الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المسار- العدد (21)

الحزب الشيوعي السوري - المكتب السياسي
(The Syrian Communist Party-polit Bureau)

2018 / 10 / 30
مواضيع وابحاث سياسية




المسار- العدد (21) – تشرين أول/ أوكتوبر2018


افتتاحية العدد:
أوضاع سورية جديدة

منذ بداية الأزمة السورية مع درعا18آذار2011ركز مندوبوا الحزب الشيوعي السوري – المكتب السياسي في الاجتماع التأسيسي لهيئة التنسيق الوطنية في سورية بيوم25حزيران2011على فكرة التسوية السياسية بعيداً عن فكرة (اسقاط النظام)وعن فكرة (الاصلاح للنظام السياسي القائم).كان رأي حزبنا ،ومازال،أن (التغيير السياسي لللأوضاع السورية ومنها النظام السياسي القائم)يمكن تحقيقه عبر(التسوية السياسية) بين السلطة والمعارضة للخروج من الأزمة السورية القائمة منذ سبع سنوات ونصف.فكرة (التسوية)مبنية على أن هناك استعصاء توازني بين الطرفين السوريين المتصارعين،ثم الأطراف الاقليمية والدولية المنخرطة في الصراع السوري،بحيث لايستطيع طرفي الصراع الحسم لصالح أحدهما.هما لايستطيعان تكرار انتصار السلطة السورية في أحداث1979-1982ولاتكرار ماحدث ضد حسني مبارك في 11فبراير2011.(الأزمة السورية)تأتي من هذا الاستعصاء التوازني.بالتالي ليس هناك حلاً لهذه الأزمة،التي أصبحت بثلاثة طوابق متراكبة:دولية- اقليمية- محلية،إلاعبر طريق وحيد هو (التسوية السياسية)،وعلى أساس التوازن القائم بين هذه الطوابق الثلاث.كان ممكناً حل هذه الأزمة من خلال حوار سوري- سوري في ربيع وصيف2011قبل (التعريب)و(الأقلمة)في خريف2011وقبل أن يأتي (التدويل)للأزمة السورية من خلال (بيان جنيف1)في 30حزيران2012الذي أتى حصيلة توافق أميركي- روسي وقبل أن يدخل هذا التوافق،الذي وضعت خطوطه العامة في ذلك البيان،في التنفيذ العملي من خلال اتفاق 7أيار2013بين كيري ولافروف.السلطة السورية رفضت الحوار في ربيع وصيف2011على أساس تغيير الوضع القائم،ثم شاركها (المجلس الوطني السوري)،المشكل في اسطنبول بيوم2تشرين أول2011،في رفض الحوار على أساس(المبادرة العربية)ثم على أساس (بيان جنيف)في اصرار من قبل هذا المجلس،ورعاته الاقليميين،على (اسقاط النظام).
لم تستطع السلطة السورية الحسم والانتصار العسكري- الأمني،وكذلك لم تستطع المعارضة المسلحة أن تحقق الانتصار.كلاهما استعانا بالخارج ،والآن بعد سبع سنوات ونصف هذا الخارج هو المتحكم والمدير للصراع السوري الذي أصبح عملياً صراع دولي- اقليمي- محلي.هذا الخارج،أي روسيا وأميركا وتركية،وإلى حد "ما"ايران،هو الذي سيقرر شكل ومضمون تسوية الأزمة السورية.من خلال اتفاق17أيلول2018أصبح هناك موافقة روسية على "منطقة نفوذ تركية"في خط يمتد على طول الحدود التركية- السورية من منطقة ربيعة في محافظة اللاذقية مروراً بمحافظة ادلب ثم خط عفرين – اعزاز- الباب- جرابلس.هناك منطقة نفوذ أميركية في شرق الفرات مع أتباع سوريين محليين منخرطين في "مجلس سوريا الديمقراطية".
في عام2018شهدنا انفراطاً للتوافق الأميركي- الروسي الذي بدأ نظرياً مع (بيان جنيف)ثم أصبح عملياً مع اتفاق7أيار2013الذي أنتج (اتفاق الكيماوي السوري)في 14أيلول2013و(القرار2118)و(جنيف2)و(الدخول العسكري الروسي إلى سوريا)30أيلول2015وبياني فيينا(30تشرين أول2015-14 تشرين ثاني2015) و(مؤتمر الرياض1)8-10كانون أول2015ثم القرار225418كانون أول2015ثم (جنيف3)29كانون ثاني2016.كان أحد بوادر هذا الانفراط هو مابدأه الروس مع (مسار أستانة)منذ الأسبوع الأخير من عام2016في استغلال للتقارب الروسي- التركي من أجل فرض وقائع ميدانية جديدة على الأرض بقوة دفع ذلك التقارب.حاولت موسكو في "مؤتمر سوتشي للحوار السوري- السوري"في 30كانون ثاني2018 الانقلاب على مسار جنيف والقرار2254،الذي يقول بثلاثة مسارات:هيئة حكم انتقالي- الدستور- الانتخابات،من خلال حصر المسار التفاوضي السوري في (العملية الدستورية).كان موقف ديمستورا مرناً من خلال اتفاقه مع الروس على اللجنة الدستورية المقترحة أن تكون تحت وصاية الأمم المتحدة،وهو ماوافقت عليه (هيئة التفاوض)،ومع التأكيد من جديد على القرار 2254 ومتدرجاته.
الآن أصبح الخلاف الأميركي- الروسي معلناً على الأقل منذ منتصف آب2018:واشنطن تربط خروجها من سوريا واتفاقها مع الروس بإخراج القوات الايرانية ومواليها العسكريون من سوريا وبتنفيذ القرار2254بكافة متدرجاته،مع رفض حصر العملية التفاوضية في المسار الدستوري.هذا سيقود إلى تعويم مسار جنيف وإلى اعلان وفاة(أستانة)و(سوتشي)التي تعاملت معهما واشنطن من خلال سياسة غض البصر.يمكن تكثيف الخلاف الأميركي الروسي من خلال الصراع بين كتلتين:(مجموعة خمسة+2:الولايات المتحدة- بريطانية - فرنسة- السعودية- الأردن+ألمانية- مصر)و (ثلاثي سوتشي:روسيا- تركية- ايران).طبعاً الأوراق الصادرة عن الكتلتين توضح الاستقطاب السياسي بينهما،ولكن الاستقطاب العملي،بمايتضمنه من وجودات عسكرية للكتلتين على الأرض السورية،يوضح حجم الصراع وطبيعته ومساراته المتوقعة.على الأرجح أن الكباش الأميركي- الروسي في سوريا سينشىء توازناً جديداً في سوريا بعيداً عن الانفراد الروسي الذي كان برضى أميركي أعطاه باراك أوباما منذ الدخول العسكري الروسي وكانت مظاهره بماأعقب ذلك الدخول من اتفاقات أميركية- روسية حول سوريا في (بياني فيينا)و(القرار2254).هذا سيعيد التوازن إلى (مسار جنيف)وسيمنع حصره في مسار واحد هو المسار الدستوري،ولكن على الأرجح لن يكون هناك تسوية سورية قريبة مادامت واشنطن تربط اتفاقها مع الروس حول الملف السوري،بمافيه التسوية السياسية للأزمة السورية على أساس القرار2254، باتفاق أميركي- روسي لاخراج القوات الايرانية والمليشيات الموالية لطهران من الأراضي السورية.
----------------------------------------------------------------------------------------



نص إعلان المجموعة (5+2:التي تضم الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسة والسعودية والأردن +ألمانية ومصر):


إعلان مبادئ للمجموعة المصغرة من أجل سوريا
13أيلول2018
إنّ إعلان المبادئ التالي يقصد منه أن يخدم كمجموعة من الخطوط الموجهة لأعضاء المجموعة المصغرة من أجل سوريا، وهي تلخص مجموعة من الأهداف لأعضاء المجموعة لاتباعها جماعيا وفرادى، وينبغي لها أن ترشد إلى التفاعلات بين أعضاء المجموعة المصغرة والأطراف الأخرى ذات الصلة، ولا سيما روسيا، وأيضا الأمم المتحدة وآخرين، ولا يقصد منها أن تكون وثيقة للعموم.

مبادئ لحل النزاع السوري:

أولا: كمجموعة عامة من أهداف السياسات وكشروط ضرورية لعلاقات طبيعية مع الحكومة السورية، والتي تنجم عن العملية السياسية وفقا لقرار مجلس الأمن 2254، فإن أعضاء المجموعة المصغرة يسعون إلى حكومة سورية تكون:
أليست راعية للإرهابيين ولا تؤمن بيئة آمنة لهم.
بخالية من أسلحة الدمار الشامل، وتنهي على نحو موثوق برامجها لأسلحة الدمار الشامل.
ج- تقطع علاقاتها مع النظام الإيراني ووكلائه العسكريين.
د- لا تهدد جيرانها.
هـ- تخلق شروطا للاجئين من أجل أن يعودوا بأسلوب آمن وطوعي وكريم إلى منازلهم باشتراك الأمم المتحدة.
و- تلاحق وتعاقب معا، مجرمي الحرب ومرتكبي الجرائم ضد الإنسانية، أو تتعاون مع المجتمع الدولي في القيام بذلك.

ثانيا: يجب أن تجري العملية السياسية تحت رعاية الأمم المتحدة في متابعة القرار 2254، مؤدية إلى إصلاحات دستورية وانتخابات بإشراف الأمم المتحدة، وينبغي للعملية السياسية أن تنتج مساءلة وعدالة انتقالية ومصالحة وطنية حقيقية.

ثالثا: لن يكون هناك مساعدة دولية في إعادة الإعمار في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة السورية التي تغيب فيها عملية سياسية ذات مصداقية تؤدي بشكل ثابت إلى إصلاح دستوري وانتخابات بإشراف الأمم المتحدة، من أجل إرضاء الدول المانحة المحتملة.

رابعا: لجنة دستورية تحت رعاية وضبط الأمم المتحدة، هي الآلية الملائمة لمناقشة الإصلاح الدستوري والانتخابات، والوصول إلى حل سياسي من أجل سورية، وينبغي على الأمم المتحدة أن تشكل اللجنة الدستورية بأسرع وقت ممكن.

خامسا: وإذ يتم تمييز اللجنة الدستورية بأنها يجب أن تبقى اختصاصا حصريا للأمم المتحدة، فإن المجموعة تشجع الأمم المتحدة على أن تؤمن انخراط جميع القوى السياسية السورية المطلوبة لتفعيل وتنفيذ الإصلاح الدستوري وانتخابات بإشراف الأمم المتحدة، ولا سيما الحكومة السورية وممثلين عن شمال شرق سورية، وشخصيات المعارضة السورية الراغبة في الالتزام بحل يتوافق مع المبادئ الموصوفة هنا.

سادسا: الهزيمة النهائية لداعش، ودعم استقرار المناطق المحررة من جانب "التحالف الدولي" وشركائه، هي عناصر ضرورية لحل سياسي في سورية.

سابعا: إنّ أي جهد لتخفيف الأزمة الإنسانية ولا سيما على طول الحدود مع الأردن والجولان وتركيا، بشكل يتسق مع المبادئ أعلاه ينبغي تشجيعه.

ثامنا: إن المجموعة المصغرة سوف تتخذ جميع الخطوات الضرورية لردع استخدام الأسلحة الكيميائية في سورية.

بالإضافة إلى ذلك، فإن المبادئ التالية ينبغي أن ترشد أعضاء مجموعة سورية المصغرة في علاقتهم مع الأمم المتحدة فيما يخص موضوع الإصلاح الدستوري وإجراء الانتخابات بإشراف أممي. وينبغي اعتبارها توصيات للمبعوث الخاص للأمم المتحدة في دوره بمراقبة العملية الدستورية.

الإصلاح الدستوري:
1. ينبغي تعديل صلاحيات الرئيس لتحقيق توازن أكبر بين السلطات من جهة، وضمانات استقلال مؤسسات الحكومة المركزية والإقليمية من جهة أخرى.
2. ينبغي أن يقود الحكومة رئيس وزراء ذو سلطات قوية مع تحديد واضح للصلاحيات بين رئيس الوزراء والرئيس، رئيس الوزراء والحكومة يجب تعيينهما بطريقة لا يعتمد على موافقة الرئيس.
3. القضاء ينبغي أن يتمتع باستقلال أكبر.
4. يجب تنفيذ إشراف مدني على القطاع الأمني بعد إصلاحه، مع صلاحيات محددة بوضوح.
5. ينبغي، وبشكل واضح، تخويل السلطات وجعلها غير مركزية، بما في ذلك على أساس مناطقي.
6. يجب إزالة القيود على الترشيح للانتخابات، ولا سيما تمكين اللاجئين والنازحين وأولئك الذين تم نفيهم من سوريا من الدخول في المنافسة الانتخابية بما في ذلك على منصب الرئاسة.

