الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ترامب وعرش الدم

عبدالرحمن مطر
كاتب وروائي، شاعر من سوريا

(Abdulrahman Matar)

2018 / 10 / 31
حقوق الانسان


ربما تكون نبوءة عالم الإجتماع البريطاني كريستوفر ديفيدسون، بشأن مستقبل منطقة الخليج قريبة من التحقق، على أرض مملكة آل سعود. المملكة التي نشأت من غبار، سوف تؤول مع أمير المنشار ولي عهد السعودية محمد بن سلمان، الى خراب، لكنه خراب يساهم أمراء آل سعود في الوصول إليه من خلال سياسات القمع والبطش والفساد والتسلط والإرهاب.
يرى ديفدسون في كتابه " آخر الشيوخ " أن الشعوب لا يمكن ان تصمت الى ما لا نهاية، ونحن نضيف أن محاولة واد الربيع العربي، والثورة السورية بشكل خاص، لن يُطفئ جمرة التغيير التي تستعر في قلوب الناس المقهورين. وتبدو رياح التغيير – وهي في مكمنها – أشد غلياناً، وستكون عاصفة جارفة، طالما ان الاستبداد يحاول ان ينشب اظفاره بعمق اكثر وبوحشية اشدّ، دالّتها اليوم اغتيال الخاشقجي، وسعي المجتمع الدولي لطيّ صفحة الجريمة، خاصة وان دونالد ترامب، يجهد لجعل محمد بن سلمان رسولاً للتغيير والبناء والسلام وأشياء اخرى.
في الواقع، يحتاج ترامب الى أن يُقنع نفسه بالرواية الملكية السعودية الركيكة التي صادق عليها بومبيو في الرياض، لإنقاذ قتلة جمال خاشقجي، من الإنكشاف أمام الرأي العام، بصورة أكبر قد تُعادل بشاعة الجريمة التي تم التخطيط المسبق لها، عن سابق الترصد كما يدلل عليها في التعبير القضائي. وترامب ليس من الغباء بحيث تنطلي عليه حكاية مفبركة. لكنه رجل أعمال، كل شئ لديه قابل للبيع والشراء، فدخل بثقله، ليمنحها ثقة، لا يمكن لأحد في العالم أن يأخذ بها، سوى أولئك الذين يريدون ذرّ الرماد في العيون، وإسدال الستار على الجريمة.
الأميركيون، يعرفون جيداً تلاعب ترامب وسمسرته، واستغلاله لكل شئ. ويحصون عليه كذباته، ويوثقونها، ليوم يُحاسب فيها. كانوا أقرب منّا الى جمال خاشقجي، وهم يعترضون على تصريحات ترامب، ويتهمونه بالتواطؤ مع السلطات التي أمرت بارتكاب جريمة تصفية كاتب وصحافي، على خلفية ممارسته لحقه في التعبير وإبداء آرائه. وبأن قاطن البيت الأبيض، يريد إغلاق الملف بأية صورة كانت، لأنه عجول على قبض ثمن المساومة، والموقف المنحاز الى جانب الاستبداد.
كان يمكن لواشنطن بالفعل ان تلعب دوراً فاعلاً في الكشف عن حقيقة الدوافع. ما حدث بات معروفاً منذ ساعات التغييب الأولى، وبأنه اغتيل، وكل التفاصيل الأخرى على أهميتها في إماطة اللثام عن أسلوب التصفية الجسدية والوسائل التي استخدمت، وما حملته التسريبات، كلها لتؤكد على أمر أساسي هو القتل. لكن الكشف عن الأسباب – من وجهة نظرنا – هي الأهم في هذه القضية، وموقف ترامب وتصريحاته حول مصداقية الرواية الملكية السعودية، هي لحرف الانتباه بعيداً عن أن الهدف هو تكميم الأفواه، منع الكتابة والقول.
الصحافة الامريكية ووسائل إعلام اخرى، هي التي جعلت من اختفاء خاشقجقي قضية عالمية، وأحرجت البيت الابيض بدرجة مؤثرة، وهي تواصل جهدها للمزيد من كشف الحقائق، بما في ذلك تواطؤ ترامب لتمرير الجريمة وتبييض صفحة القاتل، كما يتم تبييض الأموال القذرة. لكن كل ذلك مع الزمن سوف يبقي من قضية اغتيال صحافي وكاتب مرموق، علامة فارقة في السياسة الامريكية، مثلما أحدثت شرخاً كبيراً في ثقة المجتمعات العربية والسعودي، بصورة خاصة من آل سلمان بن سعود.
