدعاءات الزائفة للخصوم، مرتكزةً على قاعدةٍ من الوضوح النظري والاستيعاب النقدي للواقع، ولقد آثرنا نشر هذا المقال على أجزاء متعاقبة نظراً لطول النص، وإمكانية تجزئته التي يتيحها النص الأصلي، فلينين يعرض الفكرة أو النقطة المراد الحديث عنها ويناقشها وينهيها لينتقل لغيرها، وأخيراً أود تقديم الشكر والعرفان للرفيقين (حازم أبو سعد وحاتم بشر) على تقديمهما جزءً من وقتهم لقراءة مسودة الترجمة وتعليقاتهم التي أغنت النص وصوَّبته في بعض مواضع ضعفه، ولولا مساعدتهما لغدا النص ضعيفاً، وأود أن أشير إلى أن أي خطأ في الترجمة أو ضعف فأنا وحدي من يتحمل وزره.

تلجأ البرجوازية في كل الدول الرأسمالية حول العالم إلى أسلوبين في مواجهتها الحركة العمالية وأحزابها. أولهما هو العنف، الاضطهاد، الحظر، والقمع. يعد هذا الأسلوب إقطاعياً، قروسطياً في أساسه. في كل مكان هناك فئات وأقسام من البرجوازية –صغيرة في الدول المتقدمة وأكبر في الدول الأخرى- تفضل هذا الأسلوب، وبالتحديد، فإنه وفي اللحظات الحرجة للنضال العمالي ضد عبودية الأجر " wage-slavery" أيّدت البرجوازية ككل استخدام هذا الأساليب القروسطية، والأمثلة التاريخية على ذلك نجدها في الحركة الشارتية في إنكلترا، وفي فرنسا 1849 و1871.
الأسلوب الثاني الذي تتبعه البرجوازية في مواجهة الطبقة العاملة وهو أسلوب أخبث وأكثر دهاءً ونعومةً يتمثل بتفرقة العمال، تمزيق صفوفهم، رشوة قادتهم وممثليهم وفئات معينة من البروليتاريا لغاية كسبهم إلى صفها. هذا الأسلوب لا يعد إقطاعياً بل هو برجوازي 100%، حديث، يتماشى مع العادات الحضارية والمتقدمة للرأسمالية والنظام الديمقراطي.
فالنظام الديمقراطي هو سمة المجتمع البرجوازي، سمته الأنقى والأمثل، حيث يتم الخلط بين أكبر قدر من الحرية، والنطاق والوضوح للصراع الطبقي بأساليب ماكرة، لأجل نشر تأثير أيديولوجيا البرجوازية بين العمال بهدف ثنيهم عن النضال ضد عبودية الأجر. وتمشياً مع تخلف روسيا غير المحدود، فإن الأساليب الإقطاعية لسحق الحركة العمالية سائدة على نحو مرعب في تلك البلد.
على كل حال بعد العام 1905، لوحظ تقدمٌ ملحوظ في تطبيق الأساليب الليبرالية والديمقراطية في خداع وإفساد العمال. لدينا ضمن هذه الأساليب الليبرالية على سبيل المثال: تعميق الإنتماء القومي، الميل القوي لتجديد وإحياء الدين "من أجل الشعب" (سواء بشكل مباشر وغير مباشر، بشكل تطوير مثالي للفلسفة الكانتية والماخية)، نجاحات النظريات البرجوازية في الاقتصاد السياسي (مضافاً لها نظرية قيمة العمل، أو الاستعاضة عنها) .....إلخ.
ومن ضمن الطرق الديمقراطية لخداع العمال وإخضاعهم للأيديولوجيا البرجوازية (التصفويين liquidationist -حركة الناردونيين-الكاديت). هذه هي الكلمات التي نود أن نسترعي انتباه قرائنا إليها في المقال الحالي حول بعض الأحداث الخاصة التي وقعت على هامش الحركة العمالية.
1- التصفويين والنارودنيين حليفان ضد العمال:
لقد قيل بأن التاريخ مغرم بالسخرية، بخداع الناس، بإرباكهم، تاريخياً يحدث هذا للأفراد والجماعات والموجات التي لا تدرك ما تمثله حقاً، أي، تفشل في إدراك لأي طبقة تنتمي في الواقع وليس كما تتخيل، سواء أكان هذا التخيل ناتج عن النقص في الفهم شيء أصيل فيهم أو نفاقي، فإنه سؤال يهم كاتبي سير هؤلاء الأفراد، ولكن لدارس السياسة فإن هذا السؤال ثانوي، على أقل تقدير.