انتخابات بإشراف أممي:
1. إطار انتخابي انتقالي يلبي المعايير الدولية متيحا مشاركة عادلة وشفافة بما في ذلك فإن من المطلوب وجود جسم إدارة انتخابات متوازن ومهني.
2. الأمم المتحدة ينبغي أن تطور سجل ناخبين كامل وعصري وفق معايير متفق عليها تمكن جميع السوريين من المشاركة في الانتخابات والاستفتاءات.
3. من المطلوب تفويض رقابة أممية قوية منصوص عليها بقرار مجلس أمن مسخر لذلك، من أجل تمكين الأمم المتحدة من ضمان مسؤولية كاملة في إجراء انتخابات حرة ونزيهة في سورية من خلال:
أ- تأسيس جسم إدارة انتخابات.
ب- نوايا حسنة ودعم سياسي في إصدار التشريع الانتخابي.
ج- التحقق على نحو مستقل من أن تشريعا انتخابيا انتقاليا وإطارا تنظيميا يلبي أعلى المعايير الدولية.
د- دور في العمليات اليومية للإدارة الانتخابية الانتقالية، ومؤسسات الشكاوى الانتخابية.
هـ- دور في صناعة القرار التنفيذي للجسم الإداري الانتخابي والتعامل مع الشكاوى الانتخابية.
و- المصادقة على نتائج الانتخابات والاستفتاءات خلال الانتقال إذا لبّت الانتخابات المعايير المطلوبة.
----------------------------------------------------------------------------------

مصدر الدراسة (DW "موقع دويتشه فيله على شبكة الإنترنت)
-------------------
ترجمة هيئة التحرير
---------------------
الصراع في سوريا: ماذا تريد الولايات المتحدة وروسيا وتركيا وإيران؟
اجتذبت الحرب المعقدة والمدمرة في سوريا قوى أجنبية متعددة منذ اندلاعها في عام 2011. وتفحص DW "موقع دويتشه فيله على شبكة الإنترنت "حيث تتقابل أربع دول رئيسية حول الصراع، وسط جولة جديدة من المحادثات في العاصمة الكازاخستانية.
تهدف الجولة الجديدة من المحادثات إلى تقديم حل سياسي للصراع السوري. هنا نظرة على ما يريده ممثلو الصراع، ومن يحاربون، وكيف ينظرون إلى الحل السّلمي.
الولايات المتحدة: من تحارب وماذا تريد ومن تدعم؟
كانت واشنطن قد أعطت لفصائل متمردة معتدلة تقاتل ضد القوات الحكومية الموالية للرئيس بشار الأسد أسلحة وتدريب عسكري، لكنها أنهت المساعدات العسكرية في تموز/يوليو الماضي. قدمت الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة، الدعم الجوي والأسلحة إلى قوات سورية الديمقراطية (SDF)، وهو تحالف من القوات الكردية والعربية تقاتل ضد "الدولة الإسلامية" (داعش) في شمال سوريا. تمَّ نشر عدة مئات من القوات الخاصة الأمريكية إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية. تدعم الولايات المتحدة بشكل منفصل، المتمردين السوريين الذين يقاتلون داعش ولديها قاعدة في التّنف، بالقرب من الحدود العراقية.
تقود الولايات المتحدة ائتلافا دوليا من حوالي 60 دولة، بما في ذلك ألمانيا، وعملت على استهدفت داعش وغيرها من الجماعات المتطرفة بواسطة الغارات الجوية منذ أواخر عام 2014. وقد تجنّبت الولايات المتحدة إلى حد كبير الصراع المباشر مع القوات الموالية للنظام، ولكن في نيسان/أبريل (2018) أمر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشنّ غارات جوية على قاعدة جوية سورية رداً على هجوم حكومي بالأسلحة الكيميائية ضد المدنيين.
ظلت الولايات المتحدة صامدة في محاولة تدمير داعش في سوريا والعراق. لكن نواياها بشأن قضايا أخرى أصبحت غير واضحة. وأخبر ترامب المراسلين في أيلول/سبتمبر أن الولايات المتحدة "لا علاقة لها بسورية ما عدا قتال داعش". لكن في تموز/يوليو، شاركت بشدّة في التوسط لوقف إطلاق النار بين القوات الحكومية وقوات المعارضة. كما أعطت الإدارة الجديدة إشارات متضاربة حول ما إذا كانت الولايات المتحدة ستعارض اتفاق سلام يُبقي الأسد في السلطة. وكان سلف ترامب، باراك أوباما، قد قال إن "على الأسد الرّحيل" من أجل التوصل إلى أي اتفاق سلام. كما تسعى الولايات المتحدة إلى منع إيران والميليشيا اللبنانية الشيعية حزب الله من إقامة وجود دائم في سوريا يمكن أن يهدد إسرائيل.
دعمت واشنطن محادثات السلام التي عُقدت في جنيف منذ عام 2012 بين ممثلين عن حكومة الأسد والمعارضة السورية. لكن هذه المحادثات فشلت حتى الآن في الوصول إلى تسوية للصراع. وقد اختلف الجانبان حول ما إذا كان رحيل الأسد يجب أن يكون شرطا مسبقاً لأي تسوية نهائية.
روسيا: من تدعم وماذا تريد ومن تقاتل؟
لطالما دعمت موسكو نظام الأسد. لقد زودت القوات الحكومية بالدّعم الجوي والأسلحة وقدمت لها الدعم الدبلوماسي في الأمم المتحدة وفي محادثات السلام الدولية. وتنشر روسيا قوات على الأرض السّورية. تدخلت روسيا أولاً في سوريا في تشرين الأول/ أكتوبر 2015 عندما شنَّت غارات جوية ضد أهداف "إرهابية". وفي حين قالت موسكو إنها تستهدف تنظيم "داعش" وجماعات إرهابية أخرى، فقد ردَّ المسؤولون الأميركيون مراراً وتكراراً على هذا الزعم بقولهم "إن الضربات الجوية الروسية موجّهة في المقام الأول ضد قوات المتمردين غير التابعة لتنظيم "الدولة الإسلامية" التي تقاتل حكومة الأسد. في هذه الأثناء، اتّهم الكرملين الولايات المتحدة باستخدام حملتها ضد داعش كوسيلة لإبطاء التقدم العسكري للحكومة الروسية والسورية.
تريد موسكو إبقاء الأسد - أقرب حلفائها في الشرق الأوسط - في السلطة وتأمين نفوذها العسكري في المنطقة. لديها قاعدة جوية عسكرية مهمة في محافظة اللاذقية الغربية وقاعدة بحرية في مدينة طرطوس الساحلية السورية. يؤيّد القادة الروس اتفاق سلام مع إجماع واسع بين الفصائل المعتدلة في سوريا يسمح للرئيس الأسد بالبقاء في السلطة. كما ألمح إلى أنه قد يدعم استقلالًا محدودًا لبعض القوى المعارضة في بعض المناطق داخل سوريا.
رعت موسكو أثناء دعم مفاوضات جنيف أيضاً، المحادثات بين الحكومة السورية والمعارضة في أستانا/ كازاخستان التي بدأت في كانون الثاني/ يناير 2017. إيران وتركيا أيضاً طرفان في المحادثات. وتسعى عملية أستانا جاهدة إلى إنشاء "مناطق لخفض التّوتر" والتي يُمكن أن تقلل من العنف وتمهّد الطريق لمحادثات سياسية.
تركيا: من تدعم وماذا تريد ومن تقاتل؟
كانت تركيا ومنذ بداية الحرب الأهلية السورية، واحدة من الدّاعمين الرئيسيين للمعارضة السورية. قاتلت تركيا إلى جانب الفصائل غير الكردية في المعارضة السورية، بما في ذلك الجيش السوري الحر (FSA). شنَّتْ أنقرة غارات جوية ضد أهداف داعش كجزء من التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة. كما نفَّذت غارات جوية أحادية الجانب ضد قوات المعارضة الكردية في شمال سوريا، كما أنها أرسلت قوات برية إلى سوريا لمحاربة داعش والقوات الكردية، كجزء من العملية التي تقودها تركيا والمعروفة باسم "درع الفرات". تحرَّكت تركيا إلى محافظة إدلب، كجزء من "منطقة خفض التَّصعيد" متفق عليها مع روسيا وإيران أيضًا، إلى جانب المتمردين الذين تدعمهم.
تريد أنقرة منع القوى الكردية السورية من السيطرة والتحكم بالأرض، ومنعها من الحصول على حكم ذاتي في أي تسوية ما بعد الحرب. وتقول تركيا إن المقاتلين الأكراد السوريين مرتبطون بحزب العمال الكردستاني، الذي خاض حرباً استمرت أكثر من ثلاثة عقود ضد تركيا. كما تريد أنقرة هزيمة داعش وغيرها من الجماعات المتطرفة التي ارتكبت هجمات إرهابية على الأراضي التركية. كان القادة الأتراك في الآونة الأخيرة، مضطربين حول ما إذا كان ينبغي السَّماح للأسد بالبقاء في السلطة في اتفاق سلام نهائي.
لقد شاركت تركيا مشاركة كبيرة في محادثات جنيف وشاركت في رعاية مفاوضات أستانا. وقد عارضت بشدة الفصائل الكردية المشاركة في محادثات السلام.
إيران: من تدعم وماذا تريد ومن تقاتل؟
لقد دعمت طهران حكومة الأسد منذ عام 2012 على الأقل، وقدمت للنظام مساعدات عسكرية واسعة على شكل تدريب وشحنات الأسلحة وتبادل المعلومات الاستخبارية. كما قامت بنشر قوة من النخبة العسكرية الإيرانية من الحرس الثوري الإسلامي، وميليشيا شيعية من جميع أنحاء المنطقة. ويُعتبر حليفها حزب الله في لبنان هو أيضا أحد الداعمين الرئيسيين لنظام الأسد. لقد قامت إيران بشكل مباشر وغير مباشر بمحاربة الفصائل المعتدلة والمتطرفة في المعارضة السورية على حدٍ سواء، وكذلك قاتلت تنظيم الدولة الإسلامية "داعش."
كانت سوريا منذ فترة طويلة حليف إيران الرئيسي في الشرق الأوسط. إن دعم الأسد يضمن لها وجود حليف ضد المنافسين الإيرانيين الإقليميين، إسرائيل والمملكة العربية السعودية. تحتاج طهران أيضاً إلى سوريا لنقل الأسلحة إلى حزب الله اللبناني، الذي يعارض أيضاً إسرائيل في لبنان المجاور. إن هدف إيران الأكبر هو إنشاء ممر بري يمتد من إيران إلى لبنان عبر العراق وسوريا.
انضمت إيران إلى محادثات جنيف للسلام في تشرين الثاني/نوفمبر 2015 بعد أن تخلت الولايات المتحدة عن معارضتها القديمة للتدخل الإيراني. كما رعت طهران محادثات السلام في أستانا إلى جانب تركيا وروسيا.
إيران ستبني منشآت عسكرية في سوريا قرب المواقع الروسية
تقوم إيران في الوقت الذي تعمل فيه بشكل مكثف، من أجل تعميق وجودها العسكري في سوريا عبر بناء منشآت عسكرية قريبة جداً من القوات الروسية، كما علمت صحيفة التايمز الإسرائيلية. ويجري بناء هذه المرافق بشكل سري، وفي بعض الحالات، بدأت تحت ستار البناء السكني للمدنيين، وكشفت في وقت لاحق كمرافق لإيواء المقاتلين الشيعة الذين تنشرهم إيران. ويبدو أن المناورة الإيرانية تستند إلى تقييم أن إسرائيل - التي تعهدت بمنع إيران من إقامة وجود عسكري دائم عبر حدودها الشمالية - من غير المرجح أن تخاطر بمهاجمة المنشآت التي تقع بالقرب من القوات الروسية وتثير غضب موسكو.
إن الخطوة الإيرانية هي واحدة من عدة تطورات في سوريا تشير إلى أن موسكو وطهران غير متوافقتين وإلى حد كبير عندما يتعلق الأمر بسوريا. في حين تقبل موسكو أن وجود القوات البرية الشيعية في سوريا أمر حيوي لضمان استمرار سيطرة الرئيس بشار الأسد على البلاد، فإن بعض الإجراءات والجهود الإيرانية الأوسع لتوسيع نطاقها في الساحة السورية تسبب الذعر في الكرملين. لعِبت موسكو كما يزعم، دوراً أساسياً في ضمان رفض سوريا لجهود إيران لإنشاء ميناء بحري في طرطوس. سعت إيران إلى استئجار منطقة لمثل هذا الميناء - مثلما استأجرت روسيا الأرض لمينائها هناك - ولكن تم رفض الطلب الإيراني.
تسعى طهران بشكل عام في سوريا، إلى شيء بعيد المدى لتغيير التوازن الديموغرافي السنّي في البلاد، كما أفادت صحيفة تايمز أوف إسرائيل. حيث يفهم الإيرانيون أن النظام السوري يعتمد على أقلية عرقية دينية صغيرة، وبالتالي قد يكون أضعف من أن يضمن استقرار البلاد في المستقبل.
ليست الميليشيات الشيعية المرسلة إلى البلاد - التي يبلغ عددها بالفعل أكثر من 10,000، بما في ذلك المرتزقة من العراق وباكستان وأفغانستان - مجرد قوة مقاتلة، لذلك، إن هدف إيران هو زيادة أعدادها بشكل كبير، وفي موازاة جلب عائلاتهم، وأقاربهم، وأي شخص آخر يمكنهم ذلك من الدوائر الاجتماعية للجنود، بحيث يستقر مئات الآلاف من الشيعة في سوريا. وبالإضافة لنزوح الملايين من السنة من وطنهم - ما يقدر بـ 5-6 مليون سوري فروا من البلاد – هذا الأمر يعزز أيضا موقف بشار الأسد.
وبينما تعمل إيران على فتح المطارات والقواعد العسكرية وقواعد الاستخبارات وأكثر من ذلك، تواصل إيران أيضًا البحث عن حصتها في صناعات الطاقة الشمسية والفوسفات في سوريا، من بين أمور أخرى. هذه الخطوات، أيضا، تسبب في بعض الأحيان التوتر مع موسكو. يجد الروس أنفسهم في حالة تنافُس مع الإيرانيين على مشاريع اقتصادية مختلفة، وهذا الأمر حقيقة جديدة غير مريحة في سوريا، حيث يبدو أن الجميع يريدون الاستفادة من عملية إعادة البناء المحتملة.
وتشير التقديرات إلى أن إيران قد أنفقت مبلغًا مذهلاً بلغ 31 مليار دولار في السنوات الأخيرة في حروبها وصراعاتها في سوريا والعراق ولبنان واليمن. لا تظهر أي علامات على تراجع الأنشطة الإيرانية في هذه الدول. تؤكد إيران التزاماتها طويلة الأجل، جنبا إلى جنب مع معركتها المستمرة لتحديد شكل سوريا ما بعد الحرب، وفي تمرد الحوثي في اليمن ، ومع الميليشيات الشيعية في العراق.
إن تعزيز إيران لأنشطتها التوسعية هو اقتصاد يتحسن - أرقام النمو مشجعة - مع عدد غير قليل من الشركات الأجنبية، الأوروبية، الصينية والروسية، بعد أن وقعت بالفعل اتفاقات مع إيران بقيمة عدة مليارات من الدولارات.

