الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأملات فلسفية - 4 -

شادي كسحو

2018 / 10 / 30
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



تأملات فلسفية
-4-


1- اختفاء العالم:
أيها السادة:
لقد تغير العالم..
لكم أن تعلموا أن ما يصدر عن يوتيوب وفيس بوك وتويتر من صور منذ عقدين لم تنتجه البشرية برمتها منذ بدء الخليقة.
كل ما تعلمناه من فكر قبل الاعتقال التقني للعالم، هو مجرد أفكار سعيدة لمفكرين وشعراء ينتمون لحدث انطولوجي مختلف عن هذا الذي نعيشه اليوم.
لقد سقطت كل نظرياتنا السعيدة: المؤلف. المعنى. الهوية. الذات. التاريخ. الجغرافيا. النص. اللوغوس. الله. اللوحة. الكتاب. الحب. الانسان. الايديولوجيا.
العالم يعيش شروداً رهيباً يجعله يبدو غريباً في عيون قاطنيه.
كل أفكارنا السعيدة بالقبض على العالم تحولت برمشة عين إلى تأملات متحفية لا تتعادل مع "لا شكل العالم" الذي نجد أنفسنا قابعين فيه.
نحن إذ نحتمل نصوص الآخرين قبل بداية القرن الحالي، فإننا لا نمارس سوى شكلاً من الأركيلوجيا أو الجينالوجيا التي يمارسها عمال المتاحف.
أن ننتمي للعالم. الآن هاهنا. أن نحتمل وجودنا في عصر الزوال والتلاشي والاختفاء.
رب قراءة طريفة دفعت فتحي المسكيني للقول: لم يعد المستقبل كما كان.
لا يا فتحي..كان حرياً بك أن تقول: لم يعد العالم كما كان.
نحن لسنا في وضعية الصيرورة والتقدم والأمل بعد الآن. إننا في وضع الخسوف. " وضع الفقاعة ". هنا حيث يشهد العالم على ضرب من الانطراد والهجران والخسران الكلي للشيء من ذاته، لا إلى نقيضه، بل إلى لا يقينه الكامل.
أيها السادة:
لست سوداوياً، لكنني أدعوكم من موقعي المتواضع للحداد على العالم. لكنه ليس حداداً على من مات، بل حداداً على من اختفى.
2- رسالة في المذهل
شاعر بلا قصيدة..
فيلسوف بلا مفهوم..
ثائر بلا حلم..
سياسي بلا أفق..
فنان بلا فن..
صحفي بلا أفكار...
وجود بلا موجود..
الفراغ يزج نفسه في كل مكان..
الموت يحشر أنفه في كل زاوية..
عصر "الفقدان الجذري للمعنی"، العالم وقد تحول إلی ماكينة لإنتاج الغباء وإحصاء الجثث وفهرسة التفاهة.
أنا لا أتحدث عن القبيح أو المرعب أو الفظيع، بل أتحدث عن ما هو أكثر قبحاً من القبيح وأكثر رعباً من المرعب وأكثر فظاعة من الفظيع. إنه المذهل.
ولكن ما هو المذهل؟.
إنه خروج الثنائيات عن طورها، والذهاب بالحدود إلی أقصی إمكانياتها.
عندما نعيش وسط ما هو أكثر غرابة من الغريب، وما هو أكثر يمينية من اليمين، وما هو أكثر فراغاً من الفارغ نحصل علی المذهل..
الانذهال هنا هو تماس انسان التقنية الجديد مع العدم.
الانذهال بكلمة واحدة: هو "استحالة التأسيس".
الانذهال بحصر المعنی: شرود الوجود.
أوديسيوس لن يعود..
الأرض لم تعد تعني له شيئاً..
أوديسيوس قرر أن يبقی تائهاً في البحر إلی الأبد.
3- عن الكارثة:
الشاحنات المحملة بأفكار وأحلام وردية علی طرقات حيواتنا السريعة ليست إلا وهماً. يثير سخريتي أولئك الذين يدّعون الأمل..إنهم يحتاجون إلی من يصفق لهم. التاريخ طريق معبدة بشخبطات الأظافر المنشوبة علی الطرقات من شدة الوجع. ما الذي في التاريخ غير أشجار متفحمة وأغصان محطمة بفعل إعصار أو تسونامي أو جائحة ما؟. "اللا إنساني" هو روح التاريخ، هو النقطة السوداء التي تجعل الوجود ممكناً وكلما تآكلت هذه النقطة كلما اقترب الوجود من شكله الكوميدي. نحو شهود علی عصر تحول فيه الرعب إلی مبدأ تماسك..الجثث والأوصال والأشلاء وتراكم البراز الناتج عن تحللها خزي لابد منه. أأقول لكم: لا وجود لتاريخ بريء.
هل ثمة نقيض للتاريخ؟ للمستقبل؟ للحاضر؟. نعم..الكارثة. تتعهد الكارثة بكل شيء..تجعلنا نقف تحت ظلالها أذلاء منتظرون.
4- ضد المنهج:
ما أن تصبح الكلمات شبيهة بلغة الرياضيات، حتى تفقد قوتها وجهنميتها. أن نطلب من فيلسوف أن ُيمنهج لنا العالم. يعني أن نطلب منه مزيدا من الأسيجة والأقنعة التي تحجبه عنا. إن من يطلب من الفيلسوف منهجا، أو سستاما لزج كل الوجود داخله، هو تماما كمن يطلب من رسول أن يشرح نبوءته للبشر. إن ما يجعل العالم نصا جميلا هو أنه يظهر لنا دائما متسربلا بالألغاز والأسرار. كل ما يوضح عبر السستام. من خلال جعل الشيء مشدودا نحو نقطة عطالته الذاتية لا ينتج إلا نفسه، بل ولا يستطيع أن يتجاوز الأسئلة التي طرحها على نفسه. نحن لا نستطيع أن نتدبر وجودنا في العالم إلا في شكل لغز جديد. أحجية جديدة. تفتح شهية البشر على الإحساس، أو فهم، أو معرفة، أو لعن هذا الوجود الذي ننتمي إليه.
5- الخالد:
الأكثر خلوداً بيننا ليس الأكثر حضوراً، بل الأكثر غياباً. الاكثر عبوراً وشروداً.
ذاك المتخلي عن حضوره. المنتشي بشغور مكانه. المحتفل بنسيانه الكامل. السعيد بتلاشيه المؤكد.
5- في ذكرى ميلاد تشي غيفارا:
تشققات. انهدامات. فجوات. شروخات عميقة جداً، بين جيلين يعيشان على نفس الكوكب. جيل الرسائل الورقية والماركسية والايديولوجيا وأهوال حربين عالميتين. وجيل ديجتالي ليزري كروي برورنوغرافي سيموت من الضحك لو سمع أن اليوم هو عيد ميلاد تشي غيفارا.
لأول مرة يبدو اللا انسجام بين أبناء هذه القرية البشرية فاضحاً وواضحاً وغير قابل للحل.
أنا لا أتحدث عن اغتراب من النوع الماركسي، بل أشير إلى عدم قدرة روح العالم على الالتقاء بنفسها، على عدم قدرتها على التعرف على عناصرها. أنا أشير إلى الهروب الجذري لكل شيء من إمكانية تحققه أو التقائه مع روح العالم الكلية.
6- العطش العظيم:
يوم يتفق البشر على معنى واحد للوجود لن يكون هناك أي مبرر للفلسفة. حول الفكرة، كما حول النار، نتحلق جميعنا مذهولين ومنجذبين كالفراشات إلى النار كي نحترق. يوماً ما ستمنح الفلسفة جسدها لنا. الفلسفة ابنة الليل. ابنة العطش العظيم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وسام قطب بيعمل مقلب في مهاوش ????


.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية: رئيس مجلس ا




.. مكافحة الملاريا: أمل جديد مع اللقاح • فرانس 24 / FRANCE 24


.. رحلة -من العمر- على متن قطار الشرق السريع في تركيا




.. إسرائيل تستعد لشن عمليتها العسكرية في رفح.. وضع إنساني كارثي