الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأملات فلسفية -3-

شادي كسحو

2018 / 10 / 30
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



1- أن نفكر بلا أمل
يقاوم الفقراء الأغنياء، ويقاوم الأغبياء الأذكياء دون جدوى. يزداد الغني غنى، ويزداد الفقير فقراً. ويزداد الأذكياء ذكاءاً والأغبياء غباءاً. ما الذي يجري؟. لا أحد يريد أن يعترف بأن النظام الذي نعيش فيه قد قام بإغماد كل محاولة للتمرد عليه. إطفاء كل رغبة أو مجرد أمنية بعالم أفضل. إنه الطور الأقصى لتهكم النظام من العالم، أو لتهكم الموضوع من الذات. الكل يمارس لعبته المفضلة. الرسام. المفكر. الموسيقي. الشاعر. لكن كل هؤلاء لا ينتبهون إلى السخرية العميقة لألعابهم. نحن نلعب خارج النظام، أي خارج الأسوار التي بناها النظام حول نفسه وهذا ما يفسر التحولات المخيفة التي لحقت وتلحق بالبشر في كل مكان من العالم الحالي.
من في كل العالم يستطيع أن يجاري سرعة العالم الحالية؟. من يستطيع ألا ينكر أنه خارج لعبة العالم ويضرب بالكلمات كعجوز دونكيشوتي بلا طائل. هكذا تحول العالم فجأة إلى حفلة تنكرية لممارسة أدوار ووظائف بلا معنى. أو هكذا تم إلحاق هزيمة تاريخية بالانسان وكل أمراضه المزمنة وإلقائه خارج ميدان اللعب الحقيقي. أسيجة منتصبة. أسوار قائمة. كريستال ملون يطردنا في كل الجهات. وبعد، انحطاط. تقهقر. ألم. جوع. فراغ. تعب. ضياع. موت. ثمة كوكب ملغي بمحو نفسه. وجود ملغي بضعفه. إننا ننتمي اليوم إلى عالم لا يعرف فيه الجلادون أن يضعون/ يخبئون الضحايا ومع ذلك ما زلنا نموت. أن نفكر اليوم معناه أن نفكر بلا أفعال. موت الفعل. يرى. يسمع. يتكلم. يكتب. يثور. يضحي. الوجود ذاكرة بلا أفعال. هو ذا مصيرنا المحتوم: أن نجبر العالم أن يقول من أجل أن لا يفعل. يخون الوجود نفسه بعد امتلاك كل شيء قابل للعطب. لقد جرى اتلاف كلي لمبدا الاتلاف نفسه. وجود بلا سلب. هل ثمة متسع ل كانط هنا: ماذا يجب أن نفعل؟ لا. ثمة فقط مبدا اتلاف وحيد: أن نموت من الصوت. أن نلعب بلا هدف. أن نسير بلا اتجاه. أن نقاوم بلا قضية. أن نموت بلا معنى. أن نفكر بلا أمل.
2- الليل الروحي للأمة:
سأطلق من الآن فصاعدا هذا التعبير بوصفه الاسم الثاني أو لنقل: الاسم الرسمي للعدم التاريخي المقيم في الذات العربية التي صارت اسما لروح تاريخية متحجرة لا سلب فيها. إنه جزء من حالة العماء الانطولوجي حيث لا يبقى من الفردوس المفقود إلا صورته الكاريكاتورية، فإذا به باروديا الثابت. الذات العربية اليوم هي كيان بلا صيرورة. أو كيان يمتلك صيرورة خائرة القوى تسمرت في وجود لا زمني، متقوقعة على ذاتها في لحظة عاقر. منكفأة على كنز ميتافيزيقي لا يزيدها إلا فقراً، ذات كسولة، مترهلة، ومع ذلك فهي راضية لأنها متخمة بالخواء ومترعة بالثبات ومشبعة بالعدم. إن الكينونة المحرومة من السلب لا تجد راحتها إلا عن طريق تمجيد أوهامها المؤسسة، عن طريق إخماد قدرتها على تجاوز ذاتها، عن طريق إطفاء نيران حيويتها. عن طريق ذاك الانكسار نحو الداخل، نحو تاريخ مثالي لا يكف عن تأمل ذاته، نحو نزعة ماضوية جوفاء. هوية/ هاوية حط من شأنها تمتد إلى ما وراء الزمن هناك حيث كل شيء مسكون بصيرورة شبحية وكل تغير ليس أكثر من ديمومة زائفة أو لاغية..
