الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بلداننا وماضينا: هاوية التنقيب عن الذات

أمنية حامد

2018 / 10 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


تمر بلداننا بمرحلة هي بالضرورة مرحلة لإعادة تشكيل وعي الامة، و ذلك لاحداث نوع من التناسق ما بين ماضي بلداننا و المتغيرات العنيفة و المكثفة التي تشهدها مجتمعاتنا.
فلا يستطيع مجتمع ما التعايش بدون تحقيق حد ادني من التكيف مع واقعة وبيئته، فان تغير هذا الواقع فجأة، يكون علي المجتمع فيه البحث في ذاكرته لإعادة قراءة ماضيه (في ضوء واقعه) لإحداث نوع من التناسق والتكيف يمكنه من التعايش مع الواقع واستشراف لخطواته. وذلك لما تتسم به مثل تلك المراحل من تصاعد للتوتر و الاضطراب المجتمعي، المجتمع في ذلك مثله كمثل شخص فقد خريطته أو تبدلت الارض من تحت اقدامه.

و عليه تتميز تلك المرحلة بتوجهيين اساسيين علي الصعيد الفردي و المجتمعي: التنبة بالتغيير، و النبش في الماضي.

وهما توجهان نجد صداهما في كتابات بعض مفكرينا، ممن يرون فيهما بذور لنمو الوعي السياسي و المعرفي للمواطن، كذلك نجد صداهما في نداءات البعض الأخر ممن يرون فيهما رياح مواتية لهبوب تحرك شعبي عريض علي غرار ثورة .
إلا ان التوجهيين - في رأينا- لا يعنيان بالضرورة التعامل مع معضلة احداث التناسق بايجاد مخرج “مثالي”، أو التوصل لرؤية “حقيقية” أو “ممثلة” للماضي/ الحاضر. و يكون الخطر هنا هو تيقظ المواطن و نبشه في الماضي و لكن تخبطه، دون الوصول لتناسق يمكنه من تحسس خطواته بما يضمد الاضطرابات و التوترات المتصاعدة. وهو ما قد يتسبب في إحداث إنفصام للفرد عن واقعه أو تفتت في النسيج المجتمعي وما لذلك من اشكالات عدة من مظاهر الانحرافات المجتمعية، خاصة لما لتلك التوجهيين من إعادة قراءة لرموز وطنية وشعبية و تمعن في رؤية للذات و العلاقة بالآخر.

في نفس السياق، نجد هبوب للسلطات الحاكمة للعب دورا في محاولة تشكيل ذاكرة ووعي الأمة، وذلك للمحافظة علي استقرار النظام و احتواء الغضب المتزايد و المتوقع كردة فعل للمتغيرات المكثفة التي يشهدها المجتمع، خاصة عندما يري المواطن ان التغيرات قد جلبت بأيدي السلطات الحاكمة. وكما قد تفشل جهود المواطن في ايجاد المخرج السالم، نجد ان جهود الحكومة قد تكون المجراف الذي يمهد الطريق للهاوية، عوضا من ان تكون طوق النجاة.

علي الأخص، يمكننا حصر أربع توجهات اساسية لسلطات بعض بلداننا و التي في رأينا تعضد لحالة الانفصام وتزيد من الاضطربات المجتمعية وتعجل بالهاوية:

- تغييب المواطن كشريك: تعمل بعض التوجهات المشاهده علي اصعدة عده في بلداننا علي تبديل دور المواطن من شريك أو فاعل إلي مشاهد أو مفعول به. فنجدنا امام توجهات تطالبه بالانتظار جانبا، تارة لمشاهدة اعجازات في طريقها إليه، و تاره أخري بالتحلي بالصبر و المصابرة والثقة المطلقة بالسلطة.