آلية وضع الدساتير في بعض الدول العربية
(مكتب الدراسات والتوثيق بهيئة التنسيق الوطنية)


تعريف الدستور : يمكن تعريف الدستور بانه عبارة عن مجموعة من القواعد المكتوبة او غير المكتوبة تحمل القيم والمبادءى المنظمة للمجتمع ، وتحدد صلاحيات وحدود السلطة السياسية ، وكما تنظم السلطات وعلاقاتها ببعضها البعض مع الحفاظ على حقوق وواجبات الافراد ، وينظم الدستور الشؤون الداخلية والخارجية للدولة ، و يحددشكل الدولة وحكومتها ، وهو يعبر عن قوة المجتمع ، واي وثيقة اخرى تتعارض مع الاحكام الواردة فيه تعد باطلة ، اي ان اي قاعدة دستورية تعلو على كافة القواعد القانونية التي تطبق في دولة ما ،سواء من الناحية الشكلية او من الناحية الموضوعية . وقد توضع الدساتير بطرق ديمقراطية وغير ديمقراطية ، وما يهم هنا في هذه الدراسة الطرق الديمقراطية ن وهي تتمثل بطريقتين 1ـ الجمعية التأ سيسية المنتخبة وفيها
ينتخب الشعب اشخاص يمثلون هذه المهمة 2 ـ الاستفتاء الدستوري : توضع احكام الدستور عن طريق جمعية نيابية منتخبة عن طريق الشعب ، وبعد ذلك يتم عرض الدستور على الشعب ولا يصلح نافذا"الابعد موافقة الشعب عليه . المسيرة الدستورية في دول الربيع العربي : ان الحراك الذي بدأ في دول ما يسمى الربيع العربي لم يكن وليد لحظة عام 2011 ، بل هو عبارة عن نتيجة تراكم رغبات هذه الشعوب للعدالة والكرامة ، بعد عقود من الاستبداد السياسي والتهميش الاجتماعي والاقتصادي ، فرغبات هذه الشعوب تكاد تكون واحدة وان اختلفت الطرق للتعبير عن هذه الرغبات ، ففي مصر وتونس مثلا نتج عن الحراك ازاحة رأس النظام في كلا البلدين ، بينما في المغرب والاردن كانت هناك اصلااحات من داخل النظام نفسه .
وقد لجأت القوى التي استلمت ز مام الامور بعد هذه الثورات الى ما يسمى الاعلان الدستوري ، ويمكن تعريف مصطلح الاعلان الدستوري بأنه يطلق على الدستور المؤقت الذي يصدره من في يده السطة المطلقة ولفترة انتقالية ومفصلية في تاريخ دولة من الدول بمجرد استقلالها او تكونها او بعد انفلاب عسكري او ثورة شعبية ويتمحور الاعلان الدستوري حول السلطة الغير المنتخبة التي اصدرته والتي في الغالب تضع رؤيتها لمستقبل الدولة الجديدة وتضع جدولا زمنيا للفترة الانتقالية ولتوضيح هذه المسيرة لابد من نظرة متفحصة لتجارب واحداث هذه البلدان ونبدأها من مصر ، فقد اسفرت الاحتجاجات التي عصفت بالساحة المصرية عن مطالب من ابرزها ايقاف العمل بدستور عام 1971، فبعد تنحية الرئيس السا بق حسني مبارك في 11شباط 2011 باعلان نائبه الراحل عمر سليمان ، تنحية مبارك عن السلطة وتكليفه المجلس الاعلى للقوات المسلحة ادارة شؤون البلاد ، اصدر المجلس الاعلى المذكور بعد يومين اعلانا دستوريا قضى بتعطيل العمل بدستور عام 1971 الذي كان يحكم البلاد ، ونص هذا الاعلان على حل مجلسي الشعب والشورى وتولي المجلس العسكري ادارة شؤون البلاد مؤقتا ، حتى اجراء انتخابات رئاسية وتشريعية . وقد جرى استفتاء شعبي في الشهر التا لي اسفر عن موافقة 77% من المصريين على تعديل بعض مواد دستور عام 1971 ، وهذه التعديلات تضمنها اعلانا دستوريا جديدا صدر في الشهر ذاته ، ينص على تخفيف شروط الترشح للانتخابات الرئاسية والبرلمانية ، وتحديد فترة الرئاسة باربع سنوات تجدد مرة واحدة ، وعضوية مجلسي الشعب والشورى بست سنوات . مع التذكير من اعلان 25 سبتمبر 2011 قد نص على انتخاب ثلثي اعضاء مجلسي الشعب والشورى بالنظام الفردي والثلثين بنظام القوائم ، وتلا هذا الاعلان اعلان دستوري جديد في 14 حزيران 2012 قرر حل مجلس الشعب بناء على حكم الحكمة الدستورية العليا ، قضى بعدم دستورية قانون الانتخاب الذي جرت على اساسه العملية الانتخابية . وبعد هذا الاعلان بثلاثة ايام صدر اعلانا دستوريا مكملا من المجلس العسكري : حيث اعتبر ان قرارات الرئيس المتعلقة بالمؤسسة العسكرية مرهونة بالمجلس الاعلى للقوات المسلحة . ولكن هذا الاعلان المكمل الغاه الرئيس مرسي باعلان دستوري جديد في 18 اب 2012 ، ثم بعد ذلك اصدر الرئيس مرسي في 21 تشرين الثاني من نفس العام اعلان دستوري جديد اعتبر فيه ان قرارات الرئيس واعلاناته الدستورية منذ انتخابه وحتى انتخاب مجلس شعب جديد نهائية ونافذة وغير قابلة للطعن ، واعتير هذا الاعلان مثيرا للجدل وما لبث الرئيس مرسي ان الغاه باعلان دستوري جديد ، ونص هذا الاعلان الدستوري الجدبد على انه في حال عدم الموافقة على مشروع الدستور تنتخب هيئة تأسيسة جديدة من مائة عضو انتخابا مباشرا من الشعب ، على ان تقدم الجمعية التأسيسية مشروع الدستور خلال ستة اشهر للرئيس الذي يدعو للاستفتاء عليه في مدة اقصاها ثلاثون يوما ، كما نص الاعلان على ان كل الاعلانات الدستورية لا تقبل الطعن امام القضاء . واضح ان هذه الاعلانات كانت وسيلة لسد الفراغ الدستوري بعد تعطيل العمل بدستور عام 1971 . بعد كل هذه الاعلانات تم وضع دستور دائم للبلاد في عام 2012 صاغته اللجنة التأسيسية وعرض للاستفتاء حيث نال موافقة8‘63 % ومعارضة 2‘36 % ، ولكن مرة اخرى تم تعطيل العمل به بتاريخ 23 يوليو 2013 حتى تعديله وطرحه للاستفتاء الشعبي وذلك بعد مظاهرات 30 يونيو عندما قام الجيش بقيادة الفريق عبد الفتاح السيسي و بالاتفاق مع المعارضة على عزل الرئيس محمد مرسي ووضعه في الاقامة الجبرية ، حيث اصدر عبد الفتاح السيسي مجموعة من القرارات كان منها توقيف العمل بدستور 2012 مؤقتا حتى عرضه على هيئة الخبراء وتعديله ، وقد قامت لجنة الخبراء بحذف بعض المواد وتعديل البعض الاخر ليصبح الدستور الجديد المقترح 198 مادة وابرز ما جاء في اقتراحات لجنة العشرين 1 ـالغاء مجلس الشورى ـ2 ـالغاء نسبة 50% عمال وفلاحين ـ3 ـ بقاء مواد القوات المسلحة دون تعديل ـ 4 اعتماد النظام الفردي ـ5ـ تعديل المادة الخاصة بالمحكمة الدستورية العليا . وقد تم التصويت على مشروع دستور 2014 واصبح ساري المفعول الى الان . ومن الملاحظ ان دستور عام 2014 الجديد قد شكل تراجعا كبيرا عن دستور 2012 الموضوع اثناء حكم الاخوان حيث جاءت العبارات حول حقوق وحريات المرأة فضفاضة وبدت تظهر الكثير من الثغرات الدستورية ، وترك معالجة الامور الهامة للرئيس وتقوية مؤسسة الجيش استنادا لنظرية الظروف الاستثنائية ، و اعتبر بعض الفقهاء في مصر ان هناك عيوب كثيرة في دستور عام 2014 تتعلق بحق التظاهروالمحاكمات العسكرية والشريعة الاسلامية .
اما في الوضع التونسي فقد كان صدور الوثيقة الدستورية نتيجة لتسوية صراعات بين حزب النهضة التونسي والاحزاب العلمانية ، حيث اكدت الوثيقة على ان الاسلام هو دين الدولة وهو دين رئيسها كذلك ، ومع ذلك شكلت هذه الوثيقة تطورا مهما على صعيد حقوق الانسان ورفع تمثيلية المرأة في المجالس المختلفة ، وقد وسع الدسستور التونسي الجديد من جهة اخرى من مجال السلطة التشريعية وخص المعارضة بحقوق تمكنها من ممارسة مهامها ، وعلى تمييز الادوار بين رئيس الدولة ورئيس الحكومة والنص على استقلال القضاء والمحكمة الدستورية ، وقد وضع الدستور التونسي الحا لي في عام 2014 وتمت المصادقة عليه من قبل المحلس الوطني التأ سيسي في 26 يناير 2014 والذي تم انتخابه في 23 اوكتوبر 2011 ، ولم يطرح الدستور على الاستفتاء الشعبي على عكس الدستور المصري ، بل اكتفي بالموافقة عليه باغلبية الثلثين من المجلس الوطني ، ويعتبر دستور 2014 هو الدستور الثالث في تاريخ البلاد بعد دستور عام 1861ودستور عام 1959 ، وقد وجهت انتقادات كثيرة لهذا الدستور بانه لم يلبي مطالب العدالة الاجتماعية بشكل كاف وان دستور ابو رقيبة فيه مقومات اعلى بكثير وان الشريعة الاسلامية لم تكن موجودة بالاصل ، وان الدساتير يجب ان تحصل على موافقة الشعب لانه مصدر السلطات والسيادة فكان في هذا العقد الاجتماعي لابد ان يوقع الشعب عليه لانه الطرف الاهم ، وان تحديد سن الترشح للرئاسة ب72سنة كحد اقصى غير مقبول ، بالمقابل اعتبر مؤيدوا الدستور بان الدستور قد حصن نصوص مدنية الدولة والحريات وحقوق الانسان من اي تعديل او انتقاص ،وقدلاقى الدستور التونسي استحسانا دوليا ومحليا .