3- مزحات التاريخ:
عندما تختنق الصيرورة في كينونة ما، تبدأ مزحات التاريخ الجادة والخطيرة هكذا يقتص التاريخ لنفسه من بلادة البشر. من زمنهم. من ضحكهم. من لعبهم. من حضارتهم. ليحيلهم أثراً بعد عين. هكذا يمزح التاريخ مع الشعوب. يعذبهم. يدمرهم. يفضحهم. فيعيد بذلك تأهيل فكرة الممكن. فها هي جرثومة الأبدية تتسلل إلى دمائهم من جديد.
4- الكلمة والسر:
لقد انتهى الزمن الذي كان فيه العالم مصدراً لصناعة النص وحياكته. انتهى أيضاً الزمن الذي تمارس فيه الكتابة حبها أو كرهها للأشياء. الكلمات اليوم هي انتصابات متوحدة لذوات ميتة. جثث جميلة. طقوس وهمية لواقع يأبى الوقوع في حبائل المعنى. لم تعد الصفحات البيضاء تغوي أحداً. ثمة زجاج صقيل ينوب منابها ويجعل من كل كتابة عبارة عن عقم مطلق يلاحق موته الخاص. عندما تفقد الكلمات علاقتها مع السر تخسر كل طاقتها. رب إنسية لم تعد حتى كلمة ما فوق الكتابة تنطبق عليها، فالكتابة اليوم أضحت احتفالاً مازوشياً بكارثة الانفصال الكلي عن العالم. كارثة ما فوق الواقع، بما هو علامة بارزة على أزمة نصوص ديجتالية وهايبريالية ومرقمنة ضحت وتضحي بكل علاقتها بالوجود من أجل عالم مصطنع وإجرائي ومفبرك. لقد سقطت الكتابة بدورها في فخ الاصطناع والتمويه. ماذا بوسع الكتابة حينئذ أن تفعل تجاه موضوعاتها غير السباحة عكس تيارها، أو غير مسخها و طردها والابتعاد عنها كما لو أنها لم تعد تشكل مصدرها الأصلاني؟. إنها فتنة الضوء الذي لا يبغض شيئا أكثر من السر. فتنة الضوء الذي بات يقوم بـ فبركة الأثر كبديل نهائي للسر والمعنى.
5- لا حقائق مريحة:
لا يوجد حقائق مريحة. كل حقيقة هي جريمة جديدة في حق الوجود. فوضی جذرية، أو مرض ينتابنا ويجعلنا ندمر عالما كان منذورا للركود والبلادة. الحقيقة هي تطاول علی العالم. بصقة، أو صفعة، أو ندبة، أو إهانة لعالم ركيك يلزمه حقد بروكوست واصرار سيزيف وطموح جلجامش. الحقائق المريحة هي مجرد وزن زائد للغباء.
6- فن الإبادة:
لم يعد بوسع الفكر إلا أن يكون ارتدادياً وتراجعياً. أن نفكر اليوم، يعني أن نعيد تصحيح كل ما قيل. لا يتعلق الأمر برفع الركام عن العالم من أجل كشفه وقشع ظلاله، بل من أجل إبادته التامة. إعدامه الكلي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مراسلنا: دمار كبير في موقع عسكري تابع لفصائل مسلحة في منطقة


.. إيران تقلل من شأن الهجوم الذي تعرضت له وتتجاهل الإشارة لمسؤو




.. أصوات انفجارات في محافظة بابل العراقية وسط تقارير عن هجوم بط


.. جيش الاحتلال يعلن إصابة 4 جنود خلال اشتباكات مع مقاومين في ط




.. بيان للحشد الشعبي العراقي: انفجار بمقر للحشد في قاعدة كالسو