- فصل عمدي و تبلور لجماعة منفردة: بينما يتم فصل المواطن و عزله من دور الشريك الفاعل، نجد توجه مصاحب يعمل علي فصل لبعض شرائح المجتمع أو المنظومات أو الجماعات بدعوي تفرد و قداسة تلك الجماعات. وذلك علي غرار تقديم شريحة ما كالبطل المنفرد لملحمات الوطن، أو تبلور لجماعة ما كالجماعة “الفاعلة” التي تبني و تشيد و تقدم الخبز و ترصف الطرق و تحمي الوطن، مقارنة بالمواطن “الفقير جدا”، و العبء المتزايد علي عاتق السلطة التي لا تنام. علي نفس الغرار، نجد مبادرات بعض السلطات بفصل القطاعات الحكومية و السلطوية وعزلها جغرافياً في مكان آخر بعيدا عن رجل الشارع.

- العنف أو البطش و تغييب التباين: بينما تتبلور جماعة كالبطل الأوحد، نجد تصاعد للعنف تجاه جماعات أخري أو أفراد من نشطاء أو صحفيين أو ممن جاهش برأى معارض لمسار السلطة وما يصاحب ذلك من تضييق الخناق علي الرأي الآخر و تباينه.-

- الخروج عن حدود المصداقية: فما بين نداءات السلطات لشعوبها بالتحلي بالصبر في مواجهة التغيرات، نجد سلطات بعض بلداننا تبالغ بالوعود، مبالغات تخرجها عن إطار المعقولية و حدود المصداقية. وتكون النتيجة ليست فقط خيبة أمل للمواطن الذي صبر، أو تعلمه بعدم مصداقية الوعود، بل تكون النتيجة هي التشكيك بمقدرة السلطة علي تكوين رؤية واقعية أو إدارة الدفة في ظل المبالغات التي لا تتحقق. كذلك نجد البعض الآخر من سلطاتنا تهلل بإنجازات و نجاحات لا يشعر بها المواطن و كأن هناك واقع معايش و وواقع آخر هو حديث السلطة و الاعلام الرسمي.

وها هو مواطننا امام محاولات لتجريده من شراكته في أوطانه، ليجلس علي دكة الانتظار بينما تُقدم له رؤية مغايرة لماضيه، فلا هو ممن تُوج مع الابطال وليس هو بالقادر علي المعارضة أو التباين خشية المعاقبة. مواطن يسمع ويشاهد تهليلات لانجازات لا يطولها، مواطن يشهد نحت في نسيجة المجتمعي بتعظيم البعض و التنكيل بالبعض الآخر. وبينما رضي الكثير من المواطنين بالتخلي عن الحقوق السياسية (ولو مرحليا) تحت وعود بجني الثمار التنموية و الاقتصادية، وجد المواطن نفسه كمن رجع بخفي حُنَينِ. مع هذا الاضطراب نجد محاولات منحرفة بتقديم قراءات لواقعنا وتاريخنا والتي لا يمكننا وصفها إلا بالقراءات المغرضة.

ستنبش مجتماعتنا في ماضيها، و تعيد لإلقاء الضوء علي الكثير من اركانه وزواياه بهدف اعادة التوازن و منطقة الواقع ازاء ما يجابهه مواطننا من المتغيرات الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية. وكما نجد محاولات منحرفة للعبث بوعي الأمة، نجد بزوغ لومضات تحكي عن ثروات شعوبنا و أمجاد مواطننا.

أممنا امام مرحلة للتنقيب في ذاكرتها و إعادة قراءة ذاتها، و علي الكثير منا المساهمة بحمل مرآة تتمكن فيها شعوبنا من التعرف علي النقاط المضيئة في ماضيها، من مواقف ووقفات لأفراد و جماعات و زعماء، مرآة تحفظ ماضينا بعيدا عن محاولات تشويهه، و تمكننا من مواجهة نقاط ضعفنا لتخطيها (وليس لكسر إرادة شعوبنا).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل شخص وجرح آخرين جراء قصف استهدف موقعا لقوات الحشد الشعبي


.. فايز الدويري: الهجوم رسالة إسرائيلية أنها تستطيع الوصول إلى




.. عبوة ناسفة تباغت آلية للاحتلال في مخيم نور شمس


.. صحيفة لوموند: نتيجة التصويت بمجلس الأمن تعكس حجم الدعم لإقام




.. جزر المالديف تمنع دخول الإسرائيليين احتجاجًا على العدوان على