الشيء المهم هو كيف يفضح التاريخ والسياسة الجماعات والموجات ويكشف الطبيعة البرجوازية المتوارية خلفهم "الاشتراكية الزائفة أو الماركسية الزائفة"، في عصر الثورات الديمقراطية-البرجوازية، خالت عشرات من الجماعات والتوجهات في كل مكان نفسها اشتراكية وتظاهرت بذلك (راجع على سبيل المثال المدارس التي أوردها ماركس وإنجلز في الفصل الثالث من المانيفستو الشيوعي)، لكن التاريخ سرعان ما كشفهم على حقيقتهم في غضون عشرة أو عشرين سنة أو حتى أقل من ذلك، وروسيا الآن تمر بنفس المرحلة.
مضى أكثر من عشر سنوات على انحراف الاقتصادويين، ولاحقاً خلفاؤهم المناشفة، ولاحقاً خلفاء المناشفة "التصفويين" عن حركة الطبقة العاملة.
كان المناشفة بخاصة صاخبين بتأكيداتهم بأن البلاشفة قد تقاربوا مع النارودنيين... والآن أمامنا تحالف واضح بين النارودنيين والتصفويين موجهٌ ضد الطبقة العاملة وضد البلاشفة، الذين ظلوا أوفياء لهذه الطبقة.
التحالف بين البرجوازية الصغيرة والإنتجلنسيا التصفوية والنارودنيين ضد العمال، ما زال يتطور تلقائياً. في البداية نشط بالممارسة، وليس من الغريب أن يُقال بأن الممارسة تستبق أو تعبِّر عن النظرية (خاصة في حالة أولئك المَقودين بنظرية خاطئة).
عندما قام عمال سان بطرسبرغ بخلع التصفويين من مكاتبهم، وطرد ممثلي النفوذ البرجوازي من الإدارة التنفيذية للنقابات العمالية، ومن مناصبهم في مجالس التأمينات الاجتماعية، وجد التصفويون أنفسهم في تحالف مع النارودنيين.
"حالما وصلنا إلى القاعة (حيث ستتم انتخابات مجلس التأمين)" كتب نارودني مخلص وساذج في Stoikaya Mysl، العدد الخامس، " فإن الموقف الفئوي والضيق المتخذ من قِبل البرافديين Pravdists (نسبةً لجريدة البرافدا-المترجم) غدا واضحاً، لكننا لم نفقد الأمل، فأعددنا مع التصفويين قائمة انتخابات غير حزبية تمنحنا مقعد واحد في المجلس ومقعدين بديلين" (راجع Put Pravdy No. 38, March 16, 1914)
التصفويون المساكين، أي لعبة وحشية قد لعبها التاريخ معهم! كيف فضحهم بلا هوادة هذا "الحليف والصديق الجديد" اليسار النارودني!
لم يستطع التصفويون حتى أن يتخلوا عن بياناتهم وقراراتهم الرسمية جداً في العام 1903 والسنوات الأخرى، واصفين اليسار النارودني بالديمقراطيين البرجوازيين!
لقد فضح التاريخ عباراتٍ، وبدد أوهاماً، وكشف الطبيعة الطبقية للجماعات. كل من النارودنيين والتصفويين هم مجموعات من المثقفين البرجوازيين الصغار ، الذين أبعدهم العمال الماركسيون عن الحركة العمالية، والذين يحاولون التسلل مرة أخرى تحت غطاء من الادعاءات الكاذبة.
إنهم يستخدمون عباراتٍ براقة "التحزب" كعباءة، كلمةٌ كان قد استخدمها زعيم الاقتصادويين آكيموف Akimov سيء السمعة كسلاح ضد الإسكريين Iskrists (نسبةً لجريدة الشرارة-المترجم) في المؤتمر الحزبي الثاني في 1903، كلمة آكيموف البراقة، من انتهازي متطرف، كانت السلاح الوحيد المتبقي للتصفويين والنارودنيين. يبدو أن هذه الخرقة من Sovremennik (جريدة المعاصر-المترجم) قد أتت إلى العالم بقصد محدد وهو كشف القناع -لكل من يفقه- كم كان عفناً وعديم الفائدة وصدئً هذا السلاح.
هذه الجريدة (المقصود Sovremennik-المترجم) حدثٌ مذهل في عالمنا الصحفي الديمقراطي، جنباً إلى جنب مع أسماء مساهمين غير رسميين (تحتاج إلى دفع جميع أنواع الناس إلى مجلات غريبة من أجل كسب القليل من المال!)، نجد بكل وضوح خليطاً من الأسماء التي تمثل خليطاً من الاتجاهات.