ليبيا : اما في ليبيا فقد ادت انتفاضة الشعب الليبي في 17فبراير 2011 الى الاطاحة بنظام معمر القذافي و الى تشكيل المجلس الوطني الليبي المؤلف من قضاة ومحاميين وعسكريين وتكنو قراط وفئات اخرى ، حيث عمد الى استصداراعلان دستوري مؤقت على ان يبقى ساري المفعول الى حين كتابة واقرار دستور دائم للبلاد ، والاعلان مكوَن من 37 مادة في خمسة ابواب ، ونص على اعتبار ان من واجب الدولة اقامة نظام سياسي ديمقراطي مبني على التعددية السياسية والحزبية والتداول السلمي للسلطة ومبدأ سيادة القانون ومبدأ تكافؤ الفرص وضمان حقوق المرأة ومشاركتها الكاملة في كافة المجالات ، كان من المفترض ان يتم الدستور بحلول ديسمبر 2013 ، الاَ ان العملية خضعت لعرقلات مثل ارجاء انتخاب المؤتمر الوطني العام ، وقد انقسم المجتمع الليبي على كافة المستويات السياسية والاجتماعية والثقافية والعسكرية واقتتلت الاطراف ، كان من اثار ذلك بطء العملية الدستورية في البلاد ، وخاصة بعد المطالبة بتعديل الاعلان الدستوري ، وقد تم تعديل الاعلان الدستوري وحقق ثلاث اهداف وهي احترام القضاء والهدف الثلني الحفاظ على المسار الدستوري في البلاد والتداول السلمي للسلطة والثالث تثبت الاتفاق بين الاطراف المتنازعة وتحصينه من الطعن في دستوريته ، وبمجر د تعديل الاعلان الدستوري اصبح مجلس النواب الجسم التشريعي الوحيد في البلاد ، اي ان مجلس النواب هر الذي يصدر التشريعات طبقا لنصوص الاتفاق وان اي تعديل لاحق للاعلان الدستوري لابد من التوافق عليه من مجلس النواب والمجلس الاعلى للدولة ويصدره مجلس النواب كما هو دون تعديل وهذا مانصت عليه المادة 12 من الاحكام الاضافية . وقد شمل الاعلان الدستوري سبعة تعديلات ارتبطت كلها باعادة توزبع السلطة السياسية ما بين المؤتمر العام والهيئة السياسية والمفوضية العليا للانتخابات ، حيث اجرى المجلس الوطني ثلاثة تعديلات دستورية وقام المؤتمر العام باربعة تعديلات كان اهمها تغيير التعديل الثالث 6 تموز لاختصاص المؤتمر الوطني باختيار الهيئة السياسية بانتخابات مباشرة ، اتجهت تعديلات المؤتمر الوطني لتثبيت وضع ما بعد القذافي وبلورة نظام سياسي جديد ، حيث تناول التعديل الخامس ما اصتلح على تسميته با لتحصين الدستوري للعزل السياسي في نيسان 2013 فاعتبر ان عزل بعض الاشخاص ومنعهم من تولي المناصب العامة لفترة مؤقتة لا يشكل اخلالا بحقوق المواطن والفرص المتساوية الواردة في المادة 6 من الاعلان الدستوري . وكان ذروة الجدل الدستوري هو تعديلات شباط واذار 2014 ، وهناك تعديل يتعلق بالقسم الدستوري المادة 19 حيث شهد تغييرا في مضمونه والياته وانتقل من التأكيد على استقلال الدولة ووحدة اراضيها واولوية ثورة شباط الى تبني تعديلات شباط واذار 2014 تخلت عن الاشارة لوحدة البلاد والاقتصار على الالتزام بسلامة اراضي الدولة ، وكان اللافت انه قد تم تعديل القسم الدستوري دون تعديل المادة 19 وهذا يعد تناقضا في اطار الدستور لوجود نصين مختلفين لنفس القاعدة الدستورية ، وقد صدر حكم قضائي في 6 تشرين الثاني 2014 بابطال التعديل الدستوري السابق وهذا يعد بمثابة تعديل اضافي . ان التعديلات الحاصلة جعلت عملية ولادة الدستورالليبي عملية معقدة ويبين ذلك الانقسام الدستوري وجود ثنائية في مؤسسات الدولة ، فالازمة الدستورية نشبت لدى انعقاد مجلس النواب في طبرق في اب 2014 ادت الى استئناف انعقاد المؤتمر الوطني وتشكيل حكومة انقاذ وطني ومؤيدة لعملية " فجر ليبيا " بعد سيطرتها على طرابلس في اب 2014 ، لكن فعالية مجلس النواب كانت نتيجة للدعم من خارج ليبيا ، اما الهيئة السياسية فانها وفق المادة 12 من تعديلات شباط واذار 2014 تكون قد تجاوزت المدة الدستورية في اب اي 24اب من نفس العام وكان دورها ضعيفا في حل الازمة السياسية والتخفيف منها ، ثم عادت لجنة الستين المكلفة بصياغة الدستور الليبي للنقاش من جديد للتوافق على مشروع يعرض على الاستفتاء وذلك بعد رفض اقليم برقة شرقي البلاد للمشروع الاخير الذي اقر في نيسان 2016 بعد مفاوضات في سلطنة عمان برعاية الامم المتحدة .ولكن في اذار من عام 2017 شكلت لجنة توافقية في لجنة الستين تتكون من ستة اعضاء من الموقعين على المشروع الاخير وستة اعضاء اخرين من الرافضين بهدف الوصول الى مشروع جديد ، حيث نص المشروع الاخير على ارساء النظام الجمهوري للدولة و تسمى الدولة الليبيبة وعاصمتها طرلبلس معتمدا النظام الرئاسي ، حيث تتكون السلطة التنفيذية من رئيس الجمهورية وحكومة يعينها ناصا على طريقة خاصة لانتخاب الرئيس ، حيث لا يتم انتخابه بالاغلبية العددية فقط بل كذلك بالاخذ بمعيار الجغرافيا ضمانا للتمثيل الجغرافي لرئيس البلاد ، ويكون البرلمان واسمه مجلس الشورى مكون من غرفتين هما مجلس النواب ومجلس الشيوخ وذلك تماهيا مع النموذج الامريكي ، ونص مشروع دستور نيسان على نظام حكم محلي لامركزي موسع كحل وسط بين نظام المركزية والنظام الفدرالي الذي يطالب فيه اقليم برقة واعتبر المشروع اللغة العربية لغة رسمية فيما اعتبرت لغات باقي المكونات العرقية تراثا ثقافيا ولغويا ورصيدا مشتركا لكل الليبين وتضمن الدولة اتخاذ التدابير اللازمة لحمايتها ، في حين تطالب المكونات العرقية بدسترة لغاتها ، الا ان ثلاثة جهات قد اعلنت رفضها للمسودة الاخيرة للدستور وهي التيار الفدرالي والاقليلت العرقية ومنظمات حقوقية عدة وهذا يؤكد ان الوصول الى اتفاق نهائي على الدستور بين الليبين يحتاج الى توافق والى الوقت الكافي و الظروف المساعدة افضل من اقرار دستور يقوم على الغلبة . اليمن : بعد الانقلاب الذي قام به الحوثيمن عام 2014 اصدروا اعلانا دستوريا قضى بحل البرلمان وتشكيل مجلس وطني انتقالي مكون من 551 عضوا يتولى اختيار مجلس رئاسي مشكل من 5 اعضاء وتعيين حكومة من الكفا ءات وقد اصدرت الاعلان " اللجنة الثورية " التي يرأسها محمد علي الحوثي وتضمن الاعلان الدستوري على سريان احكام الدستور الحالي ما لم يتعارض مع نصوص الاعلان الدستوري الذي تعهد بحماية الحقوق والحريات العامة ، والتزام سياسة خا رجية تقوم على مبدأ حسن الجوار وعدم التدخل في شؤون الغير واعتبار الحلول السلمية لحل النزاعات ، واعتبر ان اللجنة الثورية هي المعبرة عن الثورة ، ويتفرع عنها لجان ثورية في مختلف انحاء الجمهورية وتختار هذه اللجنة الثورية المجلس الوطني الانتقالي ويمكن لاعضاء البرلمان الحالي الانضملم اليه . وقد شهدت اليمن احتجاجات على الاعلان الدستوري وقد رفضت السلطات المحلية والعسكرية في محافظات البلاد هذا الاعلان واعتبرته انقلابا ، فيما نظر البعض الى الحدث بزاوية ايجابية، اما على الصعيد الدولي فقد رفضت الولايات المتحدة الامريكية الاعلان الدستوري من قبل الحوثيين وادانت هذه الخطوة ، واعتبرت الامم المتحدة ان هذه الخطوة ستؤدي الى فراغ في السلطة في اليمن ، اما جهود المبعوث الاممي لليمن جمال بنعمر فقد فشلت في التوصل مع مختلف الاطراف اليمنية لحل ينهي ازمة عذا الفراغ الدستوري ، واعتبرت بعض المصادر السياسية ان فشل المحادثات سببه الحوثيون بعد رفضهم مقترحا لاحزاب اللقاء المشترك < 16 حزب مشاركة في الحكومة المستقيلة > يقضي بتشكيل مجلس رئاسي توافقي مع شرط اخلاء مسلحي جماعة الوثي لكافة مراكز الدولة السيادية في صنعاء وخاصة دار الرئاسة والمواقع العسكرية المحيطة به ، وقد تبا ينت مواقف الاطراف السياسية وخياراتهم حول موضوع استقالة الرئيس هادي وملْ الفراغ الدستوري القائم في البلاد ، بين مجلس رئاسي يتشكل بالتوافق بين المكونات المشكلة لطاولة الحوار بعيد عن البرلمان وهذا الاتجاه يمثله الحوثيون واتفق مع هذا الخيار جناح من التجمع الوطني للاصلاح < الاخوان المسلمون > وهو الذي يقوده رئيس الحزب محمد البدومي مع رفض قطاع كبير من الحزب لهذا التوجه ، وبين خيار المجلس الرئاسي ولكن عبر الاطر الدستورية ومؤسسة البرلمان بوصفه الممثل الوحيد للشعب والمعبر عن ارادته وهذا الاتجاه يمثله حزب المؤتمر الشعبي العام ، اما الحوثيون فهم يرفضون هذا الحل عن طريق البرلمان ، وكذلك حزب العدالة والبناء فموقفه مؤيد لحل الازمة عبر البرلمان . وفي 28 يوليو اعلن الحوثيون وحزب المؤتمر الشعبي العام وحلفائه عن تشكيل مجلس سياسي لادارة شؤون البلاد ، ونص هذا الاتفاق على تشكيل مجلس سياسي اعلى لادارة البلاد يتكون من عشرة اعضاء وللمجلس الحق في اصدار القرارات واللوائح اللازمة لادارة البلاد ورسم السياسة العامة للدولة ، وقد وقع الجانبان " الاتفاق الوطني السياسي " والذي بموجبه ستتحدد مسؤولية قيادة البلاد وتسيير اعمال الدولة وفقا للدستور الدائم للجمهورية اليمنية والقوانين النافذة ، ويعتبر الاعلان عن تشكيل المجلس السياسي بمثابة الغاء للاعلان الدستوري الذي اعلنه الحوثيون في فبراير 2015 وحل اللجنة الثورية التي تحكم البلاد خلال الفترة الماضية والعمل بالدستور اليمني الدائم النافذ ، وهذا الاتفاق جعل من اللجنة الثورية العليا واعلانها الدستوري كأنها لم تكن وهو يعني بقاء مجلس النواب اليمني المقرر ان ينظر في استقالة الرئيس هادي وفقا للدستور اليمني ، والاعلان عن تشكيل هذا المجلس اربك التحالف العربي بقيادة السعودية والرئيس هادي والامم المتحدة ، واعتبر هؤلاء ان تشكيل مجلس سياسي اعلى في اليمن ينسف المشاورات وعلى مجلس الامن اتخاذ خطوات فورية وهو نفس رأي الحكومة اليمنية الذي اعتبرته نسفا لجهود السلام وكذلك رأي المبعوث الاممي اسماعيل ولد الشيخ الذي اصدر بيانا اعتبر فيه ان تشكيل المجلس المذكور اانتهاك لقرار مجلس الامن رقم 2216 ، واعتبر المراقبون للوضع اليمني ان هدف تشكيل المجلس هو مواجهة ضغوط المفاوضات وقطع الطريق على محاولات شق الصف بين المؤتمر والحوثيين . والازمة اليمنية لاتزال تراوح مكانها بانتظار انهاء الحرب وتحقيق السلا م .