بالمقابل لعبت الصحافة الممولة سعودياً، دوراً كبيرا في تضليل الرأي العام على مدار ثلاثة أسابيع من الكذب والتلفيق، واستهداف دول وأجهزة إعلام وأفراد، واتهامهم باكذب والتزوير وغير ذلك، فيما الحقيقة مُدركة منذ لحظة التغييب، ليأتي بعدها تخبط من نوع آخر، وإرباك لا قرار له حتى في وصف القتلة المأجورين بين وفد تفاوض أو وفد تحقيق،حتى باركت واشنطن الرواية المهلهلة، وسط تأييد أعمى من ديكتاتوريات المنطقة.
يدّعي البيت الأبيض، أن قضية حقوق الإنسان وحرياته، هي واحدة من أهم اولويات انشغالاته، وجوهراً لسياساته الخارجية، هذا الإدعاء من حيث النصوص هو صحيح ونقرّ به. لكن تطبيقاته وآليات العمل فيه، ذات أوجه متعددة ومتلونه، مثل حيّة رقطاء تجدد جلدها. القول أنها تكيل بمكيالين هو تشبيه ضعيف عدا عن كونه مستهلكاً. في الغالب هي عصا، أداة تلويح بالعقاب والأجر، في تعامل البيت الأبيض مع حكومات العالم، ومنها العربية السعودية التي وصلت فيها درجة الطغيان الى حالة هيستيرية، لم تعد فيها قادرة على احتمال النقد، وعلى مناقشة حرة لسياساتها، وتجبرها وتسلطها على شعبها.
لم تقف إدارة ترامب حتى اليوم مع قضايا حقوق الانسان، بالصورة التي تحدّ فيها من الانتهاكات المستمرة والمتصاعدة، للحقوق والحريات، في اي مكان من العالم. سياساتها في هذا السياق موجهة لفرض أجندات البيت الابيض على الحكومات، بهدف تحقيق مصالح محددة، حتى وإن كانت تلك السياسات تنال من المبادئ والقيم الامريكية، أو انها تتناقض مع القوانين والأعراف الدولية. جاءت إدارة ترامب كي تمنح الطغاة في العالم دعماً غير محدود في ممارسة القمع والقهر ضد الشعوب، كان قتل الخاشقجي احد تجلياتها.
ما كان لحكم بن سلمان أن يقترف مثل هذه الجريمة، لو أنه لم يكن مطمئناً الى دعم الولايات المتحدة، إدارة ترامب بشكل خاص، الذي يتعهد بحماية عروش الدم، مقابل المال ولا شئ غيره.
التعويل اليوم هو على الرأي العام وصنّاعه، مثل الصحافة الأمريكية، التي أعلنت أنها لن تتوقف عن ملاحقة القتلة. نحن أيضاً يجب ان نستمر في النضال من اجل الحقوق والحريات، حق حرية التعبير مقدس، وحياة الإنسان مقدسة. وإذا ذهبنا باتجاه التسامح والنسيان، فإن رياح التصفية سوف تعصف بحقوقنا جميعا. العدالة مرةأخرى في وجه التآمر الدولي الكريهة لتسوية ملف خاشقجي، وتعويم القتلة أمثال بن سلمان وبشار الأسد وأشباههم من الطغاة الذين ينعمون بدعم الغرب، قوى المافيا الكبرى في العالم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بدور حسن باحثة في منظمة العفو الدولية: يستمر عقاب الفلسطينيي


.. تدهور الوضع الإنساني في غزة وسط تقارير بشأن عملية برية مرتقب




.. احتجاجات واعتقالات وشغب.. ماذا يحدث في الجامعات الأميركية؟


.. كابوس رواندا يؤرق المهاجرين.. بريطانيا تعدّ العدّة لترحليهم




.. برنامج الأغذية العالمي يحذر: غزة ستتجاوز عتبات المجاعة الثلا