الليبرالي بوغوشارسكي، النارودنيين: سوخانوف، راكيتنيكوف، ب.فورونوف، ف. شيرنوف، وآخرين، التصفويين: دان، مارتوف، تروتسكي وشير (اسم بوتريسوف قد ظهر في العدد 66 من مجلة Severnaya Rabochaya Gazeta بجانب بليخانوف، ولكن لسببٍ ما فقد اختفى)، والماخيين: بازاروف ولوناشارسكي، وأخيراً ج.ف. بليخانوف البطل الرئيسي لـ Yedinstvo"الوحدة" (تهجأ بلكيهما أحرف صغيرة وكبيرة)، مثل هذه الأسماء المتفاخرة تتألق في قائمة المساهمين في جريدة "المعاصر"، وبالتماشي مع هذا، الاتجاه الأبرز للجريدة هو دفاع (النارودنيين) عن التحالف بينهم وبين الماركسيين! (بدون مزاح!). يمكن للقارئ أن يحكم على ماهية هذه الدعوة من المقالات التي صاغها السيد سوخانوف ، رئيس هذه المجلة.
فيما يلي بعض أهم "أفكار" هذا الرجل:
"الانقسام القديم، على كل الأصعدة، قد اختفى، لم يعد من الممكن تحديد أين تنتهي الماركسية وأين تبدأ النارودنية، كليهما سيوجدان على الجانبين، وكِلا الجانبان ليس ماركسياً ولا نارودنياً، بالفعل هل يمكن ذلك؟، هل يمكن لأي جمعي collectivist في القرن العشرين أن يفكر بغير الطريقة الماركسية؟ وهل يمكن لأي اشتراكي في روسيا أن يكون أي شيء غير نارودني؟"
"نفس الشيء يجب أن يقوله حول البرنامج الزراعي الشيوعي الحالي كما قلنا في المرة الماضية حول البرنامج الزراعي النارودني: هو ماركسي في أسلوبه ولكن نارودني في أهدافه العملية، يلتمس السيرورة التاريخية للأشياء ويسعى لتجسيد شعار: الأرض والحرية". (No. 7, pp. 75–76.)
أظن أن هذا يفي بالغرض! يتفاخر سوخانوف علانية بأن بليخانوف متفقٌ معه، لكن بليخانوف صامت!
لكن دعونا نتفحص حجج السيد سوخانوف، لقد "صفّى" الحليف الجديد لبليخانوف "والتصفويين" الفوارق بين الماركسية والناردونية على أساس أن -حسبما يدعي- الأهداف العملية لهذين الاتجاهين تجسد شعار (الأرض والحرية). إنها بالمطلق حجةٌ للدفاع عن "الوحدة" بين العمال والبرجوازيين. بإمكاننا القول، على سبيل المثال، بالنظر "إلى أهدافهما العملية" فإن العمال والليبراليين البرجوازيين "يسعون إلى تجسيد" شعار "الدستور". من هذه النقطة، فإن على ذكاء السيد سوخانوف أن يخلص إلى أن الانشقاق بين البروليتاريا والبرجوازية قد "صُفّيَّ"، وبالطبع "فإنه من المستحيل أن نحدد" أين "تنتهي" الديمقراطية البروليتارية وأين تبدأ الديمقراطية البرجوازية.
خذ نص البرنامج الزراعي الماركسي. سوخانوف يتصرف كليبرالي برجوازي ينتقي شعاراً "عملياً" "الدستور!" ويعلن أن الاختلافات بين النظرة الاشتراكية والبرجوازية للعالم هي مسألة " اختلافات نظرية بحتة"! لكن عن إذن السيد سوخانوف، إن معنى وأهمية الشعارات العملية، مصلحة أي طبقة تخدم هذه الشعارات؟ وكيف تخدمهم؟ هي مسائل مهمة للوعي الطبقي للعمال ولكل من يبدي اهتماماً بالسياسة، ولا يمكن أن نكون غير مبالين حيالها.
فيما يتعلق بالبرنامج الزراعي الماركسي (والذي يستشهد به السيد سوخانوف لكي يشوهه) وفي الحال يجد عقب النقاط العملية التي هي موضع جدل بين الماركسيين (على سبيل المثال: سلطة البلديات)، نقاطاً أخرى ليست محلاً للجدل.
"بغيةً القضاء على ما تبقى من نظام القنانة، والتي تثقل كاهل الفلاحين، وبغية تسهيل حرية تطور الصراع الطبقي في المناطق الريفية...." هكذا يبدأ البرنامج الزراعي الماركسي. بالنسبة للسيد سوخانوف فهذه مسائل "تجريدية"! سواء أكنا نريد دستوراً لتسهيل التطور الحر للصراع الطبقي بين البروليتاريا والبرجوازية أو لتيسير "التناغم الاجتماعي" بين العمال والرأسماليين فإنه لا فرق، إنها "مسائل نظرية بحتة". هذا ما تحملنا البرجوازية على التصديق به.
عندما يتبنى البرجوازي هذا الخطاب مع العمال فهو فعلاً يعبر عن مصالحه الطبقية. يتصرف السيد سوخانوف تماماً كبرجوازي عندما يواري سؤال "لأجل ماذا نحتاج الإصلاح الزراعي؟" لأجل تسهيل التطور الحر للصراع الطبقي بين العمال وأصحاب العمل، الكبار والصغار، أم لأجل تيسير "التناغم الاجتماعي" بينهما بمعاونة الكلمة البرجوازية البراقة "اقتصاد العمل"؟