يمكن ان نستنتج من تجارب البلدان التي مرت بمراحل انتقالية ان واضعي الاعلانات الدستورية او الدساتير النهائية كانوا يعبرون عن توازن للقوى السياسية وهذا يرتبط بدرجة تطور كل مجتمع من مجتمعات هذه الدول ، ويمكن الاستفادة في المستقبل من تجارب الدول لوضع دساتير اكثر عصرية وتراعي مبادءى حقوق الانسان وما استقر عليها الضمير العالمي ، والتوفيق بين موازين القوى السياسية اثناء صياغة الدساتير ينبغي الا تاتي على حساب القواعد الدستورية المتعارف عليها عالميا , والتي جاءت نتيجة تجارب طويلة وفي طليعة هذه القواعد الفصل بين السلطات وتوازنها وفي حال حصول صراعات بين مختلف القوى السياسية وخشية تعطيل المؤسسا ت الدستوري لابد من ايجاد مرجعية دستورية ينص عليها الدستور ويمنحها صلاحيلت تستخدم عند الضرورة في الازمات .
-------------------------------------------------------------------------------




ملف:
هذا هو البريكست

Brexit هو مصطلح تمّت صياغته للإشارة إلى انسحاب المملكة المتحدة من الإتحاد الأوروبي "بريطانيا Br" "خروج Exit" وتم استخدامه لأول مرة من قبل "بيتر ويلدينغ" عام 2012.
إنضمت المملكة المتحدة للإتحاد الأوروبي عام 1973 مع تأكيد العضوية من خلال استفتاء عام 1975، لكن في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي تمّت الدعوة إلى الانسحاب من المفوضية الأوروبية بشكل رئيسي من قبل أعضاء حزب العمال والشخصيات النقابية، منذ تسعينيات القرن الماضي كان المدافعون الرئيسيون عن الانسحاب هو حزب الاستقلال البريطاني (UKIP) -الذي كان قد تمّ تأسيسه حديثاً آن ذاك- وعدد من أعضاء حزب المحافظين. أجرى رئيس الوزراء "ديفيد كاميرون" الاستفتاء في 23حزيران2016 تنفيذاً للبيان عام 2015، وبعدها استقال كاميرون الذي قام بحملة من أجل البقاء بعد نتيجة الاستفتاء التي أيدت الخروج وسميت هذه الحملة "معسكر البقاء".
وخلفته "تيريزا ماي" التي دعت إلى إنتخابات عامة مبكرة بعد أقل من عام، وكانت قد فقدت فيها الأغلبية الإجمالية، وأصبحت ضمن حكومة أقلية تعتمد بشكل أساسي على أصوات الحزب الإتحادي الديمقراطي. وبعدها تم إنشاء إدارة حكومية جديدة في يوليو 2016 وهي قسم الخروج من الإتحاد الأوروبي.
بعد ستة أسابيع من الاستفتاء الأخير قدم بنك انجلترا التيسير الكمي وإنخفاض أسعار الفائدة، وبالتالي السماح أكثر للإستهلاك من الجنيه الأسترليني وإرتفاع التضخّم الذي فاق نمو الأجور، وصرّح وقتها البنك أن هذين الأمرين سيتفاقما حتى عام 2017 وأضاف أن سبب هذا الإنخفاض في قيمة العملة يعود إلى إدارة صندوق الإحتياطي الذي يراهن على خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي وذلك كان ضد استطلاعات الرأي التي تتنبأ بإنتصار ضعيف لصالح "معسكر البقاء".
بعد دعم غالبية الناخبين البريطانيين مغادرة الإتحاد الأوروبي احتجت حكومة المملكة المتحدة في 29 مارس 2017 بالمادة 50 من معاهدة الإتحاد الأوروبي. ومن المقرر أن تغادر المملكة المتحدة الإتحاد الأوروبي في 29 مارس 2019 عندما تنتهي فترة التفاوض على إتفاق الإنسحاب ما لم يتم الإتفاق على التمديد. وعلى ضوء ذلك أعلنت رئيسة الوزراء "تيريزا ماي" عزم الحكومة بعدم الحصول على عضوية دائمة في السوق الأوروبية الموحدة أو الإتحاد الجمركي في الإتحاد الأوروبي بعد الخروج، ووعدت كذلك بإلغاء قانون المجتمعات الأوروبية لعام 1972 وتضمين قائمة قانون الإتحاد الأوروبي إلى القانون الداخلي في المملكة المتحدة.
بدأت المفاوضات مع الإتحاد الأوروبي رسمياً في يونيو 2017 بهدف إتمام اتفاقية الإنسحاب بحلول أكتوبر 2018. في يونيو 2018 نشرت المملكة المتحدة والإتحاد الأوروبي تقريراً مرحلياً مشتركاً يوجز اتفاقاً حول أغلب القضايا بما في ذلك الجمارك وضريبة القيمة المضافة.
في عام 2018 وافق مجلس الوزراء البريطاني على الإتفاقية المسماة "إتفاقية الداما" واتفاقية الداما هي الاسم غير الرسمي للعلاقة المستقبلية بين المملكة المتحدة والإتحاد الأوروبي، وهي ورقة بيضاء حكومية نشرت في 12 يوليو 2018 من قبل حكومة المملكة المتحدة تحت رئاسة رئيسة الوزراء "تيريزا ماي" لتحديد نوع العلاقة التي تسعى المملكة المتحدة إلى تحقيقها مع الإتحاد الأوروبي بعد خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي، ووصفها وزير الدولة للخروج من الإتحاد الأوروبي (سكرتير Brexit) "دومينيك راب" بأنه "اقتراح مفصل لشراكة مستقبلية مبدئية وطموحة بين المملكة المتحدة والإتحاد الأوروبي"، وذكر أيضاً أن " تقترح الورقة البيضاء منطقة تجارة حرة للسلع للحفاظ على التجارة الخالية من الإحتكاك، مدعومة بقاعدة عامة وترتيبات جمركية جديدة ميسرة، ولكن فقط للقواعد الضرورية لتوفير التجارة الخالية من الاحتكاك على الحدود". تم الانتهاء من الاتفاقية في اجتماع لمجلس الوزراء البريطاني الذي عقد في المنزل الريفي لرئيس وزراء المملكة المتحدة والمعروف بإسم الداما في 6 يوليو 2018، ومن هنا جاء الاسم الشائع للمستند.
هناك إجماع واسع في الأبحاث الإقتصادية الحالية على أن Brexit من المرجح أن تقلل من الدخل الحقيقي للفرد في المملكة المتحدة على المدى المتوسط والطويل، هناك أيضاً إتفاق بين الإقتصاديين على أن استفتاء الخروج البريطاني نفسه أضر بالإقتصاد البريطاني في العامين الأخيرين، وتظهر الدراسات حول التأثيرات التي حدثت منذ الاستفتاء خسائر سنوية تبلغ 404 جنيهاً إسترلينياً بالنسبة للأسر المعيشية في المملكة المتحدة، والخسائر بين 1.3٪ و 2.1٪ من إجمالي الناتج المحلي البريطاني، ومن المرجح أن يقلل Brexit من الهجرة من دول المنطقة الاقتصادية الأوروبية (EEA) إلى المملكة المتحدة، ويطرح تحديات أمام التعليم العالي في المملكة المتحدة والأبحاث الأكاديمية.
------------------------------------------------------------------------------------------------

صعود الشعبوية الأوروبية وانهيار يسار الوسط

٨ آذار ٢٠١٨
William A. Galston

https://www.brookings.edu/blog/order-from-chaos/2018/03/08/the-rise-of-european-populism-and-the-collapse-of-the-center-left/
ترجمة هيئة التحرير


إن صعود النزعة الشعبية ، ومعظمها يميل إلى اليمين ، هو أهم تطور سياسي أوروبي في القرن الحادي والعشرين. لقد تأثرت بدعم أحزاب يمين الوسط التقليدية أثناء التعامل مع ضربة قاضية لليسار الوسط. والنتيجة هي نهاية احتكار يسار الوسط / يمين الوسط الذي هيمن على السياسة الأوروبية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. لقد تشرذمت أنظمة الحزب في جميع أنحاء أوروبا ، وتحول معظمها إلى اليمين. وقد فتح صعود الشعبوية الباب أمام تزايد النفوذ الروسي في جميع أنحاء أوروبا.

في وقت مبكر ، اعتقد العديد من المحللين أن صعود النزعة الشعبوية يعكس بشكل رئيسي الضائقة الاقتصادية الناجمة عن الركود الكبير الذي طال أمده. ومع تضاؤلها ، كانوا يأملون ، بأن يحصل ذلك مع التحدي الشعبوي. ولكن حتى مع تعافي الاقتصاد الأوروبي وتراجع معدل البطالة ، استمرت الزيادة الشعبية للشعبوية . من الواضح الآن أن الشعبوية تستمد القوة من المعارضة العامة للهجرة الجماعية ، والتحرير الثقافي ، والتسليم المتصوَّر للسيادة الوطنية إلى هيئات دولية بعيدة وغير مستجيبة. إذا كانت الحجج الاقتصادية هي الحاسمة في نتيجة التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ، لكانت بريطانيا ستظل في الاتحاد الأوروبي. إذا كان النمو الاقتصادي حاسماً في بولندا ، التي تمتعت بمعدل نمو أسرع في أوروبا بين 1989 و 2015 ، فإن حزب القانون والعدالة الشعبي لم يكن ليصبح قوة سياسية مهيمنة في البلاد.

إن الهجرة تثير مخاوف ثقافية وأمنية ومخاوف من التشرد الاقتصادي ، وتضعف شرعية المؤسسات عبر الوطنية التي ينظر إليها على أنها تمنع الشعوب ذات السيادة من استخدام الوسائل السياسية الوطنية لحماية نفسها من التطورات المهددة. وإذا تركنا دون علاج ، فإن صعود المشاعر المعادية للمهاجرين والمعادية للأمة ، التي حولت التوازن السياسي داخل أوروبا ، يمكن أن تكون له عواقب وخيمة على الديمقراطية الليبرالية نفسها.

دفع انتصار إيمانويل ماكرون الحاسم على مارين لوبان والجبهة الوطنية في الانتخابات الفرنسية في الصيف الماضي العديد من المراقبين إلى الأمل في أن هذه الموجة قد وصلت ذروتها السابقة للانحدار. لقد كذبت الأحداث اللاحقة من تفاؤلهم. في أيلول / سبتمبر عام 2017 ، فاز البديل عن ألمانيا (AfD) بنسبة 12.6 في المئة من الأصوات ودخل البوندستاغ بـ 94 مقعداً ، مما أزعج النظام السياسي الألماني بعد الحرب. وفي أكتوبر / تشرين الأول ، قاد رجل الأعمال المناهض للمهاجرين ، الذي تحول إلى سياسي ، أندريه بابيس ، حزبه إلى الفوز ، وأصبح رئيس وزراء جمهورية التشيك. وفي أكتوبر أيضًا ، فاز حزب الحرية النمساوي بنسبة 26٪ من الأصوات الشعبية ، بعد أن كان 20.5٪ في الانتخابات السابقة ، وانضم إلى الائتلاف الحاكم. في كانون الثاني / يناير 2018 ، ساهم موقف الرئيس التشيكي ميلوس زيمان القوي المناهض للهجرة في انتصاره الضيق على منافس دولي ليبرالي. في مارس ، حققت حركة 5 نجوم المناهضة للمؤسسة مكاسب كبيرة وأصبحت أكبر حزب في إيطاليا ، في حين قفزت رابطة مكافحة المهاجرين بشدة من 4٪ إلى 18٪ ، متخطية حزب سيلفيو بيرلوسكوني Forza Italia لتصبح القوة المسيطرة على اليمين.

تزامن صعود اليمين الشعبوي مع كارثة لليسار الوسط. أظهر استطلاع حديث للرأي أن التأييد لحزب اليسار الديمقراطي في ألمانيا الوسطى يتقلص بمقدار 5 نقاط منذ انتخابات سبتمبر . حصل الاشتراكيون ، الحزب الحاكم في فرنسا ، على 7٪ فقط من الأصوات في الانتخابات الرئاسية في العام الماضي(قبل انتخاب ماكرون في أيار2017). في هولندا ، انخفض نصيب حزب العمل من الأصوات من 24.8٪ في الانتخابات العامة لعام 2012 إلى 5.7٪ فقط في عام 2017 ، مما قلص تمثيله البرلماني من 38 مقعدًا إلى 9. حصل حزب الديمقراطيون الاجتماعيون التشيكيون على ما يقرب من ثلث التصويت الشعبي في عام 2006 ، و انهار في انتخابات عام 2017 ، حيث فاز فقط بنسبة 7.3٪ من الأصوات الشعبية و 15 مقعدًا في البرلمان ، بانخفاض عن 50 مقعداً عام 2013. وفي إيطاليا ، انخفض دعم الحزب الديمقراطي إلى 19٪ فقط ، الزعيم ، رئيس الوزراء السابق ماتيو رينزي ، شعر بأنه مضطر إلى الاستقالة. حتى في الدول الاسكندنافية ، التي كانت لفترة طويلة حصناً للديمقراطية الاجتماعية ، فإن أحزاب يسار الوسط التي كانت مهيمنةً في يوم من الأيام في تراجع ، والأحزاب القومية ذات النزعات القومية تنمو.

تحت الضغط ، شعرت أحزاب يمين الوسط بأنها مضطرة للتكيف من خلال التحول نحو السياسات الشعوبية والخطابة. خلال الانتخابات الهولندية عام 2017 ، انتقد رئيس الوزراء من اليمين الوسط مارك روتا المهاجرين الذين "لا يريدون التكيف ، ومهاجمة عاداتنا ورفض قيمنا ، الذين يهاجمون مثلي الجنس ، الذين يصرخون على النساء ذوي التنانير القصيرة" ، و أوصل للناس الهولنديين العاديين رسالته الفظة: "التصرف بشكل طبيعي أو الابتعاد". لقد تبنى التحالف الذي شكله بعد الانتخابات السياسات ذات التأثير الشعبوي على الهجرة والهوية الوطنية. تغييرات مماثلة واضحة بين أحزاب يمين الوسط في الدول الاسكندنافية. وفي إيطاليا ، تعهد سيلفيو بيرلوسكوني ، الذي تعهد في وقت مبكر من حملة 2018 بأن يكون بمثابة توازن موازن لموقف رابطة الشمال الراديكالي المناهض للهجرة ، بإقرار ترحيل أكثر من 600،000 لاجئ وصلوا منذ عام 2015.