بعد ذلك نقرأ في البرنامج الزراعي الماركسي بأن الماركسيين "سيقفون دائماً وأبداً في وجه أي محاولة لإعاقة التقدم الاقتصادي". كما هو معلوم، ولهذا السبب بالذات يؤكد الماركسيون بأن كل محاولة، حتى لو كانت بسيطة، لتقييد حرية تنظيم أراضي الفلاحين (كالبيع، الشراء، الرهن..إلخ) هو إجراء رجعي ضار بالعمال والتنمية الاجتماعية ككل.
يقف الناردونيين –من "الكاديت الاشتراكيين" بيشيخونوف Peshekhonov ليسار السيميلايا ميسل Smelaya Mysl "الفكر الشجاع"- مع تقييد حرية التنظيم بطريقة أو بأخرى. إن الناردونيين من أسوأ القوى الرجعية في هذه المسألة، حسبما يقول الماركسيون.
يتملص السيد سوخانوف من هذه النقطة! ويعزف عن التذكر بأن هذا بالذات ما حدى ببليخانوف ليطلق على الناردونيين لقب "الاشتراكيين-الرجعيين"، فيحيّد السيد سوخانوف "النظرية المجردة" جانباً بحجة وقوفه مع "الممارسة"، ويحيّد "الممارسة" (حرية تنظيم أراضي الفلاحين) بحجة وقوفه مع شعار "الأرض والحرية".
خلاصة القول، إن السيد سوخانوف ليس أكثر ولا أقل من برجوازي يسعى إلى طمس الصراع الطبقي بين العمال وأصحاب العمل.
وإليهم يشير البرنامج الزراعي الماركسي حين يقول:
" في كل الحالات وكل الظروف المتصلة بالإصلاح الزراعي الديمقراطي (ملاحظة: في ظل كل الحالات وجميع الظروف، أي، سلطة البلديات، المقاطعات، أو أي شكل آخر)... فإن هدف الماركسيين هو العمل بثبات نحو التنظيم الطبقي الحر للبروليتاريا الريفية، لنشرح لها (المقصود البروليتاريا الريفية -المترجم) العداء المزمن بين مصالحها وبين مصالح أولئك المنتمين للبرجوازية الفلاحية، لنحذرها من أن تُخدَع بنظام المزارع الصغيرة، التي لن تكون قادرة على القضاء على الفقر بين الجماهير طالما وجد الإنتاج السلعي"....إلخ.
هذا ما يقوله البرنامج الزراعي الماركسي. هذه بالضبط هي النقطة التي قبلها المناشفة من مسودة البلاشفة في مؤتمر ستوكهولم، أي، النقطة الأقل خلافاً والتي تحظى بقبول عام بين الماركسيين.
هذا ما يقوله في النقطة الأكثر أهمية فيما يتعلق بالمسألة الناردونية، والتي تُعنَى بـ"نظام المزارع الصغيرة" إلا أن السيد سوخانوف يمر على هذه المسألة كالنسمة.
لقد ألغى السيد سوخانوف "الانقسام القديم"، بين اتجاه الماركسية والناردونية، عبر تجاهله للصيغة الواضحة والمحددة في "البرنامج الزراعي الماركسي" الموجه ضد الناردونية!
بلا شك، فإن السيد سوخانوف محض مدعٍ –ونرى العديد على شاكلته- ممن لا يملك أي فكرة عن الماركسية، وباستخفاف "يُجهِز" على الانقسام غير الهام بين الماركسية والناردونية.
في الحقيقة، الماركسية والناردونية قطبان متباعدان، على مستوى النظرية وعلى مستوى الممارسة. نظرية ماركس عن تطور الرأسمالية والصراع الطبقي بين العمال وأصحاب العمل. ونظرية الناردونية هي نظرية تجميل البرجوازية للرأسمالية بمساعدة كلمات براقة كـ"اقتصاد العمل"، نظرية تسفِّه وتعتِّم وتحجب الصراع الطبقي عن طريق هذه الكلمات البراقة، عبر تأييد التقييد لعملية تنظيم الأراضي، وغيرها من الأمور.
تاريخياً، فإن عمق الهوَّة بين الماركسية والناردونية يتبدى "بالممارسة" –وليس بالشعارات، بالطبع، وحدهم المغفلون من يعتبرون "الشعار" مساوٍ "للممارسة"- فقط عبر الممارسة من خلال النضال الجماهيري والعلني في 1905-1907. دللت هذه الممارسة على تماهي الماركسية مع حركة الطبقة العاملة وأن الناردونية قد تماهت (أو بدأت تتماهى) مع حركة البرجوازية الفلاحية الصغيرة (اتحاد الفلاحين، انتخابات مجلس الدوما الأولى والثانية، الحركة الفلاحية، إلخ).
تؤيد الناردونية البرجوازية الديمقراطية في روسيا، هذا ما أثبته نصف قرن من تطور هذا الاتجاه والنضال الجماهيري والعلني في 1905-1907. وقد تم الاعتراف بذلك مراراً وتكراراً وبشكل رسمي وحازم من قِبل الهيئات العليا "للماركسية ككل" من 1903 لغاية 1907، وصولاً للمؤتمر الصيفي لعام 1913.
إن التحالف الذي نراه اليوم بين المدافعين عن الناردونية (شيرنوف، راكيتنيكوف، وسوخانوف)، ومختلف أصناف مثقفي الاشتراكية الديمقراطية والذين إما أن يكونوا معادين جهاراً "للقواعد"، أي حزب العمال، (كالتصفويين دان، مارتوف، وشيريفانين)، أو مساندين لهذه المجموعات غير العمالية من التصفويين (تروتسكي وشير، بازاروف، لوناشارسكي وبليخانوف)، إن هذا التحالف لا أقل ولا أكثر من تحالف لمثقفي البرجوازية الموجه ضد العمال.
إننا نعتبر البرافدية تعبيراً عن وحدة العمال على أساس اعترافٍ حقيقي بـ"التنظيم السري" والقرارات المحددة التي تنسق وتقود التكتيكات بالطرق القديمة (قرارات يناير 1912 وفبراير وصيف 1913). وفي الواقع فإن البرافدية قد وحدت بين أول يناير 1912 والثالث عشر من مايو 5674 مجموعة من العمال، في حين وحّد التصفويون 1421 مجموعة، بينما لم يقدر الفبريوديين Vperyod، بليخانوف، تروتسكي وشير، على توحيد أي مجموعات. (راجع Rabochy No. 1, “From the History of the Workers’ Press in Russia”, p. 19 and Trudovaya PravdaNo,2, of May 30, 1914.[3)
في الواقع فهذا التوحيد بُنيَ على قاعدة صلبة من التكامل والشمول -من حيث المبدأ- والاتساق للقرارات المتصلة بكل المسائل التي تؤثر على حياة العمال الماركسيين. هنا لديك حق مطلق وغير منقوص -للأربعة أخماس (المقصود المجموعات البرافدية)- لتُمثَّل، لتتصرف، ولتتحدث باسم الكل.
ولكن تحالف سوفريمنك (جريدة المعاصر-المترجم) بين قادة الناردونية وكافة أصناف مجموعات الاشتراكيين الديمقراطيين غير العمالية (بلا تكتيكات محددة، بلا قرارات محددة، تعقل فقط النوس بين الاتجاه والجسد الموحد للبرافدية من جهة، والتصفويين من جهة أخرى) –بزغ بشكل تلقائي. لم يتجاسر أحدٌ من "مجموعات الاشتراكيين الديمقراطيين غير العمالية" صراحةً أن يعلن تأييده لمثل هكذا تحالف، بوضوح وعلانية- لأن المؤتمر الصيفي في 1913 أعرب عن معارضته لتحالفٍ مع الناردونيين! أياً من هذه المجموعات، لا التصفويين، وجماعة فبريود Vperyod، لا بليخانوف وجماعته، ولا تروتسكي وشركاه، تجاسر على ذلك! جميعهم سبحوا مع التيار، مدفوعين بعدائهم للبرافدية وبرغبةٍ في سحقها أو إضعافها، ونشدوا غريزياً مساندة أي معادي لأربعة أخماس العمال- التصفويين من سوخانوف وشيرنوف، سوخانوف وشيرنوف من بليخانوف، بليخانوف من هذين الاثنين، وبالمثل تروتسكي...إلخ.
لم تُظهِر أي من هذه المجموعات سياسة موحدة، ولا أي تكتيكات يمكن أن يقال عليها محددة، ولا حتى بياناً صريحاً للعمال تدافع فيه عن تحالفها مع الناردونيين.
إنه أخس تحالف بين المثقفين البرجوازيين ضد العمال، يرثى لحال بليخانوف الذي وجد نفسه ضمن هذه الجماعة سيئة السمعة، لكن دعونا نواجه الحقيقة، بإمكان الناس إذا أرادوا أن يطلقوا على هذا التحالف "توحيد"، ولكننا نسميه انشقاقاً عن الطبقة العاملة، وتثبت الوقائع صحة نظرتنا.
رابط المقال الأصلي: https://www.marxists.org/archive/leni/works/1914/jun/x01.htm
n