في ألمانيا ، أثار قرار المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في عام 2015 بفتح الأبواب أمام اللاجئين من سوريا ومناطق أخرى أزمة داخل الاتحاد الأوروبي ونتج عنه صعود الحركة المضادة للمهاجرين. وبررت قرارها بمصطلحات مبدئية على خلفية تاريخ ألمانيا. لكن بعد الانتخابات الكارثية التي جرت في سبتمبر / أيلول 2017 ، والتي أضعفت اتحاد الاتحاد الديمقراطي المسيحي / اتحاد المسيحيين المسيحيين بزعامة ميركل ، دعا اتفاق الائتلاف الجديد بين الاتحاد الديمقراطي المسيحي / الاتحاد الاجتماعي المسيحي والديمقراطيين الاجتماعيين إلى إدارة الهجرة والحد منها لمنع التكرار من تدفق اللاجئين في عام 2015 ، الحد من عدد أفراد الأسرة الذين سيسمح لهم بالانضمام إلى المهاجرين الذين يعيشون في ألمانيا دون وضع اللاجئ الكامل ، وتعزيز الجهود الرامية إلى دمج المهاجرين في الحياة العامة الألمانية.

كثفت الحكومات الشعبوية في المجر وبولندا جهودها لإضعاف المؤسسات الليبرالية الأساسية مثل الصحافة الحرة ، والمجتمع المدني المستقل ، والمحاكم الدستورية. فالأغلبية في كلا البلدين تقوم على نحو متزايد بتعريف هويتهم الوطنية على أساس عرقي وديني استبعادي ، كما أن معاداة السامية في ازدياد. مع الخطاب والتصوير الذي يذكرنا بالثلاثينات من القرن الماضي ، انتقد الممثل الهولندي فيكتور أوربان الممول اليهودي المجري جورج سوروس كمهندس لأزمة اللاجئين الأوروبيين. بعد أن جُرّمت بولندا النقاش العام حول دورها في المحرقة ، وصف رئيس الوزراء البولندي بعض اليهود على أنهم متعاونون في تدمير يهود أوروبا.

ولأن اعتناق الرئيس فلاديمير بوتين للقومية العرقية والتقليدية الدينية أثبت أنه جذاب للحركات الشعوبية ، فإن صعودها عزز النفوذ الروسي في جميع أنحاء أوروبا. إنه يقدم نموذجًا جذابًا للوطنية المتجددة والاعتذارية والثقة الوطنية. لقد أظهر أنه عندما لا تكون الديمقراطية الليبرالية متجذرة بعمق ، فإن فشل الحكم الديمقراطي يمكن أن يفتح الباب أمام الاستبداد الذي يحظى بتأييد واسع النطاق ، على الرغم من تآكل الحريات الفردية وسيادة القانون.

إذا كانت هنغاريا وبولندا تتحولان إلى مصارعة لمصير أوروبا ، فإنها تعتمد على حكمة ومهارة قادتها السياسيين في السنوات المقبلة. وهذا يعني ، على وجه الخصوص ، اعتماد سياسات الهجرة واللاجئين التي يمكن لشعوب أوروبا العيش معها. هذه السياسات لن تصل إلى المثل العليا التي تطرقت إليها أنجيلا ميركل في عام 2015 ، لكنها ستزيد من احتمالات أن الديمقراطية الليبرالية يمكن أن تقاوم التآكل المستمر من الداخل.
------------------------------------------------------------------------------------------------

فيسبوكيات:
من صفحة خالد الحريري
بقلم الدكتور حيدر ابراهيم(شيوعي سوداني):

يقولون لك أنت شيوعى.. و كيف عرفتم ذلك ؟؟
يقولون لك أن للشيوعيين أمارات تدل عليهم لايخطئها العقل السليم : مثقفون .. مخلصون فى عملهم .. انسانيون بلا تكلفة اوتصنع.. قلوبهم رقيقة بلا مواقف مايعة.. أشداء بلا شراسة .. بسطاء ومفرطون فى الطيبة بلا سذاجة .. لايدعون احتكار الحقيقة.. مثاليون فى الاخلاق .. وواقعيون فى التفكير.. يعملون بعيدا عن الاضواء دون منة .... يحاورون بالكلام الطيب بعيدا عن استعراض العضلات.. يرون فى المرأة انسانا كاملا غير منقوص ..
أياديهم نظيفة.. عفيفون .. يحبون الفقراء ويكرهون الفقر.. يتبسطون مع الجاهل ويحاربون الجهل.. أمميون مع وطنية صادقة.. صادقون بلا رياء .. يحبون ويعشقون الجمال بلا ابتذال .. يجمعون بين السياسة وسمو الاخلاق.. تعاف نفوسهم المنافع الضيقة.. لا تضيق صدورهم عند ما تمتد يد جاهلة ظلامية لتمزق شعارا او منشورا لهم ملصقا على عمود او مكتوبا على حائط.. لا ينطلقون من عذاباتهم الخاصة فهم ليسوا أسرى عقد نفسية مريضة مزمنة تاكل القلوب وتضيع الطريق... خير من عرف حركة التاريخ وفسرها.. بعيدون عن العدمية والتحجر.. يحترمون العقل والعلم.. غير منكفئين على ماض غابر بل يستخرجون من تراثهم وتراث الانسانية الشذرات المضيئة.. هم كطاير الفينيق كلما احترقوا ولدوا من رمادهم ثانية اكثر عددا واشد قوة واصلب عودا .
ذلك هو قاموسهم السياسى والاخلاقى.. ألم أقل أن أخلاقهم تدل عليهم.
------------------------------------
سلامة كيلة....وداعاً...
توفي بيوم 2تشرين أول 2018في عمًان المفكر والسياسي الفلسطيني- العربي سلامة كيلة ...

سلامة كيلة من مواليد مدينة بيرزيت بفلسطين عام1955.نال بكالوريوس العلوم السياسية من جامعة بغداد عام1979.انتقل للإقامة في دمشق منذ أواسط الثمانينيات.أقام علاقات ،بحكم ميوله الماركسية،مع الحزب الشيوعي السوري- المكتب السياسي ومع حزب العمل الشيوعي في سوريا ،وحاول الجمع بين الحزبين ،وكان هناك ،بمبادرة منه ، مشروع لتـأسيس مجلة لليسار الماركسي في سوريا،ولكنه اعتقل عام1992قبل أن ترى المجلة النور.أمضى ثماني سنوات في السجن حتى عام2000متنقلاً بين سجني عدرا وتدمر. في يوم الجمعة 20نيسان2007تم ببيت سلامة كيلة،قرب مستشفى حاميش ببرزة،التوقيع على الوثيقة التأسيسية ل(تجمع اليسار الماركسي- تيم)،بعد أن كان مشاركاً نشطاً في الحوارات التي سبقت لمدة عام ونصف تأسيس (تيم). شارك في انطلاق جريدة "طريق اليسار" ومجلة "جدل"الصادرتان عن (تجمع اليسار الماركسي- تيم). في عام 2012تم اعتقال سلامة كيلة وتعذيبه رغم إصابته بالسرطان ثم تم ابعاده من الأراضي السورية.
كان سلامة كيلة من المناضلين الماركسيين الذين يؤمنون بالمزج بين الماركسية والعروبة،وكان ضد الطبعة السوفياتية للماركسية .كان لطيفاً في العلاقات الشخصية والاجتماعية وشرساً- عنيداً في القضايا الفكرية والسياسية.كانت فلسطين بوصلته في كل القضايا وكانت مواقفه من الحركات السياسية والمفكرين والمثقفين تقاس عبر المسطرة الفلسطينية.كان صلباً في السجن،وكان مثالاً للمفكر- المثقف الذي يرى السياسة ممراً اجبارياً لتحقيق مايؤمن به في الفكر والثقافة.
--------------------------------------------------------------------------
نص لسلامة كيلة كتبه عام2012

الرفيق العزيز
تحيات وآسف للتأخير في الرد،
قبل نقاش ما طرحت حول برنامج ائتلاف اليسار السوري، أود أن أبدي بعض الملاحظات،
أولاً أن البرنامج طرح لتوحيد مجموعات صغيرة اتفقت على النشاط المشترك في الثورة، وبالتالي كان يراعي ما يضبط هذا التوافق، خصوصاً أن المجموعات أتت من منابع مختلفة، ولديها اختلافات في المصطلحات والتصورات، لكن قررت أن تتوافق على العمل المشترك خلال الثورة فقط، الأمر الذي يعني ان أمر تشكيل حزب لم يكن مطروحاً بينها، وكانت مراهنتي على أن يصهر النشاط المشترك هذه المجموعات بما يسمح بأن يفضي إلى بناء حزب.
ثانياً أن البرنامج طرح في خضم ثورة قائمة، ولهذا يحاول أن يركز على آليات تطويرها، وتحديد الخطوط الأولية لبرنامج لها، خصوصاً هنا بالتركيز على الوضع المعيشي والقضايا المطلبية التي تخص فئات شعبية واسعة، في ظل ميل جارف لدى المعارضة للتركيز على الديمقراطية والحرية.
ثالثاً إذا كنت أشرت إلى إنجلز في تحديده لبرنامج حزب ماركسي، فإن البرنامج كمطالب وأهداف لا يتجاوز الصفحتين أصلاً، ولهذا كنا تعمل على تعميم المطالب وحدها دون التحليل الذي كان هدفه توحيد رؤى تلك المجموعات عبر توضيح الواقع المؤسس لطرحها.
بالتالي فإن نقدك لـ "الشروحات" التي وصلت عبرها إلى الإشارة إلى الـ "أستاذية"، ليس في محله، لأن الهدف منه هو توحيد رؤى مجموعات حول أوليات تخص فهم الواقع الذي أنتج الثورة، ولماذا نركز على ليس فقط الحرية والديمقراطية بل على البطالة والفقر والتهميش، هذه المسائل التي تطال الأغلبية المجتمعية. بمعنى أنها الأوليات التي تسمح بتوحيد الماركسيين في الائتلاف، وتؤسس لتوافقهم. وهي مختصرة ومركزة كذلك. وإنجلز حين أشار إلى البرنامج لم يتجاهل أن الحزب يجب ان يمتلك الرؤى والتصورات والفهم العام للواقع، وبالتالي على ضوء ذلك كان يعتقد بأن برنامج الحزب يجب أن يكون مختصراً (ولقد ذكرت الأمر في نقد برامج الأحزاب التي تقدم توصيفاً سياسياً معتبرة ذلك رؤية أيديولوجية وبرنامج ونظرية).
إن مشكلة "التجميع" في الثورة تفرض وضع رؤى وتصورات لكي تحكم توافق الائتلاف، لكن كان يجب أن تكون مختصرة. هذا ما اعتقدنا أنه ضروري.
الآن، ليس الأمر متعلقاً بالخجل "من المهمات التي تفرضها علينا مبادئنا"، وليس كذلك أننا "نستحي من مبادئنا ونداري في طرح أهدافنا وبرامجنا". يتعلق الأمر بخلاف في الفهم كما أظن، حيث أن ما يحدد الأهداف والبرامج هو ليس "المبادئ" بل الواقع. فليس ربط الاشتراكية بالماركسية يعني أن ما يجب أن يطرحه الماركسيون هو الاشتراكية وليس "ما هو أقل"، هذا هو الأفق الذي يسعى الماركسيون إلى تحقيقه لكن تحقُّقه يرتبط بالظروف الواقعية بالتحديد، وهذا يفرض "التحليل الملموس للواقع الملموس" كما قال لينين. وهو ما دفع لينين سنة 1905 إلى طرح هدف "دكتاتورية العمال والفلاحين الفقراء" عكس تروتسكي الذي تمسك بشعار "دكتاتورية البروليتاريا". وبالتالي يمكن طرح "ما هو أقل" من "الدكتاتورية الديمقراطية للعمال والفلاحين" حين يكون الواقع في وضعية تفرض ذلك. هنا يجب أن تعرف الطريق الموصل بين الواقع و"المبدأ"، وليس فرض "المبدأ" على الواقع. لهذا يجب أن ننطلق من الواقع السورين ومن الواقع في لحظة الثورة، الثورة التي ليس للماركسيين دور فاعل فيها، لأنهم أفراد أولاً، ولأن علاقتهم بالعمال والفلاحين الفقراء معدومة ثانياً. وبالتالي أن نلمس "ميزان القوى الطبقي" في الثورة لكي نستطيع تحديد الشعار الضروري. بالضبط كما فعل لينين سنة 1905 حين لمس بأن الطابع الفلاحي هو المسيطر، وأن دور العمال ضعيف فيها، ولهذا وجد أنه من الضروري الربط بين العمال والفلاحين في ثورة فلاحية بالأساس. وهو الأمر الذي دفعه إلى طرح شعار "دكتاتورية العمال والفلاحين" متجاوزاً "المبادئ"، ومختلفاً مع المناشفة الذين رؤوا في الثورة كثورة برجوازية خالصة، ومع تروتسكي الذي رفع شعار "دكتاتورية البروليتاريا". لكن هذا الشعار اللينيني لا يصبح "من المبادئ" لأن لينين طرحه، فلينين ذاته تجاوزه سنة 1917، وفسّر ذلك بوضوح، حيث أشار إلى أن "ميزان القوى الطبقي" قد تغيّر أصبحت الطبقة العاملة هي رأس الحربة في الثورة. وهو ما دفعه لطرح هدف استلام البروليتاريا السلطة.
لهذا يجب أن ندرس جيداً "ميزان القوى الطبقي" في الثورة حين نسعى لتقديم شعار يعبّر عن الثورة. ولقد كان واضحاً "غياب" دور العمال كطبقة، وتركّز الدور في الفلاحين والفئات المهمشة والفئات الوسطى المدينية. القطاع الفاعل من الفئات الوسطى يريد الحرية والديمقراطية، وباقي الطبقات والفئات تريد العيش (العمل والأجر). وكانت الثورة حراك شعبي عام، غير مفروز طبقياً، ودون مطالب واضحة غير الحرية، الشعار الذي أطلقه شباب من الفئات الوسطى. كل ذلك كان يفرض طرح الشعار الذي يوحد كل هؤلاء، ولكن التركيز على تجاوز منطق الفئات الوسطى (والمعارضة) التي أرادت حصر الثورة في: الحرية، من خلال طرح مطالب "الطبقات الشعبية"، التعبير الذي يعني تحالف كل المفقرين من العمال والفلاحين الفقراء والمتوسطين وجزء من الفئات الوسطى المدينية المفقرة. بهدف إعطاء طابع طبقي للثورة، ودفعها لتجاوز النمط الاقتصادي القائم، الذي هو نمط رأسمالي تابع ومافياوي وريعي، لمصلحة نمط منتج. هنا يصبح ضرورياً فرض سلطة الطبقات الشعبية التي لا تتحقق مطالبها دون تغيير النمط الاقتصادي من نمط ريعي إلى نمط منتج. وهذه خطوة مهمة نحو تجاوز الرأسمالية ذاتها، حيث ليس من نمط منتج في الأطراف في ظل سيادة الرأسمالية كطبقة مسيطرة.
هذا هو أساس التصور الذي طُرح في البرنامج، حيث يؤكد انها "ثورة الطبقات الشعبية، وإنْ لم تتخذ طابعاً طبقياً واضحاً بعد"، ويؤكد على أن تصبح "هي القوة الحاكمة"، وأن علينا كائتلاف "التعبير عن العمال والفلاحين الفقراء"، وأن البرنامج يطرح "المطالب الأساسية التي هي الحد الأدنى الآن"، حيث أننا "لا نرى بأن موعد الثورة الاشتراكية قد حان، بل نرى بأن تحقيق المطالب الشعبية الآن هو الذي سيفتح الأفق للوصول إلى الاشتراكية بقوة ونشاط العمال والفلاحين الفقراء وكل المفقرين الذين هم قوة الثورة الراهنة". وفي كل ذلك تحديد للهدف الراهن خلال الثورة، والهدف الضروري لتحقيق التطور المجتمعي الذي يفتح الأفق للانتقال إلى الاشتراكية، وتحديد لقيادة العمال والفلاحين الفقراء للتحقيق الأهداف والانتقال إلى الاشتراكية، أما الآن فلا ندعي أانا قادرون على ذلك بالضبط لغياب الحزب، وبالتالي لغياب الفاعلية المجتمعية للائتلاف التي تسمح بذلك.
هنا يظهر أن الأمر لا يتعلق بخجل بل برؤية أخرى. هذا ما يظهر حين نقاش الأفكار التي طرحتها، مع ملاحظة أن الإجابة على الأسئلة التي طرحتها كانت ستوسّع في البرنامج بدل تقليصه.
أولاً مسألة الالتصاق بالطبقة أو قيادتها
حين أشرنا إلى الالتصاق بالطبقات الشعبية والدفاع عنها كنا متقصدين عدم الإشارة إلى قيادتها لأن الأمر لا يتعلق بقيادة الطبقة العاملة، أعتقد أن هذه فكرة خاطئة، وتقيم التمييز بين الحزب والطبقة، وتجعل "الصراع السياسي" بديلاً للصراع الطبقي. فالحزب هو الطبقة منظمة، حيث أن الطبقة هي التي تخوض الصراع الطبقي، وبالتالي تكون مهمة الحزب هو تنظيم الطبقة وتطوير وعيها ودفعها لكي تتقدم في صراعها ضد الرأسمالية. ولتحقيق ذلك علينا كماركسيين أن ننخرط في صراع الطبقة، وان نندمج فيها، للدفاع عنها وتطوير آلياتها ووعيها.
هنا لا بد من تغيير النظر لمعنى الحزب ولدور الماركسيين من كونهم "طليعة" إلى كونهم "دينامو" تنظيم وتطوير وعي الطبقة لكي تخوض صراعها على ضوء رؤية ووعي وفي بنى منظمة. ليس الحزب طليعة أو بديلاً عن الطبقة، وبالتالي هو ليس قيادة لها، هو هي منظمة وذات رؤية وبرنامج. الطبقة هي التي تقود الطبقات المفقرة الأخرى، وهي التي تستولي على السلطة وليس الحزب كما يُطرح، والذي يبدو منفصلاً عنها، هو في الأمام يقودها. هذا الأمر هو الذي فرض الإشارة إلى الالتصاق بها والدفاع عنها من قبل الماركسيين، لأنهم "أقلية" من الفئات الوسطى التي فهمت الماركسية وتمثّلتها، والتي تمتلك خبرات في التنظيم والتحريض وإدارة الصراع، والذين ينخرطون وسط الطبقة لكي تنتظم ويتطور وعيها. والحزب هو نتاج هذه العملية. وعبرها تكتسب وعيها الطبقي، والوعي هنا لا "يصدر" بل يُدخل عبر انخراط الماركسيين وسط الطبقة. هذا هو التركيب الجدلي للوعي والطبقة.
ثانياً حول دكتاتورية البروليتاريا
حين طُرح شعار دكتاتورية البروليتاريا كانت البرجوازية دكتاتورية، وحتى حينما طرح لينين دكتاتورية العمال والفلاحين كانت روسيا دكتاتورية، والبرجوازية كانت لا زالت دكتاتورية. لهذا طرح ماركس دكتاتورية الأغلبية ضد دكتاتورية الأقلية. الان الأقلية ديمقراطية وبالتالي ستبدو الدكتاتورية من الماضي، ولأن الأمر يتعلق بتأسيس سلطة ديمقراطية وليس دكتاتورية (إلا ضد البرجوازية كما أشار ماركس) فإن ما يجب ان يُطرح الآن هو ديمقراطية الأغلبية ضد ديمقراطية الأقلية. لهذا تطرح مسألة استيلاء الطبقة العاملة على السلطة لبناء نظامها الطبقي.
لكن، ليس الآن ما دمنا لا نرى إمكانية تحقيق الاشتراكية الآن. وما طرحه البرنامج هو الشكل الممكن خلال الثورة كما أشرت، لكن أيضاً لا بد من فهم طبيعة الثورة بمعناها العام، أي ليس في لحظة الثورة الجارية الآن بل ما هي طبيعة المهمات المطروحة في الواقع قبل الثورة وبعدها. هنا ننتقل إلى تحديد تصور "أكثر مبدئية"، أي لا يتعلق بما هو راهن الآن خلال الثورة القائمة بل كتصور للتغيير الممكن في بلد طرفي يعاني من نقص التطور. ربما هذا يعيد بشكل ما للنقاش الذي جرى بين لينين والمناشفة (وبشكل عابر مع تروتسكي)، حيث لم يكن لينين يرى بأن الثورة هي اشتراكية لضعف التطور الرأسمالي في روسيا، لكنه لم يعتقد بنظرية المراحل الخمس التي كانت تحكم الأممية الثانية، والتي كانت "تفرض الانتقال إلى الرأسمالية" عبر انتصار البرجوازية قبل طرح الاشتراكية كبديل، ولهذا ميّز بين المهمات التي يطرحها الواقع، وهي مهمات ديمقراطية، وبين الطبقة التي تحقق هذه المهمات، التي كانت البرجوازية قد حققتها في البلدان الرأسمالية، وانطبع في ذهن الأممية الثانية ضرورة تكرار المسار ذاته. وبالتالي اعتبر أن العمال والفلاحين الفقراء باتوا هم المعنيين بتحقيق المهمات الديمقراطية (أو الثورة الديمقراطية). ولهذا طرح شعار دكتاتورية العمال والفلاحين خلال ثورة سنة 1905، وطرح بعد ثورة شباط/ فبراير سنة 1917 شعار دكتاتورية البروليتاريا، لكن ليس لتحقيق الاشتراكية بل إنجاز المهمات الديمقراطية (لينين "موضوعات نيسان"). هذا هو التحليل المركب الذي يشير إلى ضرورة تحقيق مهمات لا يمكن أن يتحقق التطور دون تحقيقها، لكن وفق منظور طبقي مختلف عما تحققت به، أي بقيادة العمال والفلاحين الفقراء.
الأطراف لم تحقق التطور الرأسمالي، أي بناء الصناعة ومكننة الزراعة وتحديث التعليم والمؤسسات، وبالتالي لم تصبح رأسمالية إلا من حيث "العلاقات"، أي بغياب قوى الانتاج التي تؤسس لنشوء التطور الرأسمالي. ولهذا تظل فكرة لينين "راهنة"، حيث ليس من الممكن تحقيق الاشتراكية في مجتمع يفتقد القوى المنتجة، لكن الرأسمالية تكيفت عبر ترابطها بالرأسمال الإمبريالي مع وضعية لا تفترض وجود قوى إنتاج. ولهذا يفترض التطور انتصار طبقة أخرى. هذا التحليل "المبدئي" مبني على فهم أن تطوير القوى المنتجة يفترض تجاوز الرأسمالية، لأن الرأسمالية تقف حاجزاً دون تحقيقها نتيجة ارتباط مصالحها بمصالح الرأسمال الإمبريالي الذي يريد أسواقاً وليس قوى منتجة. لهذا يكون من الحاسم قيادة العمال والفلاحين الفقراء للثورة، واستلامها السلطة.
لكن يجب التمييز بين هذا التصور "المبدئي" والهدف الذي يمكن أن يُطرح في الواقع، بالضبط لأن الهدف يرتبط بـ "ميزان القوى الطبقي". هذا ما جعل لينين يطرح شعار دكتاتورية العمال والفلاحين سنة 1905، ومن ثم شعار دكتاتورية البروليتاريا سنة 1917. الفارق هنا تصاعد دور العمال، وتبلورهم كطبقة منظمة قادرة أن تقود الفلاحين، بينما لم يكن الأمر كذلك سنة 1905 حيث كان الطابع الفلاحي هو المهيمن في الثورة.