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - البورجوازية الوضيعة
فؤاد النمري ( 2018 / 11 / 20 - 12:38 )
كل الشكر للكاتب على هذا المقال التاريخي الذي يستجيب لما كتب لينين في كتابه -الضريبة العينية- 1922 يقول .. يجب فضح أولئك الشيوعيين الذين لم يدركوا بعد الدور الاقتصادي والسياسي التخريبي للبورجوازية الوضيع وقد غدت العدو الرئيسي للإشتراكية

تروتسكي كان يقود التصفويين ما بين 1912 - 1917 وقد حذر منهم لينين على أنهم لا يريدون أن يصفوا الخلافات بين البلاشفة والمناشفة كما يعلنون بل يصفوا البلاشفة

البورجوازية الوضيعة هي التي قامت بانقلاب ضد الاشتراكية في العام 53 بقيادة الجيش بعد رحيل ستالين وهي اليوم تحكم العالم بواسطة الدولار الزائف المكشوف ولذلك أجلها قريب جداً لن يطول لبضع سنوات

تحياتي

اخر الافلام

.. هنية يزور تركيا لإجراء محادثات مع الرئيس التركي رجب طيب أردو


.. توقعات بموجة جديدة من ارتفاع أسعار المنتجات الغدائية بروسيا




.. سكاي نيوز عربية تزور أحد مخيمات النزوح في رفح جنوبي قطاع غزة


.. حزب -تقدّم- مهدد بالتفكك بعد انسحاب مرشحه لمنصب رئاسة مجلس ا




.. آثار الدمار نتيجة قصف استهدف قاعدة كالسو شمالي بابل في العرا