من ثم، إذا تجاوزنا مصطلح الدكتاتورية، فإن ما يطرح في الثورة السورية هو سلطة الأغلبية التي تخوض الصراع دون طابع طبقي واضح، وبما يتضمن مطالبها جميعاً. على أمل المقدرة على تطوير فاعلية العمال والفلاحين الفقراء لكي يكونوا قادرين على قيادة الطبقات المفقرة واستلام السلطة. هذا ما يفرض بناء الحزب المعبّر عن العمال والفلاحين الفقراء، وتطوير دورهم في الثورة لكي يصبحوا هم قيادتها. خصوصاً هنا أن الثورة مستمرة حتى وإنْ تحقق حل الآن، وأن مسارها مرتبط بتحقيق التغيير الذي يحقق مطالب الطبقات الشعبية، وهذا ليس ممكناً إلا بانتصار العمال والفلاحين الفقراء. لهذا حين تطرح هدف سلطة الطبقات الشعبية الآن، نطرح السؤال كيف يمكن أن يتطور دور العمال والفلاحين الفقراء فيها لكي يصبحوا هم قيادتها.
هنا نحن نتعامل مع تكتيك عملي ورؤية "مبدئية"، لكن أيضاً مع صيرورة يجب أن تسير في سياق يؤسس الحزب المعبر عن العمال والفلاحين الفقراء، وان يستطيع أن ينظمهم ويطور فاعليتهم لكي يصبحوا هم قيادة الثورة.
ثالثاً المبادئ والدولة العلمانية الديمقراطية
في النقاش اعتبرت أن الكلام عن "المدنية والديمقراطية والعلمانية والبرلمانية" كلام تضليلي، لكن قبل الكلام عن الطابع الطبقي للدولة التي نريد تأسيسها، ما هي طبيعة الدولة كبنية ومؤسسات؟ هل نريدها أن تكون ديمقراطية وعلمانية (بالتالي مدنية) أم أننا نريدها دكتاتورية؟
الماركسية ورثت أفكار التنوير ولم تنفها، لكنها تقدمت خطوة جديدة بالانتقال من الشكل إلى المضمون، من المساواة الحقوقية السياسية إلى المساواة المجتمعية عبر إلغاء الملكية الخاصة، لكن لم يلغ ذلك تضمنها العلمنة والدمقرطة. والأمر أكثر تعقيداً فيما يتعلق بتطور الوعي المجتمعي والمجتمع عموماً، لهذا كان لينين يقول بعد ثورة أكتوبر ان طموحه يتمثل في "إدخال الحضارة الأوروبية" إلى روسيا التي كانت لازالت إقطاعية قروسطية. وبالتالي فإن غعادة بناء الوعي المجتمعي على أساس القيم الحديثة أمر حاسم في مسار التطور للوصول إلى الاشتراكية، كما أن علمنة الدولة ودمقرطتها أمر حاسم كذلك في هذا السياق. هذه ليست مفاهيم برجوازية وإنْ كانت نتاج مفكرين برجوازيين، بل هي تطور في الوعي المجتمعي مترافق مع انتصار العصر الصناعي، وليس البرجوازية فحسب. وبالتالي إذا كنا نتجاوز البرجوازية فليس من الممكن أن نتجاوز هذه المفاهيم والبنى التي تنتجها. لا بد لنا من أن نتجاوز اعتبار هذه المفاهيم والقيم كمفاهيم وقيم برجوازية، ومن ثم أن نعتقد أن علينا تجاوزها. هذه منجز حضاري ليس من الممكن تجاوزه إلا إذا أردنا تأسيس دكتاتورية استبدادية كما فعل ستالين (رغم أن البنية التي تشكلت تحت سلطته هي نتاج وضع روسيا القروسطي وليس من فعله الذاتي، الذي كان ربما متوافقاً مع هذا الوضع).
ما نسعى إليه هو ليس فقط حكم طبقة بل حكمها الديمقراطي في مجتمع يتضمن الأفكار التي تراكمت منذ عصر النهضة، والقيم التي ارتبطت بالبرجوازية رغم أنها قيم مجتمعية. بالتالي لا نريد أن نعيد إنتاج سلطة القرون الوسطى تحت مسمى الاشتراكية، بل نريد تجاوز القرون الوسطى. وهذا التجاوز يفرض أن يتعمم في الوعي المجتمعي قيم الحداثة، وأن تنطلق الدولة التي تقيمها الطبقة العاملة من القيم والمبادئ التي تحققت بعد نشوء الصناعة وتشكّل المجتمع الحديث. وأن نعرف الزوايا التي يجب تجاوزها، والزوايا التي يجب تضمنها في بنية أرقى.
هل تحقيق هذه الأفكار يعني سيادة البرجوازية؟ لا، ولا السماح لها بأن تعيد وجودها الواقعي، حين نصبح على أعتاب الاشتراكية، أو حتى قبل ذلك. فهذه قيم مجتمعية عامة ترتبط بالتطور التاريخي الذي أسسه نشوء الصناعة. لهذا يجب أن تكون الدولة التي تؤسسها الطبقة العاملة علمانية وديمقراطية، فحتى الدكتاتورية التي أشار إليها ماركس تحددت في مواجهة البرجوازية فقط، حيث تسود الديمقراطية لدى الأغلبية المجتمعية. وماركس لم ينف العلمنة بل أكد عليها.
يبقى أمر البرلمانية، ما هو الشكل المناسب لتعبير الشعب عن مواقفه ورأيه، وفي اختيار ممثليه في الدولة؟ هل من شكل غير التعددية والانتخابات والبرلمان؟ هذا أمر يحتاج إلى نقاش لأن ما طُرح في الماركسية "ضعيف"، بالضبط لأنه طُرح في مرحلة دكتاتورية البرجوازية، وحيث كان مطلب الاشتراكيين (وماركس منهم) هو حق الانتخاب، وحرية الصحافة والأحزاب وغيرها. لكن حين حققتها البرجوازية لا يكون البديل هو التراجع عنها بل تجاوزها، وفي الماركسية التجاوز يفترض التضمن وليس الشطب.
رابعاً ما هو الطابع الطبقي للدولة؟
الآن هي دولة الطبقات الشعبية، كل المفقرين الذين يقاتلون الرأسمالية المسيطرة، وهذا واضح في البرنامج، فـ "المطلوب هو نظام ديمقراطي يعبّر عن مصالح الطبقات الشعبية بالتحديد". هنا الدولة محكومة لمصالح وسلطة الطبقات الشعبية. لكن في سياق صيرورة الثورة يجب أن يتحدد الوضع الطبقي بشكل أدق، حيث يجب زيادة دور العمال والفلاحين الفقراء لكي يصبحوا هم قيادة الثورة، وبالتالي أن يستلموا السلطة في إطار تحالف طبقي يمثل الطبقات الشعبية. وهذه الدولة يجب أن تكون ديمقراطية وعلمانية بالضرورة، وإذا كان هناك تخوّف من دور البرجوازية يمكن أن يحدد الدستور الأسس التي تشل دور البرجوازية، وتمنع طموحها للسيطرة على السلطة، لكن لا يجب إلغاء ديمقراطية الأغلبية، أو الديمقراطية التي تحكم العلاقة بين الطبقات الشعبية.
أعود إلى شعار لينين الذي طرحه سنة 1905، أي شعار "الدكتاتورية الديمقراطية للعمال والفلاحين"، وهو الشعار الذي فرضه ميزان القوى الطبقي في ثورة سنة 1905، حيث كان الفلاحون هم أساس الثورة وليس العمال، لكن لينين حاول الربط بين طموح الفلاحين ومطامح العمال لإيجاد الصلة بينهما في الصراع التالي. وكان يعتقد أنه إذا نجحت الثورة فإن الفلاحين هم من سيحكم، وبالتالي يمكن أن يؤدي ذلك إلى تحقيق تطور رأسمالي يمكن أن يكون مفيداً في صيرورة تطور روسيا. ولينين كان ينطلق من أن البرجوازية عاجزة عن تحقيق التطور وأن على العمال والفلاحين الفقراء شل تردد البرجوازية الصغيرة وقيادة الثورة نحو الانتصار، ومن ثم كان ينطلق أصلاً من أن التطور بات مرتبطاً بدور العمال والفلاحين الفقراء، وهو المنظور "المبدئي" الذي حكمه منذ نهاية القرن التاسع عشر. لكن ميزان القوى الطبقي في الثورة حينها جعله يطرح الشعار سابق الذكر لأنه لا يتمسك بـ "المبادئ" في واقع لا يحتملها، بل يطرح ما يحتمله الواقع. وميزان القوى في ثورة سنة 1905 كان يغلِّب دور الفلاحين. وحتى بعد ثورة شباط سنة 1917 لم يطرح لينين الثورة الاشتراكية، فالهدف ليس "تطبيق" الاشتراكية كما أشار في "موضوعات نيسان"، بل تحقيق المهمات الديمقراطية، رغم أنه أكد على ضرورة استيلاء البروليتاريا على السلطة، حيث كان قد تغيّر ميزان القوى الطبقي كما أشار في الرد على منتقديه لأنه تجاوز شعار دكتاتورية العمال والفلاحين.
لهذا حين نقول سلطة الطبقات الشعبية فلأن ميزان القوى الطبقي "في الثورة الراهنة" يشير إلى فاعلية الريف والفئات الوسطى المفقرة في المدن، ومن ثم العمال، وحتى فئات وسطى. والهدف ليس هو التأكيد على القطع مع سلطة الرأسمالية وليس لأن هذا الشعار سوف يصبح ممكن التحقيق، وبالتالي تطوير وعي الفئات المفقرة إلى ضرورة البديل عن سلطة الرأسمالية. بالضبط كما فعل لينين حينما رفع شعار دكتاتورية العمال والفلاحين، حيث كان يعرف أنه غير قابل للتحقيق حينها (لهذا وضع احتمال انتصار الفلاحين وتأسيس دولة رأسمالية)، لكنه كان يريد ربط الفلاحين بالعمال، وهذا ما نجح به.
يمكن القول أن طرح شعار الثورة الاشتراكية الآن هو أمر طفولي لأنه لا المهمات المطروحة ولا ميزان القوى الطبقي يفضيان إلى طرح هذا الشعار. وأيضاً فإن طرح شعار دكتاتورية العمال والفلاحين صحيحاً لأن الوضع الطبقي مختلف عما كان في روسيا التي كانت لا زالت إقطاعية حينها. وبالتأكيد ليس ممكناً قيام البرجوازية بالثورة لأنها هي الحاكمة في ظل النمط الاقتصادي القائم، والذي يستثير الثورة.
خامساً الثورة والإصلاح
تشير الملاحظات إلى أنه "ليس من الماركسية في شيئ أن نوجه محور نضالنا لصالح هذه المطالب الاقتصادية زالاجتماعية (الأسمدة والبطالة وأسعار المحروقات) بوصفها غايات، لأن هذه "نقابية" وليست ماركسية". ويؤكد على أنه إما أن تكون "أداتية للتحريض والدعاية في رص صفوف الجماهير من أجل الثورة الاشتراكية" أو تصبح "نقابية صرفة" إذا وُضعت خارج هذا السياق.
لكن السؤال الأدق يتمثل في: لماذا نريد تحقيق الاشتراكية؟ أليس من أجل حل هذه المشكلات التي يعيشها الشعب؟ هي لا تُطرح من أجل الدعاية والتحريض بل من أجل حلها، إلا إذا جعلنا الثورة الاشتراكية "جنة" فوق البشر، وليست نظاماً اقتصادياً سياسياً تحقق مطالبهم ويعبّر عن مصالحهم. كانت شعارات ثورة أكتوبر هي: الخبز، الأرض، السلام، هل كان لينين "نقابياً صرفاً"؟ لم يقل لينين أننا نريد الثورة الاشتراكية بل نريد الثورة من أجل هذه المطالب. هذا هو الفارق بين طرح المطالب وتبيان كيفية تحقيقها وبين التمسك بـ "المبادئ".
في البرنامج مستويان في تناول هذا الأمر، الأول يقول بأن هذه المطالب تتحقق فقط في ظل سلطة الطبقات الشعبية، وهو يجزم بأن البرجوازية لا تحققها على العكس هي التي أوجدت هذه المشكلات. والثاني يتمثل في طرح مطالب طبقات وفئات من أجل جذبها للثورة وانخراطها فيها، وهذا أمر كان ضرورياً (ولا زال) نتيجة ميل المعارضة حصر الأمر بالحرية التي هي مطلب جزء من الشعب بينما تتمثل مطالب الأغلبية في "مسألة العيش". وبالتالي كان تسريع انخراط فئات أوسع في الثورة يتطلب طرح مطالبها المباشرة.
لكن أصلاً أي برنامج يبدأ من المطالب المباشرة، ويضع السياق الذي تتحقق فيه هذه المطالب، أي ما يتعلق أي الطبقات التي يمكن أن تحققها؟ والإستراتيجية التي توصل إلى تحقيقها. هنا يجب طرح "ملموس" الطبقات الشعبية وليس "المبادئ" التي لا يعتقد هؤلاء أنها تلمس وضعهم. البدء هنا من الملموس وصولاً إلى "المجرّد" وليس العكس. فتنظيم الطبقة العاملة يفترض أن ينطلق من التفافها حول مطالبها، ونقلها عبر الممارسة إلى تلمس كيف يمكن أن تتحقق فعلياً وليس "تحفيظها" شعار الثورة الاشتراكية، بالضبط لأنها لا تفهم ذلك. لا تفهم شعارات لا تنطلق من مطلبها، من وضعها الحياتي، مشكلاتها اليومية. إن المنطق الحسي هو ما يحكم الطبقات الشعبية، وليس الفكر والأيديولوجية، فهذه هي مهمة الماركسي الذي عليه "إدخالها" لها، لكن لا يتحقق ذلك دون طرح مطالبها حتى بالمنظور النقابين فهذه خطوة أولى ضرورية من اجل ارتقاء الوعي من طابعة الحسي إلى طابعه "العالِم". الممارسة والتجربة هما ما يؤدي إلى ارتقاء الوعي لدى الطبقة بالتفاعل مع الوعي الماركسي الذي تُدخله مجموعات ماركسية.
أخشى على "ماركسيينا الشباب" أن يعودوا إلى "موضة السبعينات"، حيث ساد التمسك النصي بالماركسية، وحفظ الشعارات واعتبار أنها هي البرنامج الراهن، وبالتالي تجاهل المنهجية التي تأسست عليها، والتي شكلت نقلة نوعية في الفكر البشري. لا شك في الملاحظات صدى من ذلك.
النقطة الأخيرة تتعلق بالمسألة القومية، ولا شك أنني أتوافق مع أن هذه المسألة رئيسية وحاسمة، لهذا أشار البرنامج أننا "مع الترابط مع كل الثورات العربية من أجل استنهاض مشروع ثوري تحرري جديد في الوطن العربي، ينطلق من الاستقلال ويهدف إلى الوحدة وتحقيق التطور والحداثة في أفق تحقيق الاشتراكية". وهذا أمر أنطلق منه اصلاً، وأعمل من اجل. كل الود
____________________________



___________________



زوروا صفحتنا على الفايسبوك للاطلاع و الاقتراحات على الرابط التالي
http://www.facebook.com/1509678585952833- /الحزب-الشيوعي-السوري-المكتب-السياسي
موقع الحزب الشيوعي السوري- المكتب السياسي على الإنترنت:
www.scppb.org

موقع الحزب الشيوعي السوري-المكتب السياسي على (الحوار المتمدن):
www.ahewar.org/m.asp?i=9135










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إنسحاب وحدات الجيش الإسرائيلي وقصف مكثف لشمال القطاع | الأخب


.. صنّاع الشهرة - تيك توكر تطلب يد عريس ??.. وكيف تجني الأموال




.. إيران تتوعد بمحو إسرائيل وتدرس بدقة سيناريوهات المواجهة


.. بآلاف الجنود.. روسيا تحاول اقتحام منطقة استراتيجية شرق أوكرا




.. «حزب الله» يشن أعمق هجوم داخل إسرائيل.. هل تتطورالاشتباكات إ